ملخص
بسبب غلاء سعر الخروف من عام إلى آخر لم يعد غالب الجزائريين يظهرون اهتماماً بنوعية السلالة عند شراء الأضحية، عكس ما كان شائعاً في الأعوام السابقة إذ كانت النوعية تلعب دوراً مهماً في تحديد الأسعار.
أثار قرار السلطات الجزائرية استيراد الأغنام الرومانية على أن تكون موجهة للذبح وليس للبيع كأضاحي، وقبلها منع الترخيص ببيع الخراف من نوع "سيدوان" القادمة من جنوب البلاد تساؤلات المستهلك حول طبيعة الأسباب التي تدفع الحكومة إلى تبني هذا الخيار، على رغم الحاجة إليه لكسر أسعار الخروف المحلي المحلق في عنان السماء.
ويقترن تشديد الجزائر إجراءات تسلل أنواع من السلالات الأجنبية من الخراف إلى البلاد بمنع "العبث" بالسلالة الأصلية وحمايتها من الانقراض، فكان عليها اللجوء إلى الترخيص باستيرادها وذبحها في مسالخ حكومية قبل تسويقها وتحويل لحومها إلى بيت المستهلك مباشرة.
وعزز هذه المخاوف، المفاجأة التي لم تخطر على بال الجهات المتخصصة في شأن ثروة الأغنام، حين ظنت لأعوام أنها تمتلك 28 مليون رأس غنم، إلا أن إحصاء وزارة الزراعة كشف أنها تقدر بنحو 17 مليون رأس فحسب، في وقت ينحر الجزائريون كل عام نحو أربعة ملايين رأس غنم في عيد الأضحى.
ست سلالات
وتتوزع في مناطق الجزائر الشاسعة ست سلالات للخراف أشهرها سلالة "ولاد جلال" الأشهر والأجمل والأكثر طلباً، والتي فاق سعر الكبش منها 250 ألف دينار جزائري أي ما يعادل 1000 يورو.
ومن أشهر هذه السلالات أيضاً "تعظيمت" بالجلفة وسلالة "الدمان" المشهورة في الجنوب الغربي من البلاد وتحديداً في ولاية بشار، وسلالة "رامبي" المشهورة في غرب الجزائر في حين تنتشر سلالة "سيداون" في جنوب البلاد، في حين أن "الدغمة" ذات الوجه البني منتشرة غرباً في ولايات البيض وسعيدة والنعامة وتلمسان وبشار.
وهذه الأخيرة عرفتها أجيال السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي على صورة منقوشة في العملة الجزائرية "الدينار" من فئة 20 سنتيماً النقدية، فيما عانت في القرن الـ19 من تهريب الاستعمار الفرنسي لها. ويفضل كثير من مربي المواشي تربيتها لأنها تعد سلالة اقتصادية، فهي تكتفي بالمرعى فقط عكس الأنواع الأخرى من الأغنام التي تتطلب كميات كبيرة من الأعلاف، إلى جانب ذلك فهي ولودة بكثرة بحسب بياطرة، إذ يمكنها إنجاب بين خروفين و أربعة خراف خلال 14 شهراً.
وفي المقابل تتميز سلالة "سيداون" المعروفة بالسلالة الطارقية وأصلها منطقة أفريقيا جنوب الصحراء، والمنتشرة في جنوب البلاد بالقدرة على الرعي لمسافات طويلة وبعيدة، وتحمل ألواناً غالباً بين البني والبني الفاتح مع اللون الأسود، أو البني والأبيض وليس لها صوف مثل كثير من سلالات الغنم الأخرى فهي مغطاة بالشعر، إذ استفاد المربون من تجارة المقايضة التي تمارس بين سكان هذه الولايات ودول الجوار لانتعاش نشاط تربيتها، في حين يعد سعرها رخيصاً مقارنة مع ما هو متداول في ولايات شمال الجزائر، فلا يتجاوز ثمن الكبش الواحد من الحجم المتوسط 30 ألف دينار جزائري والذي يقارب 130 يورو.
وبسبب غلاء سعر الخروف من عام إلى آخر لم يعد غالب الجزائريين يظهرون اهتماماً بنوعية السلالة عند شراء الأضحية، عكس ما كان شائعاً في الأعوام السابقة، إذ كانت النوعية تلعب دوراً مهماً في تحديد الأسعار.
ضعف الرقابة
وقالت المتخصصة في الشأن الاقتصادي الجزائرية آمال عبدالوهاب خديجة إن سبب غلاء المواشي يعود إلى مربي الأغنام وبسبب سماسرة يتحكمون في سوق الماشية، مع أن هذا النوع من التجارة يعد من أنواع المضاربة التي يمنعها القانون ويجرمها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأرجعت عبدالوهاب خديجة في تصريح إلى "اندبندنت عربية" الأمر أيضاً إلى ضعف الرقابة التي من شأنها أن تقنن أسعار الماشية والكيلوغرام الواحد من اللحوم الحمراء، إذ ترى أن الاستيراد يمكن أن يعالج مشكلة الغلاء جزئياً أو موقتاً ليعود التوازن إلى السوق بين الخروف الجزائري أو المستورد من بلد ما.
للحفاظ على السلالات المحلية
وبدوره يؤكد رئيس اللجنة الوطنية لمنتجي اللحوم في الجزائر خير مروان دوافع وزارة الفلاحة من الناحية الصحية للحفاظ على قطعان السلالات المحلية، مستدلاً بسلالة "سيدوان" التي تتميز بمناعة كبيرة تمكنها من حمل جراثيم وأمراض من دون أن تتضرر أو تصاب، ولكن عندما تختلط بسلالة أخرى في شمال البلاد تتعرض هذه الأخيرة إلى المرض.
ويستدرك بقوله إن السلطات تقدم على ذبح الأبقار والأغنام في الجنوب الجزائري لتسويق لحومها في شمال البلاد، واصفاً هذه المخاوف بـ"الواقعية".
وبعد أن أوضح مروان أن سلالة الأغنام الجزائرية من أجود الأنواع في العالم، كشف عن عدة تراكمات أسفرت عن تراجع عدد الرؤوس في البلاد والتي تسببت في تهديد انقراضها "بفعل فاعل"، ومنها سماح السلطات السابقة للمربي بذبح أنثى الأغنام على رغم وجود قوانين تمنع ذلك.
مخالفة القوانين
وكانت وزارة الفلاحة الجزائرية كشفت عن إعداد مشروع قانون يجرم ذبح أنثى الأغنام والأبقار، بعد أن تلقت تقارير عديدة تؤكد ذبح أنثى الغنم في ولايات عدة، في إجراء يخالف القوانين والتشريعات.
وقال مروان إن جشع بعض التجار قصد استقطاب الزبائن دفعهم إلى ذبح النعاج، لذلك قدمت الفيدرالية الوطنية للحوم الحمراء مقترحاً إلى الحكومة التي تبنته في النهاية. إلا أن المسؤول المعني دعا إلى السماح باستيراد الخراف حتى يعود التوازن إلى السوق بعد الغلاء الفاحش، مرجعاً رفع الأسعار إلى المربي الذي قارب ثمن الخروف بثمن العجل أو البقرة، وهو ما يراه أمراً مبالغاً فيه. ومع ذلك يعتقد أن الاستيراد يمكن أن يكون حلاً ظرفياً، إذ يجب استغلال هذه الفترة لرفع الإنتاج، داعياً وزارتي التجارة والفلاحة إلى الاجتماع للبحث عن حل مشترك لخفض الأسعار.
بنك الجينات
واستشعرت السلطات أخطاراً تتهدد السلالات المحلية، وخلص خبراء في ندوة جزائرية من ولاية النعامة إذ تنتشر سلالة "الدغمة" المعروفة محلياً بـ"السلالة الحمراء" إلى ضرورة إنشاء وسم خاص بها، وإنشاء بنك الجينات لحماية سلالة الأغنام المحلية.
وشدد المدير العام للمركز الجزائري للتلقيح الاصطناعي والتحسين الوراثي ببئر توتة شعبان شكري على أهمية إنشاء بنك الجينات لسلالة الدغمة من أجل المحافظة على نواتها النقية جينياً وتوزيعها على المربين، وإنشاء برنامج تكويني خاص بهؤلاء يخص إدارة تكاثر هذه السلالة مع تسطير مخطط وطني لحماية وتنمية السلالات المحلية.
العامل البشري والمناخي
وأرجع رئيس الفيدرالية الوطنية للموالين جيلالي عزاوي في تصريح له، تراجع أغنام "الدغمة" إلى العامل البشري والمناخي معاً، خصوصاً في ظل شح الأمطار الذي أثر بصورة كبيرة على المساحات الرعوية، وكذا غزو السلالة البيضاء، على رغم كون "الدغمة من أحسن السلالات الجزائرية"، ويقول موضحاً أن الندوة الأخيرة جاءت كفرصة لإعادة الاعتبار لها وهي التي "كانت فيما مضى تصدر نحو أوروبا بأسعار مرتفعة مقارنة بلحوم السلالات الأخرى".
وفي السياق أطلق المركز الجهوي للتلقيح الاصطناعي وتحسين السلالات في منطقة بلحنجير التابعة لولاية النعامة الجزائرية برنامجاً "لتحسين تكاثر سلالة الأغنام المحلية الدغمة والحفاظ على خصائصها الوراثية"، فيما تقرر إنشاء مشتلة خاصة لـ"الفحول من سلالة الدغمة الحمراء"، وهدفها "تكثيف البحث التطبيقي وبعث بنك الجينات لتكاثر هذا الصنف ذي الجودة العالية من الأغنام".