Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مسخ" كافكا يستيقظ على سرير في أسيوط

مسرحية "التحول" دمجت بين البطل سامسا وشخصية الكاتب التشيكي

لقطات من مسرحية "التحول" للمخرج مارك صفوت فريد (الخدمة الإعلامية)

ملخص

في مئوية كافكا قدم المخرج المصري مارك صفوت فريد عرضاً مسرحياً بعنوان " التحول"، دمج فيه بين أعمال الكاتب التشيكي الشهير وحياته الشخصية، معتبراً أن شخصية غريغوار في روايته "المسخ" انعكاس لشخصية كاتبها وتصوراته عن نفسه.

أثقل المخرج مارك صفوت فريد على نفسه كثيراً، إذ لم يكتف بتقديم عرض مسرحي عن إحدى روايات أو قصص الكاتب التشيكي فرانز كافكا الذي يحتفل العالم هذه الأيام بمئويته (1883-1924)، لكنه قدم عرضه "التحول" مأخوذاً عن نص كتبه محمود محمد سيد، مزج فيه بين روايتي "المسخ" و"المحاكمة" وبين حياة كافكا ذاته.

أمر آخر زاد صعوبة التجربة وهو أن العرض تقدمه فرقة قصر ثقافة أبنوب (هيئة قصور الثقافة - وزارة الثقافة) وأبنوب هذه مدينة تتبع محافظة أسيوط وتقع على بعد 375 كيلومتراً جنوب القاهرة، واسمها مكون من مقطعين "آب" و"نوب" وتعني باللغة المصرية القديمة "أرض الذهب".

وتكمن الصعوبة هنا في كيفية العثور على 20 ممثلاً وممثلة، هم عدد شخصيات العرض، ينهضون بعبء تجربة نوعية ومركبة كهذه.

ثمة مغامرة إذًا أقدم عليها المخرج وفريق عمله، بخاصة إذا وضعنا في الاعتبار كذلك طبيعة جمهور مدينة جنوبية نائية كهذه، ربما لا توافقها تلك النوعية من العروض المسرحية، فإلى أي مدى تجاوز المخرج ذلك كله؟

 

منظر ثابت

يبدأ العرض بستار مفتوح على منظر واحد ثابت من تصميم فاطمة أبو الحمد، في يمين المسرح غرفة غريغور سامسا (مصطفى غانم) بطل رواية "المسخ" أو "التحول" كما في ترجمة المصري الدسوقي فهمي، وهي في مستوى مرتفع قليلاً، وفي المنتصف بهو البيت، وفي العمق عدة أبواب لحجرات ومدخل البيت، وفي اليسار حجرة كافكا (خالد أشرف)، وتغير وضعية المنظر بتحريك بعض القطع أو بتحويل مائدة الطعام إلى سجن أثناء مشهد المحاكمة، أو نعش يحمل فيه كافكا أو قرينه، بحسب تصور كاتب النص، غريغور سامسا.

وعند دخول الجمهور إلى صالة العرض ينتشر عدد من الممثلين والممثلات في الصالة حاملين الشموع ويقفون أو يجلسون في وضع متجمد وكأنهم مجرد ثماثيل لا روح فيها، ثم مع بداية العرض يبدأون في التحرك.

مشهد مهيب وغامض يفتتح به المخرج عرضه الذي يمضي بعد ذلك مراوحاً بين عرض مأساة غريغور الذي تحول إلى حشرة هائلة وضيق أهله به، وبين مأساة كافكا وعلاقته المتوترة بأبيه، وتهيؤاته عن الأشباح التي تطارده، وكذلك المحققَين اللذين يظهران له فجأة، في إحالة إلى رواية "المحاكمة" ليدفعانه في النهاية إلى الاعتراف بجرائم لم يتركبها، وغيرها من المواقف التي تتماس فيها الشخصيتان حتى تلتصقان معاً في أحد المشاهد باعتبارهما كياناً واحداً.

وقد لجأ المخرج في مشاهد عدة إلى فكرة التوازي لا التوالي، بمعنى إدارة مشهدين في وقت واحد، يمين المسرح حيث غريغور وعائلته، ويساره حيث كافكا وعائلته والمحققين والصديقة، كما لو أنه يؤكد فكرة أن كافكا وغريغور شخص واحد لا شخصين، في انسحابهما واغترابهما عن ذاتيهما وعجزهما عن المواجهة، إلى درجة يصبح معها جحيم الموت أرحم من رفاهية الحياة، وتصبح أفكارهما مقبرة لروحيهما، لا ليتساوى الموت والحياة وحسب، بل ليصبح الموت هو الخيار الأفضل لإنقاذهما من عذاباتهما، وهو ما ينتهي إليه العرض حين تنقض تلك الأشباح عليهما وتنهي حياتهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تهمة الصهيونية

لم ينشغل كاتب نص العرض بهذه الفكرة فقط بل سعى كذلك إلى تبرئة كافكا من اتهامه بالصهيونية، بخاصة في ظل معرفتنا بحصول الكيان الصهيوني على 5 آلاف وثيقة ومستند تخصه وصديقه ماكس برود، باعتبارها ملكاً لهذا الكيان.

ويبدو أن الكاتب اعتمد في هذه التبرئة على كتاب الباحث المصري عاطف بطرس العطار، "كافكا عربياً... أيقونة تحترق" (دار المتوسط - ميلانو إيطاليا)، الذي نفى عن كافكا تهمة "الصهيونية" وأكد أنه لم يقحم نفسه في السياسة ولم ينتم إلى أية أيديولوجيات.

وبحسب العطار فإن من يقرأ كافكا ويومياته يعرف أنه كان متشككاً تجاه المشروع الصهيوني على رغم تعاطفه مع فكرة الظلم الواقع على اليهود في أوروبا وضرورة أن يجدوا مكاناً آخر ليعيشوا فيه، لكنه كان متشككاً بالنسبة إلى المشروع الصهيوني القائم على استيطان أرض فلسطين العربية.

بدا المشهد الذي يجتمع فيه حاخامات اليهود بحضور كافكا وأبيه، وخلاله يبدي كافكا اعتراضه على فكرة احتلال فلسطين، وكأنه أُقحم من دون مبرر على العرض، فالخط الأساسي الذي يعمل عليه العرض والتقط ببراعة يرمي إلى إبراز فكرة التماهي بين الكاتب وأعماله، فإذا كانت رواية "المسخ" في نظر بعضهم تحمل نقداً حاداً لحياة اليهودي في المنفى، والتي تعتمد على الطفيلية من الربا والخدمات التافهة والوساطة التجارية وبيع سلع بالطواف، فإن اليهودي خارج إسرائيل لا يستحق أن يكون أكثر من مجرد حشرة، فإن تفسيرات أخرى تبناها كاتب نص العرض تتعامل مع "المسخ" بوصفها تجسيداً لفكرة الذات المنسحبة والعاجزة عن المواجهة، بعيداً من فكرة التفسير السياسي أو الأيديولوجي.

وأياً كان الأمر فقد بدا هذا المشهد زائداً عن الحد أو خارج السياق الذي وضعنا المخرج فيه، والذي أراد من خلاله إبراز فكرة تشابه أو تطابق ذلك المسخ مع مبدعه، وانسحاب ذلك على كل ذات منسحبة ومنسحقة وغير قادرة على المواجهة، اللهم إلا إذا كان قد أراد تقديم عرض احتفالي عن كافكا، وهو في ظني أمر مستبعد.

وربما أراد بمشهده هذا أن يتماس مع اللحظة الراهنة، وهو أمر نحسبه مخلاً بدراما العرض أو في الأقل غير فاعل فيها، وإذا حُذف فلن تتأثر.

 

همس الممثلين

العرض أُعد ليقدم داخل قاعة وليس على مسرح علبة، وهو ما لم يراعه المخرج عندما أعاد تقديمه على مسرح روض الفرج بالقاهرة، فثمة مشكلات واجهته وبعضها يتعلق بالمنظور، إذ لم يتح للجمهور الجالس يمين المسرح مشاهدة المنظر كاملاً، وبخاصة حجرة غريغور يمين المشاهد وما يجري فيها، وكذلك عدم قدرة بعض الممثلين على تطويع جهازهم الصوتي ليناسب فضاء مختلفاً عن ذلك الفضاء الذي قدموا فيه عرضهم من قبل.

وكانت حوارات الممثلين أقرب إلى الهمس الذي ربما ناسب القاعة التي يتحلق فيها الجمهور حول الممثلين، لكن الأمر يختلف في مسرح العلبة الذي يجب أن يسمع الجالس في آخر مقعد ما يردده هذا الممثل أو ذاك.

وفي العرض بعض الأغاني التي تعبر عن توق غريغور للتحرر وبحثه عن الحب من كتابة إيمان نبيل وألحان روماني زاخر، وهي من الإضافات الجيدة للعرض والمعبرة بصدق عن أزمة غريغور الوجودية، وهناك كذلك المكياج (كيرلس ظريف) الذي برع في تصوير المسخ بكل ما يعكسه من تشوه إلى درجة الرعب.

مجموعة جيدة من الممثلين نجح المخرج في توظيفهم، كل بحسب قدراته وإن تفاوتت أداءاتهم، فهم شكلوا معاً فريقاً متجانساً إلى حد ما، ومنهم أنطون ألبير و أشرف بدوي وميرنا محمد ودينا بدير و مصطفى عبدالبصير ومحمد ياسين، وربما لو أعاد المخرج تدريب ممثليه على طريقة أداء تناسب مسرح العلبة لصارت التجربة أكثر قوة وتأثيراً، وإن ظلت المحاولة في حد ذاتها جيدة وتشير إلى عناصر جيدة عدة داخل عرض يقدم في مدينة نائية وبإمكانات بسيطة، ووسط جمهور لم يعتد معظمه مثل هذه العروض النوعية المركبة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة