ملخص
على رغم احتواء الصراع نسبياً حتى الآن، فإنه يلقي بثقله على بلد تثقل كاهله الأزمات الداخلية منذ خمس سنوات. لا يزال لبنان يعاني تبعات انهيار مالي كارثي ضرب البلاد في 2019.
يأتي الصراع الذي تتكشف معالمه وأبعاده بين "حزب الله" اللبناني وإسرائيل في وقت يتعرض فيه لبنان لأزمات مالية وسياسية طاحنة، مما يزيد حجم الأخطار بالنسبة إلى بلد يعيش أوضاعاً صعبة إذا تصاعدت حدة الأعمال القتالية وتحولت إلى حرب شاملة.
ويتبادل "حزب الله" المتحالف مع إيران إطلاق النار مع إسرائيل منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر (تشرين الأول) 2023. ويقول الطرفان إنهما مستعدان لتصعيد محتمل في الوقت الذي يجد فيه الوسطاء صعوبة في التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في غزة.
والخميس دعا الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى وقف الهجمات المتبادلة بين إسرائيل و"حزب الله"، معرباً عن قلقه من خطر نشوب "صراع أوسع نطاقاً تكون له عواقب مدمرة على المنطقة".
وقال المتحدث باسم الأمين العام ستيفان دوجاريك في بيان إنه "مع استمرار تبادل إطلاق النار حول الخط الأزرق، فإن الأمين العام يدعو الأطراف مرة أخرى إلى وقف عاجل لإطلاق النار".
والخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة بين لبنان وإسرائيل في عام 2000 عندما انسحبت القوات الإسرائيلية من جنوب لبنان، هو خط موقت يقوم مقام الحدود بين البلدين.
وأضاف أن غوتيريش يخشى أن "يؤدي تبادل إطلاق النار هذا إلى نزاع أوسع نطاقاً تكون عواقبه وخيمة على المنطقة". وأبدى الأمين العام أسفه "لأننا فقدنا بالفعل مئات الأرواح، ونزح عشرات الآلاف، ودمرت منازل وسبل عيش على جانبي الخط الأزرق".
وتصاعدت وتيرة التبادل اليومي لإطلاق النار بين الجيش الإسرائيلي و"حزب الله" في الأيام الأخيرة، في خضم الحرب الدائرة منذ ثمانية أشهر في قطاع غزة بين إسرائيل وحركة "حماس" الفلسطينية التي يعتبر الحزب حليفاً لها.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أكد الأربعاء أن الدولة العبرية "مستعدة لعملية مكثفة للغاية" على حدودها الشمالية، حيث أدى إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة من قبل التشكيل اللبناني من جنوب لبنان إلى اندلاع حرائق عديدة في شمال إسرائيل قرب الحدود.
وعلى رغم احتواء الصراع نسبياً حتى الآن، فإنه يلقي بثقله على بلد تثقل كاهله الأزمات الداخلية منذ خمس سنوات.
انهيار اقتصادي
ويواجه لبنان عديداً من المشكلات، حيث لا يزال يعاني تبعات انهيار مالي كارثي ضرب البلاد في 2019.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونجم هذا الانهيار عن ارتفاع معدلات الإنفاق وفساد النخبة الحاكمة على مدى عقود، وهو ما أدى إلى غرق العملة المحلية وإفقار قطاع كبير من السكان وإصابة البنوك بالشلل، وترتب على ذلك أكبر موجة هجرة منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين عامي 1975 و1990.
ووصف البنك الدولي حالة الانهيار هذه بأنها واحدة من أشد فترات الكساد في العصر الحديث. وانخفضت قيمة إجمالي الناتج المحلي للبنان من 55 مليار دولار في 2018 إلى 31.7 مليار دولار في 2020، ولم تنفذ الحكومة الإصلاحات اللازمة للتعافي حتى الآن.
وأصدر البنك الدولي تقريراً في مايو (أيار) أوضح فيه استمرار تأثر لبنان بالأزمة، وخلص فيه إلى أن معدل الفقر زاد بأكثر من ثلاثة أمثال في البلاد خلال العقد الماضي ليصل إلى 44 في المئة من السكان.
وجاء في التقرير أيضاً أن واحداً من كل ثلاثة لبنانيين وقع في براثن الفقر في 2022 في خمس محافظات شملتها الدراسة، من بينها بيروت. وبينما تقدم مطاعم بيروت الجديدة خدماتها للأغنياء، قال تقرير البنك الدولي إن ثلاثاً من كل خمس أسر خفضت إنفاقها على الغذاء.
وقال صندوق النقد الدولي في مايو إن عدم اتخاذ إجراءات بخصوص الإصلاحات الاقتصادية الضرورية ما زال يلحق خسائر فادحة بالاقتصاد والسكان. أضاف أن النظام المصرفي يفتقر إلى استراتيجية ذات مصداقية وقابلة للتطبيق مالياً.
وقال البنك الدولي إن السياحة والتحويلات المالية ساعدا الاقتصاد اللبناني على تجنب الركود موقتاً في 2022 وأوائل 2023.
وقبل اندلاع حرب غزة، كانت التوقعات تشير إلى نمو اقتصادي بنحو 0.2 في المئة عام 2023. ولكن بعد بدء الأعمال القتالية، تغيرت التوقعات إلى انكماش يراوح ما بين 0.6 في المئة و0.9 في المئة.
توتر سياسي
ليس للبنان رئيس أو حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة منذ انتهاء ولاية ميشال عون الرئاسية في الـ31 من أكتوبر 2022، مما ترك فراغاً غير مسبوق.
وتتولى حكومة رئيس الوزراء نجيب ميقاتي مهام تصريف الأعمال منذ ذلك الحين. ويتعين على الفصائل اللبنانية المنقسمة بشدة التوصل لاتفاق من أجل شغل منصب الرئاسة وتشكيل حكومة تتمتع بصلاحيات كاملة.
فمن جهة تعكس هذه الأزمة التنافس بين أفراد الطائفة المسيحية المارونية الذين يحق لهم وحدهم فقط شغل منصب الرئاسة في ظل نظام تقاسم السلطة في لبنان. ومن جهة أخرى، تعكس الأزمة صراعاً على السلطة بين جماعة "حزب الله"، التي أوصلت حليفها عون إلى الرئاسة في عام 2016، والمعارضين الذين يرفضون منذ فترة طويلة حمل الجماعة للسلاح ويقولون إن هذا ورط لبنان في الصراع مجدداً.
ومع عدم إظهار السياسيين أي ميل للحلول الوسط في الصراع على السلطة حتى الآن، فإن التوصل لتسوية في شأن شغل منصب الرئاسة قد يتطلب وساطة أجنبية، وهو ما أنقذ لبنان من أزمات سابقة مماثلة.
أزمة اللاجئين السوريين
بعد مرور 13 عاماً على اندلاع الصراع السوري لا يزال لبنان موطناً لأكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكان في العالم، إذ يعيش على أراضيه نحو 1.5 مليون سوري نصفهم لاجئون مسجلون رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. ويبلغ عدد السكان اللبنانيين نحو 4 ملايين.
ويتراجع حجم التمويل المخصص للأزمة السورية، وهو ما يعكس معاناة المانحين الذين يتعاملون مع صراعات أخرى حول العالم. وعلى رغم خلافاتها تتفق الأطراف من مختلف الأطياف السياسية في لبنان في ما يتعلق بضرورة عودة السوريين إلى وطنهم.