ملخص
يتراوح سعر الخروف للأضحية حالياً في مصر ما بين 12 ألفاً (251.88 دولار) إلى 15 ألف جنيه (315,39 دولار) بحسب الوزن والنوع.
اعتاد محمد محمود، الذي يعمل موظفاً بإحدى الشركات الخاصة في مصر، تنفيذ شعيرة الأضحية مع قدوم عيد الأضحى كل عام بشراء ذبيحة الأضحية وتوزيعها على فقراء منطقته، إلا أنه فوجئ أثناء ذهابه إلى سوق المواشي بأحد ميادين الجيزة بقفزة كبيرة في الأسعار خلال العام الحالي، ليجد نفسه مضطراً إلى البحث عن وسيلة أخرى بديلة لتنفيذ عادته من أجل نيل الثواب ولكن بأسعار زهيدة.
لم يجد الشاب الثلاثيني سبيلاً أمامه سوى الاستجابة لنصيحة أحد أصدقائه المقربين بشراء أضحية عبر إحدى المؤسسات الخيرية في تنزانيا، نظراً إلى انخفاض أسعار الأضاحي بها مقارنة بمصر وللتغلب على عناء الذبح.
تواصل "محمود" مع أحد مشرفي المؤسسة الموجودين في مصر، الذي يتوسط بين الراغب في الأضحية ومقر المؤسسة في تلك الدولة الأفريقية، وبعد الاستبيان عن طبيعة عمل المؤسسة ونشاطها حجز "خروف الأضحية" واتفق على تحويل مبلغ مالي للمؤسسة عبر وسيلة الدفع الإلكترونية من أجل شرائها، على أن ترسل المؤسسة مقطع فيديو متضمناً اسمه بمجرد الانتهاء من تنفيذ الأضحية.
لاقت التجربة استحسان الشاب الثلاثيني، مؤكداً استعداده لتكرارها مرة أخرى العام المقبل، مردفاً "الظروف الاقتصادية صعبة حالياً، ووجدت أن هناك فارقاً كبيراً بين سعر خروف الأضحية في تلك المؤسسة الأفريقية الذي بلغ قيمته 2600 جنيه (54,52 دولار)، وبين سعره في مصر الذي تجاوز 12 ألف جنيه (251.88 دولار)، وهو ما جعلني اختار الأضحية عبر تلك المؤسسة من أجل نيل الثواب".
أضحية في تنزانيا
وعلى مدى الأسابيع القليلة الماضية انتشر عدد من الصفحات التي تروج لجمعيات خيرية تتولى مهمة ذبح الأضاحي في بعض البلدان الأفريقية، ويعتبر تنفيذ تلك الشعيرة عبر تلك المؤسسات من أحدث البدائل أمام المصريين لتقديم الأضاحي في ظل ارتفاع الأسعار.
ويتراوح سعر الخروف حالياً في مصر ما بين 12 ألفاً (251.88 دولار) إلى 15 ألف جنيه (315,39 دولار) بحسب الوزن والنوع، فيما يراوح سعر العجل ما بين 55 ألف جنيه (1,154.46 دولار) إلى 90 ألف جنيه (1,889.12 دولار) بحسب الوزن والحجم والسن.
"اندبندنت عربية" تواصلت مع أحد مسؤولي تلك الصفحات والمشرف على مؤسسة "الخير الإنسانية بأفريقيا" باسم محمود (25 سنة)، الذي قال "المؤسسة تمارس نشاطها من دولة تنزانيا التي يوجد بها غالبية مسلمة، ونستهدف التيسير على المصريين في عمليات ذبح الأضحية أو العقيقة أو الصدقات".
وأوضح المشرف على المؤسسة أن نشاطها توسع خلال السنوات الماضية بسبب انخفاض أسعار الأضاحي في تنزانيا، مشيراً إلى أن سعر الخروف في هذا البلد الأفريقي يقدر بـ2000 جنيه مصري (42.05 دولار)، فيما يصل سعر الأبقار إلى 12 ألف جنيه (252,31 دولار)، وهي أسعار زهيدة للغاية بمقارنة بأسعار الأضاحي في مصر.
ولفت "باسم" خريج كلية الشريعة الإسلامية في جامعة الأزهر الانتباه إلى أن هناك 13 مصرياً يعملون في تنزانيا، وتنحصر مهمتهم في ذبح ونقل وتوزيع الأضحية ويتقاضون أجراً في مقابل تلك الأعمال، وتمنح المؤسسة صاحب الأضحية فرصة رؤية الأضحية الخاصة به وذبحها وتوزيعها من خلال توثيق العملية، من خلال فيديو مصور يجري إرساله له، ويوجد خلاله طفل ممسك بورقة، ويذكر اسمه على الأضحية قبيل ذبحها حتى يستوثق من أداء الشعيرة، ويرسل مالك الأضحية أموالها عبر أية وسيلة إلكترونية.
ويؤكد المشرف على المؤسسة، الذي يلعب دور الوسيط بين مقر المؤسسة في تنزانيا والراغب في الأضحية بمصر، أنه لا يوجد أي مانع شرعي من إجراء تلك العملية، إلا إذا كان الشخص قادراً على تنفيذ تلك الشعيرة داخل بلاده ولا يبحث عن السعر الأدنى.
وكانت دار الإفتاء المصرية حذرت عبر صفحتها الرسمية بمنصة "إكس" في يونيو (حزيران) الجاري من انتشار مثل هذه الجمعيات المجهولة، مما أصبح يمثل ظاهرة خطرة في ظل غياب الرقابة عليها، بما يجعلها مثار شبهات، بخاصة مع وصول عدد من الشكاوى للدار عن عمليات نصب تمت تحت اسم ذبح الأضاحي والعقائق أو حفر الآبار، وهو ما أثبت من عدد ممن تعرضوا للنصب، مطالبة بعدم الانسياق وراء هذه الدعوات التي تعد فرصة لنهب أموال من يرغبون في أداء شعيرة الأضحية وفعل الخيرات.
وشهدت مصر خلال عيد الأضحى المبارك 2023 جدلاً واسعاً، بسبب ظهور بعض الفتاوى الدينية على لسان أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الدكتور سعد الدين الهلالي أجاز فيها الأضحية بالطيور مثل "فرخة أو ديك" أي الدجاج، وكل ما هو ما يمكن ذبحه وأكله.
صكوك ومشاركة
ودفعت الظروف الاقتصادية التي يعانيها عدد من المصريين في الوقت الراهن إلى البحث عن بدائل لتنفيذ شعيرة الأضحية للتغلب على ارتفاع أسعار الأضاحي بالأسواق المحلية، إذ لجأ كثير منهم إلى حلول بديلة ميسرة ومبتكرة لتخفيف الأعباء المالية مثل اللجوء لشراء صك الأضحية حال عدم القدرة على شراء الأضحية كاملة وذبحها بسبب انخفاض سعر الصك وتوفيراً لعناء الذبح، فيما لجأ بعضهم إلى فكرة المشاركة مع أفراد آخرين في ذبيحة أضحية كاملة لتقليص النفقات المالية، بينما قرر بعضهم العزوف نهائياً عن الشراء خلال العام الحالي بسبب قفزات أسعار الأضاحي.
وإلى ذلك يقول محمد سامي، الموظف في أحد الفنادق، إن غلاء الأسعار والظروف الاقتصادية الراهنة أجبرته على التوقف عن تنفيذ ذبح الأضحية التي اعتاد على القيام بها كل عام، موضحاً أنه اعتاد مشاركة أشقائه في شراء عجل لذبح الأضحية وتوزيع الأسهم بالتساوي في ما بينهم.
ونوه بأن أسعار العجول شهدت ارتفاعاً في الأسعار، إذ تجاوز سعر العجل حالياً 60 ألف جنيه (1258,08 دولار)، بينما كان يشتريه قبل عامين بـ26 ألف جنيه (545,17 دولار).
ولفت الرجل الستيني الانتباه إلى أنه لم يعد بمقدوره المشاركة في ذبح الأضحية، مردفاً "الحالة صعبة للغاية والقفزات الكبيرة في أسعار الأضاحي جعلتنا غير قادرين على ذبح الأضحية التي اعتدنا عليها".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان وزير التموين والتجارة الداخلية المصري الدكتور علي المصيلحي أعلن في أواخر مايو (أيار) الماضي، أنه سيطرح 20 ألف رأس ماشية طازجة تم استيرادها من خلال الشركة المصرية السودانية بمنافذ التوزيع التي يصل عددها إلى 1500 منفذ متنوع، ما بين المجمعات الاستهلاكية والشوادر والسيارات المتنقلة، موضحاً أنه سيتم كذلك طرح 5 آلاف رأس ضأن مبردة من خلال تلك المنافذ بمناسبة عيد الأضحى.
حال محمد متولي (68 سنة) لا يختلف كثيراً عن سامي، إذ لجأ لشراء صك الأضحية بـ4 آلاف جنيه (83,86 دولار) من إحدى الجمعيات الخيرية كبديل عن ذبح الأضحية العام الحالي بسبب ارتفاع أسعارها.
وقال متولي إن "هناك قفزة كبيرة في أسعار الأضاحي الحية العام الحالي، وهو ما جعلني أقرر شراء صك الأضحية وسيؤدي الأمر الغرض نفسه، وقد ألجا إلى تكرار التجربة العام المقبل في حال استمرار قفزات أسعار الأضاحي".
وكانت وزارة الأوقاف المصرية أوضحت أن سعر صك الأضحية المستورد بلغ 6 آلاف جنيه (126,16 دولار)، وسعر صك الأضحية البلدي 8 آلاف و500 جنيه (178,72 دولار)، مشيرة إلى أن صكوك الأضاحي والإطعام بالأوقاف تجاوزت 230 مليون جنيه (4,852,289 دولار) هذا العام.
وتشجيعاً للمصريين العاملين بالخارج على ذبح الأضاحي، أعلنت وزارة الهجرة توفير صكوك أضاحي للجاليات المصرية في الخارج (بلدي - مستورد)، وفقاً للسعر الذي أعلنته وزارة الأوقاف، على أن يتم الشراء إلكترونياً عبر الوسائل المؤمنة، ومن طريق الحساب البنكي المخصص لذلك.
ودفع ارتفاع أسعار الأضاحي في مصر بعض البنوك المحلية لطرح "برامج تقسيط" لصكوك الأضاحي للأفراد، بالتعاون مع الجمعيات الأهلية ووزارة الأوقاف، ويعتبر "صك الأضحية" بمثابة اتفاق بين الشخص الراغب في تأدية شعيرة الأضحية، والجهة الجهة المعتمدة التي توكل إليها مهمة ذبح الأضحية وتوزيعها.
الركود يضرب البيع والشراء
بدوره قال نقيب الجزارين يوسف البسومي إن سوق الأضاحي تشهد ركوداً في حركة البيع والشراء بنسبة تصل إلى 50 في المئة مقارنة بـ2023، مرجعاً السبب في ذلك إلى انتظار المواطنين انخفاض أسعار اللحوم قبل عيد الأضحى، وأشار إلى أن هناك وفرة في المعروض من اللحوم حالياً.
وأوضح البسومي أن أسعار الأضاحي ارتفعت 30 في المئة العام الحالي مقارنة بـ2023، مردفاً "الشعب المصري يستطيع أن يتكيف أو يتأقلم مع مختلف الظروف، ومن الممكن أن يستغني عن شراء اللحوم بسبب غلاء أسعارها"، وأكد أن كثيراً من المواطنين أصبحوا يعتبرون اللحوم حالياً سلعة ترفيهية وليس أساسية.
ورأى نقيب الجزارين أن "المواطن أصبح يبحث عن بدائل عدة مثل مشاركة الأفراد في ذبيحة أضحية كاملة"، منوهاً أنه يتمنى أن يتولى الأغنياء في كل مدينة فقراءهم بدلاً من اللجوء لصكوك الأضاحي، وتوقع أن تنخفض أسعار اللحوم الحية من 15 إلى 20 في المئة حال استمرار حالة الركود.
إغلاق محال الجزارة
يتفق نائب رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة هيثم عبدالباسط مع حديث البسومي، موضحاً أن نسبة الركود في حركة البيع والشراء في السوق حالياً ترجع إلى انتشار الشوادر والمنافذ والمجمعات الاستهلاكية والجمعيات الشرعية بالبلدان الأفريقية وصكوك الأضاحي التي أثرت جميعها بالسلب في محال الجزارة، وأجبرت كثيراً من الجزارين على الخروج من المنظومة وبيع وإغلاق محالهم.
يشار إلى أن منافذ السلع الغذائية بوزارة الزراعة المصرية شهدت إقبالاً كبيراً من المواطنين على شراء اللحوم، وبلغ سعر اللحم الكندوز 250 جنيهاً (5.24 دولار) والضأن 320 جنيهاً (6.7104 دولار)، بحسب تصريحات للمهندسة منال إبراهيم المشرفة على تلك المنافذ.
يعود نائب رئيس شعبة القصابين ليؤكد خلال حديثه أن أسعار الأضاحي بدأت فعلياً في التراجع بسبب حال الركود، موضحاً أن سعر كيلو العجل البلدي من 180 جنيهاً (3.7836 دولار) إلى 190 جنيهاً (3,99 دولار)، والمستورد من 160 جنيهاً (3,36 دولار) إلى 170 جنيهاً (3,57 دولار)، وكيلو الخروف البري من 230 جنيهاً (4,84 دولار) إلى 250 جنيهاً (5,26 دولار)، وكيلو البلدي من 220 جنيهاً (4,63 دولار) إلى 230 جنيهاً (4,84 دولار).
10 في المئة ارتفاعاً
في السياق ذاته قال رئيس شعبة القصابين بالغرفة التجارية بالقاهرة مصطفى وهبة إن نسبة الإقبال من المواطنين على شراء الأضاحي في الوقت الراهن متوسطة، مشيراً إلى أن كثيراً من المواطنين يحرصون سنوياً على شراء الأضاحي يوم وقفة عيد الأضحى المبارك.
ونوه بأن أسعار الأضاحي الحية تراجعت منذ شهر رمضان الماضي ومستمرة حتى اللحظة الراهنة، إذ يبلغ متوسط سعر كيلو لحم الخروف 230 جنيهاً (4,84 دولار) والعجول 180 جنيهاً (3.7836 دولار).
وأشار إلى أن أسعار الأضاحي ارتفعت العام الحالي 10 في المئة مقارنة بـ2023، موضحاً أن المواطن أصبح يستغل البدائل العديدة المتاحة أمامه، مثل صكوك الأضاحي أو الشراء من الجمعيات الخيرية بالبلدان الأفريقية.
وكان الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي تحدث في أكثر من مناسبة عن ارتفاع أسعار اللحوم بمصر، مرجعاً السبب الرئيس في ذلك إلى استيراد الأعلاف من الخارج بالدولار.