Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"التسلح الذاتي" يصعد المخاطر في السودان

 أعلنت 57 قبيلة بالفاشر الانخراط في القتال بعد مقتل 60 مدنياً خلال الأسبوع الماضي

يحظى الجيش السوداني بتأييد القبائل ضد قوات الدعم السريع (اندبندنت عربية – حسن حامد)

ملخص

باتت المعارك والاشتباكات في السودان قصفاً عشوائياً وخليطاً من مقاتلي الجنود النظاميين والمستنفرين والكتائب المتطرفة إلى جانب مسلحين ذاتيين مع غياب أي مؤشرات على قرب توقف الحرب وتضاؤل آمال العودة إلى المفاوضات

مع طول أمد حرب السودان وتعدد تكرار المجازر الدموية والمداهمات التي راح ضحيتها مئات من المدنيين وعمليات النهب والسلب والمعارك والدمار والدماء التي لا تنقطع، بات الناس يتدافعون لاقتناء وحمل السلاح بصورة ذاتية غرض الدفاع عن النفس برغبة عارمة في الثأر.

 جبهات ساخنة

باتت المعارك والاشتباكات في السودان تندلع في أي مكان وزمان من دون سابق إنذار أو حتى أوامر عسكرية، قصف عشوائي وخليط من مقاتلي الجنود النظاميين والمستنفرين والكتائب المتطرفة إلى جانب مسلحين ذاتيين، أزياء متداخلة بين العسكرية والمدنية مع غياب أي مؤشرات على قرب توقف الحرب وتضاؤل آمال العودة إلى المفاوضات، فهل تتجه حرب السودان إلى الخروج عن السيطرة وتتحول إلى صراع طاحن طويل الأمد؟

في هذا الوقت لا تزال عمليات القصف المدفعي الأرضي والجوي والاشتباكات الدامية بين طرفي القتال في مدن العاصمة السودانية الثلاث، (الخرطوم وأم درمان والخرطوم بحري)، محتدمة بصورة يومية مما أودى بحياة أكثر من 60 مدنياً خلال الأسبوع الماضي في أحياء محلية كرري شمال العاصمة السودانية.

وتدور في الوقت نفسه معارك طاحنة واشتباكات وقصف في مدن الفاشر ونيالا في إقليم دارفور ومناطق أخرى وسط السودان، فيما وصلت مسيرات "الدعم السريع" أجواء ولايات القضارف ونهر النيل،  كما أسقط الجيش الأسبوع الماضي مسيرتين لـ "الدعم السريع" في سماء ولاية النيل الأبيض.

التسلح الذاتي

مع توسع رقعة الحرب وانتشار أنباء الانتهاكات تتصاعد ظاهرة مطالبة المواطنين بالتسليح للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم، وتتزايد مظاهر التسلح الذاتي على الصعيدين الجهوي والقبلي بصورة  تغذيها روح  الثأر والانتقام، لا سيما في الولايات التي شهدت انتهاكات مثل الجزيرة وأطراف النيل الأبيض وسنار نهر النيل والشمالية.

في أعقاب انتشار نبأ تصفية قوات الدعم السريع للملازم أول متقاعد محمد صديق المنتمي لقبيلة الجعليين في ولاية نهر النيل حشدت القبيلة شبابها وتوعدت بالرد.

ولاقت تصفية صديق اهتماماً لافتاً في الأوساط السودانية كونه كان مع مجموعة يقودها أول من انحاز للثوار مخالفاً التعليمات برفضه أوامر تفريق المتظاهرين المعتصمين أمام قيادة الجيش بالقوة خلال انتفاضة ديسمبر (كانون الأول) التي أطاحت حكم الرئيس البشير، لكنه بعد اندلاع الحرب أبدى استعداده للقتال إلى جانب الجيش على رغم فصله منه والقتال ضمن المستنفرين.

 

وأعلن مجلس شورى قبيلة الجعليين تشكيله منفرداً ما سماها بـ"كتيبة التطهير" لتنظيف كل الخلايا النائمة والمخبرين والمرشدين والمهربين في المزارع والأسواق والطوابير داخل مؤسسات الدولة المدنية والنظامية، مشدداً على أنه سيتعامل مع الوضع بطريقته الخاصة في شأن كل ما يستوجب التطهير والحسم الفوري.

وفي دارفور أعلنت 57 قبيلة داخل مدينة الفاشر الدخول في القتال من أجل حماية المدينة بصورة خاصة والبلاد على وجه العموم، ضد عدوان المليشيات المتمردة وأكد التكتل القبلي توافقه على نبذ العنصرية والجهوية.

كما طالبت مكونات اجتماعية أخرى من الإقليم في لقاء تفاكري بينها وهيئة شورى قبيلة الزغاوة في العاصمة البديلة بورتسودان، قائد الجيش بعدم الدخول في أي تفاوض مع الميليشيات إلا في إطار الاستسلام.

