ملخص
لكن منذ بدأت الحرب في أوكرانيا عام 2022 وتوالي العقوبات الأميركية والغربية على موسكو وسعت الأخيرة تعاملاتها مع دول مثل الصين للالتفاف على العقوبات، وقلصت روسيا تعاملاتها الخارجية بالدولار واليورو إلى حد كبير.
صعدت الولايات المتحدة، ومعها حلفاؤها الأوروبيون، الحرب المالية على موسكو بهدف شل "اقتصاد الحرب" الروسي كما تصف التصريحات الأميركية، وأول من أمس الأربعاء فرضت واشنطن عقوبات مالية جديدة على سوق المال الأكبر في روسيا، وبالتالي على البنوك التي تتعامل مالياً مع موسكو بحسابات عملات أجنبية تحول بالدولار، ومع أن الأربعاء كان يوم عطلة في روسيا إلا أن البنك المركزي والبورصة الروسية الأكبر، بورصة موسكو "مويكس"، سارعا بإصدار بيانات عاجلة بوقف تداول الدولار واليورو في السوق المفتوحة.
وأعلن البنك المركزي أنه سيلجأ إلى "الإنتربنك" لتحديد سعر صرف العملة الروسية الروبل، وطمأن الأفراد والشركات الذين لديهم مدخرات بالعملة الأميركية والأوروبية إلى أن حساباتهم آمنة، لكن لن يسمح بالشراء والبيع أو عقد الصفقات أو حسم المعاملات بالعملتين الأميركية والأوروبية في البورصة، إنما سيكون التعامل في صفقات مباشرة بين المتعاملين.
وجاء في بيان البنك المركزي أنه "نتيجة فرض الولايات المتحدة إجراءات تقييد على بورصة موسكو فإن تعاملات البورصة وتسويات التعاملات في المشتقات بالدولار الأميركي واليورو ستتوقف"، وهكذا لن تتمكن البنوك ولا الشركات ولا المستثمرين من تداول العملتين عبر سوق المال، إنما في صفقات مباشرة بين طرفين، ويتميز التعامل في سوق المال بوفرة السيولة وسهولة حسم التعاملات.
اضطراب سعر الصرف
ويحتفظ كثيرون من الروس بجزء من مدخراتهم بالدولار أو اليورو كتحوط من تذبذب سعر صرف الروبل، لذا جاء في بيان البنك المركزي أن "الشركات والأفراد يمكنهم الاستمرار في شراء وبيع الدولار واليورو من خلال البنوك الروسية، وكل الأموال بالدولار واليورو في حسابات وودائع المواطنين والشركات تظل آمنة".
وفور القرار الأميركي بالعقوبات المالية الجديدة وبيانات البنك المركزي وبورصة موسكو شهد سعر صرف الروبل اضطراباً واضحاً في السوق، وبحسب "فايننشيال تايمز" فإن سعر الصرف والقدرة التحويلية للروبل ستصبح عالية الأخطار والاضطراب، مما سيؤدي إلى زيادة الكلفة على المصدرين والمستوردين الروس بشكل عام، وأيضاً على المواطنين.
وعلى الفور عرضت بعض البنوك الروسية الدولار بسعر ما بين 120 روبلاً و200 روبل، قبل أن يستقر سعر بيعها فوق 100 روبل، في مقابل سعر صرف للعملة الروسية عند 90 روبلاً للدولار في البورصة قبل يوم واحد، وزاد الفارق بين سعر البيع وسعر الشراء بحدة، قبل أن يستقر على نحو 10 روبل في المتوسط.
وأدى تذبذب سعر صرف الروبل إلى قلق في بنوك أخرى خارج روسيا تتعامل مع موسكو مالياً، مثل البنوك في تركيا والصين والهند وغيرها، كما تخشى تلك البنوك من أن يطاولها أيضاً ما يسمى بـ"عقوبات ثانوية" أميركية في حال استمرارها التعامل مع البنوك الروسية، وبالتالي تعاني تقييد الوصول إلى الدولار.
وكانت بورصة موسكو أعلنت أنها ستوقف صفقات التعامل في الأسهم والأوراق المالية المقيمة بالدولار أو اليورو، وعلى الفور مع فتح السوق الخميس هوت أسهم مجموعة البورصة نفسها بنحو 15 في المئة.
ويتوقع المحللون أن يكون التأثير الأكبر للعقوبات المالية الأميركية الجديدة في سعر صرف الروبل الذي سيشهد تذبذباً واضطراباً، وتقول الباحثة في مركز "كارنيغي" لروسيا ألكسندرا بروكوبينكو إنه "بالنسبة إلى الناس العاديين سيكون الأمر أصعب قليلاً لتحويل الأموال إلى خارج روسيا".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
فرصة لليوان
ولا تعني العقوبات الأميركية أن العملة الروسية ستصبح غير قابلة للتحويل، لكن بعض المصدرين والمستوردين الذين يحتاجون لتحويل العملة إلى دولار أو يورو لدفع قيمة الواردات أو تحويل عائدات الصادرات بالعملة الأجنبية إلى روبل سيجدون بعض الصعوبة في معاملاتهم.
والواقع أن رد الفعل القوي في الأسواق الروسية يعود لما يمكن وصفه "العامل النفسي" أكثر منه التأثير الفعلي للعقوبات الأميركية الأخيرة، وزاد من التأثير تزامن العقوبات الجديدة مع إقرار قادة "مجموعة السبع" تمويل أوكرانيا بنحو 50 مليار دولار مضمونة بعائدات الأصول المالية الروسية المجمدة في الخارج.
لكن منذ بدأت الحرب في أوكرانيا عام 2022 وتوالي العقوبات الأميركية والغربية على موسكو وسعت الأخيرة تعاملاتها مع دول مثل الصين للالتفاف على العقوبات، وقلصت روسيا تعاملاتها الخارجية بالدولار واليورو إلى حد كبير، وهكذا أزاحت العملة الصينية (اليوان) الدولار من مكانته في التداول في السوق الروسية، وفي شهر مايو (أيار) الماضي كان اليوان أكثر عملة تداول أجنبية في بورصة موسكو "مويكس"، ووصل نصيبه من حجم تعاملاتها إلى نسبة 53.6 في المئة.
وبحسب بيانات شركة "إل إس إي جي" كان حجم تداول الدولار - الروبل في البورصة الروسية في حدود مليار روبل (11 مليون دولار) يومياً، بينما لم يزد تداول اليورو - الروبل على 300 مليون روبل، في المقابل كان حجم التداول اليومي لليوان - الروبل عند 8 مليارات روبل (88 مليون دولار).
وهكذا سيكون وقف تداول الدولار واليورو فرصة لليوان الصيني ليأخذ نصيباً أكبر من التداولات بالعملات الأجنبية في بورصة موسكو، إلا أنه من المتوقع أن تشهد مجموعة البورصة انخفاض أرباحها نتيجة تراجع حجم التداولات، وكان حجم التداول في بورصة موسكو ارتفع الشهر الماضي بزيادة بنحو الثلث عن الشهر المقابل العام الماضي ليصل إلى 126.7 تريليون روبل (1.43 تريليون دولار)، ومع العقوبات الأخيرة يتوقع أن ينخفض حجم التداول وبالتالي تقل أرباح البورصة.