Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الخريطة الديمغرافية لشمال سوريا كما تبدو الآن

تركيا تعتمد "خطة طويلة الأمد" لاستبدال السكان الأصليين بمجموعة من أشخاص مجبرين على الإقامة هناك وفق إجراءات الترحيل القسري

يعد الشمال السوري مركز ثقل للأحداث والمراحل التاريخية، ومنطقة صناعية وتجارية مهمة (أ ف ب)

ملخص

يعتبر متخصصون في الشأن العسكري أن أنقرة تسعى إلى التأثير في الملف السوري والضغط على دمشق لإجبارها على قبول الرؤية السياسية التركية لحل الملف السوري

شكلت منطقة شمال سوريا على مر تاريخها عاملاً مهماً للتفاعلات السكانية والاقتصادية والسياسية والعسكرية في البلاد، وكانت مركز ثقل متحرك في الأحداث والمراحل التاريخية المختلفة، فمن منطقة تابعة لولايات تركية خلال العهد العثماني إلى منطقة تابعة لدولة حلب زمن الانتداب الفرنسي، ثم محافظات سورية عدة بعد الاستقلال وحكم حزب البعث منذ عام 1963، لتستمر بهذا المنوال حتى تفجرت الاحتجاجات الشعبية في سوريا في مارس (آذار) 2011.

ومع تطور الأحداث وتحولها إلى صراع عسكري، خرجت معظم مناطق الشمال السوري من سيطرة النظام السوري لمصلحة ما عرف بـ"الجيش الحر" ثم فصائل متطرفة مسلحة منها "جبهة النصرة" وتنظيم "داعش"، فيما سيطرت وحدات حماية الشعب على المناطق الكردية في الشمال السوري إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية.

وكانت هذه المنطقة محط أنظار الجارة الشمالية تركيا التي ألقت بثقلها العسكري في عدد من العمليات العسكرية، فشنت عام 2016 عملية "درع الفرات" لقطع الطريق أمام قوات سوريا الديمقراطية التي طردت "داعش" من منبج وريفها، في حين كانت الوحدات الكردية تسيطر على عفرين حيث دخلت الأرتال العسكرية التركية المنطقة بحجة طرد "داعش" من المنطقة، كما شنت تركيا بداية عام 2018 عملية "غصن الزيتون" وسيطرت بها على عفرين وأخرجت القوات الكردية منها، في حين بقيت الأخيرة في منطقة صغيرة داخل الشهباء والأحياء الكردية في حلب، وسيطرت تركيا على مناطق سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض شرق الفرات في أكتوبر (تشرين الأول) 2019 جراء عمليتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية التي عرفت بـ"نبع السلام"، وبذلك وضعت تركيا  نحو 10 آلاف جندي وأكثر من 125 موقعاً لها موزعة على 12 قاعدة عسكرية وأكثر من 114 نقطة مراقبة عسكرية، تتوزع غالبيتها في أرياف حلب وإدلب إلى جانب الرقة والحسكة واللاذقية وحماة، مع حضور استخباراتي ومدني واقتصادي وغير ذلك.

السيطرة والتشكيلات العسكرية

منذ الأيام الأولى لقتال المعارضة السورية المسلحة قوات النظام السوري توزعت قواتها بين التنسيقيات والفصائل والفرق التابعة للجيش الحر لأسباب مختلفة إلى أن دعمت تركيا قبيل عملية "غصن الزيتون"، وأسهمت في تأسيس الجيش الوطني السوري التابع لوزارة الدفاع في الحكومة السورية الموقتة، والذي يتكون من ثلاثة فيالق ينضوي تحتها 26 فصيلاً، و"جبهة التحرير" مشكلة 15 فصيلاً، لكن لاحقاً ظهرت أجسام عسكرية جديدة جراء تغيرات في خريطة تحالفاتها الميدانية.

ويتراوح تعداد عناصر الجيش الوطني السوري ما بين 70 و 90 ألف مقاتل، وقوام هذه الفصائل عرقياً غالبيتهم من العرب ثم التركمان وعشرات الأفراد من الكرد، فيما تبرز فيها "فصائل أحرار الشام" و"أحرار الشرقية" و"فيلق الشام" و"فرقة حمزة" و"فرقة السلطان مراد"، والفصيلان الأخيران يتزعمها قادة تركمان إلى جانب فرقة سليمان شاه المعروفة بـ "العمشات" التي يتزعمها محمد الجاسم، إلى جانب فصائل أخرى تتنوع فها الانتماء المناطقي، بدءاً من الجنوب ووصولاً إلى الشمال وشرق البلاد.

