Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ملفات ملغومة على مكاتب الحكومة المصرية الجديدة

تنتظر إما الضغط عليها لتنفجر أو تفكيكها عبر حلها أو حتى تأجيلها في ظل أوضاع اقتصادية صعبة وقبضة غلاء مفترسة ومستوى معيشة ليس بخير

الحكومة المصرية الجديدة في أول اجتماع لها بعد التشكيل (مواقع التواصل)

ملخص

كثير من المصريين لا يعرفون أسماء الوزراء لا من رحلوا أو من بقوا، لكن يسود إجماع نادر بأن الملفات الملغومة على مكاتب الوزراء تنتظر إما الضغط عليها لتنفجر أو تفكيكها عبر حلها أو حتى تأجيل انفجارها

أظهر المصريون اهتماماً مباغتاً مفاجئاً لم يكن في الحسبان بالحكومة الجديدة، وأثبت الملايين خلال الساعات القليلة الماضية حصافة رؤية قيس بن الملوح وحكمته المتجلية في التلاقي الذي أبداه المواطنون تجاه حكومتهم الجديدة. وظن الجميع أنه لا تلاقي بعد هذا القدر من المصاعب الاقتصادية وذلك الكم مما يسميه كثر "غياب" أو "ضبابية رؤية الإصلاح لمصلحة المواطن"، لكن "قد يجمع الله الشتيتين بعد ما يظنان كل الظن ألا تلاقيا".

بعد أشهر من فقدان الشغف الشعبي بالتغيير وغياب حب الاستطلاع الفطري بكل تارك للمنصب ومتقلد له، وتبدد ملامح الأمل في أن يكون القادم ربما أفضل بفعل دماء جديدة هنا أو مهارات قديمة هناك، تأجج اهتمام المصريين بالحكومة الجديدة.

وهذا التأجج لو لم يكن من منطلق التأييد والتعضيد وتمني التوفيق والدعاء بالسلامة، فمن باب حب الاستطلاع، وربما بصيص من أمل في أن يكون أحد القادمين الجدد قادراً أو راغباً أو مضطراً لتفكيك أي من الألغام الملقاة على مكتبه.

الباقيات الملغمات

مكاتب الوزراء الجدد وعددهم 21 وزيراً ووزيرتان أي 23 وزيراً جديداً من مجموع 31 وزارة، هي نفسها مكاتب أسلافهم. ستختفي الصور الشخصية وشهادات التفوق والجدارة والاستحقاق. أما الملفات فباقية وإن لم تكن "الباقيات الصالحات" فهي الباقيات الملغمات.

ومن ألغام التموين ومعاركه التي تتكاثر وتتصاعد ولا يبدو لها حل قريباً في الأفق، إلى ألغام التربية والتعليم ومشاحناتها بين فريق المجددين المصلحين وفرق الممسكين بتلابيب "هذا ما وجدنا عليه آباءنا"، إلى ألغام الكهرباء وتخفيف أحمالها وعدد لا متناه من تصريحات "موعد انتهاء تخفيف الأحمال" يفوق تضارب ساعات التخفيف ويتفوق على تناقض نسب التحميل، وألغام المحال وقرار إغلاقها في العاشرة مساء توفيراً للكهرباء، وما يحيط بالقرار من مخاوف زيادة بطالة وارتفاع معدلات الإنجاب.

إضافة إلى ألغام الصناعة وحرب تكسير العظام بين الدولة من جهة والقطاع الخاص ورجال الأعمال من جهة أخرى وقوائم معوقات التصنيع، وعراقيل التصدير وسلاسل التوريد والمصانع المتعثرة وتلك التي في طريقها للتعثر، ومنها إلى ألغام الاستثمار ومناخه الملبد بمعضلات بعضها اقتصادي والآخر يتعلق بالمكون البشري في مجال العمل وغيرها، تتواتر الألغام طارحة نفسها عنصر جذب رئيساً في اهتمام المصريين بالتشكيل الحكومي الجديد.

ويعود الاهتمام لكن الرجاء لا يعود أو يعود قدر منه بحذر لا يخلو من وجل. حديث الشارع يدور حول التغيير. ذهبت حكومة وجاءت أخرى. الأوضاع الاقتصادية صعبة وقبضة الغلاء مفترسة ومستوى المعيشة ليس بخير. وصلت الحكومة الجديدة، وحلفت اليمين وتقلد الوزراء الجدد منهم والقدامى مناصبهم قبل ساعات.

والقاعدة العريضة من المواطنين لا تعرف غالب أسماء الوزراء سواء من رحلوا أو من قدموا وهذا أمر جديد ويرجعه البعض إلى حقبة ما بعد أحداث يناير (كانون الثاني) 2011، وكثرة التغيير وقصر عمر الوزير في المنصب. والبعض الآخر يقول إن عدم معرفة أو عدم الاهتمام الشعبي بمعرفة أسماء الوزراء مرده الانسحاب بعيداً من السياسة، والانشغال بالحياة اليومية أو لعله درجة أكبر من الوعي بأن الوزير "موظف" يأتي ويرحل، وذلك بعد ما كان يأتي فقط في عهود سياسية سابقة.

وبعيداً من اختلاف التفسير حول معرفة الناس باسم الوزير يسود إجماع نادر الحدوث بأن الملفات الملغومة على مكاتب الوزراء تنتظر إما الضغط عليها لتنفجر، أو تفكيكها عبر حلها أو حتى تأجيل انفجارها.

الكهرباء... ملف ملتهب قابل للاشتعال

المؤجلات كثيرة ومنها الكهرباء وتخفيف أحمالها وشرائح أسعارها ومآل ملفها المتعثر منذ أشهر، ملف سريع الاشتعال مرشح للانفجار على مكتب وزير الكهرباء والطاقة المتجددة محمود عصمت. وهو يأتي خلفاً للوزير السابق محمد شاكر الذي يمكن اعتباره "أشهر وزير كهرباء في مصر الحديثة". إذ تقلد الوزارة منذ عام 2014 ومرت الأعوام ورأى المصريون حلولاً شبه كاملة لانقطاع الكهرباء في عهده، ثم عادت المشكلة لتفرض نفسها مرة أخرى.

 

وانتهت الحال بتعرض قطاع الكهرباء في مصر لمشكلات أكبر من وزير بعينه أو وزارة من دون غيرها. تفجرت حرب غزة وتوقفت أو تذبذبت أو تعطلت إمدادات الغاز من دولة "مجاورة" وتحول فائض ما ينتجه حقل "ظهر" في الشتاء إلى نقص إمداد في الصيف بعد ما داهمت البلاد موجات حرارة غير مسبوقة متلاحقة، وغيرها من العوامل المعلنة وأخرى مقعدة وثالثة ملتبسة جميعها تكالب على المصريين في صيف صعب وفي خضم موسم اختبارات لا ينقصه مزيد من عوامل القلق والتعب تحول في خلال أسابيع معدودة إلى لغم بالغ السخونة على مكتب وزير الكهرباء.

يرث الوزير الجديد ملفاً ملتهباً. عيون الملايين مصوبة نحوه ومعها أنفاسهم المحبوسة في كل مصعد يتعطل بركابه، وطالب يلجأ إلى مقهى ليذاكر وأسرة أعادت ترتيب حياتها بناء على جدول تخفيف الأحمال.

التموين... جنون الأسعار وجدل الدعم

أحمال الحكومة الجديدة كثيرة وضمن الملفات العامرة بالألغام ملف التموين الذي لم يعد مقصوراً على "خناقات" الشاي والسكر والزيت والرز، وهل يحصل عليها المواطن المستحق ببطاقة مميكنة أم ورقية مهلهلة وجدوى نظام النقاط واستبدال السكر بمسحوق الغسيل والرز بزيت الذرة، بل أصبحت غاية "ضبط الأسواق وتخفيض الأسعار" ملحمة عصية على الواقع المعيشي الأليم.

 

ألم الواقع الذي ينتظر الوزير الجديد شريف فاروق القادم من الهيئة القومية للبريد فيه كذلك منظومة الدعم وما شابها من جولات "هبد ورزع" بين الدافعين في اتجاه الدعم المادي والمقاومين الممسكين بتلابيب العيني، وأخرى تشهد صراعات محفوفة بأخطار التطرق إلى الانفجار السكاني وعبء "سباق الأرانب" وأمنيات مكتومة لتعديل خدمات الدعم للأسر المصنفة "الأولى بالرعاية"، إذ العودة إلى إضافة "العيال" الذين جرى ضخهم من دون حساب إضافة إلى الزوجة التي طال انتظار ضمها للبطاقة.

البطاقة الحائرة بين مكانتها السابقة كحق مكتسب للمواطن من دون قيد أو شرط وواقع جديد يعدها استثناء لغير القادرين، وثقلاً قد لا يكون للدولة طاقة لها به حال استمرار الأوضاع الاقتصادية الصعبة ليست وحدها في ملف التموين الملغوم، فمعها أيضاً بطاقة الخبز المدعوم لكن هذه المرة لغير حاملي بطاقات التموين. رغيف الخبز المدعم للجميع عبر بطاقة مدفوعة مسبقاً وذلك بعد نحو شهر من رفع سعر الرغيف المدعم من خمسة إلى 20 قرشاً في ضربة قاصمة امتصها الوزير المغادر علي المصيلحي.

التعليم... عودة إلى المربع صفر

إصلاح الحال ليس من المحال وإن بدا كذلك. عودة منظومة التعليم إلى المربع صفر إذ تهدئة "غروبات الماميز" ومجموعات من المعلمين ممن أعلنوا الثورة العنكبوتية على مخطط الإصلاح الشامل الذي بدأه الوزير السابق طارق شوقي خلال عام 2017، لم يسفر عن جديد إصلاحي في ملف التعليم بعد تولي الوزير السابق رضا حجازي حقيبة إحدى أصعب الوزارات في مصر عام 2022. وهدأت ثورة الغضب وخفتت فورة الـ"سوشيال ميديا" لكن بفعل مسكنات العودة إلى ما كانت عليه الأمور من قبل.

ولخص فيديو معلم الجيولوجيا "الخصوصي" الذي استأجر صالة ألعاب رياضية لتتسع للطلاب والطالبات لمراجعة منهج الجيولوجيا للثانوية العامة، وهي القاعة التي ترقى إلى مرتبة "استاد" حال التعليم والمعلم خلال عام 2024.

 

المعلم الشاب قيل إنه يجني نحو 1.2 مليون جنيه في المراجعة "الخصوصية" الواحدة، وذلك في وقت يشكو فيه المعلم المدرسي من ضيق ذات اليد وتدني الراتب، وأحياناً من عدم وجود فرصة عمل من الأصل إلا بنظام الحصة.

الحصة والدرس الخصوصي وحال المدارس الحكومية وكثافة الفصول ومصروفات المدارس غير الحكومية ومناهج التعليم، وافتقاد مكون التربية وحيرة الثانوية العامة وأزمة تنسيق المدارس وتطوير مهارات الطلاب في ظل معضلة كبرى تتمثل في الحضور والغياب، إذ الغياب يفوق الحضور في كثير من الأحيان وقائمة تطول وتجدد نفسها في ملف ملغوم هو ملف التعليم على مكتب الوزير الجديد.

المحليات... كلاسيكية الفساد

حقيبة أخرى فيها ألغام من نوع آخر هي وزارة التنمية المحلية إذ ألغام مزمنة عنوانها الفساد وقوامها إشغالات ومخالفات وتعديات وغاية وزيرتها الجديدة منال عوض التصالح في المخالفات وتشجيع المواطنين على تقنين أوضاعهم المخالفة.

عوض أول وزيرة امرأة تتقلد هذا المنصب في هذه الوزارة التي ارتبط اسمها على مدار عقود طويلة بمنظومة الفساد بصور عدة، ويكفي أن الوزارة أعلنت في فبراير (شباط) الماضي إحالة 1184 من موظفيها بتهم الفساد أو التقصير وغيرهما.

 

ملف الوزارة صاحبة المسؤولية الأكبر في مواجهة التعديات وما أكثرها والبناء على الأرض الزراعية وما أفدحها ناهيك بمراقبة ورفع مخالفات الاعتداء على الملكية العامة أو حرم الشارع وما تبقى من أرصفة، بلغ درجة من السخونة والخطورة على مدار عقود مما جعل البعض يعده أحد أبرز المسؤولين عن اندلاع أحداث يناير عام 2011، التي جاء ضمن مطالب من قاموا بها "القضاء على الفساد".

وعلى رغم ذلك فإن هذا الملف وعلى رغم سخونته فإنه ظل محافظاً على توازن ما غريب بين اللغم القابل للانفجار والتأجيل من باب التسويف أو التسكين أو شراء رضا المواطن عبر فتح باب التعدي، وذلك في عهود سياسية سابقة. وفي العهد السياسي الحالي ستجد عوض نفسها في مواجهة وحش التعديات وبعبع الإشغالات وعلى مكتبها لغم الفساد الذي بات كلاسيكياً، وتطور حتى أصبح مقبولاً إلى حد كبير.

الصحة... لغم الدواء وتخصيص المستشفيات

وإلى حد كبير قطع ملف الصحة أحد الملفات التي كانت ملغومة طريقاً لا بأس به في طريق التفكيك. إنجازات عديدة تحققت في القطاع على مدار العقد الأخير مما خفض كثيراً من أعداد وثقل الشكاوى من سوء الخدمة الصحية، ناهيك بمبادرات صحية مثل "مئة مليون صحة"، إذ القضاء على فيروس سي والكشف المبكر وعلاج سرطان الكبد و"مبادرة عنيك في عنينا" وإنهاء قوائم الانتظار، وتوسيع قاعدة العلاج على نفقة الدولة وغيرها من المبادرات الصحية التي شعر بها المواطن العادي من دون تدخلات إعلامية أو رتوش إعلانية لتجميل الصورة، وعلى رغم ذلك يبقى جزء من الصورة يحتاج إلى تدخل سريع خصوصاً في ظل تفاقمه وعدم وجود بوادر حلحلة.

