Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف أصبحت ساحات الصراع الإقليمية متداخلة؟

لا أحد يملك مفاتيح السيطرة على المواجهات والأوضاع الحالية تتسم بدرجة أعلى من الخطورة

لم يعد قطاع غزة مؤهلا للعيش فيه (أ ف ب)

ملخص

انتصر معسكر النظام السوري وحلفاؤه روسيا وإيران و"حزب الله" لكنه لم يستطع إكمال نصره أمام سيطرة الولايات المتحدة والأكراد على جزء من الشمال الشرقي للبلاد وسيطرة تركيا وتنظيمي "القاعدة" و"داعش" على محافظة إدلب.

يمكن رصد عديد من التطورات أخيراً التي تكشف عن تداخل ساحات الصراع الدولي والإقليمي بأشكال خطرة وأكثر حدة، فلا يقتصر الأمر على إعلان الحوثيين الصريح للحرب ضد إسرائيل والولايات المتحدة باستهدافها السفن التي تتحرك في البحر الأحمر، على رغم أنها في الحقيقة تنتج آثاراً أوضح على أطراف أخرى أكثر مما تركه على إسرائيل والولايات المتحدة، ثم يأتي التصعيد الإسرائيلي الراهن ضد "حزب الله" الذي يعد الأخطر في مجمل المشهد الإقليمي برمته، ومن قبله ضد إيران والحزب اللبناني على الساحة السورية ذاتها، وهذا أمر ليس جديداً ولكنه جاء بمعدلات ووتيرة أشد.

ومن ناحية أخرى لا ينبغي تجاهل التصعيد الحكومي السوداني ضد ما تعتبره تدخلاً ليبياً في الصراع العسكري الدائر بين الجيش وقوات "الدعم السريع"، بل وتقديم شكوى رسمية في الأمم المتحدة بهذا الصدد. في المقابل نفى الجيش الليبي وقائده العسكري المشير خليفة حفتر هذا الأمر.

خلفية أوضاع الصراع الإقليمية

نقطة البدء هي استرجاع ماذا كان عليه الأمر في الأعوام الأخيرة لكي نضع هذه التحولات في حجمها الحقيقي، فلو تركنا جانباً حالة الصراع أو القضية الفلسطينية الممتدة منذ أكثر من 70 عاماً بخصوصياتها وتعقيداتها، ثم العراق الذي تعرض لغزو وتحول إلى ساحة تجاذبات ونفوذ خارجي وإقليمي منذ العقد الأول من القرن الحالي، كان لدينا ساحات صراع أو بؤر مشتعلة في سوريا وليبيا واليمن تقريباً منذ الأشهر الأولى لما يسمى الربيع العربي، وتبلورت كساحات صراع واسعة في كل من ليبيا وسوريا، ولكنها استغرقت بعض الوقت في الحالة اليمنية.

وما يعنينا توضيحه في الحالات الثلاث السابقة أنها وصلت إلى نوع من استقرار التوازن وعدم قدرة أطراف الصراع الدولي والإقليمي على حسم الصراع لصالحها وسجلنا هذا منذ أعوام عديدة.

وخلاصة ما حدث في سوريا أن معسكر النظام السوري وحلفائه روسيا وإيران و"حزب الله" انتصر، لكنه لم يستطع إكمال نصره أمام سيطرة الولايات المتحدة والأكراد على جزء من الشمال الشرقي للبلاد وسيطرة تركيا وتنظيمي "القاعدة" و"داعش" على محافظة إدلب، وأصبحنا أمام حالة من توازن الردع غير النووي في هذه الحالة ومن تجميد الصراع.

وتحقق نفس الأمر في الساحة الليبية بعد تفاعلات طويلة ومعقدة بين معسكرين في الشرق والغرب، خلفهما قوى إقليمية ودولية ولا طرف يستطيع الحسم العسكري ولا استعداد حقيقياً داخلياً أو دولياً لتنظيم انتخابات برلمانية ورئاسية تكشف حقيقة توازن القوى والتوجهات داخل هذا المجتمع، على أن الفارق عن الحالة السورية أن المعسكرين تقف خلفهما قوى إقليمية على الجانبين نفوذها أكبر من تلك الدولية.

وينطبق نفس الأمر على اليمن إذ استقر للحوثيين السيطرة على العاصمة صنعاء وشمال البلاد بينما تسيطر الحكومة الشرعية ومن يعارض الحوثيين على الجنوب، وأيضاً مرة أخرى الأطراف الإقليمية أكثر حضوراً في هذه الساحة والأطراف الدولية أقل تأثيراً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

باختصار ما كان عليه الأمر قبل حرب غزة يمكن تلخيصه في تحول بؤر الصراع هذه إلى ساحات صراع في مجتمع دولي يموج بالتحولات ولا يملك طرفاً واحداً فرض إرادته وحسم الصراع، حتى جاءت الخطوة الأكبر بحرب أوكرانيا التي هي تصعيد أكبر للصراع من حيث إنه محاولة لإنهاء هيمنة الولايات المتحدة على النظام وبدء معالم ترتيبات دولية جديدة ومرة أخرى انضمت كييف، حتى الآن، إلى ساحات الشرق الأوسط في بطء تسوية الأزمة وربطها بمستقبل كل الترتيبات الدولية الجارية، وأصبح واضحاً أن حسم هذا الصراع الأوكراني الأكبر دولياً قد يقود إلى تحولات على مستويات إقليمية فرعية.

سوابق محدودة

الجمود سابق الذكر وكون كل حالة صراع لها خصوصيتها لم يمنع من تفاعلات بين هذه الساحات طوال الوقت، فالطرف التركي اللاعب المهم في سوريا منذ بداياتها وظف ساحتها لنقل عناصر من "القاعدة" و"داعش" إلى الساحة الليبية في أكثر من مرحلة مفصلية لتأثير في تفاعلات وتوازنات ليبيا، ونجح بالفعل، في البداية في السيطرة على مطار طرابلس 2014، ثم لاحقاً لفك حصار العاصمة وإجبار الجيش الليبي على التراجع شرقاً. ومن ناحية أخرى وظفت إيران أدواتها الإقليمية من "حزب الله" و"الحشد الشعبي" في كل من سوريا واليمن، والتفاعل بين هذه الجبهات كان حاضراً في الأعوام الأخيرة خصوصاً.

حرب غزة ونقلة نوعية وكمية

أهمية ما يحدث الآن من تداخل ساحة الصراع الأقدم والمزمنة في المنطقة مع ساحات الصراع الجديدة أن الوضع يتسم بدرجة أعلى من الخطورة والتداخل.

مع أننا يجب ألا ننسى أن ساحة الحرب الإسرائيلية في لبنان كان لها جذورها المرتبطة بالقضية الفلسطينية، ولكنها تطورت لاحقاً وأصبح لها خصوصية حول صراع إسرائيل – "حزب الله"، وكانت تفاعلاتها تسير بعيداً من تفاعلات القضية الفلسطينية، بل كان هذا هو الافتراض في بدايات الحرب، عندما حرص "حزب الله" وأمينه حسن نصرالله على تأكيد أنه سيواصل قواعد الاشتباك المستقرة بين الجانبين.

والشاهد أن "إسرائيل نتنياهو" هي التي حرصت ربما منذ البداية وبصورة متزايدة منذ تعثرها النسبي في غزة على فتح الجبهة الجديدة مع "حزب الله" على نطاق أكثر اتساعاً، ومن ثم كانت الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة لاستفزاز إيران و"حزب الله" وخصوصاً داخل الساحة السورية وما ترتب على ذلك من رد فعل إيراني وسعي دولي وإقليمي لاحتواء هذا التصعيد المباشر لأول مرة.

ولكن من ناحية أخرى المناوشات المستمرة بين إسرائيل و"حزب الله" أدت إلى تداعيات لدى سكان إسرائيل في الشمال وأكثر خطورة في الجنوب اللبناني ذاته. ولكن إسرائيل وجدت نفسها في حاجة إلى توسيع هذا الصراع والتغطية على إخفاقها حتى الآن في تحقيق أهدافها من القضاء على "حماس" واستعادة الرهائن ووصول الأمر إلى إدانات دولية غير مسبوقة لو استمرت على نفس الوتيرة في استهداف الشعب الفلسطيني في القطاع.

نتنياهو ومواصلة البحث عن مخرج

المفتاح الرئيس في فهم ملابسات امتداد الصراع في الحرب الراهنة إلى الساحة اللبنانية يرتبط ببساطة بحالة وشخصية رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومعضلة النخبة اليمينية الحاكمة حالياً في إسرائيل، ورغبتها في تحقيق نصر كاسح يؤدي إلى تصفية حقيقية للقضية الفلسطينية، وهو ما لم يتحقق حتى الآن على رغم الخسائر الهائلة التي تعرض لها قطاع غزة، وكونه أصبح غير قابل للحياة، فلم يُفرج عن الرهائن أو تدمير كل مقدرات "حماس"، وهنا يحتاج اليمين الحاكم لفتح جبهة جديدة يتجنب خلالها استكمال تسويات في القطاع لا يريدها.

وهذا فضلاً عما هو معروف من أن نتنياهو لا يريد إنهاء الحرب فيتعرض حكمه لانتكاسه وتنتهي حصانته ويخضع للمحاكمة، وهو السيناريو الذي لا يريد أن ينهي به حكمه الطويل، ومن ثم يفترض إمكانية فتح جبهة جديدة في حرب شاملة مع "حزب الله" ويحقق فيها نتائج عسكرية أفضل، على رغم أن هذا ليس مضموناً، فإن هذا يلائم العقل المغامر لنتنياهو.

ويضاف هذا إلى ترابط ساحات الصراع كلها من حيث إن بها وجود لغالب اللاعبين الدوليين والإقليميين سواء الولايات المتحدة وروسيا أو الإقليميين وهم إيران وإسرائيل وتركيا، ومن ثم كل هذه الأطراف تتعامل مع خريطة هذه الصراعات كوحدة مترابطة، كلما حققت مكاسب في أحدها عزز هذا من وضعها الدولي بصورة عامة وفى الجبهات الأخرى كذلك، وفي ظل هذه الحالة يرجح استمرار عملية تمدد الصراعات وازدياد تعقدها ومزيد من المعاناة والعبث الذي لن يتوقف إلا عندما تمتلك شعوب هذه المنطقة إرادتها المستقلة.

المزيد من تحلیل