ملخص
تلقى تدخلات الرياضيين اهتماماً كبيراً خصوصاً في فترة تشهد فيها فرنسا تحولات سياسية واجتماعية مهمة، فالدور الذي يلعبه الرياضيون في تشكيل الرأي العام يمكن أن يكون حاسماً.
عبر البعض من لاعبي المنتخب الفرنسي عن شعورهم إزاء الوضع السياسي غير المسبوق في البلاد، وأبدوا قلقهم بشأن التهديد المحتمل من انتصار حزب التجمع الوطني في الانتخابات التشريعية المقبلة في 30 يونيو (حزيران) و7 يوليو (تموز). في الوقت نفسه، تتوحد الجبهة اليسارية تحت راية الجبهة الشعبية الجديدة، وهو ما يحدث للمرة الأولى منذ عام 1936، مما يضفي بعداً تاريخياً على الأزمة الحالية.
دعوة حاسمة للتصويت
دعا اللاعب كيليان مبابي بحزم إلى التصويت لمواجهة صعود الأطراف المتطرفة إلى السلطة، مؤكداً أهمية كل صوت في العملية الديمقراطية، حتى لو شعر بعض الشباب بأن صوتهم الفردي لا يلعب دوراً مهماً أحياناً. وأعرب عن رغبته الكبيرة في التواصل مع جميع الفرنسيين، بخاصة مع الأجيال الشابة التي يراها قادرة على تغيير الأوضاع. وأوضح مبابي قائلاً: "لم أتخذ أبداً موقفاً سياسياً، لكن هناك واجباً مدنياً كان دائماً مهماً".
كما شدد مبابي على أهمية القيم مثل التنوع والاحترام والتسامح، التي يرونها أساسية للشباب الفرنسي للتعبير عن هويتهم والمشاركة الفعالة في المجتمع والعالم. وأعرب عن رغبته في أن "يكون فخوراً بارتداء قميص المنتخب الفرنسي في السابع من يوليو، حيث يمثل بلده بكل فخر ووفقاً للقيم التي يؤمن بها بشدة".
بدوره، حث عثمان ديمبيلي على التحرك الشامل للمشاركة في الانتخابات، مع التأكيد على ضرورة الالتزام لمنع تكرار نجاح التجمع الوطني بزعامة مارين لوبن في الانتخابات الأوروبية الأخيرة. وشدد على أهمية حاسمة للمشاركة الانتخابية في هذه الظروف الراهنة. وأكد ديمبيلي، أن جرس الإنذار قد دق، ويجب التصويت.
أما اللاعب ماركوس تورام فقد دعا الجميع إلى "الكفاح اليومي" لمنع حزب التجمع الوطني بقيادة جوردان بارديلا من الوصول إلى السلطة، بخاصة في ظل الانخفاض الملحوظ في نسبة المشاركة الانتخابية بين الشباب. ووفقاً لمعهد "إيبسوس" الفرنسي للإحصاء والبيانات، شارك في الانتخابات الأوروبية الأخيرة ثلاثة من كل عشرة شباب تتراوح أعمارهم بين 18 و29 سنة. وقال تورام: "في منتخب فرنسا، أعتقد، أو بالأحرى آمل، بأن الجميع يشاطرني نفس الرأي. ليس لدي أدنى شك أن الجميع يشارك رؤيتي". وأضاف: "نحن في بلد حر ويجب علينا الدفاع عن قيمنا الديمقراطية".
كما أكد ماركوس تورام أن موقفه المعارض لليمين المتطرف يشاطره غالبية لاعبي الفريق، إن لم يكن جميعهم.
ردود الفعل
تباينت ردود الفعل السياسية حول التصريحات الأخيرة للمنتخب الفرنسي بين من يوافق ومن يعارض، وفي ما يتعلق بتصريحات كيليان مبابي، علق وزير العدل الفرنسي إيريك دوبون موريتي بقوله: "من الجيد أنه يدعو إلى مشاركة الشباب في عملية التصويت، بخاصة في ظل تراجع مشاركتهم الانتخابية". وأضاف أن "هذا اللاعب الذي يتابعه الكثير من الشباب قرر أن يعبر عما يمكنه قوله لأنه مواطن".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
في المقابل، انتقد زعيم تيار اليمين المتطرف في فرنسا، جوردان بارديلا، تصريحات اللاعبين مبابي وتورام، حيث عبر عن استيائه من دعوتهما للشباب للمشاركة في التصويت ضد المتطرفين في الانتخابات البرلمانية المقبلة. وأشار بارديلا إلى أنه يحترم اللاعبين كأيقونات للشباب ورموز في عالم كرة القدم، لكنه أكد أهمية احترام إرادة الفرنسيين وممارسة حقهم في التصويت.
إضافة إلى ذلك، أعرب بارديلا عن شعوره بالحرج من رؤية لاعبي كرة القدم الذين يتقاضون رواتب هائلة، في حين يعاني الكثيرون في فرنسا من صعوبات في تأمين حاجاتهم الأساسية وفقدان الشعور بالأمان. هذه التعليقات تعبر عن اعتراضه على أن يقدم الرياضيون "دروساً" للمواطنين الذين يواجهون ظروفاً صعبة في البلاد.
عبّر جوليان أودول، المتحدث باسم حزب مارين لوبن، عن انتقاده لتصريحات تورام على منصة "إكس"، حيث اتهمه بالتناقض في المعايير. وقال: "لم يعبر المواطن ماركوس عن حزنه بشأن مقتل توماس وولا وجميع الضحايا الشباب الآخرين من قبل (الحثالة)"، وأضاف أودول: لقد تعبت من المتعلمين الذين يعتبرون الفرنسيين أغبياء".
ومع ذلك، عبّر قائد المنتخب الفرنسي ديدييه ديشامب أيضاً عن رأيه بشأن الرهانات السياسية في الأسابيع المقبلة، مشيراً إلى أن "لاعبيه هم قبل كل شيء مواطنون فرنسيون. إنهم ليسوا بمنأى عن الوضع الذي يمكن أن يعيشه البلد". بالنسبة له، فإن فكرة العمل الجماعي هي أيضاً وسيلة لحماية اللاعبين الشباب في الفريق الذين قد لا يشعرون بالراحة عند مناقشة القضايا السياسية مع الصحافة.
وقال: "نريد أيضاً حماية هؤلاء اللاعبين، حتى لا يعطوا الانطباع بأنهم غير مهتمين. لا أحد في الفريق غير مهتم. الهدف هو حماية جميع اللاعبين وفريق فرنسا". بينما أكد الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على الواجب في الحياد، مع منح اللاعبين فرصة التعبير كمواطنين عن قضايا الانتخابات.
بشكل عام، كانت هناك تباينات كبيرة في الردود على تصريحات مبابي وتورام، حيث أيد البعض دعمهما للمشاركة السياسية للشباب، بينما انتقدهم البعض الآخر، مثل بارديلا، بسبب اعتقادهم أن الرياضيين لا ينبغي أن يتدخلوا في الشؤون السياسية بهذه الطريقة.
تأثير تصريحات نجوم كرة القدم على الانتخابات
تعليقاً على ردود الفعل في صفوف الأحزاب المعارضة لتصريحات اللاعبين، يرى ميشال لافون، أستاذ في كلية العلوم السياسية بباريس والمؤلف المشارك لكتاب "حرب الرياضة: جيوسياسة جديدة"، أن "معظم اللاعبين هم رجال أعمال تقدر ثرواتهم بملايين الدولارات. إذا عبر رئيس شركة دانون وغيره عن آرائهم بشأن الوضع السياسي، فلن يغضب أحد. فلماذا يغضب الناس عندما يتحدث اللاعبون عن ذلك".
وفي هذا السياق، أشار لافون إلى أن تصريحات مبابي، الذي يبلغ من العمر 25 سنة، أثارت جدلاً واسعاً أكثر من ترشيح فرانسوا هولاند، الرئيس السابق للجمهورية. وهذا يدل على مدى تأثير مبابي فعلياً في السباق نحو الانتخابات التشريعية.
وأوضح أن السبب الرئيسي الذي دفع اللاعبين للتعبير عن آرائهم هو تأكيد الاتحاد الفرنسي لكرة القدم على مبدأ "الحياد"، وهو ما يرفضه اللاعبون. وربما كان هذا ما دفع مبابي للإدلاء بتصريحاته، بحسب قوله.
وأشار لافون إلى أن "نادراً ما كان اللاعبون يتحدثون عن الانتخابات الأوروبية والتشريعية، وكان حديثهم مقتصراً على الانتخابات الرئاسية - مثل زين الدين زيدان. لكن اليوم نحن أمام مرحلة جديدة في تعزيز دور لاعبي كرة القدم كفاعلين في الحياة العامة".
في السياق نفسه، اعتبر كيفين فيسيير، مؤسس موقع "FC جيوبوليتيك"، أن الفريق الفرنسي محور اهتمام كبير خلال بطولة "يورو 2024"، حيث يمثل رمزاً قوياً للوحدة الوطنية، بخاصة في ظل الوضع السياسي الداخلي الحالي في فرنسا، والذي يعد حاسماً لمستقبل البلاد في لحظة ديمقراطية غير مسبوقة، حيث يواجه خطر وصول اليمين المتطرف إلى السلطة للمرة الأولى.
وأشار فيسيير "لاعبو الفريق الفرنسي والرياضيون بشكل عام يمتلكون كل الشرعية للتعبير عن أنفسهم واتخاذ مواقفهم. قبل أن يصبحوا سفراء لفرنسا في بطولة يورو 2024، فهم في المقام الأول مواطنون فرنسيون، ولهم الحق في التعبير عن آرائهم في هذه اللحظة الديمقراطية المهمة. إن إعادة تصويرهم فقط كرياضيين أو تقييدهم برواتبهم المرتفعة هو أمر مميز. لا ينبغي وضع الثروات العظيمة للبلاد تحت الاختبار عندما يتحدثون، وتعتبر تصريحات اللاعبين مشروعة تماماً".
بالعودة إلى أبريل (نيسان) 2002، يُعيد النقاش حول دور الرياضيين في المشهد السياسي الفرنسي، حيث قدم اللاعب زين الدين زيدان موقفاً قوياً يدعو إلى عدم دعم جان ماري لوبن في الانتخابات الرئاسية، مما أثار حينها جدلاً واسعاً. واليوم، نجد أنفسنا أمام نفس السيناريو مع كيليان مبابي وماركوس تورام.
السؤال المتبقي هو، كيف سيؤثر هذا الموقف في الشعب الفرنسي في الوقت الحالي؟ هل يمكن أن تُحرّك تصريحات مبابي وتورام الأمور على الصعيد السياسي؟ يظل الجواب على هذا السؤال محل انتظار، لكن من المؤكد أن تدخلات الرياضيين البارزين تلقى اهتماماً كبيراً، بخاصة في فترة تشهد فيها فرنسا تحولات سياسية واجتماعية مهمة.
مع استمرار تصاعد الحملات الانتخابية وتصاعد التوترات، فإن الدور الذي يلعبه الرياضيون في تشكيل الرأي العام وتوجيه النقاشات يمكن أن يكون حاسماً في النهاية. إذا ما استمرت هذه التدخلات بالتأثير في المواقف السياسية وتحفيز المشاركة الشعبية، فإنها قد تلعب دوراً مهماً في تحديد مسار الانتخابات ومستقبل السياسة في فرنسا.