Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

غلطة الأبواب المفتوحة والدق على أبواب مغلقة

تأخر لبنان كثيراً في التعلم من أخطائه وما أدركه من دروس ليس ضماناً للنجاح في تغيير السياسات

يشكل النازحون في لبنان أزمة بالبلاد   (رويترز)

ملخص

من الصعب أن يطبق القانون على عدد كبير من النازحين، وإذا كانت الجمهورية مخطوفة والشغور الرئاسي مفروضاً، فكيف يستطيع ما بقي من السلطة إيجاد حل لمشكلة النازحين حتى بعدما ضرب الطبل صاحب القوة؟

لبنان يوحي بأنه تعلم من أغلاطه المتراكمة في ترك الأحداث تديره بدلاً من أن يعمل على إدارة الأزمات، ومن غلطة "اتفاق القاهرة" عام 1969 مع منظمة التحرير الفلسطينية إلى غلطة اللاتنظيم واللارقابة، حيث الحدود مفتوحة أمام موجات النازحين السوريين.

ومن غلطة الاطمئنان إلى دور "البلد - الحاجز" ضمن السياسة التي مختصرها "قوة لبنان في ضعفه"، إلى غلطة المفاخرة بأن الوطن الصغير قادر على القيام بدور عجز العرب جميعاً عنه، وهو تحرير فلسطين بالقوة.

"اتفاق القاهرة" قاد إلى حرب لبنان ودخول عسكري سوري واجتياح إسرائيلي وتورط عربي وتلاعب أميركي - سوفياتي  - أوروبي بلبنان ضمن اللعبة الجيوسياسية في المنطقة، واللاتنظيم أدى إلى اندفاع مليوني نازح سوري نحو لبنان يشكلون 50 في المئة من سكانه اللبنانيين، ويزيدون من أزماته المالية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في تراجيديا ضحايا تقع على ضحايا، ضحايا نظام سوري متشدد وضحايا نظام لبناني رخو.

والتسليم بأن قوة لبنان في ضعفه جعل أطرافاً إقليمية عدة تستغل الضعف بحثاً عن دور ونفوذ، والمفاخرة بتحويل لبنان إلى "إسبرطة" عسكرية في عصر عربي يركز على التنمية والمستقبل، أوقعت البلد في هاوية أزمات وحروب دائمة وانقسامات عميقة.

لكن لبنان تأخر كثيراً في التعلم، وما تعلمه من دروس ليس ضماناً للنجاح في تغيير السياسات الخاطئة، فلا الوجود الفلسطيني المسلح انتهى بإخراج المنظمات من لبنان بعد اجتياح عام 1982 إلى تونس وسواها، ولا النفوذ السوري تقلص كثيراً بعد الخروج العسكري السوري عام 2005، ولا الخطر الإسرائيلي على لبنان زال بعد تحرير الجنوب عام 2000، مع استمرار الاعتداءات على أرضه ومياهه، ولا النفوذ الإيراني المستجد عبر "حزب الله" الذي أسسه سوى محطة على طريق طويل لتحقيق مشروع إقليمي إيراني بين أدواته فصائل يمنية وعراقية وسورية ولبنانية وفلسطينية ضمن "محور المقاومة" في إطار "وحدة الساحات" بقيادة طهران.

ذلك أن لبنان الذي كان حديقة جميلة لها سياج ضعيف حوّلته الحرب ومفاعيل ما بعدها إلى ساحة مفتوحة بالكامل، فحين بدأ النزوح السوري في بدايات حرب سوريا كانت مواقف اللبنانيين مختلفة.

 فريق راهن على أعداد المعارضين السوريين للنظام، واعتبرها في مصلحته لتعديل الخلل الديموغرافي الطائفي أو المذهبي، وفريق أسهم أصلاً في تهجير السوريين عبر مشاركته في حرب سوريا دفاعاً عن دمشق، ولم ير في بقاء النازحين سوى خدمة للنظام السوري الذي يواجه عبء الديموغرافيا.

وفريق غلبت عليه المواقف الإنسانية فلم يرفع الصوت وسط المزايدة بين الأطراف، وكل اقتراحات الحلول من إقامة مخيمات بشكل رسمي على أرض لبنان تحت حراسة أمنية رسمية إلى إقامة مخيمات على الحدود بين البلدين، بقيت بلا اهتمام على عكس ما حدث في الأردن وتركيا.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

اليوم بدأ لبنان الشعبي يصرخ، وما بقي من لبنان الرسمي يقول إنه توصل أخيراً إلى موقف موحد، لكن الخطة التي عرضها في مؤتمر بروكسل لـ"دعم مستقبل سوريا والمنطقة" لم تجد أي تجاوب من الاتحاد الأوروبي، وما كان ذلك من المفاجآت، فمن حلت عليه لعنة الأبواب المفتوحة أمام النازحين وقع أيضاً في محنة الضغط على أبواب مغلقة.

باب الاتحاد الأوروبي على أمل تغيير سياسته، وباب النظام السوري بحجة أنه الباب الطبيعي، والجواب الذي قاد إليه الدق على باب الاتحاد الأوروبي هو القول "لا عودة نازحين لسوريا، ولا تقديم المساعدات الدولية لهم في سوريا بدل لبنان، ولا إعادة إعمار هناك، ولا شيء قبل التوصل إلى تسوية سياسية على أساس القرار (2254).

وأقل ما سمعه الوفد اللبناني إلى "مؤتمر بروكسل" برئاسة وزير الخارجية عبدالله أبو حبيب هو قول المسؤول الأعلى عن السياسة الخارجية والأمن في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل إن "المسؤولية الأولى عن الاستمرار في الوضع الحالي تقع على عاتق نظام الأسد الذي لا يزال يرفض الدخول في حوار سياسي، والعالم لا يمكن أن يتحمل تبعات نسيان سوريا".

أما لبنان الذي قال أبو حبيب إنه "أصبح سجناً كبيراً تصدعت جدرانه ولم يعد باستطاعته تحمل الوضع"، فإن كل ما وعد الاتحاد الأوروبي بتقديمه له قبل المؤتمر هو مليار يورو على مدى أربعة أعوام لمساعدة النازحين السوريين و"البلد المضيف"، وحتى المفوضية العليا لشؤون اللاجئين التي تتعامل مع لبنان من فوق، فإنها مصرة على تكرار قول واحد على مدى 13 عاماً، وهو أن "ظروف العودة الطوعية الكريمة للاجئين غير متوافرة".

وبحسب أرقام البنك الدولي فإن معدل الفقر في لبنان ارتفع إلى 44 في المئة من مجموع السكان، وإن 90 في المئة من النازحين السوريين تحت خط الفقر.

كل الدعوات إلى التوجه رسمياً نحو سوريا للحل كان الجواب السوري عليها هو المطالبة برفع العقوبات الدولية وانسحاب القوات الأجنبية التي جاءت بلا دعوة من النظام، أي القوات الأميركية والتركية، ودعوة سوريا إلى المؤتمرات المخصصة للبحث في مسألة النازحين، ولا شيء عن التسوية.

 وكان على المسؤولين في بيروت أن يدركوا خطأ الدق على الأبواب المغلقة ويستدركوا الحاجة إلى فتح باب في يدهم وهو تطبيق القانون، فالاتحاد الأوروبي مخطئ في تصوره أن بقاء النازحين ورقة ضغط على النظام السوري، لأن النظام في الواقع لا يريد تسوية وليس مستعجلاً على عودة النازحين، وبعضهم يقول إنه لا يريد عودتهم، وإعادة النازحين الذين تسللوا وسكنوا من دون أوراق رسمية ممكنة بتطبيق القانون.

 ولا بد من تصنيف النازحين إلى ثلاث فئات، فئة الهاربين من الحرب، وفئة المعارضين للنظام والهاربين من الخدمة العسكرية، وفئة النازحين اقتصادياً بحثاً عن عمل أو أقله عن المساعدات الدولية، فضلاً عن أن وجود ما بين 300 و500 ألف عامل سوري هو أمر تقليدي في لبنان منذ الاستقلال وما قبله، فلا غنى عن العمال السوريين في قطاعي الزراعة والبناء، ولا باب لهؤلاء العمال أفضل من الباب اللبناني.

لكن وجود مليوني نازح سوري في بلد من 4 ملايين، يهاجر قسم منهم بحثاً عن فرص عمل في بلدان الخليج وأوروبا، هو مشكلة سياسية وأمنية واجتماعية لا ديموغرافية فقط، وإذا كان لبنان عاجزاً عن منع تدفق المسلحين للقتال على جبهة الجنوب، فإن من الصعب أن يطبق القانون على عدد كبير من النازحين، وإذا كانت الجمهورية مخطوفة والشغور الرئاسي مفروضاً، فكيف يستطيع ما بقي من السلطة إيجاد حل لمشكلة النازحين حتى بعدما ضرب الطبل صاحب القوة؟

اقرأ المزيد

المزيد من آراء