وزير الصحة والسكان الباقي في منصبه خالد عبدالغفار يعود إلى مكتبه بعد أيام من ترقب التغيير الوزاري، ليستكمل محاولات تفكيك لغم الدواء وشح عدد من الأنواع وصلت تقديراتها إلى ألف نوع، وهو اللغم الذي لا يمكن فصله عن الأزمة الاقتصادية.

 

وبعدها سيجد عبدالغفار ملف السماح للقطاع الخاص بإدارة المستشفيات العامة المخصصة للفئات الأكثر احتياجاً، وأعيد استهدافه من قبل بعض وسائل الإعلام وتداول الـ"سوشيال ميديا" لآثاره على المواطن البسيط، إذ دغدغة المشاعر والدق على النقاط الأكثر إيلاماً ألا وهي كلفة صحة النفس والجسد.

أصوات خافتة تهمس بلغم بناء النفس إضافة إلى الجسد فيما بات يعرف إعلامياً في الأعوام القليلة الماضية بكليشيه "بناء الإنسان". المثقفون والكتاب وقلة قليلة من المواطنين العاديين المهمومين بما يعدونه "تأجيل" أو "تجاهل" بناء الإنسان هم الفئة الوحيدة التي تعلم أن عليها الانتظار.

طول الانتظار علمها أن بناء الإنسان عبر التعليم والتربية والثقافة والأخلاق وتجديد الخطاب الديني ليس أولوية قصوى في نظر المسؤولين، وربما لم يعد أولوية من الأصل نظراً إلى أزمة الاقتصاد واشتعال حرب غزة ومناوشات الحوثيين واستهداف السفن وتأثر الملاحة في قناة السويس والتهديدات العديدة للإقليم ومصر في القلب منه.

لذلك فإن ملفات بقية الوزراء على رغم أهميتها القصوى تبقى بعيدة نسبياً من الاهتمام الشعبي. الاهتمام الذي قرر ألا يشغل نفسه بأسماء غالب الوزراء القدامى والجدد على حد سواء وأن يضع ملف التغيير الوزاري والتعديل السياسي على خاصية الانتظار، وذلك حتى حان موعد الإعلان عن التغيير.

رسائل طمأنة "اقتصادية"

الوزراء الجدد في "المجموعة الاقتصادية" يعلمون أن الطريق إلى وزاراتهم وليس مكاتبهم فقط حافل بالألغام. وهل هناك لغم أكبر أو أخطر من لغم الاقتصاد الذي نال من الملايين ويهدد بالمزيد؟ في الأحوال العادية تبدو رسالة توجهها مجموعة وزراء لجموع المواطنين بعد أقل من ساعة من حلف اليمين أمراً غريباً.

لكن في ظل الوضع الاقتصادي الراهن خرجت "رسالة الطمأنة" التي وجهها وزراء المجموعة الاقتصادية بمثابة "إحماء" ضروري قبل التوجه إلى مكاتبهم في اليوم التالي في أول يوم عمل بعد تقلد مناصبهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وزير المالية الجديد أحمد كوجك قال إن وزارته ستبذل كل ما في وسعها لتخفيف الأعباء المعيشية عن المواطنين خلال التنفيذ الفعلي للموازنة العامة للدولة في العام المالي الجديد، وإنها ستعمل على التوسع في الحماية الاجتماعية ببرامج أكثر استهدافاً للمستحقين للدعم في مواجهة التضخم.

ووزير البترول الجديد كريم بدوي قال إن وزارته ستعمل على جذب مزيد من الاستثمارات للقطاع. كذلك فعل وزير الاستثمار والتجارة الجديد حسن الخطيب الذي قال إنه سيسعى إلى زيادة الاستثمار الأجنبي والمحلي وتحسين بيئة الاستثمار ومضاعفة الصادرات.

ودق الوزير القديم إذ كان ولا يزال يتقلد وزارة النقل ثم أسندت إليه كذلك وزارة الصناعة كامل الوزير على وتر الصادرات والعمل على زيادتها، قائلاً إنه ستتم الاستفادة من مشروعات البنية الأساس التي أنجزت لتطوير الصناعة والاكتفاء من الصناعات التي يجري استيرادها وزيادة الصادرات مع تقليل البيروقراطية لإنشاء مصانع جديدة.

المصانع الجديدة والاستثمارات الأجنبية والبنية الأساس والحماية الاجتماعية وتخفيف الأعباء عن المواطنين جميعها رسائل تلطيفية من شأنها أن تؤجل انفجار الألغام المتخمة بها حقائبهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير