Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السبيل إلى نهاية "حماس"

استراتيجية تقوم على ترك الحركة تهزم نفسها

"على رغم أن الهجوم العسكري الإسرائيلي كان مبرراً فإن الطريقة التيذ بها تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بمكانتها العالمية" (مات روتا)

ملخص

لمساعدة "حماس" في الانهيار الذاتي يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لإعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل للحركة وبإمكان تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً. وبدلاً من تنفيذ عقاب جماعي ينبغي لإسرائيل أن توضح أنها ترى فرقاً بين مقاتلي "حماس" والغالبية العظمى من سكان غزة، الذين لا علاقة لهم بالجماعة وهم أنفسهم ضحايا لحكمها البلطجي والعنف المتهور

استقرت الحرب في غزة على نمط من العنف وسفك الدماء والموت بالغ السوء يكاد يذهب بالعقل. والجميع يخسر، باستثناء "حماس". عندما اجتاحت إسرائيل القطاع في الخريف الماضي، كان هدفها العسكري المعلن هو تدمير الجماعة الإرهابية حتى لا تتمكن مرة أخرى من ارتكاب أعمال وحشية مثل تلك التي نفذتها خلال هجومها في السابع من أكتوبر (تشرين الأول). ولكن على رغم أن الحرب قتلت عشرات العناصر من مختلف المراتب من "حماس"، إلا أنها أدت أيضاً إلى زيادة الدعم للجماعة بشكل كبير بين الفلسطينيين وفي جميع أنحاء الشرق الأوسط وحتى على مستوى العالم. وعلى رغم أن الهجوم العسكري الإسرائيلي كان مبرراً فإن الطريقة التي نفذ بها تسببت في إلحاق أضرار جسيمة بمكانتها العالمية وفرضت ضغوطاً شديدة على علاقة إسرائيل مع الولايات المتحدة، شريكها الأكثر أهمية.

لقد أدى الرد العسكري الإسرائيلي الساحق والعشوائي إلى مقتل عشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، وغالبهم من النساء والأطفال، في وقت يعاني فيه الإسرائيليون الذين أخذوا رهائن في السابع من أكتوبر أو يموتون في سجون "حماس" و"الجهاد" وغيرهما من الجماعات الفلسطينية. ومن خلال الحد من تدفق المساعدات الإنسانية إلى غزة، خلقت إسرائيل ظروفاً قريبة من المجاعة في أجزاء من القطاع. وفي أواخر العام الماضي، قدمت جنوب أفريقيا بدعم لاحق من عشرات الدول الأخرى شكوى إلى محكمة العدل الدولية تتهم فيها إسرائيل بتنفيذ إبادة جماعية في غزة. وفي شهر مايو (أيار)، أوقفت إدارة بايدن بعض شحنات الأسلحة الأميركية إلى إسرائيل في إشارة إلى استيائها من الخطط الإسرائيلية لغزو مدينة رفح جنوب غزة، حيث لجأ أكثر من مليون مدني.

لقد كانت الحرب الإسرائيلية في غزة بمثابة كارثة استراتيجية

والأسوأ من ذلك، أنه على رغم ادعاءات إسرائيل بأنها قتلت آلافاً من مقاتلي "حماس" إلا أن هناك قليلاً من الأدلة التي تشير إلى أن قدرة الجماعة على تهديد إسرائيل تعرضت لانتكاسة كبيرة. بل وفي بعض النواحي، ساعد الرد الإسرائيلي "حماس"، إذ أظهر استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في مارس (آذار) 2024 أن نسبة التأييد لـ"حماس" بين سكان غزة تجاوزت 50 في المئة، أي بزيادة قدرها 14 نقطة منذ ديسمبر (كانون الأول) 2023. ومن المزعج أن نرى ذبح المدنيين الإسرائيليين – بما في ذلك الأطفال وكبار السن – يؤدي إلى ظهور تعاطف غير مباشر مع "حماس". وباعتبار الأخيرة حركة غير حكومية [لا تشكل ذراعاً لمؤسسات دولة] تستهدف المدنيين عن عمد بالعنف لتحقيق أهداف رمزية وسياسية، فإن "حماس" تستوفي جميع معايير اعتبارها منظمة إرهابية. وتتألف المجموعة من متطرفين عنيفين يخدمون مصالحهم الذاتية ويعطون الأولوية للكفاح المسلح على الحكم الفعال ورفاهية الفلسطينيين. ليس هناك شك في أن القضاء على "حماس" سيكون مفيداً للفلسطينيين، وإسرائيل والشرق الأوسط والولايات المتحدة.

ولكن رد الحكومة الإسرائيلية المميت للغاية على هجوم السابع من أكتوبر واللامبالاة الواضحة تجاه موت ومعاناة المدنيين الفلسطينيين، صب في مصلحة "حماس". وفي صفوف الجماهير التي تسعى الحركة إلى كسب ودها، بما في ذلك الفلسطينيون في غزة والضفة الغربية، والسكان العرب في جميع أنحاء المنطقة، والشباب في الغرب، تراجعت حدة مشاهد أحداث السابع من أكتوبر الشنيعة وحلت مكانها الصور التي تدعم رواية "حماس" حيث إسرائيل هي المعتدي الإجرامي والحركة الفلسطينية هي المدافعة عن الفلسطينيين الأبرياء.

وببساطة، على رغم بعض الانتصارات التكتيكية، فإن الحرب الإسرائيلية في غزة كانت بمثابة كارثة استراتيجية. ولكي تتمكن إسرائيل من إلحاق الهزيمة بـ"حماس" فإنها تحتاج إلى استراتيجية أفضل، استراتيجية مبنية على فهم أعمق للمسارات التي تنتهي بها الجماعات الإرهابية عموماً. ومن حسن الحظ أن التاريخ يقدم أدلة وافرة حول هذا الموضوع. على مدار عقود من البحث، قمت بتجميع مجموعة بيانات تضم 457 هجمة ومنظمة إرهابية، تعود لـ100 عام، وحددت ست طرق أساسية تنتهي بها الجماعات الإرهابية. هذه المسارات لا يستثني بعضها الآخر: ففي كثير من الأحيان، هناك أكثر من ديناميكية واحدة فاعلة في الوقت نفسه، وتلعب عوامل متعددة دوراً في القضاء على الجماعة الإرهابية. ولكن يتعين على إسرائيل أن تولي اهتماماً وثيقاً بطريق واحد على وجه الخصوص: الجماعات التي لا تنتهي بهزيمة عسكرية بل بفشل استراتيجي. منذ السابع من أكتوبر، تحاول إسرائيل سحق "حماس" أو قمعها وإزالتها من الوجود، ولكن من دون جدوى. تتمثل الاستراتيجية الأكثر ذكاء في معرفة كيفية تقليص دعم الجماعة والتعجيل بانهيارها.

انبعاث المقموعين

الطريق الأقل شيوعاً لنهاية أية منظمة إرهابية هو عبر تحقيقها لأهدافها المعلنة، أحد الأمثلة القليلة المعروفة هو "أومكهونتو ويه سيزويه" (أي "رمح الأمة") uMkhonto weSizwe، الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الأفريقي في جنوب أفريقيا، الذي نفذ هجمات على المدنيين في وقت مبكر من حملته لإنهاء نظام الفصل العنصري. وهناك منظمة أخرى هي منظمة "الإرغون"، الجماعة اليهودية المسلحة التي استخدمت الإرهاب في محاولة لدفع البريطانيين إلى الخروج من فلسطين وإجبار عدد من السكان العرب على الفرار والمساعدة في إرساء الأساس لإنشاء إسرائيل.

ولكن من النادر للغاية أن تتمكن جماعة إرهابية من تحقيق أهدافها الأساسية: ففي القرن الماضي، لم يتمكن من تحقيق ذلك سوى نحو خمسة في المئة فقط. ومن غير المرجح أن تنضم "حماس" إلى تلك القائمة. فإسرائيل أقوى بكثير من "حماس" في البعدين العسكري والاقتصادي، وهي تحظى بدعم الولايات المتحدة. إن الطريقة الوحيدة التي قد تتمكن بها الحركة من النجاح في تحقيق هدفها المتمثل في "التحرير الكامل لفلسطين من النهر إلى البحر" تتلخص في قيام إسرائيل بتقويض وحدتها وسلامتها إلى الحد الذي تدمر فيه نفسها.

والطريقة الثانية التي يمكن أن تنتهي بها جماعة إرهابية هي التحول إلى شيء آخر: شبكة إجرامية أو تمرد. يتداخل الإجرام والإرهاب، لذا فإن هذا التحول بالتحديد أشبه بتحرك في النطاق عينه وليس تحول إلى شيء جديد مثل عندما تتوقف مجموعة ما عن محاولة تحفيز التغيير السياسي لصالح استغلال الوضع الراهن لتحقيق مكاسب مالية. ويحدث التحول إلى التمرد عندما تقوم جماعة ما بتعبئة عدد كاف من السكان حتى تتمكن من تحدي الدولة في السيطرة على الأراضي والموارد. ومن المؤسف أن هذه نتيجة محتملة في غزة - وربما الضفة الغربية وحتى إسرائيل - إذا حافظت إسرائيل على استراتيجيتها الحالية.

أما الطريقة الثالثة التي تنتهي بها الجماعات الإرهابية فهي من خلال قمع عسكري ناجح من جانب الدولة. وهذه هي النهاية التي تأمل تل أبيب في تحقيقها. القمع يمتلك فرصاً في النجاح ولو بتكاليف باهظة. ولنأخذ على سبيل المثال الحملة الروسية الثانية ضد الانفصاليين في الشيشان، التي بدأت عام 1999 واستمرت لما يقرب العقد من الزمان. من الصعب الحصول على أرقام دقيقة، لأن السلطات الروسية منعت الصحافيين من تغطية الصراع (وحتى استهدفت بعض الذين حاولوا ذلك)، لكن معظم المصادر المستقلة قدرت أن ما لا يقل عن 25 ألف مدني قتلوا وأن مئات الآلاف نزحوا. كان سفك الدماء هائلاً والدمار كبيراً للغاية، لكن روسيا قضت على الجماعات الانفصالية الرئيسة، مما أدى إلى إخلاء المنطقة من السكان ومهد الطريق أمام قيام حكومة موالية لروسيا.

وبالمثل، في الفترة 2008-2009، شرعت الحكومة السريلانكية في القضاء على حركة "نمور تحرير تاميل إيلام" من خلال محاصرة المجموعة على شريط صغير من الأرض في المنطقة الشمالية الشرقية من الدولة الجزيرة. وأسفرت العملية عن مقتل عشرات الآلاف من المدنيين، بحسب الأمم المتحدة. ولكنها أدت أيضاً إلى القضاء على قيادة نمور تحرير تاميل إيلام، مما أدى فعلياً إلى إنهاء المجموعة والحرب الأهلية الأوسع نطاقاً التي استمرت لما يقرب من ثلاثة عقود من الزمن.

ومع ذلك، بشكل عام، يتمتع القمع العسكري بسجل ضعيف كشكل من أشكال مكافحة الإرهاب. ومن الصعب والمكلف استمراره، ويميل إلى تحقيق نتائج أفضل عندما يكون ممكناً فصل أعضاء جماعة إرهابية عن عامة السكان، وهي حالة يصعب خلقها في معظم الأماكن. وتؤدي الحملات القمعية إلى تهميش الحريات المدنية وتفكيك أسس الدولة. إن تكتيكات الأرض المحروقة تعمل على تغيير طبيعة المجتمع وتثير الأسئلة حول ما الذي تدافع عنه الحكومة على وجه التحديد.

 

ولنتأمل هنا على سبيل المثال حالة أوروغواي في أوائل الستينيات. في ذلك الوقت، كانت البلاد تتمتع بنظام حزبي قوي، وسكان حضريين متعلمين، وتقاليد ديمقراطية ليبرالية راسخة. ولكن عندما نفذت جماعة "توباماروس"، وهي جماعة ماركسية - لينينية، سلسلة من الاغتيالات وعمليات السطو على البنوك والاختطاف، أطلقت الحكومة العنان للقوات المسلحة. وبحلول عام 1972، كان الجيش قضى على الجماعة. وعلى رغم انتهاء الهجمات، قام الجيش بعد ذلك بانقلاب وعلق الدستور وحل البرلمان وأنشأ دكتاتورية عسكرية حكمت البلاد حتى عام 1985. وفي حملتهم القصيرة، نفذت "توباماروس" 13 تفجيراً (عدد الضحايا غير معروف)، أعدمت رهينة واحدة واغتالت أقل من 10 مسؤولين. لكن النظام العسكري قتل أو شوه أو شرد آلافاً. لقد رحلت "توباماروس" لكن مواطني أوروغواي العاديين ظلوا ضحايا للعنف لكن الآن على أيدي الدولة بعد أن دمرت الحكومة العسكرية الديمقراطية في البلاد.

وفي شرح نهجهم القمعي في غزة، زعم القادة الإسرائيليون أن "حماس" تشبه تنظيم "داعش" ويمكن هزيمتها بطريقة مماثلة. صحيح أنه بحلول عام 2017، كان التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة استعاد الأراضي التي استولى عليها "داعش" في العراق وسوريا عام 2014، مما أدى إلى تقليص وجود الجماعة في تلك الأماكن. ومع ذلك فإن "داعش" لم ينته بعد. وبدلاً من ذلك، انقسم التنظيم إلى تسع مجموعات أطلق عليها اسم "ولايات"، وهي تتمركز في جميع أنحاء العالم ولا تزال تخطط لهجمات دموية وتنفذها بنجاح في بعض الأحيان. وفي شهر مارس الماضي، هاجم تنظيم "داعش - ولاية خراسان" ومقرها في أفغانستان - قاعة للحفلات الموسيقية بالقرب من موسكو، مما أسفر عن مقتل أكثر من 140 شخصاً. علاوة على ذلك، وعلى النقيض من "داعش"، الذي يعد حركة عابرة للحدود الوطنية بشكل واضح، فإن "حماس" مجموعة فلسطينية حصراً، تركز على السيطرة على الأراضي المتنازع عليها. من الممكن أن تؤدي القوة العسكرية إلى إضعاف قبضة "حماس" على غزة، ولكن في غياب حل سياسي للنزاع الإقليمي الأساسي، فإن الجماعة ستعاود الظهور قريباً بشكل ما وتستأنف استهداف القوات العسكرية الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين.

مكافحة الإرهاب بطريقة عسكرية بحتة نادراً ما ينجح

قد يجادل البعض بأن المشكلة الحقيقية لا تكمن في أن إسرائيل تعتمد على استراتيجية خاطئة، بل في أنها لا تركز على الهدف الصحيح. ومن وجهة النظر هذه، فإن إيران وليس "حماس" هي جوهر المشكلة لأن النظام الثيوقراطي في طهران يدعم الجماعة الإرهابية ويسلحها ويمولها. لكن أية حكومة تشن هجوماً ضد الدولة الراعية لجماعة إرهابية تخاطر بإدخال نفسها في فوضى أكبر. في أبريل (نيسان) الماضي، انخرطت إسرائيل وإيران في سلسلة غير مسبوقة من الهجمات المتبادلة التي كان من الممكن أن تتصاعد إلى حرب شاملة. ولكن البلدين تراجعا في نهاية المطاف عن حافة الهاوية، وفي الوقت الراهن تظل إسرائيل تركز على التعامل مع "حماس" بشكل مباشر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في نهاية المطاف، لا ينبغي أن يكون عدم نجاح إسرائيل في غزة حتى الآن مفاجئاً، فمكافحة الإرهاب بطريقة عسكرية بحتة نادراً ما ينجح، ويصعب بشكل خاص على أية دولة ديمقراطية أن تنجح. فمن ناحية، يتطلب الأمر قمع التغطية الإعلامية إلى درجة يصعب تحقيقها في المشهد الإعلامي الرقمي العالمي اليوم (على رغم أن لجنة حماية الصحافيين تفيد بأن أكثر من 100 صحافي وإعلامي قتلوا في غزة منذ بدء الحرب). إضافة إلى ذلك، بالمقارنة مع الحكومات الأخرى التي اعتمدت على القمع العسكري في محاربة الإرهابيين، وعدد منهم حكومات استبدادية، فإن إسرائيل مقيدة بشكل أكبر إلى حد ما بقوانينها وسياساتها الخاصة ولأنها تعتمد بشكل كبير على راع – هو الولايات المتحدة – ينتقد استخدام القوة المفرطة ويعارض ارتكاب جرائم حرب ويشترط افتراضياً في الأقل المساعدة العسكرية بالتزام القوانين.

اقطعوا رؤوسهم

الطريقة الرابعة التي تنتهي بها الجماعات الإرهابية هي قطع الرؤوس أي اعتقال أو قتل القادة. نفذت منظمة "العمل المباشر" Direct Action، وهي جماعة فرنسية يسارية متطرفة، حملة اغتيالات وتفجيرات في الثمانينيات، لكنها أوقفت عملياتها بعد اعتقال قادتها الرئيسين عام 1987. وفي عام 1992، جرى القبض على أبيمايل غوزمان، زعيم الميليشيات الإرهابية اليسارية البيروفية "الدرب المضيء" فانخفض العنف على الفور وقبل المسلحون العفو الحكومي، وانقسمت المجموعة إلى عصابات مخدرات إجرامية أصغر بكثير على مدى السنوات الـ10 التالية. "أوم شينريكيو"، وهي طائفة يابانية إرهابية متشددة تؤمن بمجيء يوم القيامة، غيرت اسمها ونبذت العنف في نهاية المطاف بعد اعتقال زعيمها شوكو أساهارا عام 1995.

وتميل المجموعات التي تنتهي مع قتل قياداتها إلى أن تكون صغيرة، وذات هيكل هرمي، وتتميز بظاهرة العبادة الشخصية، وعادة ما تفتقر إلى خطة خلافة قابلة للتطبيق. وفي المتوسط فهي تنشط لمدة تقل عن 10 سنوات. من جهتها، بوسع المجموعات الأقدم وذات شبكة عمل أوسع إعادة تنظيم نفسها والاستمرار في العمل.

وبالتالي فإن "حماس" ليست مناسبة جداً لاستراتيجية قطع الرأس. إنها منظمة ذات هيكلية عميقة وواسعة يبلغ عمرها 40 عاماً تقريباً. لو كان قتل قادة "حماس" قادراً على إنهاء الجماعة، لكان حدث منذ فترة طويلة - ومن المؤكد أن الإسرائيليين حاولوا ذلك. ففي عام 1996، فجرت قوات الأمن الإسرائيلية عبوة ناسفة داخل هاتف محمول يستخدمه يحيى عياش وقتلته، وهو شخصية بارزة في "حماس" وصانع القنابل الرئيس في الجماعة. ومع اندلاع الانتفاضة الثانية بعد بضع سنوات، تصاعدت وتيرة الاغتيالات، ففي عام 2004، قتلت إسرائيل مؤسس "حماس" أحمد ياسين.

وقامت دراسة أجراها الباحثان محمد حافظ وجوزيف هاتفيلد عام 2006 بفحص معدلات عنف "حماس" قبل وبعد هذه الاغتيالات وخلصت إلى أن تأثيرها كان ضئيلاً. وقد توصلت الدراسات اللاحقة إلى استنتاجات مماثلة. ومع ذلك، في أعقاب السابع من أكتوبر، عادت الحكومة الإسرائيلية لهذا التكتيك مرة أخرى. وبعد أسابيع قليلة من الهجوم، قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للصحافيين إن إسرائيل "ستغتال جميع قادة ’حماس‘ أينما كانوا". وقال رئيس وكالة الاستخبارات الداخلية الإسرائيلية "شين بيت" رونين بار لأعضاء البرلمان الإسرائيلي إن إسرائيل ستقتل قادة "حماس" "في غزة، في الضفة الغربية، في لبنان، في تركيا، في قطر، في كل مكان". منذ أكتوبر الماضي، أفادت إسرائيل بمقتل أكثر من 100 من قادة "حماس"، بما في ذلك بعض كبار القادة في الجناح العسكري للجماعة.

لكن هذه الاغتيالات، على رغم إضعافها لقوة "حماس" العسكرية في غزة، لم تؤثر في قدرات الجماعة على المدى الطويل، وعلى مدى العقود الماضية، أثبتت الحركة قدرتها على استبدال القادة الرئيسين. وإضافة إلى تحقيق مكاسب تكتيكية قليلة، فقد نتج من هذا النهج مضاعفات كبيرة ذات كلفة استراتيجية. إذ عندما يكون قتل زعيم ما من أجل منع هجوم وشيك، فإنه يعتبر دفاعاً مبرراً عن النفس. لكن عمليات القتل المستهدف التي لا نهاية لها ولا ترتبط علناً بعمليات محددة تدفع عدداً من المراقبين إلى رؤية تصرفات الدولة على أنها معادلة أخلاقياً لتصرفات الجماعة الإرهابية نفسها. ويصدق هذا بشكل خاص كلما اتسعت قائمة الأهداف، لننظر مثلاً إلى الغارة الجوية الإسرائيلية على غزة في أبريل التي أسفرت عن مقتل ثلاثة أبناء وأربعة أحفاد للزعيم السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية، الذي يقيم في قطر، مما سمح له بتصوير نفسه كأب وجد حزين وليس العقل المدبر الإرهابي.

العلاج بالكلام

بدلاً من محاولة قتل قادة "حماس"، لعل إسرائيل أن تحاول التفاوض معهم على حل سياسي طويل الأمد. وستكون هذه الفكرة بمثابة كفر بالنسبة إلى معظم الإسرائيليين بطبيعة الحال. ولن يكون أي شخص مطلع على التاريخ الطويل من المفاوضات الفاشلة بين الإسرائيليين والفلسطينيين - ناهيك عن الكراهية العميقة بين المجموعتين حالياً – من الحماقة ليوصي بإجراء محادثات سلام الآن.

ولكن المفاوضات تمثل طريقاً خامساً يمكن أن ينتهي به الإرهاب. ولنتأمل على سبيل المثال إيرلندا الشمالية، إذ أنهى اتفاق "الجمعة العظيم" لعام 1998 حملة الإرهاب التي شنها الجيش الجمهوري الإيرلندي الموقت التي استمرت لعقود من الزمن. وفي عام 2016 أبرمت "القوات المسلحة الثورية الكولومبية" اتفاقاً معقداً مع الحكومة ووافقت على نزع سلاحها والعمل كحزب سياسي عادي. ومثل "حماس"، قامت تلك الجماعات بقتل المدنيين من دون وازع، وكان التحدث معهم صعباً على المسؤولين، وقبول عودة الأعضاء السابقين للمجتمع أمر صعب على الجمهور، وخصوصاً ضحايا الجماعة وعائلاتهم، لكن إراقة الدماء توقفت، وفي النهاية لم تتنازل الدول إلا عن قليل نسبياً.

إن المفاوضات محفوفة بالأخطار بالنسبة إلى الجماعات الإرهابية، لأن الظهور على طاولة المفاوضات يعطي معلومات استخبارية مفيدة ويقوض السرد القائل إنه لا يوجد بديل سوى الانخراط في العنف. فنحو 18 في المئة فقط من الجماعات الإرهابية تتفاوض على الإطلاق، وعادة ما تستمر المحادثات بينما يستمر العنف، ولكن على مستوى أدنى. من المرجح أن تتفاوض المجموعات التي ظلت موجودة لفترة طويلة، متوسط ​​عمر الجماعة الإرهابية هو من ثماني إلى 10 سنوات، لكن الجماعات التي تتفاوض تميل إلى أن تكون موجودة لمدة تتراوح بين 20 إلى 25 سنة.

 

وبطبيعة الحال، لا بد من وجود شيء ملموس للتفاوض في شأنه، وأنجح المفاوضات مع الجماعات الإرهابية تنطوي على صراعات حول الأرض وليس على الدين أو الأيديولوجية. ولكن حتى في غياب الاتفاق، فإن محادثات جادة يمكن أن تؤدي إلى انقسامات داخل الجماعات الإرهابية، مما يؤدي إلى انقسام أولئك الذين يسعون إلى التوصل إلى تسوية سياسية وأولئك الذين ما زالوا متمسكين بالقتال. (ومن ناحية أخرى، تثبت المفاوضات في بعض الأحيان بأنها عديمة الجدوى: فقبل التحرك للقضاء على "نمور تحرير تاميل إيلام"، أمضت الحكومة السريلانكية أكثر من خمس سنوات في التفاوض مع المجموعة في محادثات توسطت فيها النرويج).

قد لا تبدو المفاوضات هي الطريقة المرجحة لإنهاء "حماس" لأسباب منها أن لدى المجموعة تاريخاً طويلاً من ازدراء المحادثات مع إسرائيل. وفي التسعينيات، كانت تنخرط في هجمات تخريبية عندما تعتقد أن عملية السلام تحرز تقدماً. واليوم أصبحت "حماس" أكثر التزاماً من أي وقت مضى بالوصول إلى إحدى صيغ ما يسمى حل الدولة الواحدة، الذي يتضمن محو الجانب الآخر، كما هي حال بعض المتطرفين الإسرائيليين.

ومع ذلك، أجرت "حماس" وإسرائيل مفاوضات في الماضي، بشكل عام من خلال وسطاء مثل قطر - بما في ذلك المحادثات التي أدت إلى وقف قصير لإطلاق النار وتبادل الرهائن والسجناء في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. ويبدو من الممكن أن تجد الجهات الفاعلة الخارجية مثل الولايات المتحدة ومصر والأردن والسعودية في نهاية المطاف طريقة لدفع إسرائيل والفلسطينيين إلى عملية دبلوماسية متجددة تهدف إلى إيجاد حل الدولتين. قيام "حماس"، أو في الأقل بعض فصائلها أو فلول الجماعة، بالانخراط بالمحادثات هو أمر قابل للتصور. إن مثل هذه المفاوضات ستكون طويلة، ومحفوفة بالأخطار، ويعرقلها المتطرفون على الجانبين، لكن مجرد إعلان العملية سيكون له تأثيرات مفيدة، بل إن هذا قد يؤدي حتى إلى خلق الظروف المواتية لما قد يكون السبيل الأكثر ترجيحاً لإنهاء إرهاب "حماس": الهزيمة الذاتية.

أسوأ أعداء أنفسهم

تنتهي معظم الجماعات الإرهابية بالمسار السادس، أي من خلال فشلها، إما بالانهيار الداخلي أو بفقدان الدعم. المجموعات التي تنهار في بعض الأحيان تموت أثناء التحولات بين الأجيال (مثل جماعة "ويذر أندرغراوند" Weather Underground اليسارية المتطرفة في الولايات المتحدة من الستينيات إلى الثمانينيات) أو تتفكك إلى فصائل (بقايا الجيش الجمهوري الإيرلندي بعد اتفاق "الجمعة العظيم") أو تنهار بسبب خلافات عملياتية ("جبهة تحرير كيبيك"، وهي جماعة انفصالية كندية، في أوائل السبعينيات) أو الانقسام بسبب الاختلافات الأيديولوجية (الجيش الأحمر الياباني الشيوعي عام 2001).

وتفشل المجموعات أيضاً لأنها تفقد الدعم الشعبي. وفي بعض الأحيان، يرجع ذلك إلى أن الحكومات تقدم لأعضاء المجموعة بديلاً أفضل، مثل العفو أو الوظائف. ولكن السبب الأكثر أهمية لفشل الجماعات الإرهابية على الإطلاق هو أنها تخطئ في الحسابات، وخصوصاً من خلال ارتكاب أخطاء مثل تنفيذ هجمات تثير الاعتراض في البيئات المحلية. وأدى تفجير الجيش الجمهوري الإيرلندي في أغسطس (آب) 1998 في أوماغ، وهي بلدة تجارية صغيرة في إيرلندا الشمالية، إلى مقتل 29 شخصاً من بينهم عدد من الأطفال. أدى الغضب الواسع النطاق من الهجوم إلى توحيد أجزاء متباينة من المجتمع وتعزيز الدعم لاتفاق "الجمعة العظيم". وارتكب الانفصاليون الشيشان خطأ مماثلاً عام 2004 عندما استولوا على مدرسة في بيسلان بروسيا، مما أدى إلى مقتل أكثر من 300 شخص بما في ذلك ما يقرب من 200 طفل، وأدى إلى انهيار شبه كامل لشبكة دعم القضية الانفصالية داخل الشيشان وفي جميع أنحاء أوروبا. وفي العام التالي، هاجم انتحاريون ينتمون إلى تنظيم "القاعدة" في العراق (سلف "داعش") ثلاثة فنادق في عمان، الأردن، مما أسفر عن مقتل نحو 60 شخصاً. وأظهرت استطلاعات الرأي في وقت لاحق أنه في أعقاب ذلك غير 65 في المئة من الأردنيين نظرتهم إلى تنظيم "القاعدة" من الإيجابية إلى السلبية. (تاريخياً، كان ما لا يقل عن ثلث ضحايا تنظيم "القاعدة" من المسلمين، وهذا هو السبب الرئيس وراء عدم تحول الجماعة إلى الحركة الشعبية التي كان أسامة بن لادن يأمل أن تصبح عليها).

وتمتلك "حماس" كل مقومات المجموعة التي يمكن أن تفشل بنفسها. ولعل الأهم من ذلك هو حقيقة أنها لا تحظى بشعبية. وبعد وقت قصير من سيطرة الجماعة على غزة عام 2007، بدأ الدعم الفلسطيني لـ"حماس" في التدهور. ووفقاً لاستطلاع أجراه مركز "بيو" للأبحاث، كان لدى 62 في المئة من الناس في الأراضي الفلسطينية وجهة نظر إيجابية تجاه "حماس" عام 2007، وبحلول عام 2014 انخفض عدد هؤلاء إلى الثلث. ووجد خليل الشقاقي، وهو عالم سياسي فلسطيني وخبير استطلاعات الرأي، أن الدعم لـ"حماس" يرتفع بشكل عام خلال المواجهات مع إسرائيل، لكنه يتبدد بعد ذلك عندما تفشل الجماعة في تحقيق تغيير إيجابي.

إلا أن استخدام إسرائيل المفرط للقوة العسكرية أدى إلى تعزيز قبضة "حماس" وساعد في نشر دعاية الحركة في شأن أحداث السابع من أكتوبر. ووفقاً لاستطلاع للرأي أجراه الشقاقي في مارس، فإن 90 في المئة من الفلسطينيين يأبون تصديق تورط "حماس" في جرائم حرب في ذلك اليوم. إن أي اشمئزاز قد يشعر به سكان غزة العاديون إزاء ما فعلته "حماس" باسمهم من المرجح أن يتغلب عليه رعبهم إزاء ما فعلته إسرائيل بأحبائهم وبيوتهم ومدنهم.

"حماس" تمتلك كل مقومات المجموعة التي يمكن أن تفشل من تلقاء ذاتها

ومع ذلك، يوجد داخل "حماس" انقسامات يمكن أن تتسع بل وتؤدي إلى انهيارها. إن قيادتها العسكرية والسياسية ليست منسجمة دائماً. وفقاً لصحيفة "نيويورك تايمز"، شن القائد العسكري للجماعة في غزة، يحيى السنوار، هجمات السابع من أكتوبر مع حفنة من القادة العسكريين، تاركاً الزعيم السياسي لـ"حماس" إسماعيل هنية، بعيداً من القرار وغير مدركاً له حتى ساعات قليلة قبل بدء العملية. وكشفت تقارير وكالة "رويترز" عن أن بعض قادة "حماس" بدوا مصدومين من توقيت وحجم الهجمات. وتواجه المجموعة أيضاً ضغوطاً ومنافسة من حركة "الجهاد الإسلامي" الفلسطينية، وهي أصغر من "حماس" ولكنها أكثر ارتباطاً بإيران. ومع تدمير قسم كبير من منظومة "حماس" في غزة، فإن هياكل السلطة الأخرى، بما في ذلك العشائر وحتى الشبكات الإجرامية، قد تتنافس على السيطرة وتقوض الجماعة.

لكن الطريقة الأكثر ترجيحاً لفشل "حماس" هي من خلال رد فعل شعبي عنيف. وتحكم "حماس" غزة من خلال القمع، وذلك باستخدام الاعتقالات والتعذيب لقمع المعارضة. ويكره سكان غزة على نطاق واسع جهاز الأمن العام الداخلي، الذي يراقب الناس ويحتفظ بملفاتهم، ويقمع الاحتجاجات، ويرهب الصحافيين، ويتعقب الأشخاص المتهمين بارتكاب "أعمال غير أخلاقية". منذ السابع من أكتوبر، أعرب عدد من الفلسطينيين عن غضبهم من "حماس" لأنها أخطأت في تقدير عواقب الهجوم - وهو خطأ فادح في الاستهداف أدى بشكل غير مباشر إلى مقتل عشرات الآلاف من سكان غزة. ويدرك الفلسطينيون الذين يعانون جيداً أن "حماس" قامت ببناء نظام أنفاق متقن لحماية قادتها ومقاتليها لكنها لم تفعل شيئاً لحماية المدنيين.

ولمساعدة "حماس" في الفشل، يتعين على إسرائيل أن تبذل كل ما في وسعها لإعطاء الفلسطينيين في غزة الشعور بوجود بديل لـ"حماس" وبإمكان تحقيق مستقبل أكثر إشراقاً. وبدلاً من تقييد المساعدات الإنسانية إلى حدود دنيا، يتعين على إسرائيل أن تقدم هذه المساعدات بكميات هائلة. وبدلاً من مجرد تدمير البنية التحتية والمنازل، يتعين على إسرائيل أيضاً أن تشارك في خطط إعادة بناء المنطقة في مستقبل ما بعد "حماس". وبدلاً من تنفيذ عقاب جماعي والأمل في أن يلقي الفلسطينيون اللوم على "حماس" في نهاية المطاف، ينبغي لإسرائيل أن توضح أنها ترى فرقاً بين مقاتلي "حماس" والغالبية العظمى من سكان غزة، الذين لا علاقة لهم بالجماعة وهم أنفسهم ضحايا لحكمها البلطجي والعنف المتهور.

بعد عقود من الصراع مع "حماس" وأشهر من خوض حرب وحشية واسعة النطاق ضدها، لا يزال من غير المرجح أن تتمكن إسرائيل من هزيمة هذه الحركة. ولكن لا يزال بإمكانها أن تفوز من خلال مساعدة "حماس" على هزيمة نفسها.

* أودري كورث كرونين هي مديرة معهد كارنيغي ميلون للاستراتيجية والتكنولوجيا ومؤلفة كتاب "كيف ينتهي الإرهاب: فهم تراجع الحملات الإرهابية وزوالها" (How Terrorism Ends: Understanding the Decline and Demise of Terrorist Campaigns)

مترجم عن "فورين أفيرز"، 3 يونيو 2024

اقرأ المزيد

المزيد من آراء