Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سرقة المساعدات في غزة... اتهامات تلاحق إسرائيل

يتعرض سائقو الشاحنات إلى كمائن وتنهب معونات الغذاء وتباع في الأسواق الشعبية

يحتاج قطاع غزة عودة الشرطة المدنية لتولي مهمة إيصال المساعدات لمقار الأمم المتحدة (أ ف ب)

ملخص

اتفقت إسرائيل مع مصر والأمم المتحدة بواسطة أو طلب من الولايات المتحدة على تشغيل معبر كرم أبوسالم لتدفق المساعدات الإنسانية منه، وبالفعل بدأت شاحنات المعونات المكدسة منذ أشهر في العريش المصرية بالتحرك نحو غزة.

بعدما تجاوز سائق شاحنة المساعدات الإنسانية معبر كرم أبوسالم الذي يقع في محافظة رفح أقصى جنوب غزة، وتوجه لتفريغ حمولة المعونات في مخزن للأمم المتحدة وسط القطاع، اعترض طريقه مجموعة لصوص ونهبوا الغذاء ثم عرضوه بالسوق الشعبية بطريقة غير مشروعة وبأسعار خيالية.

أخيراً استأنفت إسرائيل إمداد غزة بالمساعدات الإنسانية بعدما توقفت عن توريد المعونات على أثر العملية العسكرية التي يشنها الجيش في محافظة رفح وخلالها استولى على معبر رفح الذي تتدفق منه الأغذية.

لكن الإغلاق المستمر لمعبر رفح ترك آثاراً وخيمة على غزة أبرزها نفاد الغذاء وعودة ملامح المجاعة واقتراب السكان من صور انعدام الأمن الغذائي، هذه الظروف الصعبة ولدت حال ضغط على إسرائيل أجبرتها في نهاية المطاف إلى السماح بإعادة تدفق المعونات الغذائية.

اتفاق ثلاثي

اتفقت إسرائيل مع مصر والأمم المتحدة بواسطة أو طلب من الولايات المتحدة على تشغيل معبر كرم أبوسالم لتدفق المساعدات الإنسانية منه، وبالفعل بدأت شاحنات المعونات المكدسة منذ أشهر في العريش المصرية بالتحرك نحو غزة.

ولضمان تدفق المعونات إلى غزة دون تعرض الغذاء أو عاملي الإغاثة لأي ضرر، أعلنت إسرائيل هدنة تكتيكية، خلالها توقف القتال من جانب واحد وتلتزم فيها عدم شن غارات وانفجارات على طول الطريق الذي من المقرر أن تسلكه قوافل المساعدات حتى تصل الشاحنات إلى مخازن ومستودعات الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة الأخرى.

لكن معظم هذه المساعدات الإنسانية لم تصل إلى المستودعات ولم يتسلمها عمال الإغاثة، إذ تعرضت لعمليات سرقة ونهب بمجرد دخولها إلى قطاع غزة، وبعدها عرضت في الأسواق وأصبحت تباع على أنها بضائع تجارية وبأسعار مرتفعة جداً.

كيف تجري سرقة المساعدات؟

في تفاصيل عملية سرقة المساعدات، تحدثت "اندبندنت عربية" مع سائق شاحنة يسمى محمود مشتهى، وشرح تفاصيل عملية نهب المعونات التي كان يحملها في شاحنته تمهيداً لنقلها إلى مخازن الأمم المتحدة لتوزيعها على الجائعين.

 

 

يقول محمود "وأنا في طريقي إلى وسط القطاع، كنت أقود شاحنة من قاطرتين وفيها معونات غذائية مكدسة يصل وزنها إلى سبعة أطنان، ولكن جميع هذه الحمولة تعرضت للنهب قبل أن تصل إلى مستودعات الأمم المتحدة".

أثناء قيادة محمود الشاحنة نصب له الخارجون عن القانون فخاً، ويضيف "وضع السارقون حاوية قمامة في منتصف الشارع ثم وضعوا جذع نخلة في الطريق"، بصورة تلقائية توقف السائق وقبل أن يفكر في مراوغة الفخ أو المكمن، سمع صوت إطلاق نار صوبه.

هجمت مجموعة من الرجال الملثمين الذين يحملون أسلحة نارية خفيفة على الشاحنة، وبالقوة دفعوا السائق نحو الأرض، وبدؤوا في نهب حمولة الأغذية حتى جرى تفريغها بالكامل، وبعدها أطلقوا سراح السائق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

كان مع محمود عدد محدود من الرجال الذين يعتلون شاحنة المساعدات، يحملون الهراوات والعصي الخشبية بهدف حماية المساعدات الإنسانية، لكن هذه الأسلحة البيضاء لم تخف اللصوص الذين سرقوا المعونات ومنعوا وصولها إلى مستحقيها.

وفقاً لحديث السائق محمود مشتهى فإنه يتعرض بصورة يومية لمكامن ومصائد من قطاع الطرق واللصوص الذين يسرقون قوافل المعونات قبل وصولها إلى مستحقيها الجائعين، ويشير إلى أن المكامن تختلف كل يوم عن الآخر وتختلف أماكنها بما يجعل من الصعب تفادي الوقوع فيها.

يؤكد محمود أن اللصوص يعرفون جميع الطرق ويتمركزون فيها، وأنهم أكثر من عصابة وليسوا فئة محددة، وينشطون في الليل والنهار، ولا يخافون من أية قوة، وذلك بسبب غياب النظام العام وانهيار قوات حفظ القانون.

غياب الشرطة وانهيار النظام المدني

في الواقع، ذاع صيت سرقة المساعدات الإنسانية ونهبها والاستيلاء عليها في قطاع غزة، وبات هذا الأمر خطراً ومخيفاً، إذ على خلاف سرقة الغذاء فإن الأمر وصل إلى تشكيل خطر على حياة عمال الإغاثة وأيضاً بات يهدد السلم والأمن المجتمعيين.

وفقاً للقانون، فإن الشرطة (الفئة المخولة في تطبيق القانون وحماية المجتمع) هي الجهة الوحيدة التي تتولى مهمة تأمين المساعدات وحمايتها من أية عمليات نهب وسرقة، لكن إسرائيل ترفض السماح لهؤلاء العناصر مرافقة شاحنات المعونات.

غياب الشرطة ليس بسبب منعهم من قبل إسرائيل فقط، بل أيضاً هو إحدى صور انهيار النظام العام في غزة، إذ أدت الحرب إلى سقوط حكومة غزة التي تديرها "حماس"، وبات العمل الرسمي متوقفاً إلا على فئات معينة.

طبقات من العصابات

في أية حال، فإن انهيار النظام والقانون في غزة أدى إلى ظهور طبقات من العصابات والخارجين عن القانون واللصوص وقطاع الطرق، وجميعهم يملكون أسلحة نارية في أيديهم ويطلقون النار بصورة عشوائية وصوب الناس مباشرة.

اشتكت الأمم المتحدة عدم قدرتها على تسلم المساعدات بسبب سرقتها، وذكر مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية "أوتشا" أن الفلتان وانعدام الأمن يعرضان العمال والعمليات الإنسانية في غزة لخطر أكبر، وذكر أن هناك سرقة وسطواً وانهياراً للمؤسسات المدنية التي كانت تتولى تأمين الوضع في القطاع.

 

 

ويقول مسؤول اللجنة الدولية للصليب الأحمر ويليام شومبرغ، "المساعدات تتعرض للنهب باستمرار، المسألة متصلة في انهيار النظام المدني فقد نشط قطاع الطرق واللصوص في غزة، الوضع هناك بات أشبه في الغابة لا قانون ولا شرطة".

الشرطة ممنوعة من العمل

حاولت الأمم المتحدة التواصل مع الشرطة من أجل تأمين قوافل المساعدات لكن إسرائيل رفضت، ويقول الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش "لقد منعت الأمم المتحدة من التعامل مع الشرطة المدنية الفلسطينية لتأمين المساعدات الإنسانية في قطاع غزة، وسط الفوضى والانعدام الكامل للأمن في القطاع".

وحمل نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة فرحان حق، السلطات الإسرائيلية مسؤولية تأمين المساعدات، ويقول "بصفتها القوة المحتلة، على السلطات الإسرائيلية استعادة النظام العام والسلامة وتيسير الوصول الإنساني الآمن لتصل المساعدات إلى المدنيين المحتاجين".

أخذ موضوع نهب المساعدات الإنسانية وعدم تأمينها صدى كبيراً، إذ هاجم وزير الخارجية المصري سامح شكري الجانب الإسرائيلي بسبب عدم التزامه حماية المساعدات وضمان وصولها إلى مستحقيها، واعتبر أن القيود الإسرائيلية تعوق وصول الغذاء إلى مستحقيه.

في المقابل استعدت الشرطة في غزة للعودة إلى عملها، إذ يقول المتحدث باسم الأجهزة الشرطية أيمن البطنيجي "على رغم أخطار عملنا لكن نحن على استعداد في مواصلة تأمين قوافل المساعدات الإنسانية، لكن يجب حماية عناصرنا".

مباشرة رفضت إسرائيل ذلك العرض، وعلى لسان المنسق الإسرائيلي للشؤون المدنية في الأراضي الفلسطينية غسان عليان جاء أن عناصر شرطة "حماس" يسرقون المساعدات ويعملون على توزيعها بطريقة غير عادلة على عناصر الحركة.

لكن "حماس" تنفي ذلك بشدة، ويقول متحدثها أسامة حمدان إنهم يسهمون بطريقة ما في توزيع وتأمين قوافل المعونات، وإنهم يحاولون بصورة أو أخرى، إرساء قواعد القانون وحماية الناس من اللصوص وقطاع الطرق وإفشال عمليات النهب.

تباع في الأسواق

في أية حال، فإن الأمر الملموس في غزة هو سرقة المساعدات، لكن السؤال المطروح أين تذهب هذه المعونات بعد نهبها، في الحقيقة تعرض هذه الأغذية في السوق وتباع على بسطات عشوائية وبأسعار خيالية.

فمثلاً يباع ليتر المياه المعدنية بقيمة 1.9 دولار، ومعلبات الملوخية والفاصوليا والبازلاء والحمص والفول واللانشون بقيمة ثلاثة دولارات لكل ثلاث علب، أما الخضراوات فإن كيلو البطاطا وصل إلى خمسة دولارات والطماطم إلى أربعة دولارات، والخيار والباذنجان والفلفل فإن ثمن الكيلوغرام دولاران.

حتى خيم الإيواء ثمن الواحدة وصلت إلى 800 دولار، والقطع النايلون المخصصة لصناعة خيمة يدوية فإن ثمن الأربعة أمتار وصل إلى 70 دولاراً، وجميع هذه البضائع من المفترض أنها مساعدات وتوزع مجاناً على مستحقيها، لكن عمليات النهب حالت دون ذلك.

شكوى ومجاعة

في الأوان الأخيرة أخذت الأصوات تتعالى بالشكوى من الفوضى وسرقة المساعدات وبيعها بأسعار خيالية، وشيوع حالات استخدام الأسلحة النارية، تقول سماهر "مولد وصاحبه غائب" لوصف ما يحدث في غزة.

وتضيف "الفوضى وشيوع مظاهر السطو على المساعدات في غزة وطرحها بالأسواق، بات أمراً طبيعياً، لقد نهب اللصوص منازلنا، والآن يسرقون قوتنا وقوت أطفالنا، وبعد ساعات من حوادث السطو نجد كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية مطروحة في الأسواق وبأسعار باهظة، فمن أين حصلوا عليها ولماذا لم تصل إلى مستحقيها".

 

 

شكوى الناس من نهب المساعدات برزت في ظل المجاعة التي تفتك في بطون سكان غزة، إذ تشير تقديرات مبادرة التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي إلى أن 93 في المئة من سكان غزة يقتربون من مجاعة وشيكة ويواجهون الصورة الأكثر تطرفاً من سوء التغذية، وإسرائيل تقف وراء ذلك.

لكن المتحدث باسم وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية شيمون فريدمان يدافع عن بلاده بالقول "نعمل على تفادي المجاعة ونسمح في تدفق الغذاء، بصورة يومية لدينا تعليق موقت للمعارك هدفه السماح للأمم المتحدة بجمع وتوزيع مزيد من المساعدات".

ويضيف فريدمان "عمليات سرقة شاحنات المساعدات ونهبها والاستيلاء عليها من قبل جهات مسلحة تقف خلفها (حماس)، وفي المقابل ليس من مهمات جيشنا تأمين هذه القوافل وعلى رغم ذلك نفكر في حماية الشاحنات بطرق مختلفة لأننا نقاتل الحركة ونحمي المدنيين".

المزيد من متابعات