ملخص
على المستوى التمثيلي، والنص والإخراج، إنه فيلم منسوج بإتقان وبراعة بالمجمل. لكن ما هو أهم من ذلك هو أن "قاتل مأجور" يظهر عدم موثوقية إجماع الجمهور، بخاصة في هوليوود المعاصرة
لماذا لا تنتج أفلام مثل "قاتل مأجور" Hit Man بعد الآن؟ الفيلم الكوميدي الجديد والممتع بشكل مذهل من "نتفليكس"، من إخراج ريتشارد لينكلايتر، المبدع وراء فيلم "صبا" Boyhood، هو تماماً ذلك النوع من الأفلام التي يقال لنا في العادة إنه لا يمكن إنتاجها في عام 2024. فهو يقدم صورة مثالية ومنتقاة بعناية تماماً لعملية إنفاذ القانون في أميركا، إلى جانب مشاهد جنسية جريئة، وقصة حب إشكالية في صميمه. في عصر يزعم أن "الصحوة الكبرى" جعلت السينما تتجانس في مزيج محايد وخال من الجرأة والجنس، يبدو "قاتل مأجور" كفيلم يتحدى القواعد. على كل حال، وعلى رغم ذلك، كان فيلم لينكلايتر ناجحاً على حد سواء بين النقاد والقلة القليلة من رواد السينما الذين تمكنوا من مشاهدته خلال فترة عرضه (القصيرة جداً) في الصالات.
لا عجب أن الناس أحبوه: فـ"قاتل مأجور" هو عالم من المرح. غلين باول، الذي يلعب دور البطولة في فيلم "أي شخص إلا أنت" Anyone But You، يقدم هنا أداء آسراً وقدرة على التغير وإظهار جاذبية ساحرة، إذ يجسد شخصية أستاذ فلسفة يعمل كقاتل مأجور بديل تستعين به الشرطة في عمليات القبض على المجرمين. بينما تقوم أدريا أريونا، بطلة مسلسل "أندور" Andor، بلعب شخصية ضحية عنف منزلي تحاول استئجاره لقتل زوجها، فيدخل الاثنان في علاقة شهوانية، مبنية على حالة تزييف هوية مستهجنة للغاية.
نظرياً تبدو القصة ظلامية ومنفرة، لكن الفيلم في الواقع خفيف مثل قطعة حلوى هشة: "قاتل مأجور" مليء فعلاً بالمرح ومرض للجمهور، على غرار فيلمي ريتشارد لينكلايتر السابقين: "مدرسة الروك" School of Rock و"بيرني" Bernie. قدرة الفيلم على الحصول على إعجاب معظم من شاهده، تدل بشكل جزئي على جدارته الفنية: على المستوى التمثيلي، والنص والإخراج، إنه فيلم منسوج بإتقان وبراعة بالمجمل. لكن ما هو أهم من ذلك، على كل حال، هو أن "قاتل مأجور" يظهر عدم موثوقية إجماع الجمهور، بخاصة في هوليوود المعاصرة.
تتداول الثقافة السينمائية المعاصرة عدداً من البدهيات المفترضة التي تعرض علينا باستمرار. يقال لنا إن الجمهور طور نفوراً من مشاهدة الجنس على الشاشة - وهو خوف مدفوع من الرقابة والجيل زد الذي تتحكم به الإنترنت. يقال لنا إن نجوم السينما لم يعد لهم وجود، وإن أشخاصاً مثل باول وأريونا لا يعطون الفرصة لتقديم أفلام كبرى تعتمد فقط على الكيمياء بينهم وقوة نجوميتهم. إضافة إلى ذلك، يزعم أن الأفلام تشوه ويقلص حجمها بسبب الحاجة إلى التوافق مع المعايير الاجتماعية المتغيرة، إذ تملي "ثقافة الإلغاء" أن يحكم على السينما ليس على أساس الجدارة، ولكن على أساس الالتزام بالقيم الأخلاقية المعاصرة. يتحدى "قاتل مأجور" كل هذه الافتراضات المسبقة، إنه دليل واضح على هيئة شريط سينمائي نموذجي على أنه لا يزال من الممكن إنتاج فيلم سائد يسهل الوصول إليه، يتميز بجوانب صعبة وأجندة أخلاقية معقدة (أو حتى معرضة للخطر).
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن، لكي أكون منصفاً في تقييمي: ليس من الجيد أن "قاتل مأجور" يتجاهل ببراءة الحقائق المظلمة في العلاقة الرومانسية الرئيسة فيه - بالتأكيد يتجاوز حدود الموافقة المطلعة على ممارسة الجنس بين الشخصيتين اللتين يجسدهما باول وأريونا. لكن هناك عنصراً ما، تياراً خفياً مزعجاً يجعل الفيلم أكثر انسيابية وربما موضوعاً للنقاش أكثر إثارة للاهتمام. حقيقة أن "قاتل مأجور" نجا إلى حد كبير من الجدل حول جوانبه الإشكالية، تعكس على الأرجح جهل الجمهور العام أكثر من مهارة لينكلايتر في إخفائها.
في ذروته يتحول "قاتل مأجور" إلى مزيج من الفوضى المشحونة بالأدرينالين، تتنكر شخصيتا باول وأريونا في لعبة حياة أو موت مع خصوم يقتربون من جانبي القانون - عرض بهلواني متقن يتلاعب بعناصر عدة في آن معاً يتجلى في هيئة كوميديا مجنونة سريعة، في هذه اللحظة يبدو الفيلم حقاً كمنتج من عصر مضى. إنهم لا يصنعون الأفلام بهذه الطريقة بعد الآن. ولكنهم بالطبع يقومون بذلك، وأنتم تشاهدون أحدها الآن.
يعرض فيلم "قاتل مأجور" في صالات السينما ومتاح للمشاهدة عبر منصة "نتفليكس" حالياً.
© The Independent