ملخص
شهدت مسيرة سوندرا لوك المهنية، التي طغت عليها علاقتها مع كلينت إيستوود، بداية واعدة لكنها لم تستمر طويلاً إذ واجهت إخفاقات مهنية وشخصية بسبب علاقتها الصعبة مع إيستوود والتي حرمتها بنظرها من فرص أخرى هوليوود
لم تكن سوندرا لوك تحب الإفصاح عن سنة ميلادها. وعندما توفيت في عام 2018، استغرق الأمر ستة أسابيع حتى وصل الخبر إلى العامة، وكأنها أرادت الاحتفاظ بذلك سراً أيضاً. كانت تمتلك سحراً خاصاً بها، غامضاً وغير اعتيادي. كانت تستطيع أن تبدو شاحبة وصبيانية أو جذابة بأنوثة متطرفة. قد تبدو متقدمة في العمر أو امرأة لا تكبر، شديدة الإنسانية أو كأنها آتية من أقصى أرجاء الفضاء. كانت واحدة من أكثر الشخصيات إثارة في سينما القرن العشرين. ربما لم تسمعوا باسمها قط، لكنها فنانة لا يمكن إنكار تأثيرها.
في عام 1969، حصلت لوك على ترشيح لجائزة الأوسكار عن فيلمها الأول، وهو اقتباس قد نسي إلى حد كبير من رواية "القلب صياد وحيد" The Heart Is a Lonely Hunter للكاتبة كارسون مكالرز. أتبعت هذا النجاح بأداء إحدى أوائل الشخصيات المتحولة جنسياً في السينما الأميركية، في فيلم الإثارة النفسية "انعكاس الخوف" A Reflection of Fear. عكس مثل هذا التحول الجذري ذوق لوك الفريد، وعدم اهتمامها بالمنافسة في هوليوود، ونهجها غير التقليدي في الحياة والحب.
وهكذا، كانت لوك تعيش حياة زوجية سعيدة مع رجل مثلي الجنس لأكثر من خمسين عاماً، إذ قضت ثلاثة عشر عاماً منها مع شريكها الأكثر شهرة على الشاشة، كلينت إيستوود. كانت قصة حبهما دافعة لمسيرتها في البداية، ثم مدمرة لها، وأخيراً محددة لها بقسوة، حتى إن إحدى المجلات الأميركية وصفتها في عنوان خبر نعيها بأنها "الحبيبة السابقة المريرة لإيستوود". لكن لوك لم تكتف بذلك، بل قامت بإخراج أفلامها الخاصة، وحققت مكانة في نادي صناعة الأفلام الذكوري في الثمانينيات بأعمال شجاعة لم يجرؤ أحد على صنعها، سواء كانت ناجحة أو مثيرة للجدل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في النهاية، اكتشف الناس عمر لوك الحقيقي، فقد ادعت أنها أصغر ببضع سنوات من أجل الحصول على الدور في فيلم "القلب صياد وحيد"، واستمرت في هذه الخدعة طوال حياتها. كان من المفترض أن تحتفل لوك بعيد ميلادها الثمانين في 28 مايو (أيار)، وربما مر هذا اليوم من دون أي ضجيج، لكن ماذا لو لم يكن الحال كذلك؟
تعد لوك جزءاً من جيل من النساء المبدعات اللاتي نجحن في اختراق نظام استوديوهات الأفلام الأميركية في السبعينيات والثمانينيات، مثل كاتبة السيناريو الراحلة ديان توماس، والمنتجة والكاتبة ومصممة الإنتاج بولي بلات. ومع ذلك، تلاشت هذه المبدعات تدريجاً في الظل بعد فترة من البروز. لكن اختفاء لوك كانت له خصوصيته. فعلى رغم أنها كانت تتمتع بقوة وتأثير في صناعة السينما لم يكونا متاحين لكثير من زميلاتها، فإن ارتباطها العاطفي بالممثل والمخرج الشهير كلينت إيستوود كان له تأثير كبير في مسيرتها المهنية. ومع تدهور علاقتهما، وجدت لوك صعوبة في الخروج من تحت عباءته.
في مسيرتها التمثيلية، امتلكت لوك قوة رقيقة وجذابة، تظهر في بعض الأدوار هشة وغامضة، وفي أخرى مخيفة وساحرة. في فيلمي "القلب صياد وحيد" (الصادر سنة 1968) و"انعكاس الخوف" (1972)، تألقت في دوري فتاتين مراهقتين تعانيان الملل والانعزال، لكنهما تمتلكان طاقة إيجابية تحصنهما بصورة غريب من صعوبات الحياة. أما في فيلم الإثارة النفسي "لعبة الموت" Death Game (أنتج عام 1974 لكنه لم يصدر حتى عام 1977)، فقد جسدت شخصية إحدى امرأتين مهووستين تأخذان رجلاً رهينة من باب منزله. كانت رائعة في هذا الدور، بعينيها الواسعتين وسلوكها المتقلب والمثير. ومع ذلك، كانت أقل إثارة للاهتمام في فيلم "ويلارد" Wilard (1971)، إذ لعبت دور الصديقة المهمشة لصبي وجيشه من الجرذان (نعم، جرذان حقيقية!). ومن المحزن أن يكون هذا الفيلم هو الأكثر شهرة لها من بين أعمالها غير المرتبطة بإيستوود.
إن لم يكن أي من هذه الأفلام السبب في سقوط لوك من قائمة نجوم الصف الأول، فربما جاء ذلك نتيجة سوء التوقيت. من المهم أن نأخذ في الحسبان تزامن مسيرتها المهنية كما بدا مع ظهور سيسي سباسك، التي كانت تتمتع أيضاً بجمال غريب وهش، لكنها حظيت بفرص أكبر للمشاركة في أفلام أكثر أهمية. قالت لوك ذات مرة: "تعلمت بسرعة أنه لا يهم كثيراً ما إذا كنت الأفضل للدور، أو ما إذا كان لديك الموهبة... يتعلق الأمر بمجموعة من العوامل العشوائية التي لا يمكن وصفها".
عندما دخل إيستوود حياة لوك أثناء فترة فنية هادئة، كانت هي يائسة للحصول على فرصة، فخفضت أجرها لتلعب دور البطولة النسائية في فيلم الويسترن الذي أعاد صياغته "جوزي ويلز المنبوذ" The Outlaw Josey Wales الصادر عام 1975. وكمعظم نجمات إيستوود، كانت شخصية لوك حادة ومفعمة بالحيوية - لكنها كانت محكومة بالهلاك. صحيح أنها ستتمكن من الهرب مع البطل في النهاية، ولكن بعد اختبار الوحشية أولاً. بصورة مروعة، كانت شخصياتها تتعرض للاغتصاب الجماعي أو الشبه الجماعي في أربعة من الأفلام الستة التي قامت ببطولتها مع إيستوود.
في مذكراتها "الجيد، السيئ، وشديد القبح" The Good, the Bad and the Very Ugly التي كتبتها عام 1997، كشفت كيف أنها وإيستوود انجذبا لبعضهما بعضاً فوراً. لم يهم حتى أنهما كانا مرتبطين بشخصين آخرين: كانت لوك مرتبطة بزواج أفلاطوني من صديقها المقرب مثلي الجنس، الذي عرفته منذ مراهقتها، في حين كان إيستوود متزوجاً من امرأة لم يعش معها وتردد أنهما نادراً ما كانا يلتقيان. ومهما بدا الأمر غريباً، فقد كان ناجحاً.
على الشاشة، تلعب لوك دور البطولة إلى جانب إيستوود وأحد القرود البشرية في الفيلم المأسوي "بأي طريقة إلا الخطأ" Every Which Way But Loose وجزء تتمته، لكنها في بقية أفلامها تجسد شخصيات تتمتع بقوة وتعقيد متزايدين. في "المبارزة" The Gauntlet الصادر عام 1977، يضفي بريقها الغاضب كشريكة عصابة هاربة فخامة على الفيلم، بينما تظهر كخصمة إيستوود الانتقامية في "تأثير مفاجئ" Sudden Impact الصادر عام 1983 وهو الجزء قبل الأخير من الرباعية التي يجسد فيها إيستوود شخصية هاري كالاهان. ومع ذلك، فإن مشاريع التعاون هذه أبقتها محاصرة. قالت لوك في عام 1997: "إذا كنت في أفلام كلينت إيستوود، فأنت جزء من أعمال كلينت إيستوود... أنت لست جزءاً من هوليوود. أصبح ذلك واضحاً في وقت مبكر. توقف الناس عن الاتصال بي. افترضوا تلقائياً أنني أعمل حصرياً مع كلينت".
وتفاقمت هذه التوترات مع مرور الوقت. قالت لوك سنة 1983: "تجد نفسك في مأزق يتعلق بارتباطك بكلينت... تجد نفسك في مأزق لأنك موجود منذ فترة، والجميع يريد الفتاة الجديدة في الساحة... وللخروج من تلك المآزق، يجب أن تمتلك فكرتك الخاصة، مشروعك الخاص".
كان المشروع هو "راتبوي" Ratboy، فيلم غريب يسخر من هوليوود عن مصممة نوافذ وحيدة تحاول تحويل كسب المال من كائن نصفه فأر ونصفه إنسان عثرت عليه في القمامة. كانت محاولة طموحة ولكنها فاشلة، كمزيج بين فيلمي "إي تي" ET و"امرأة جميلة" Pretty Woman. حمل السيناريو بعض الدلالات عن إحباطات لوك الشخصية، وملاحظات موجهة حول الشهرة والاغتراب. لكن كان هناك كثير من الفوضى أيضاً. تساءل النقاد روجر إيبرت في مراجعته للفيلم: "ما الهدف؟ ’راتبوي’ غريب للغاية، لكن ليس بطريقة مثيرة للاهتمام"، في ما بعد، قالت لوك إن الفيلم فهم بصورة خطأ من داعميه في ورنر بروس وتم التلاعب به في غرفة المونتاج.
في تلك الأثناء، كان التوتر يشوب علاقة لوك وإيستوود. وفقاً لمعظم الروايات، يعد إيستوود شخصاً صموتاً، لديه صفات تشبه إلى حد كبير شخصيات المتجولين الغامضين الذين جعلوه نجماً. لذا تخيلوا الارتباط بعلاقة عاطفية مع هذا الرجل. في مقابلة أجرتها "اندبندنت" مع إيستوود ونشرت سنة 1997، يصور على أنه الرجل الذي لا ينهي العلاقات إلى حد بعيد - سواء كانت مهنية أم عاطفية - بقدر ما ينسحب منها بصمت إلى أن يدرك الطرف الآخر مقصده. وبينما كانت لوك في المراحل الأولى من تصوير فيلمها "راتبوي"، الذي أتبعته بـ"اندفاع" Impulse، وهو فيلم أفضل بكثير من بطولة تيريزا راسل كشرطية سرية تفقد حواسها، اتصل إيستوود بها ليعلمها برغبته في أن تترك منزلهما في بيل إير. كانت لوك مرتبكة، تتوسل إليه أن يعيد النظر في قراره. وافق، قائلاً لها إنه يجب أن يؤجلا مناقشة فكرة الانفصال حتى ينتهي تصوير "اندفاع"، لكن عندما عادت لوك إلى المنزل وجدت أنه تغير الإقفال ووضع أغراضها في مخزن.
قالت لوك في المقابلة عينها التي أجراها إيستوود مع "اندبندنت"، "كان لديه الحق بالكامل لإنهاء العلاقة إذا توقف عن حبي... لكن لم يكن لديه الحق في معاملتي بهذه الطريقة. هنا يكمن الفرق بينك وبين كلينت. إنه يمتلك كل الحقوق وأنت لا تمتلك شيئاً". من جهته قال إيستوود إنه أنهى العلاقة بسبب زواج لوك من صديقها جوردون أندرسون، وزعم أنها "كانت تقضي 98 إلى 100 في المئة من وقتها في تدليله... كنت مللت من ذلك. في مرحلة ما تقول ’أريد علاقة طبيعية في الحياة. أريد فتاة لي’".
واندلعت بينهما معركة قانونية غير عادية استمرت لمدة عام، إذ قاتلت لوك من أجل الحصول على دعم مالي رغم أنها وإيستوود كانا متزوجين قانونياً من شخصين آخرين. اتهمت لوك إيستوود بالعنف وادعت أنه أجبرها على إجراء عمليتي إجهاض وعملية تعقيم - ادعاءات نفاها إيستوود بشدة، معتبراً أن دعوى لوك "غير مبررة ولا تستحق الاهتمام". في شهادته، أشار إيستوود إلى لوك بأنها مجرد "زميلة سكن بين الحين والآخر". وفي النهاية، وبينما كانت مستنزفة بسبب علاج سرطان الثدي، وافقت لوك على تسوية، إذ أخذت ملكية منزل واحد اشتراه إيستوود و450 ألف دولار (كانت تعادل في ذلك الوقت 251 ألف جنيه استرليني) على هيئة أرباح غير مقبوضة من شركة الإنتاج الخاصة بإيستوود، و-بناءً على طلبها- صفقة إنتاج وإخراج مع "ورنر بروس".
في البداية، عدت لوك أنها انتصرت، لكنها في وقت لاحق ادعت أن صفقة "ورنر بروس" كانت مزيفة - فقد تقاضت 1.5 مليون دولار وكان لديها مكتب في أستوديو الشركة، لكنه رفض أكثر من 30 مشروعاً قدمتها للشركة، ثم اكتشفت أن الـ1.5 مليون دولار جاءت سراً من إيستوود، وليس من "ورنر بروس". رفعت دعوى ضده بتهمة الاحتيال، وزعم إيستوود أن نياته كانت نبيلة، وأنه مول الصفقة لمساعدة لوك. ادعت هي أنها كانت خطة مخادعة مصممة لحبسها في الاستوديو وإبعادها عن العمل.
وتوجهت القضية إلى المحكمة عام 1996، إذ اتهم إيستوود لوك باستغلال تشخيصها بالسرطان لكسب تعاطف من هيئة المحلفين، وأصر على أن الدعوى كانت محاولة ابتزاز. في النهاية، توصلا إلى تسوية خارج المحكمة بمبلغ لم يكشف عنه - وأصر كل من الطرفين على أنه الفائز. خلال الترويج لكتابها عام 1997، اعترفت لوك بأنها كانت تتمنى "فهم حقيقة إيستوود" في وقت سابق... أشعر ببساطة وكأنني، يا إلهي، أضعت كثيراً من الوقت". وقالت إن كتابها كان محاولة لعرض نسختها من القصة، واستعادة سرد سبق أن رسمها كطامعة مهووسة بالمال". قالت "كانت لدي حياة قبل كلينت وأعتزم أن تكون لي حياة بعده".
لم تتعاف مسيرة لوك المهنية أبداً، وقالت عام 2013 إنها تعتقد أنها تعرضت للمقاطعة نتيجة لخلافاتها القانونية. قالت لموقع "واندرن ستار" Wand’rin’ Star: "لم يكن أحد يرغب في الدخول في عداوة مع [كلينت]... لماذا يتحملون عناء ذلك؟ لماذا التورط؟ سأعتقد دائماً أنني كنت أمتلك عديداً من المعجبين في مراكز مهمة، لكنهم لم يكونوا مستعدين لوضع أنفسهم في مواجهة الخطر. هذا أمر متوقع جداً في هوليوود".
ما حدث في حياة لوك خلال السنوات التالية يظل مجهولاً. بقيت متزوجة من أندرسون وشاركت في فيلم واحد فحسب، وهو عمل رومانسي مستقل بعنوان "راي يلتقي هيلين" Ray Meets Helen صدر عام 2017، ولكنها بقيت في الظل خلاف ذلك. لم تدرج في قائمة "أسماء نتذكرها" ضمن حفل الأوسكار عام 2019، ولم يدلِ إيستوود بأي تعليق علني على وفاتها بسبب سرطان العظام، ومن غير الواضح ما إذا كانا قد تحدثا مرة أخرى. ومع ذلك، بصورة غريب، كانت شخصية إيستوود في فيلمه "مهرب المخدرات" The Mule الصادر عام 2018 تتواصل مع زوجته السابقة التي رفضها وأساء معاملتها، في سعي للتكفير وهي تصارع الموت بسبب السرطان. صدر الفيلم في صالات العرض بعد يوم واحد من إعلان وفاة لوك.
بين حين وآخر، يحضر اسم لوك في مقالات تتناول تاريخ النساء في هوليوود - وأعادت منصات إعلامية عديدة استعراض نزاعاتها مع إيستوود خلال المواجهة البارزة بين جوني ديب وأمبر هيرد، التي كانت موقفاً مشابهاً إلى حد بعيد. ومع ذلك، يستحق عملها الفعلي إعادة النظر فيه، مهما تحلى جزء كبير منه بالغرابة. كانت لوك فريدة، غير عادية، ومبدعة، امرأة ولدت لهوليوود التي لم تكن قد اكتملت في وقت وصولها. وعلى رغم أن ما تعرضت له ألمها فإنه لم يكسرها.
قالت في لقاء أجرته عام 2013 "في النهاية، أنا سعيدة مع نفسي... أشعر أنني واجهت التحديات التي ظهرت في طريقي بإيجابية مثلي مثل أي شخص آخر".
© The Independent