Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

بعد صعود اليمين... مسارات الهجرة بأفريقيا في قلب المواجهة الروسية الأوروبية

لفت مراقبون إلى التشدد الأوروبي في ملف اللجوء الذي يقابله في شمال أفريقيا حكومات هشة

مئات المهاجرين في ميناء جزيرة لامبيدوزا الإيطالية (وكالة أنسا)

ملخص

أثار فوز أحزاب أقصى اليمين في الانتخابات الأوروبية الأخيرة مخاوف في أوساط مجتمعات اللاجئين في القارة العجوز ووجه رسالة إلى من ينوي اعتماد طرق الهجرة غير الشرعية لعبور المتوسط باتجاه شواطئ أوروبا.

أثار صعود أحزاب أقصى اليمين في أوروبا، وبخاصة في فرنسا وإيطاليا، قلقاً في أوساط المهاجرين المقيمين في هذه البلدان أو الراغبين من دول أفريقية في استخدام إحدى الوسائل غير النظامية للوصول إلى الضفة الأخرى من المتوسط، لكن ما قد يضع خطط المتشددين الأوروبيين الجدد أمام اختبار معقد هو تحول موطن تدفقات اللاجئين من الصحراء الكبرى والساحل إلى موطئ قدم لروسيا، التي تقف وراء طرد الفرنسيين من دول أفريقية والدور قادم على الأميركيين، وصارت تبتز الغرب بملف الهجرة.
واكتسحت أحزاب أقصى اليمين انتخابات البرلمان الأوروبي هذا الأسبوع، فاستحوذت على المركز الأول في فرنسا وإيطاليا والنمسا وحلت ثانية في ألمانيا وهولندا، مخلفة حالاً من عدم اليقين في شأن مستقبل الاتجاه السياسي للقارة العجوز، إذ حصلوا على مكاسب كبيرة قد تجعل من الصعب على بروكسل تمرير التشريعات واتخاذ القرارات بسهولة.


نتائج قوية لليمين

وحصل حزب "التجمع الوطني" في فرنسا على 31.5 في المئة من الأصوات ليحل في المرتبة الأولى، تاركاً وراءه حزب "النهضة" الرئاسي في المركز الثاني بحصوله على 15.2 في المئة من الأصوات. وفي ألمانيا تراجعت نسبة الأصوات التي فاز بها "الحزب الديمقراطي الاشتراكي" بزعامة المستشار أولاف شولتز وشركائه في الائتلاف الحاكم، فيما زاد حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف حصته محتلاً المركز الثاني بـ16 في المئة من الأصوات.
وعليه، حل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأحد الماضي مجلس النواب، ودعا إلى انتخابات مبكرة بعد الهزيمة الثقيلة.

ميثاق جديد للهجرة

وعلى رغم إيلاء روما وباريس أهمية بالغة لملف الهجرة حتى قبل صعود أقصى اليمين، فإنه سبقه نقاش سياسي محتدم بالاتحاد الأوروبي، أعقبه اعتماد ميثاق جديد للهجرة غير النظامية في الـ14 من مايو (أيار) الماضي، اعتبره المجلس الأوروبي في بيان إنجازاً تاريخياً.
ويتضمن الميثاق، حسب موقع المجلس الأوروبي، مجموعة صارمة من الإجراءات تهدف بصورة رئيسة إلى خفض أعداد الوافدين وتشديد شروط دخول دول الاتحاد ونقل معظم إجراءات اللجوء إلى الحدود الخارجية والتسريع بإعادة اللاجئين المرفوضين، إضافة إلى تقاسم أعباء عمليات استقبال اللاجئين بين الدول الأعضاء.

الدور الروسي
 

ومما سيصطدم به اليمينيون لا محالة هو تصاعد الدور الروسي بصورة كبيرة في منطقة تعد من أبرز مسارات وطرق الهجرة إلى أوروبا، وهي منطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى، والتي استبدلت فيها القوات الروسية بتلك الفرنسية والأميركية التي ناصبها الانقلابيون الجدد في مالي وبوركينا فاسو والنيجر العداء.

وقال أستاذ الجغرافيا السياسية في جامعة باريس عماد الدين الحمروني إنه "كان منتظراً أن تحصل أحزاب أقصى اليمين على هذه النتائج في الانتخابات الأوروبية، إذ حافظت على مخزونها الانتخابي مقابل تراجع مواقع الحكام الممثلة في الأحزاب الليبرالية واليسارية إلا في إسبانيا وأوروبا الشمالية".

وأرجع الحمروني "صعود أحزاب أقصى اليمين إلى أسباب عدة، أهمها الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتدهورة ومسألة الهجرة وبخاصة تلك غير الشرعية، وأزمة كورونا والحرب في أوكرانيا إضافة إلى صعود دور التجمعات المرتبطة بالمثلية، واللوبي الصهيوني الساعي إلى إضعاف دور اليسار الشعبي المتنامي الداعم للقضية الفلسطينية". ورأى المحلل السياسي أن "المعركة اليوم داخلية وخارجية ومواجهة روسيا أصبحت حتمية، لذلك هناك تداخل بين الملفات، وبخاصة علاقة أوروبا بأفريقيا والعالم العربي في مسائل الهجرة والطاقة والممرات البحرية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأبرز الحمروني "وجود قلق مجتمعي أوروبي وتخوف حقيقي من المستقبل القريب، يدفع صانع القرار السياسي في أوروبا إلى ظهور الأحزاب اليمينية الراديكالية لتسهيل تمرير قرارات تخدم مصالح شركات الطاقة والسلاح الأوروبية والأميركية، والتمهيد للمواجهة مع روسيا وإيران". وتوقع ظهور "مفاجآت كثيرة وكبيرة على مستوى نتائج انتخابات فرنسا وأميركا والوضع السياسي في ألمانيا"، مؤكداً أن "أفريقيا منطقة صراع أميركي روسي أوروبي".
ومن جانبه عبر الباحث في شؤون الهجرة واللجوء طارق لملوم عن اعتقاده أن "وسائل الإعلام لعبت دوراً كبيراً في الأعوام الأخيرة في صعود اليمين بعد جائحة كورونا، والأزمات التي حصلت لأوروبا والاتهامات الكبيرة في إدارة أزمة كوفيد، والمشكلات الاقتصادية والحرب الروسية - الأوكرانية والنجاح في استخدام ملف المهاجرين كورقة ضغط، وبسبب هذه المشكلات ضخم الإعلام ما يتهدد الهوية الأوروبية التي زعم أنها في مهب الريح". وقال لملوم إن "الشارع الأوروبي يهمه الوضع الاقتصادي، ومن ثم تأتي قضية الهوية والحفاظ عليها، لكن أحزاب أقصى اليمين لعبت على قضية التهديدات المحيطة بالهوية الأوروبية ونجحت فيها، وبالغت في التحذير من الدور الروسي سواء في الساحل أو أفريقيا، وأيضاً الحديث عن توسع موسكو في الشرق الليبي".

حكومات هشة

ولفت المتخصص في شؤون الهجرة إلى "التشدد الأوروبي الذي يقابله في شمال أفريقيا حكومات هشة"، مذكراً على وجه الخصوص بقبول ليبيا وتونس مساومات من إيطاليا، إذ تقومان بمهام وصفها بـ"القذرة" يطلبها الاتحاد الأوروبي من خفر السواحل الليبي "مما فتح شهية الأحزاب اليمينية ووجد قادتها أن بحوزتهم القدرة على تحقيق مكاسب وانتصارات كبيرة وخفض أعداد المهاجرين، لأنهم رأوا أنه يمكن التعويل على هذه الحكومات في تنفيذ كل المخططات ومنها صد قوافل المهاجرين".
واعتبر تحقيق نشرته صحيفة "واشنطن بوست" أن أربع دول عربية تحولت إلى "مكبات بشرية" للمهاجرين بتمويل أوروبي. وأكد التحقيق أن الاتحاد الأوروبي يدعم ويمول عمليات تقوم بها حكومات شمال أفريقيا في ليبيا وتونس وموريتانيا والمغرب، تتضمن احتجاز عشرات آلاف المهاجرين ووضعهم في مناطق نائية، غالباً ما تكون صحارى قاحلة، والتخلي عنهم دون طعام أو ماء مع مواجهة أخطار أخرى من قبيل التعذيب حتى الموت، حسب التحقيق.

ومن جانبه يرى الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الأفريقية حسام الدين العبدلي "في صعود أقصى اليمين تأثيراً في طالبي اللجوء أو من يفكرون في الوصول إلى شواطئ أوروبا، إذ تحاول أحزاب أقصى اليمين إقرار قوانين قاسية بحق المهاجرين تصل لإعادتهم إلى دول ثالثة أو إلى بلدانهم الأصلية".

واستدل العبدلي بإنشاء رئيسة الوزراء الإيطالية جورجيا ميلوني مراكز إيواء اللاجئين في ألبانيا، لوضع المهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي. وقالت ميلوني إن نسبة الهجرة التي تصل إلى إيطاليا انخفضت بمعدل 60 في المئة بسبب الاتفاقات مع تونس وليبيا، وإن صح هذا الأمر فقد أصبحا حارسين على الحدود الأوروبية".
لكنه قال إنه يعتقد أن "هذا الكلام نوع من الدعاية الانتخابية، إذ إن المهاجرين الذين يدخلون إلى ليبيا تضاعفوا ثلاث مرات أسبوعياً بفعل التغيرات في الساحل الأفريقي". وأضاف أن "موجات الهجرة تذكرنا بأعوام من 2012 إلى 2014 بسبب فشل السياسات الأوروبية في التعامل مع رياح التغيير في القارة الأفريقية، والآن يتكرر الأمر خلال العام الحالي"، لافتاً إلى "التدفق غير المسبوق للمهاجرين من السودان في ظل تصاعد المعارك في مدينة الفاشر". وانتقد "عدم إقدام الأوروبيين على تقديم المساعدة لوقف الحرب أو القبول بشروط الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لوقف الحرب في أوكرانيا، وهي الحرب التي تدفع من جيوب الشعوب الأوروبية، مما جعلها تصوت لمصلحة اليمين انتقاماً على خلفية سياسات الرئيس إيمانويل ماكرون التي تصطف مع واشنطن على حساب باريس".

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات