Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ذوو الإعاقة الذهنية ينتظرون الاعتراف بأهليتهم في لبنان

تصديق الحكومة على الاتفاقية الدولية لدمجهم مجتمعياً غير كاف في ظل غياب السياسات التنفيذية

تراجع الدعم الحكومي للأطفال من ذوي الإعاقة من 6 آلاف دولار إلى 100 دولار فقط لكل طفل (جمعية فيستا)

ملخص

يعيش اللبنانيون من ذوي الإعاقة الذهنية جملة تحديات ترتبط بالمؤسسات التي تقدم الدعم لهم، أو بوعي الأهل لدورهم وما قد يقومون به، أو المجتمع الذي يؤدي الدور الأكبر لقبول اندماجهم.

تفاءل كثير في لبنان بعد المصادقة على الاتفاقية الدولية للأشخاص ذوي الإعاقة في السادس من فبراير (شباط) 2023، التي تقود إلى انتقال سياسات الدمج من الإطار المؤسساتي الضيّق إلى الأفق العام الواسع الذي يؤمن بأحقية هذه الشريحة بالاستقلالية، وحرية الخيار والعيش في كنف الأسرة، كما أن تكون عنصراً فاعلاً في الجماعة.

وفي هذا السياق المنطقي يبرز الإطار اللامؤسساتي الداعي إلى الخروج التدرجي من وضعية مؤسسات الرعاية التي تشكل "بيئة معزولة للأشخاص ذوي الإعاقة"، إلى المجتمع الذي يحقق الإدماج ويتقبل التنوع والاختلاف ويعمل لتكييف مؤسسات التعليم والعمل والنقل وغيرها مع الحاجات المختلفة للأشخاص.

ليس باليد حيلة

تختصر الأم ريان تجربة كثير من الأهالي في ظل الانهيار المالي، فهي لم تعد قادرة على تأمين كلفة الرعاية في أحد مراكز تأهيل "طيف التوحد" واستعاضت عن ذلك بوضعه عند أحد أفراد العائلة خلال وجودها في الوظيفة، قصتها ليس الوحيدة بل تختصر معاناة آلاف من الأهالي.

في المقابل، تبدو مؤسسات التأهيل القائمة وكأنها تعاند الأقدار فهي تعاني هاجس تأمين التمويل بعد تراجع المنح والتقديمات التي تؤمنها وزارة الشؤون الاجتماعية لهم، ولا تخفي تلك المؤسسات سعيها وراء تمويل خارجي للاستمرار في عملها، والاستفادة من اهتمام الجهات المانحة بتحسين ظروف اللاجئين السوريين في لبنان.

 وبين هذا وذاك، تبرز المطالبات بـ"إلغاء المؤسسات" والانتقال إلى سياسات الدمج العامة، وعدم الاكتفاء بالأطر القائمة التي تضع الطفل أو الشخص ذا الإعاقة في عزلة عن مجتمعه، ومن ثم التماهي مع التوجه العام الذي أرسته "الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة" التي تبناها لبنان، والتي تحث في (المادة 19) منها على "العيش المستقل والإدماج في المجتمع"، فهي تسعى إلى إخراجهم من دائرة المؤسسات المتخصصة التي تؤمن رعاية وحماية ضمن جدرانها الأربعة، إلى فضاء المشاركة العامة والواسعة، ومساواة الأشخاص ذوي الإعاقة مع الآخرين.

المؤسسات جهود مستمرة

تقول مسؤولة البرامج في مؤسسة "فيستا" المتخصصة بتأهيل ودمج الأشخاص من ذوي الإعاقة الذهنية جولييت جبور، إن عملهم يأتي في إطار التربية المتخصصة والتأهيل والصحة النفسية وكذلك علاج النطق والعلاج الحركي، بل تدخل طبيب الأعصاب في بعض الأحيان.

وتتحدث مطولاً عن أهمية تدريب وتأهيل من يرافق هؤلاء الأطفال في حياتهم اليومية، سواء عبر تدريب المعلمين والمدرسين والإداريين أو عبر حملات التوعية وتأهيل الأهل وكذلك جلسات دعم نفسي لمعرفة كيفية التعاطي مع الأطفال من ذوي الإعاقة، والتخلص من الضغوط النفسية.

وفي خضم الأزمات المالية التي يعيشها لبنان، تتطرق إلى ضعف التمويل وأثره في هذه الشريحة من الأطفال المنتمين إلى عائلات فقيرة، وتقول جبور "في السابق كانت وزارة الشؤون الاجتماعية تغطي بحدود 6 آلاف دولار أميركي عن كل طفل، ولكن تراجع المبلغ إلى 100 دولار فقط، لذا هناك عجز وتحدٍ كبير بالاستمرارية".

 

 

 ورداً على سؤال حول "تراجع الخدمة بصورة تلقائية في ظل انخفاض التمويل"، تقر جبور بذلك لأن "المؤسسة قائمة على موظفين ولا بد من دفع أجورهم، فالمعلمة ومتخصصة النطق والمعالج يحتاجون إلى بدلات" وفي المقابل، تلفت إلى "محاولة إدخال أطفال لبنانيين ضمن نطاق برامج ممولة دولياً، إذ سمحت (اليونيسيف) بإدخال 30 في المئة من اللبنانيين في البرامج الممولة منهم".

أسلوب التعامل مع الطفل المعني

تعمد المؤسسات المعنية عادة للتعامل مع هؤلاء الأطفال إلى قياس المهارات لدى الطفل من النواحي الاجتماعية والسلوكية والأكاديمية لتحديد مستواه الفعلي، تمهيداً لإعداد برنامج فردي خاص به وتحديد الأهداف التي يجب العمل عليها مع متخصص النطق أو الحسي الحركي أو العلاج السلوكي، وتُناقش تلك الأهداف مع الأهل ويُطلب منهم الموافقة عليها، ناهيك عن تنمية مهارات الاستقلالية الذاتية وبناء أهداف جديدة خاصة به لتنمية قدراته.

لكن العمل داخل المؤسسة وتحقيق الطفل تقدماً ملحوظاً يثير التساؤل حول وضعه في العالم الخارجي عند عودته إلى البيئة الحقيقية، خصوصاً خلال فترات العطل التي تتضمن في الغالب بعض التدريبات والنشاطات لتنمية المهارات والاستقلالية الذاتية، وهنا يأتي دور الأهل والتركيز على النقاش بين المؤسسات المعنية وبينهم، وترتيب جلسات دعم نفسي واجتماعي لتوعية الأهل حول الأفكار الخاطئة وتنمية المعرفة حول كيفية التعاطي.

لبنان والمسار البطيء

عام 2000 صدر القانون (220/2000)، وفي 2023، صادق على الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة التي تحث على إلغاء المؤسسات المتخصصة والانتقال نحو سياسة عامة دامجة تحترم جميع المكونات، وهنا يُطرح السؤال حول ما هي الإجراءات المتخذة للانتقال في لبنان نحو الدمج التام للأشخاص ذوي الإعاقة؟. 

في هذا الإطار تلفت مسؤولة في وزارة التربية اللبنانية هيلدا خوري إلى أن "الإطار النظري والعملي الحالي المعتمد لدمج الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة في لبنان يتبنّى النموذج الاجتماعي الذي يقوم على تخفيف الحواجز، وصولاً إلى إزالتها لتأمين بيئة دامجة للأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة"، مضيفةً "يتطلّب هذا المنحى تضافر جهود مختلف الوزارات والفرقاء المعنيين في عملية الدمج في جميع المجالات وعلى المستويات كافة في المجتمع".

أما على مستوى وزارة التربية وحسب خوري فـ "تعمد وزارة التربية والتعليم العالي إلى التنسيق مع الوزارات والمؤسسات المعنية بعملية الدمج كافة لتأمين بيئة دامجة، ومرحّبة بجميع المتعلمين في المدارس الرسمية والخاصة"، مشيرةً إلى "أنّ عملية الدمج هي مسار طويل ويستلزم مجموعة كبيرة من الإجراءت القانونية والتنظيمية والإدارية في الوزارات والمؤسسات المعنية كافة مع التشديد على مبدأ التعاون والشراكة مع كافة الذين عملوا ويعملون مع الأشخاص ذوي الاحتياجات الخاصة ضمناً الاتحادات والجمعيات والمؤسسات". 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تحدد خوري معالم السياسة الوطنية للتربية الدامجة التي تعمل على "أربعة أهداف إستراتيجية، وهي إنشاء بيئة تمكينية للتربية الدامجة وزيادة دعم المجتمع المدني للتربية الدامجة وإنشاء خدمات تعليمية دامجة متاحة للجميع وتعزيزها، وكذلك وضع نظم وهياكل لقياس ومواكبة تنفيذ التربية الدامجة"، لافتةً إلى أنه "خلال العام الحالي، تقوم وزارة التربية بالتنسيق مع المركز التربوي للبحوث والإنماء بتطوير خريطة الطريق التي تضمن تنفيذ الأهداف الإستراتيجية الأربعة".

 الفرد والأهل أولاً

أمام الإرباك الذي يحيط الشق المؤسساتي والحكومي، تشي التجارب عن الدور الكبير الذي أداه ويؤديه الأهل في دمج الأبناء الذي يعتبر مقدمة للانتقال إلى سياسات عامة دامجة، تُخرج الفرد من دائرة العزلة إلى فضاء بيئته الموسعة.

أولى قصص النجاح هي للشاب عبدالرحمن (19سنة) الذي التحق بجامعة البلمند من أجل إكمال دراسته الجامعية، بعدما اجتاز اختبارات الثانوية العامة في 2023، ويعود الفضل الكبير لوالدته سوزان شاكر التي أيقنت باكراً ضرورة اتخاذ الإجراءات التربوية الضرورية لدمج ابنها.

تتحدث الأم عن انتقال في التفكير والتعاطي من النظرة التي تضع الطفل ممن لديه صعوبات تعلمية في خانة الجنون، إلى القابل للتكيف والدمج، مشددةً على "البدء باكراً في اتخاذ الإجراءات التربوية لتنمية قدرات الطفل.

وتشير سوزان إلى الكلفة المادية الهائلة التي تقع على عاتق الأهل، "كنا نحتاج إلى قسط 10 آلاف دولار في المدارس المتخصصة وليس لدى الأهل قدرة مالية لدفع 500 دولار لأستاذ الظل"، ولكن "إقبال عبدالرحمن على التعلم ودعم العائلة، أسهما في قصة النجاح".

تروي أنها "أخذت المخاطرة على عاتقها فهي طلبت أن يحظى بفرصة موازية داخل الصف لأقرانه في المواد الأساسية، لأن اختبار الذكاء أثبت أن لديه قدرة استيعابية" حسب الفحوص الطبية. وقاد اهتمامها بابنها إلى التعلم والتخصص في ميدان الدمج وتعليم أطفال آخرين للإسهام في دمجهم، وقد أدخلت في تعليم ابنها التدريبات الحسية والحركية وظل على تلك الحال إلى الصف السادس.   

تجزم سوزان أن "المدرسة ليست كل شيء فهي لا تمتلك عصا سحرية، ولا بد من تأمين بيئة عائلية دامجة والمجتمع الداعم لأنها تمتلك الدور الأول والأخير، ويجب مواكبته مدى الحياة وتشجيعه على التخصص وفق قدراته وميوله الذاتية" فهي حوّلت منزلها إلى مدرسة دامجة.  

لا للإطار المؤسساتي المعزول

قصة نجاح أخرى هي التي خاضتها الناشطة فاديا فرح مع ابنتها ميّا التي دخلت عقدها الرابع من الدمج خارج المؤسسات النظامية العازلة، فهي تشدد على "المساواة في الحقوق بين مختلف بني البشر، ويأتي في مقدمة تلك الحقوق العيش في كنف العائلة إلى أن يبلغ سن الرشد ويقرر ما يريده، كما أن التعلم والذهاب إلى المدرسة هو حق للجميع، والأمر ينطبق على الحق بالعمل".

تأسف فرح لاستمرار نظرة بعض الناس المتأثرة في أفكار القرن الـ19 التي وصمت ذوي الصعوبات التعلمية مثل المجانين، مشددةً على الإيمان بقدرة تلك الشريحة الاجتماعية، لأن "عدم احترام حق هؤلاء ناجم عن عدم المعرفة".

تعود فاديا فرح إلى تجربة ابنتها الخاصة، عندما ذهبت إلى المدرسة لم تكن المؤسسة حاضرة إلا أن الأم عملت مع المدرسة من أجل تكوين بيئة دامجة للأشخاص من ذوي الإعاقات الذهنية، وتكييف البرامج وفقاً لحاجاتها، وأن تستمر بالتعلم مع أشقائها والطلاب من عمرها وصولاً إلى اكتسابها المعارف وإتقانها الفرنسية والإنجليزية بمهارة، وهذا دليل على أن التجربة الدامجة يمكن تكرارها واقعياً مع أطفال آخرين بالتعاون مع خبراء.

تشيد فرح بالنتائج التي بلغتها من خلال التواصل والتعاون مع طلاب الصف وأهاليهم، كاشفة عن "تعبير بعض من الأهل عن مخاوف في شأن هبوط مستوى الصف، إلا أن تحمل المدير مسؤوليته وظهور النتائج التعليمية الجيدة أدّا دوراً في تبديل المواقف المتحفظة".

أسهم نجاح تجربة ميّا في نقل النمط التربوي إلى مدرسة أخرى، إذ تعاونت فاديا مع ثلاث أمهات أخريات لنقل خبراتهم والقيام بمشروع تجريبي يتصل بالإعاقة الذهنية أثبت نجاحه وشكل دافعاً لتجارب أخرى.

اقرأ المزيد

المزيد من العالم العربي