وعلى رغم توزع هذه الفصائل في الشمال السوري إلا أن أعداداً كبيرة هم من سكان المناطق التي رفضوا المصالحات مع النظام السوري، ونقلوا مع عائلاتهم من تلك المناطق مثل درعا ودمشق وحمص وغيرها مع أسلحتهم الخفيفة ضمن صفقات سياسية رعتها كل من روسيا وتركيا خلال الأعوام السابقة.

ويتبع الجيش الوطني جهاز الشرطة العسكرية الذي يقوم بدور أمني في المنطقة، لكنه يخضع لمحاصصات فصائلية بسبب تشكيلته المكونة من الفصائل المسيطرة في كل منطقة، في حين تتبع الشرطة المدنية لوزارة الداخلية في الحكومة الموقتة، وهذه الأخيرة دورها ضعيف في السيطرة على الأمن الداخلي وقد تكون عرضة للاشتباكات مع مسلحي الفصائل عند قيامها بمهماتها التنفيذية في مناطق المعارضة.

لكن ارتبطت أسماء زعماء الفصائل وعناصرها بملفات عدة مثل الفساد وجمع الأموال والضرائب وانتهاكات ضد حقوق الإنسان إلى جانب إرسال مقاتلين إلى دول أجنبية بهدف القتال لمصلحة تركيا مثل ليبيا وأذربيجان، كما رصدت تقارير حقوقية ودولية انتهاكات تثبت تورط تركيا والفصائل فيها ضد السكان المحليين.

الحكومة الموقتة

ومدنياً تشرف "الحكومة السورية الموقتة" على عمل المجالس المحلية في مناطق سيطرتها، وبعضها تشكّل في أعوام سابقة بانتخابات محلية، فيما تكون أخرى بتعيين واختيار، بحسب خصوصية كل منطقة فيها.

وتعمل هذه المجالس من خلال لجان في قطاع الخدمات العامة والبلديات والصحة وغيرها، إلا أن ناشطين يشكون ضعف الخبرات والإمكانات لدى هذه اللجان.

الواجهة السياسية

ويشكل الائتلاف السوري المعارض الواجهة السياسية والتشريعية للحكومة الموقتة وفصائل الجيش الوطني السوري، وهو جسم سياسي أسس في قطر في نوفمبر (تشرين الثاني) 2012، وضم في تشكيله المجلس الوطني السوري المعارض الذي يشكل "الإخوان المسلمون" عماده والممسكين بزمام القرار فيه، إلى جانب ممثلين عن الفصائل المسلحة وعشائر عربية والمجلس الوطني الكردي وآشوريين، فضلاً عن تشكيلات شبابية ومدنية ومجالس محلية تشكلت عقب خروج المناطق من سيطرة النظام السوري، ويتخذ من تركيا مقراً له ويعقد اجتماعاته ما بين إسطنبول وغازي عنتاب، وأحياناً داخل الأراضي السورية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولاقى الائتلاف السوري المعارض دعماً دولياً كبيراً خصوصاً ممن عرفوا بمجموعة أصدقاء الشعب السوري التي تكونت من أكثر من 70 دولة، لكن مع الوقت تراجع هذا الدعم خصوصاً مع استمرار الأزمة السورية وبروز ملفات دولية أخرى أعادت رسم التراتبيات وأولوية الملف السوري في مقابل دخول أطراف جديدة على خط الصراع في البلاد، خصوصاً الدعم الذي قدمته كل من إيران وروسيا لدمشق والذي أفرز اتفاقات وجولات تفاوضية جديدة في "إطار أستانا" الذي عمل على خفض التصعيد وتنفيذ مخرجات لم يكن للسوريين دور كبير فيها سوى مقاتلين على جبهات متقابلة، لكنها أعادت مساحات كبيرة من الأراضي لمصلحة الحكومة السورية، في حين يشارك الائتلاف من خلال هيئته التفاوضية في جلسات مفاوضات جنيف المنعقدة على أساس مخرجات القرارات الدولية وأبرزها القرار (2254)، لكن من دون الوصول إلى نتائج حتى الآن.

إدلب؟

أما في إدلب يبدو المشهد الحالي أقل تعقيداً من مناطق المعارضة الأخرى لكنه لا يقل بؤساً وقسوة على السكان المقيمين فيها، حيث تتسيد "هيئة تحرير الشام"، جبهة النصرة سابقاً، المشهد في هذه المنطقة بعدما أزاحت عدداً من الفصائل السورية المسلحة والتابعة للجيش الحر منها، وخاضت ضدها معارك في مدن مثل أريحا وجسر الشغور إضافة إلى مركز مدينة إدلب، لتبسط سيطرتها العسكرية والأمنية على مناطق واسعة من محافظة إدلب والريف الشمالي من حماة وبعض من ريف اللاذقية غرباً، لتبقى عينها على مناطق ريف حلب الشمالي حيث حاولت خلال العامين الماضيين استغلال الأحداث لفرض سيطرتها عليها، إلا أن تدخل الجيش والاستخبارات التركية أنقذ فصائل الجيش الوطني من الوقوع تحت سيطرة الهيئة التي اشتبكت في آخر جولة مع فصائل الجيش الوطني من أجل السيطرة على معبر مع قوات سوريا الديمقراطية عبر فصائل موالية لها.

ويوجد في إدلب أيضاً فصيل الحزب الإسلامي التركستاني، وهو فصيل متطرف مسلح ومعظم أعضائه من الـ "إيغور"، في حين تنشط جماعات مسلحة مثل "حراس الدين" و"جيش الأحرار" وأحزاب سياسية مناهضة للهيئة في إدلب مثل "حزب التحرير" وقليل من الناشطين المناهضين للفكر المتشدد.

وتقوم "حكومة الإنقاذ" التابعة لـ "هيئة تحرير الشام" بإدارة المنطقة من النواحي الاقتصادية والخدماتية والمدنية، لكنها مرت بأزمات كبيرة في نواحي التمويل والشرعية والظروف الأمنية، ثم استطاعت تحسين تلك الأوضاع وتقديم ما هو أفضل من مناطق "الحكومة السورية الموقتة"، بحسب السكان.

التبعية التركية

ثمة اهتمام قديم لتركيا بالشمال السوري، فهي منطقة صناعية وتجارية مهمة وفيها عاصمة الاقتصاد السوري الممثلة في حلب، وامتداد ثقافي للبلدين جغرافياً وسكانياً من كرد وعرب وتركمان، إضافة إلى أنها تشكل حساسية كبيرة لمخاوفها القومية والجيوستراتيجية، فكانت دائمة التدخل في الأزمة السورية عبر دعم المسلحين واستضافة اللاجئين والفعاليات السياسية، وصولاً إلى تدخلها العسكري المباشر في هذه المناطق بحجة محاربة "داعش" والحفاظ على أمنها القومي ومنع تشكيل دولة كردية مرتين، وفق تعبيرها.

وبذلك وضعت تركيا مواطئ أقدام لها في المنطقة، فإلى جانب انتشارها العسكري والاستخباراتي وولاء المسلحين لها، فقد ربطت الجوانب الاقتصادية المدنية والإدارية والثقافية واللغوية بها من خلال تبعية كل منطقة من شمال سوريا لولاية من ولاياتها الجنوبية، فربطت كلاً من عفرين وأعزاز والباب وجرابلس وتل أبيض ورأس العين بولايات هاتاي وغازي عنتاب وكلس وشانلي أورفا من خلال منسقين يمثلون الولاية في مقار هذه المدن، وهم الحاكمون الفعليون في الشمال السوري، في حين أن التنسيق التركي عال مع "هيئة تحرير الشام" في شأن إدلب ومناطقها.

أهداف الجارة الشمالية

ويربط الباحث والكاتب الصحافي المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان "دوافع تركيا للتدخل وتشكيل الواقع في الشمال السوري بعملها على خطة طويلة الأمد، تهدف إلى إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة من خلال استبدال سكانها الأصليين من الكرد السوريين بمجموعة من السكان المجبرين على الإقامة هناك، وفق إجراءات الترحيل القسري للاجئين الفارين من الحرب إلى تركيا أو الرافضين لاتفاقات المصالحة في مناطقهم".

وبحسب قصارجيان فإن "الهدف الثاني لتركيا يتمثل في تتريك المنطقة اقتصادياً وثقافياً، وربطها بتركيا على المدى الطويل حتى بعد انتهاء الاحتلال التركي لها، كما أنها عملت على استغلال الشبان بتحويلهم إلى مرتزقة يقاتلون تحقيقاً للأهداف التركية في أذربيجان وليبيا والنيجر، وربما في قنديل مستقبلاً"، على حد قوله.

ويشير الكاتب المتخصص في الشأن التركي إلى أن أنقرة تسعى إلى التأثير في الملف السوري والضغط على دمشق لإجبارها على قبول الرؤية السياسية التركية لحل الملف السوري.

وختم قائلاً إن "كل هذه الأهداف من شأنها تحقيق توازن في علاقة أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو وطهران، واستغلال هذه القوى خدمة لتحركاتها خارج الحدود الموجهة في الأصل للسياسة الداخلية لأردوغان".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير