Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

زوبعة "فيصل"... هل ضاقت أم الدنيا بلاجئيها؟

طرأ على الترحيب بهم نبرة تململ بسبب الزحام الشديد وارتفاع أسعار الإيجارات والأوجاع الاقتصادية المتراكمة

مشاعر المصريين تجاه غيرهم القادمين من مناطق النزاعات ظلت على مدى عقود خليطاً معظمه ترحاب وبعضه توجس (رويترز)

ملخص

مشاعر المصريين تجاه "غير المصريين" القادمين إليهم ظلت على مدى العقود خليطاً معظمه ترحاب وبعضه توجس، لكن الأمر لا يخلو من حادثة فردية أو موجة قلق أسبابها اقتصادية أو مؤججاتها اجتماعية، وعلى رغم ذلك ظل المزاج العام المصري متسامحاً متفهماً حتى لو لم يكن مرحباً طوال الوقت بالضيوف القادمين.

المزاج العام ليس جماداً ثابتاً لا يتحرك أو يتأثر أو تغير. إنه المزاج العام للناس والطريقة التي يفكرون بها بناءً على معطيات أو ظروف بعينها. هو مشاعر تنتابهم وتجمع بينهم تجاه فكرة أو حدث أو سؤال يرتبط بوقت دون غيره.

سؤال دأب على التردد في مصر في أوقات بعينها، وفي أعقاب أحداث محددة ألمت بالمنطقة: هل ينوي "الضيوف" أو "اللاجئون" أو "الهاربون من الحرب" أو "الأشقاء" أو "الأجانب" البقاء معنا "على طول" أم "شوية كده"؟

"على طول" عبارة تعني "مدى الحياة" أو "إلى آخر الدهر" أو "على الدوام"، وهي تحمل كل معاني الاستمرار والدوام. أما "شوية كده" فتعني "لحين انتهاء الحرب" أو "لحين تحسن الأوضاع" أو "لحين استقرار الأحوال" فهي تحمل كل معاني الارتباط بتوقيت ما.

تاريخ طويل

من حرب الخليج الأولى في الثمانينيات والثانية في مطلع التسعينيات وقدوم آلاف العراقيين، وقبلهما وصول آلاف الفلسطينيين جراء "النكبة"، وهروب آلاف الصوماليين والإثيوبيين والإريتريين ومن جنوب السودان وغيرها من حروب وصراعات القارة الأفريقية، وقدوم الآلاف من اليمن مع موجات تفجر صراعاته منذ أربعينيات القرن الماضي، حتى حرب الإبادة في البوسنة والهرسك في منتصف التسعينيات شهدت قدوم أعداد كبيرة، وصولاً إلى ما جرى في الدول التي ضربها "الربيع العربي" وقدوم الآلاف من سوريا وليبيا والسودان (على فترات)، وأخيراً حرب غزة، هكذا اعتاد المصريون على استقبال آلاف الهاربين من حروب وصراعات. منهم من بقي ولم يعد، ومنهم من استقر بصفة موقتة دخل بعضها عقده الثاني أو الثالث، ومنهم من يقيم في مصر بين المصريين لحين إشعار آخر.

 

 

مشاعر المصريين تجاه "غير المصريين" القادمين إليهم ظلت على مدى عقود خليطاً معظمه ترحاب، وبعضه توجس لكن ضمن الحدود الطبيعية. موجات اللجوء - سواء الرسمي حيث القادمون يبادرون بتسجيل أسمائهم لدى "المفوضية السامية لشؤون اللاجئين" في مصر - أو أولئك الذين يعبرون الحدود بشكل غير رسمي، سواء كانوا متسللين أو تسمح لهم السلطات بذلك تقديراً للموقف، لم تتسبب في إزعاج كبير أو قلق عارم أو عداء شعبي ملحوظ على مدى العقود. والأمر لا يخلو من حادثة فردية هنا، أو موجة قلق أسبابها اقتصادية أو مؤججاتها اجتماعية هناك، لكن المزاج العام المصري ظل متسامحاً متفهماً، حتى لو لم يكن مرحباً طوال الوقت بالقادمين الجدد والقدامى.

جد في الأمور جديد

اليوم، جد في الأمور جديد، وطرأ على الترحيب نوع من التغيير. نبرة تململ تسمعها أحياناً بين عمال مصريين يقارنون بين رواج الحال في محل "غير المصريين" المجاور وكساده عندهم، ونغمة تبرم تتكرر في أحاديث المقاهي وتجمعات الأصدقاء من زحام عانوه في "فيصل" بسبب تجمعات شعبية لسودانيين أو ارتفاع أسعار الإيجارات في "مدينتي" (تجمع سكني راق شرق القاهرة) جراء إقبال كبير من سودانيين وسوريين مقتدرين، وغزو لمحتوى عنكبوتي على منصات الـ"سوشيال ميديا" يحمل قدراً غير قليل من التهييج ودقاً على أوتار الأوضاع الاقتصادية الصعبة وفرص التشغيل المحدودة وتقزم الإمكانات أمام الحاجات وغيرها من الأمارات التي تتصاعد بصورة لا تخطئها عين أو تتجاهلها أذن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الظاهر للعين والمسموع بالأذن ليسا نتاج اليوم أو حتى الأمس القريب. في يناير (كانون الثاني) الماضي تفجرت حملة شعواء على منصات الـ"سوشيال ميديا" تطالب بترحيل السوريين من مصر واتخذت من "الشاورما السورية" مدخلاً للتحذير من "الغزو" و"قطع أرزاق أصحاب البلد" و"احتلال الشوارع" فيما أطلقت عليه تقارير إعلامية "نشاطاً منسقاً" أو "حملة ممنهجة" أو "حسابات تدور في فلك مجموعات قومية" وغيرها من التسميات. في الوقت نفسه اعتبر البعض هذه الحملة العنكبوتية أمراً طبيعياً ومتوقعاً و"أورغانيك" ناجماً من تصاعد الأزمة الاقتصادية وتفاقم المشكلات المعيشية للمصريين، وليس مؤامرة موجهة أو حملة ممنهجة من قبل أصحاب مصالح أو أفراد أو حتى مؤسسات.

مؤسسات الدولة، وتحديداً الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية التابعة لوزارة الداخلية المصرية بدأت تستقبل الآلاف من طالبي "توفيق الأوضاع" قبل نحو عام. في الـ29 من أغسطس (آب) 2023، أصدر رئيس مجلس الوزراء مصطفى مدبولي القرار رقم 3326 لسنة 2023، وجاء فيه أنه "يجب على الأجانب المقيمين بالبلاد بصورة غير شرعية توفيق أوضاعهم وتقنين إقامتهم شريطة وجود مستضيف مصري الجنسية، وذلك خلال ثلاثة أشهر من تاريخ العمل بهذا القرار، مقابل سداد مصروفات إدارية بما يعادل 1000 دولار أميركي تودع بالحساب المخصص لذلك وفقاً للقواعد والإجراءات والضوابط التي تحددها وزارة الداخلية".

المهلة تم تمديدها غير مرة منذ صدور القرار، وآخرها كان في الـ11 من مايو (أيار) الماضي باعتباره "المهلة الأخيرة" وتنتهي في الـ30 من سبتمبر (أيلول) المقبل. بحسب التصريحات الرسمية، فإنه سيتم اتخاذ الإجراءات القانونية حيال الأجانب الذين لم يستخرجوا الأوراق المطلوبة، والتعامل معهم باعتبارهم مخالفين لضوابط الإقامة في مصر.

ملايين من غير المصريين

يقيم في مصر "ملايين" من غير المصريين. هذه الملايين مصدر مستمر للشد السياسي والجذب الاقتصادي والقيل والقال المجتمعي، والأخير في أوجه هذه الأيام. غلاء جنوني، وهنٌ في قطاعات الإنتاج، عجز في ميزان التجارة الداخلية، مديونية عالية، وقائمة الأوجاع الاقتصادية طويلة، وأضيف إليها آثار حرب روسيا في أوكرانيا ثم حرب القطاع وهوامشها من هجوم حوثي على السفن التجارية وتضرر إيرادات قناة السويس، والظلال الوخيمة على قطاع السياحة، وجميعها لا يمكن فصله عن المزاج العام هذه الأيام.

 

 

هذه الأيام المشاعر ملتهبة والمخاوف متفاقمة والأرقام ملتبسة. رئيس الوزراء مصطفى مدبولي قال في اجتماع عقد قبل نحو شهرين بهدف "حصر ما تتحمله الدولة من إسهامات لرعاية ضيوفها من مختلف الجنسيات والوافدين المقيمين في مصر من الأجانب"، إن بعض التقديرات الدولية تشير إلى وجود أكثر من 9 ملايين "ضيف" و"لاجئ" يعيشون في مصر من نحو 133 دولة، 50.4 في المئة ذكوراً، و49.6 في المئة إناثاً، وبمتوسط عمر 35 سنة، ويمثلون 8.7 في المئة من حجم سكان مصر.

في الاجتماع، كلف مدبولي الجهات المتخصصة بتدقيق أعداد اللاجئين، وحصر ما تتحمله الدولة من كلفة لرعايتهم وتقديم الخدمات لهم في مختلف القطاعات من رعاية صحية وبنى تحتية وتوفير السلع الأساسية وخدمات التضامن الاجتماعي وتقديم المعونات الغذائية وغيرها. كما ناقش رئيس مجلس الوزراء الخدمات التعليمية المقدمة لـ"الضيوف"، وجهود وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني لفتح فصول جديدة لاستيعاب حجم الزيادة في أعدادهم.

معركة الأعداد

معركة الأعداد تأبى أن تهدأ، أو تنأى بنفسها عن التسييس. فبينما الأرقام الرسمية لـ"الضيوف" تدور في فلك الملايين التسعة، تدور أرقام غير رسمية في أفلاك متناقضة بعضها يبالغ في الزيادة لتصل إلى 14 مليوناً، والبعض الآخر يفرط في التقليل لتصل إلى مليون أو أقل.

ويشار إلى أن البعض يخلط أو يفرق بين "الضيوف" - أي الذين قدموا إلى مصر سواء بتأشيرات سياحية أو عبروا الحدود في ظروف طارئة ولم يسجلوا أنفسهم كطالبي لجوء - وبين طالبي اللجوء واللاجئين بصفة رسمية، وتشير التقديرات إلى أن مصر تستضيف ما يزيد على 670 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجلين من 62 جنسية، ومع نهاية أكتوبر (تشرين الأول) عام 2023 أصبح حاملو الجنسية السودانية الأكثر عدداً، يليهم حاملو الجنسية السورية، ثم جنوب السودان وإريتريا وإثيوبيا واليمن والصومال والعراق وغيرهم.

 

 

ومن الأرقام إلى السياسات التي لم تتغير جذرياً، فقط إجرائياً. على مدى عقود طويلة والمؤسسات الرسمية تتعامل مع القادمين إلى البلاد في ظروف قهرية أو طارئة باعتبارهم "ضيوفاً"، إذ لا وجود لخيام نازحين أو ملاجئ مهاجرين أو تجمعات لاجئين، حتى وإن اشتكى البعض أحياناً من كلفة الضيافة.

في عام 2019 شرح الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي كيف أن مصر تعد اللاجئين الموجودين على أراضيها ضيوفاً أياً كانت أعدادهم، ومؤكداً أنه "لا توجد معسكرات لإيواء اللاجئين على أراضي مصر لأنهم يعاملون أفضل معاملة، وغير مقبول أو مسموح بالتعامل معهم سلباً، فهم يمتلكون شركات وتجارة وأعمالاً في مصر على أفضل ما يكون"، ومحذراً من أن "تناول الإعلام أية قضية من قضاياهم لها محاذير حتى لا يتم تصعيد رأي عام سلبي تجاههم".

مزاج عكر

الرأي العام الحالي تسلل إليه مكون سلبي، والمزاج العام صار عكراً، وحديث "احتلال" شوارع أو مناطق بعينها من قبل بعض الجنسيات و"لقمة العيش المتنازع عليها" والشعور بالضيق من صعوبة المعيشة وبذل الجهود المباشرة وغير المباشرة لتحميل "الضيوف" الفاتورة السياسية والاجتماعية (وربما الاقتصادية) لهذه المصاعب، وربما الشعور باليأس وتضاؤل الأمل أو فقدانه كلية في تحسن الأوضاع في المستقبل القريب، جميعها يسهم في تكدير المزاج العام.

لكن التكدير وحده لا يكفي واليأس والضجر والإحباط وحدها لا تؤدي الغرض. الحديث الذي دار في الميكروباص بين مجموعة من الشباب السودانيين المتباهين بفرص العمل التي حظوا بها عقب وصولهم القاهرة هرباً من حرب السودان ومجموعة من العمال المصريين المتباهين بمهاراتهم والمتبرمين من شظف العيش وضيق الحال مر بمنعطفات خطرة طوال الطريق من "العاشر" إلى "مدينة بدر"، بعضها دق على وتر الهوية الوطنية، والآخر على اختلاف العادات، وكذلك على فرص العمل الشحيحة والعلاج المحدودة. لولا صوت "الكينغ" محمد منير الذي جلجل عبر مذياع السيارة، وقبله المذيع منوهاً بأن الأغنية "لايف" من حفل منير في السودان العام الماضي قبل اندلاع الأحداث. هنا تحول التباهي إلى تماه مع الحرب المؤسفة، واختلاف العادات إلى تطابق في التقاليد، وصارت المجموعتان "كورالاً" موحداً لـ"الكينغ" على خلفية "الليلة يا سمرا".

منطقة آمنة

المثل الشعبي يقول "مش كل مرة تسلم الجرة"، أي إن تجنب وقوع مشكلة مرة لا يعني تجنبها للأبد. المزاج العام المتكدر، والمحاط بعوامل تعمل على إبقائه متكدراً، ليس منطقة آمنة.

انعدام وجود مناطق آمنة في غزة منذ اندلاع الحرب في اليوم التالي لعملية "حماس" في أكتوبر 2023 أصبح مكوناً رئيساً ولكن خافت الصوت في مشهد اللجوء والضيوف في مصر، ومن ثم المزاج العام للمصريين. وعلى رغم رفع قطاع عريض من المصريين راية مقاطعة محال ومنتجات يقولون إنها دعمت جيش الدفاع الإسرائيلي، وعلى رغم آلاف السيارات التي ابتاع أصحابها ملصقات دعم فلسطين ولصقوها على الزجاج الخلفي، وعلى رغم الدعاء في المساجد لنصرة "أهلنا في غزة"، والسخط والغضب من عدم فتح معبر رفح من الجانب المصري على مصراعيه لاستقبال كل سكان غزة عقب عملية "حماس"، وعدم التدقيق في ما كان يتم الترويج له في تقارير غربية حول "رفض" مصر مساعدة سكان غزة الواقعين تحت القصف من دون قيد أو شرط. فإن ظهور إعلانات الكعك والمنسف والمجدرة الفلسطينية، وطلب فرص عمل لفلسطينيين، والسؤال عن المطلوب لقيد الأطفال في المدارس والشباب في الجامعات، وغيرها من أمارات إضافة مكون "غزاوي" في ساحة "الضيوف"، زاد من مشاعر الترقب وفاقم من تكدر المزاج العام.

في أبريل (نيسان) الماضي، قال سفير فلسطين لدى مصر دياب اللوح، إن بين 80 و100 ألف فلسطيني وصلوا مصر من غزة منذ بدء الحرب. والعدد زاد بكل تأكيد، لكن يصعب تحديده بصورة قاطعة.

"الضيوف" والمياه

ما أمكن تحديده بصورة قاطعة هو حجم المياه التي يستهلكها "الضيوف". في أثناء افتتاح عدد من المشروعات الزراعية في شهر مايو الماضي، تحدث الرئيس السيسي عن "الكلفة المباشرة لاستضافة اللاجئين والمهاجرين والمقيمين الأجانب داخل مصر التي تصل إلى 10 مليارات دولار سنوياً. وقال الرئيس إن الضيوف يستهلكون مياهاً تصل إلى 4.5 مليار متر مكعب سنوياً، إذ متوسط استهلاك الفرد من المياه يبلغ نحو 500 متر مكعب سنوياً، "وهو ما يمثل عبئاً كبيراً على استهلاك 106 ملايين مصري ومصرية.

 

 

المطالب ومواجهتها بضيق الإمكانات تصب في صالح تعكير المزاج العام وتأجيج الرأي العام وخروج الضجر من النطاق الشخصي إلى العام.

هذا العام، وفي اليوم العالمي للاجئين الذي يوافق الـ20 من يونيو (حزيران)، تحدث الإعلام الرسمي وشبه الرسمي عن احتفاء مصر باللاجئين وترحيبها بالمقيمين وفتح أذرعها للهاربين من ويلات الحروب والصراعات. وتحدثت تقارير غربية وجانب من العربية ذات التوجهات المعروفة بانتقادها لمصر منذ أحداث عام 2013 التي أنهت حكم جماعة الإخوان المسلمين في البلاد عن "سوء معاملة" و"تقصير في خدمات" و"انتهاكات لحقوق اللاجئين" و"ترحيل من دون سند قانوني".

أوركسترا "الترحيل القسري"

في هذا اليوم، انضمت "منظمة العفو الدولية" للأوركسترا التي تعزف مقطوعة الاعتقالات الجماعية والترحيلات القسرية، لا سيما في ما يتعلق باللاجئين أو "الضيوف" السودانيين، وهي المعزوفة التي تسهم في تكدير المزاج العام الذي وصفه أحد المتكدرين بالقول "رضينا بالهم والهم مش راضي بينا".

المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقول إنه منذ بدأ "الاشتباك" في السودان في أبريل عام 2023 أجبرت أعداد كبيرة من السكان على النزوح لمصر وباقي الدول المجاورة بحثاً عن الحماية، وإن المفوضية تعمل على دمج اللاجئين في نظم التعليم والصحة، وتنفذ مشروعات مجتمعية لتعزيز شمولهم وتعزيز سبل كسب العيش.

كما تدعم المفوضية اللاجئين السوريين الذين فروا من بلادهم التي مزقتها الحرب وبدأوا في طلب اللجوء إلى مصر منذ عام 2012، مشيرة إلى ارتفاع أعداد السوريين المسجلين مع المفوضية في مصر بصورة كبيرة من 12 ألفاً و800 شخص في نهاية عام 2012 إلى أكثر من 153 ألفاً نهاية 2023، ممثلين خلفيات اجتماعية واقتصادية ودينية مختلفة.

 

 

وبحسب مكتب المفوضية في القاهرة فإن تجدد الصراعات وانعدام الاستقرار السياسي في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي وكذلك الاضطرابات في العراق واليمن تدفع آلاف الأشخاص من جنوب السودان وإثيوبيا والعراق واليمن إلى اللجوء إلى مصر. وحتى الـ20 من يونيو الجاري وصل عدد اللاجئين المسجلين لدى المفوضية إلى أكثر من 387 ألف لاجئ من السودان ونحو 157 ألفاً من سوريا، و43 ألفاً من جنوب السودان، و37 ألفاً من إريتريا، و19 ألفاً من إثيوبيا، و9 آلاف من اليمن، و8 آلاف من الصومال، و6 آلاف من العراق، وبضعة آلاف من 54 جنسية أخرى.

تجدر الإشارة إلى أن "المنظمة الدولية للهجرة" تقدر أعداد السودانيين "المقيمين واللاجئين" بنحو 4 ملايين شخص، والسوريين بنحو 1.5 مليون، ومليون يمني ومليون ليبي، يمثلون مجتمعين 80 في المئة من "اللاجئين" والمقيمين. وهذه أعداد تشمل غير المسجلين في المفوضية.

وتشير المفوضية إلى أنه نتيجة للأزمة في سوريا والسودان فإن "مصر تستضيف حالياً أكبر عدد من اللاجئين وطالبي اللجوء المسجلين في تاريخها".

وعلى رغم التأكيد الدائم أن اللاجئين وطالبي اللجوء في مصر يعيشون في بيئة حضرية، ويتركزون إلى حد كبير في القاهرة الكبرى والإسكندرية ودمياط ومدن عدة في الساحل الشمالي ومدن القناة، فإن الظروف الاقتصادية الصعبة في مصر خلال السنوات القليلة الماضية فاقمت بصورة كبيرة من حاجات من اللاجئين وأفراد المجتمع المستضيف.

"بيزنس" كالمعتاد

المجتمع المستضيف بعيد من العنصرية بشهادة من مروا عليه من "ضيوف" على مدى قرون، لكنه أيضاً في مرمى ظرف اقتصادي غير مستقر ووضع معيشي بالغ الصعوبة. كما أنه واقع - كغيره من شعوب الأرض - في قبضة محتوى الـ"سوشيال ميديا" صاحب القدرة على التأثير الشديد والتوجيه الأكيد، وربما التزييف العميق والتسييس بحسب الحاجة والتكدير وقت اللزوم والتهدئة إن لزم الأمر.

الملاحظ أن كتاباً وإعلاميين يدقون هذه الأيام على وتر "تصرفات" مرفوضة من قبل بعض من "الضيوف"، وصناع محتوى على منصات التواصل الاجتماعي يحذرون من هيمنة غير مصريين على بلادهم، وتغيير شكل المجتمع، وقائمة طويلة من التحذيرات من أخطار يصعب، أو بالأحرى يستحيل التيقن من حقيقتها أو قياس صدقيتها. بعض "الأخطار" وصل درجة تشبيه "المقيمين" بالهكسوس الذين هجموا على مصر بأعداد كبيرة وانتشروا في أرجائها تدريجاً.

في المقابل، وبينما تصرخ منظمات حقوقية جراء ما تقول إنه "ترحيل قسري" أو "اعتقال جماعي" لسودانيين، ويوجه صناع محتوى نحو المطالبة بترحيل المقيمين، وتتجه الدولة لتقنين الأوضاع وتنظيم الأعداد، وتظهر أمارات تكدر في المزاج العام، تمضي أحوال الشارع قدماً حيث "بيزنس" الضيوف مستقر، وإقامتهم مستمرة، وتفاصيل التواصل اليومي بينهم وبين المجتمع المستضيف لم تطرأ عليها تغيرات تذكر.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات