Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف قرأت الأحزاب الفرنسية نتائج الانتخابات البرلمانية؟

معسكر إيمانويل ماكرون يدق ناقوس الخطر ويدعو إلى "مسيرة كبرى"

تستعد فرنسا لفترة جديدة من التحول والتكيف مع مشهد سياسي مختلف (أ ب)

ملخص

الفترات المفصلية السابقة تظهر أن النظام السياسي الفرنسي قادر على إدارة الاختلافات وتحقيق استقرار سياسي في مواجهة التحديات المتغيرة

بعد أداء قوي لحزب "التجمع الوطني" في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية خرج آلاف الأشخاص في شوارع فرنسا أمس الإثنين في تظاهرات احتجاجية ضد صعود اليمين المتطرف. ووفقاً لتقارير إعلامية شهدت ساحة الجمهورية في العاصمة باريس تجمعاً احتجاجياً إضافة إلى تظاهرات في عدد من المدن الفرنسية الأخرى، واندلعت اشتباكات بين المتظاهرين وقوات الشرطة في ليون، ثالث أكبر مدن فرنسا.

في الأثناء، تباينت ردود الفعل في صفوف السياسيين حول فوز اليمين القومي في الانتخابات التشريعية الفرنسية، إذ تنوعت ما بين استنكار وقلق من التطرف والدعوة إلى التهدئة والحوار، وتأكيد أهمية احترام القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

تفوق اليمين المتطرف

وفاز "التجمع الوطني" وحلفاؤه في الجولة الأولى من الانتخابات البرلمانية بنسبة 33.34 في المئة من الأصوات، وهذا الإنجاز يعد الأفضل في تاريخ "التجمع الوطني" وأعلى نسبة حصل عليها الحزب في الانتخابات الوطنية حتى الآن. ويمهد هذا النجاح الطريق لليمين المتطرف للوصول إلى السلطة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

من جهة أخرى حققت القائمة التي يقودها جوردان بارديلا نجاحاً بنسبة 31.37 في المئة في الانتخابات الأوروبية قبل ثلاثة أسابيع، قبل أن يتم تحالفها مع إريك سيوتي.

وعلاوة على ذلك، حقق اليمين المتطرف إنجازاً استثنائياً في عدد الأصوات، إذ تجاوز الرقم القياسي السابق المسجل في الانتخابات الرئاسية لعام 2022، الذي بلغ ثمانية ملايين و133 ألفاً و828 صوتاً، حصل الحزب على نحو 11 مليوناً و500 ألف صوت في صناديق الاقتراع، وهو رقم يقارب النتيجة التي حققتها مارين لوبن في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية قبل عامين.

في المقابل حصلت "الجبهة الشعبية" الجديدة على 27.99 في المئة من الأصوات وفازت بـ32 نائباً، متفوقة بفارق كبير على الائتلاف الرئاسي الذي حصل على 20.04 في المئة ونائبين فقط في الجولة الأولى. وشهدت نسبة المشاركة ارتفاعاً حاداً بلغ 66.71 في المئة، مقارنة بـ47.5 في المئة عام 2022. الجمعية الوطنية حصلت على مجموع تسعة ملايين و377 ألفاً و124 صوتاً، مما يمثل 29.5 في المئة من إجمال الأصوات.

وفقاً للنتائج النهائية من وزارة الداخلية، حصل حزب جوردان بارديلا على 37 نائباً إما بصورة مباشرة في الجولة الأولى أو تم إعادة انتخابهم. بينما حصل حلفاؤه من "التجمع الوطني" على نحو أربعة في المئة من الأصوات، مما أدى إلى فوزهم بمقعدين في قصر بوربون.

بالنسبة لـ"الجبهة الشعبية الجديدة"، حصلت على 27.99 في المئة من الأصوات وفازت بـ32 نائباً، بينما حصل ائتلاف الفرقة الرئاسية الذي جاء في المركز الثالث بنسبة 20.04 في المئة على نائبين فقط في الجولة الأولى. الجمهوريون حصلوا على 6.57 في المئة تقريباً من الأصوات ونائب واحد في الجولة الأولى.

بهذا السياق، دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الناخبين في بلاده إلى التحالف الواسع لمواجهة التطرف، إذ أشاد بأهمية المشاركة الواسعة التي تعكس أهمية هذا الاقتراع بالنسبة لجميع المواطنين الفرنسيين. وأكد ماكرون في بيان صحافي نشر في وسائل الإعلام مساء الأحد، أنه في مواجهة حزب "التجمع الوطني"، "حان الوقت لتشكيل تحالف واسع يكون واضحاً ديمقراطياً وجمهورياً في الجولة الثانية". وأضاف أن "الاختيار الديمقراطي لهم يلزمنا".

معسكر إيمانويل ماكرون يدق ناقوس الخطر

وبعد فشل معسكر إيمانويل ماكرون في تشكيل تحالف مع حزب "فرنسا المتمردة" بعد نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، أطلق مكتبه نداء للتحرك لمواجهة صعود حزب "التجمع الوطني"، داعياً إلى "مسيرة كبيرة" بهدف الضغط عليهم. وتظهر التقديرات الأولية أن المعسكر الرئاسي حصل على 22 في المئة من الأصوات، وهو ما يمثل نقطة تحول في مسار إيمانويل ماكرون. هذه النتيجة تأتي كنكسة بعد سيطرة سابقة للجمعية الوطنية بنسبة تجاوزت 32 في المئة منذ 2017 حتى 2022، إذ فقدوا الغالبية المطلقة في 2022 بعد فترة قصيرة من إعادة انتخاب ماكرون.

وفي هذا السياق أعلن رئيس الوزراء غابرييل أتال عن ضرورة تجنب التصويت لصالح "التجمع الوطني" في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية، مؤكداً أن اقتراب اليمين المتطرف من السلطة يجب أن يكون درساً لا ينسى. ورأى أتال أن هدفهم السياسي واضح، وهو منع "التجمع الوطني" من الحصول على الغالبية المطلقة في الجولة الثانية، ووصف مشروعهم بأنه كارثي، داعياً إلى سحب مرشحيهم من الدوائر الانتخابية إذ حلوا في المركز الثالث، ودعم مرشح آخر يدافع عن قيم الجمهورية ضد "التجمع الوطني".

من جهته رفض حزب الجمهوريين (يمين محافظ)، الذي حصل على نحو 10 في المئة من الأصوات في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية بحسب أول التقديرات، دعوة ناخبيه إلى التصويت ضد "التجمع الوطني" اليميني المتطرف في الدورة الثانية. وأكدت قيادة الحزب في بيان، أنهم لن يكونوا حاضرين في الجولة الثانية، وأن الناخبين أحرار في خياراتهم، وسيتركون الفرنسيين يعبرون عن آرائهم "كل بحسب ضميره".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي السياق، أعلن رئيس كتلة اليسار الراديكالي جان لوك ميلانشون، استعداد حزبه لسحب ترشيحاتهم في حال احتلوا المركز الثالث في الانتخابات، مؤكداً التزامهم بمبادئهم ومواقفهم الثابتة. واعتبر ميلانشون نتائج الانتخابات "هزيمة ثقيلة لا تقبل الجدل للرئيس ماكرون".

سبعة أيام

في الوقت نفسه، حذر النائب في البرلمان الأوروبي عن اليسار رافاييل غلوكسمان من صعود اليمين، معتبراً أنهم أمام سبعة أيام لتجنب "كارثة" في فرنسا.

من جانبه، دعا النائب كليمنتين أوتين من حزب "فرنسا المتمردة" القوى السياسية الأخرى إلى التزام الأسلوب نفسه السياسي الذي يتبناه ميلانشون، مع تأكيد أهمية إجراء الانتخابات بشفافية ومباشرة.

من جهة أخرى أعلن جوردان بارديلا زعيم حزب "التجمع الوطني" اليميني المتطرف، استعداده لتولي رئاسة الوزراء في حال فوز حزبه بغالبية مطلقة في الجولة الثانية، مؤكداً احترامه للدستور ودور الرئيس، وتعهد تنفيذ سياسات تعزز مصلحة البلاد.

من جانبها دعت مارين لوبن إلى منح جوردان بارديلا غالبية مطلقة لتسلم منصب رئيس الوزراء، معبرة عن أهمية "قلب الصفحة" والشروع في مرحلة جديدة من الإصلاحات بعد فوزها في الجولة الأولى.

أما إريك سيوتي الرئيس الجمهوري الذي تحالف مع "التجمع الوطني"، فحث الناخبين اليمينيين على رفض "الخطر المرعب لليسار المتطرف"، داعياً جميع الجمهوريين إلى دعم التحالف لتسهيل تعيين بارديلا في رئاسة الوزراء، وشدد على أهمية المشاركة النشطة في الجولة الثانية لوضع حد لأعوام من التقاعس وتحقيق تغيير شامل في السياسة الفرنسية.

اجتماع كئيب في قصر الإليزيه

وتفاعلاً مع فوز "التجمع الوطني" في الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية، عقد اجتماع في قصر الإليزيه في الأول من يوليو (تموز)، وتحدث متابعون عن أجواء كئيبة سادت الاجتماع "المتوتر" بين الوزراء. ودعا رئيس الدولة إلى عدم الخطأ في النظر نحو الجولة الثانية، مشيراً إلى أن "اليمين المتطرف على وشك الوصول إلى أعلى المناصب، ولا يوجد منافس آخر".

وخلال الاجتماع، ألقى إيمانويل ماكرون كلمة افتتاحية في أجواء وصفت بالـ"كئيبة"، طلب من أعضاء الحكومة الحاضرين التعبير بكلمتين إلى ثلاث كلمات، ودعا مرشحي الغالبية إلى النظر في الانسحاب من الدور الثاني في الدوائر الانتخابية ما يمكن مرشح التحالف أن يواجه مرشحاً اشتراكياً أو بيئياً، ولفت إلى أن هذه الأحزاب تمثل جزءاً من "القوس الجمهوري"، بحسب تعبيره.

وأمام كل ما سبق، يتبادر إلى الذهن سؤال حول ما ستحمله المرحلة المقبلة في السياسة الفرنسية، هل نحن على أعتاب مرحلة جديدة؟

يبدو أن فرنسا تستعد لفترة جديدة من التحول السياسي والتكيف مع مشهد سياسي متغير، إذ تشير التحولات المحتملة إلى تغييرات في الساحة السياسية بعد نتائج الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية والتحركات التي تلتها.

تاريخياً، عرفت فرنسا عدة فترات بارزة من التعايش السياسي، إذ نجحت الأحزاب المختلفة في العمل معاً على رغم اختلافاتها الفكرية والسياسية. فترة الثمانينيات شهدت تعاوناً بين رئيس الجمهورية من حزب الاشتراكيين ورئيس الحكومة من حزب التجمع من أجل الجمهورية، مما أظهر إمكانية التواصل والتفاهم عبر الاختلافات السياسية. وتكررت هذه التجارب في التسعينيات حين تعاون الرئيس مع حكومة تمثل تيارات سياسية مختلفة، مما عكس قدرة النظام السياسي الفرنسي على التكيف والتعايش السياسي.

وبناءً على الوضع الحالي، يبدو أن فرنسا قد تواجه فترة تحول مهمة، تتطلب من الأحزاب السياسية والزعماء القدرة على التوافق والتعاون لإيجاد حلول للتحديات المعقدة التي تواجه البلاد. تلك الفترات التاريخية توضح أن النظام السياسي الفرنسي قادر على إدارة الاختلافات وتحقيق استقرار سياسي في مواجهة التحديات المتغيرة.

المزيد من تقارير