وقال أبو القاسم أتيم، ممثل مكونات دارفور إن المقاومة ضد الميليشيات باتت فرض عين باعتبار أن الحرب الحالية غريبة من نوعها لم يشهد العالم مثلها باستهدافها المواطن في ماله وعرضه.

وظلت قرى ولاية الجزيرة تتعرض لهجمات متكررة من قوات "الدعم السريع"، مما اضطر بعض القرى إلى التصدي لتلك الهجمات بالأسلحة النارية الذاتية والأسلحة البيضاء على رغم الخسائر البشرية الكبيرة وسطهم.

توافر السلاح

وتتهم عناصر الدعم السريع بارتكاب انتهاكات مروعة بحق المدنيين في إقليم دارفور إلى جانب عشرات القرى بعد سيطرتها على ولاية الجزيرة وسط السودان نهاية العام السابق، شملت الانتهاكات المتواصلة حتى اليوم القتل والاختطاف ونهب الممتلكات والتهجير القسري والترويع والعنف الجنسي، كما تلجأ تلك العناصر إلى تجنيد بعض شباب قرى الولاية بالقوة.

تحت تلك الظروف والضغوط تعهد رئيس مجلس السيادة الانتقالي وقائد الجيش الفريق عبدالفتاح البرهان، أمام اللجنة العليا للمقاومة الشعبية بولاية الجزيرة استجابة لمطالب تسليح المدنيين في ولاية الجزيرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأوضح قائد المقاومة بالجزيرة عبدالسلام الشامي، أن البرهان أمن على إنفاذ المطلوبات التي قدمتها اللجنة، في مقدمتها تسليح المواطنين والمستنفرين ودعم المتحركات وإعادة قدامى المحاربين للخدمة.

وكانت مجزرة قرية ود النورة الأخيرة غرب ولاية الجزيرة التي ارتفع عدد ضحاياها إلى  حوالى 227 قتيلاً و311 جريحاً، إثر مهاجمتها من قبل قوات "الدعم السريع" قد دفعت مواطني المنطقة للتجمع لاحقاً بصورة عفوية للدفاع عن منطقتهم بالأسلحة النارية الصغيرة والبيضاء، مطالبين قيادة الجيش بتسليحهم بأسلحة متقدمة وثقيلة متوسطة للدفاع عن أنفسهم وممتلكاتهم.

مخاوف الانفلات

في السياق حذر الباحث في الشؤون العسكرية والأمنية ضو البيت دسوقي، من أن مخاوف خروج الحرب عن السيطرة تتزايد كل يوم في ظل تنامي ظاهرة التسلح الذاتي ودعوات إعلان الجهاد في مقابل أن هناك مجموعات من قوات الدعم السريع خرجت بالفعل عن سيطرة قيادتها بصورة أو بأخرى وتفعل ما يحلو لها بعيداً من أوامر القيادة، بدعوى التصرف وفق الوضع الميداني.

يلاحظ دسوقي تنامي ظاهرة التسليح الذاتي بصورة مخيفة بهدف الحماية الذاتية لا سيما في ولايات الجزيرة والشمالية ونهر النيل وأجزاء واسعة من النيل الأبيض، إذ أصبح الاستعداد للمواجهات جزءاً من نمط الحياة اليومية لسكان تلك المناطق خوفاً من الانتهاكات التي لا تزال مستمرة بواسطة قوات "الدعم السريع" والاستهداف المتعمد للمدنيين، لدرجة دفعت  الأطفال إلى الدخول في عمليات الحماية.

حذر الباحث العسكري من أن إقحام المدنيين في الحرب عبر الاستنفار حولهم إلى أهداف مشروعة من وجهة نظر قوات "الدعم السريع" لافتاً إلى أن مجزرة ود النورة كشفت عن دفع المواطنين ثمن مساندتهم للجيش قتلاً وتنكيلاً من دون أن يجدوا الحماية اللازمة، مما أدى إلى تآكل رصيد الثقة بين الجيش والمواطن وتوجه الناس إلى التسلح الذاتي ضمن خيارات حماية أنفسهم.

تحذير الدعم السريع

وكان هارون مديخير، مستشار قائد قوات "الدعم السريع" أكد أن أي شخص يتسلح ويقف في صف الجيش سيعتبر هدفاً مشروعاً بالنسبة إلى قواتهم، منوهاً إلى أن الاستنفار سيضر بالمواطنين لطالما اتجهوا إلى مساندة الجيش والقتال معه.

في الأثناء كشفت مصادر أهلية بولاية الجزيرة أن الإدارة الأهلية بالولاية التي تعمل تحت ضغوط الإدارة المدنية المعينة من قبل الدعم السريع لإدارة شؤون الولاية، عن مشاورات تجري بغرض تحييد المواطن بحل لجان الاستنفار وإغلاق المعسكرات في مقابل الحصول على الأمن والأمان للمدنيين.

واعتبر دسوقي أن التمادي في عمليات تجنيد وتسليح مزيد من المدنيين وتجييشهم سيقود إلى إطالة أمد الحرب ويغذي احتمالات انفلاتها وخروجها عن السيطرة، مبيناً أن تمركز معسكرات الاستنفار في ولايات الوسط والشرق والشمال في مواجهة قوات "الدعم السريع" التي ينتمي معظم مقاتليها إلى ولايات غرب السودان، من شأنه كذلك أن يضفي على الحرب طابعاً مناطقياً وجهوياً وأهلياً.

 

تجارب سابقة

غير أن المحلل العسكري والسياسي اللواء المتقاعد عبدالهادي عبدالباسط، يرى أن التسليح الذي يقوم به الجيش للمواطنين أي التعبئة والاستنفار تشمل مكونات الشعب السوداني كافة وليس على أسس قبلية أو جهوية، كما أنه يتم تحت إشراف قادة الفرق والوحدات العسكرية بمساعدة بعض المعاشيين من القوات النظامية، وأن عمليات التسليح تتم وفق ضوابط بيانات تسليم السلاح في القوات المسلحة.

 لذلك يرى عبدالباسط، أنه ليس هناك أي تخوف من أن يخرج  الدخول الشعبي في صفوف المقاومة الشعبية عن السيطرة، مشيراً إلى أن الجيش السوداني لديه خبرة وتجارب سابقة ناجحة في السيطرة على المستنفرين متمثلة في تجربتي الدفاع الشعبي والخدمة الوطنية في فترة نظام الحكم السابق التي لم تحدث فيها أي تفلتات.

كما وصف المحلل التقارير التي تتحدث عن احتمال خروج الحرب عن السيطرة وربط ذلك بالاستنفار الشعبي مع الجيش بأنها تقارير متحاملة، كما أن المجتمع الدولي بدا ظالماً جداً في سعيه لمحاولة تصوير الحرب كأنها صراع على السلطة بين جنرالين وكذلك محاولة المساواة بين الجيش السوداني الذي عمره 100 عام مع مجرد فصيل متمرد.

وتابع، "أما المتمردون فيقودون حرباً ضد كل الشعب السوداني بلا استثناء، وهو ما جعل فئاته كلها تصطف ضدهم، مشيراً إلى أن بعض بطون قبيلة (الرزيقات) التي ينتمي إليها معظم مقاتلي "الدعم السريع" والتجمع ضدهم خوفاً من تعرض القبيلة للإبادة وعدم تمكنها من العيش معزولة ضد كل فئات الشعب السوداني في هذه الحرب".

توقع عبدالباسط أن يحدث الانقسام نفسه الذي بدأت ملامحه تظهر الآن بصورة أكبر في قبيلة (المسيرية) ثاني أكبر مكونات "الدعم السريع"، متمثلاً نموذج انضمام الزعيم القبلي قائد قوات مجلس الصحوة (موسى هلال) إلى الجيش، خوفاً من إضعاف القبيلة وتكسير قواها الحية.

تقنين وحظر

وكان والي الخرطوم المكلف أحمد عثمان حمزة أشار إلى أن وضع المقاومة الشعبية سيتم تقنينه وسيتم تسليحها وفقاً للقانون الخاص بها الذي قطع مراحل متقدمة، فيما طالبت اللجنة العليا للمستنفرين والمقاومة الشعبية بالولاية مجلس السيادة إصدار مرسوم دستوري لتقنين وضع المقاومة الشعبية.

وقبل التقنين المنتظر أصدر أمر طوارئ رقم (5) لعام 2024 حظر بموجبه حمل السلاح بأسواق ولاية الخرطوم وذلك وفقاً لقانون الطوارئ والسلامة العامة، وحدد الأمر سلطات القوات النظامية والنيابة بالعمل على تطبيق الأمر وإنفاذه والحجز على السلاح الناري موضوع المخالفة، إلى حين اكتمال التحري والمحاكمة.

في الأثناء تتواصل عمليات تخريج المستنفرين إذ شهدت الأيام القليلة الماضية تخريج مستنفري الكتيبة الإستراتيجية لـ"معركة الكرامة"، التي تضم رجالاً ونساء بولاية القضارف، كما احتفلت قيادة الفرقة (19) مشاة بمنطقة مروي بالولاية الشمالية بتخريج الدفعة الـ (67) للمستجدين بحضور الوالي المكلف وقائدَي الفرقة المقاومة الشعبية بالولاية.

ومنذ نحو عام أعلن قائد الجيش السوداني الفريق أول عبدالفتاح البرهان التعبئة والاستنفار العام، مطالباً الشباب بحمل السلاح وحماية مناطقهم وفتح الباب لمن يرغب في القتال إلى جانب الجيش في معركته ضد قوات "الدعم السريع" التي اندلعت منذ منتصف أبريل العام الماضي ولا تزال مستمرة لأكثر من عام.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير