Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

برتران بادي: فرنسا قد تكون في مرحلة بناء سياسة شعبوية

يتوقع أن تطاول أولى خطوات حزب أقصى اليمين إذا وصل إلى السلطة القضاء والشرطة

موطف محلي يعد العدة لليوم الانتخابي الأحد في منطقة ستراسبورغ الفرنسية (أ ب)

ملخص

يثير احتمال وصول حزب "التجمع الوطني" المنتمي لأقصى اليمين إلى الحكم في فرنسا تساؤلات عدة، لا سيما حول إدارته للسياسات الداخلية والخارجية والعلاقات مع الاتحاد الأوروبي والدول الكبرى بخاصة الولايات المتحدة وروسيا.

ما هو الوجه الذي ستأتي به نتائج الدورة الثانية من الانتخابات التشريعية المسبقة في فرنسا اليوم الأحد، إذ إن الحملة الانتخابية التي شهدتها الساحة السياسية استنفرت كل الأطراف وأتت بسيناريوهات تفوق أفلام الخيال والواقع. فماذا ستكون عليه الحال في فرنسا وأوروبا إذا وصل حزب مارين لوبن التي باتت ترفض توصيفه بـ"اليمين المتطرف"، إلى السلطة؟.

الأوضاع في فرنسا والعلاقات الدولية كانت في صلب الحوار الذي أجرته "اندبندنت عربية" مع أستاذ العلاقات الدولية في معهد العلوم السياسية في باريس برتران بادي الذي تحدث عن المشهد المتناقض بين بريطانيا حيث وصل حزب العمال إلى الحكم، وما تشهده فرنسا واحتمال وصول حزب أقصى اليمين إلى الحكم.
وقال برتران بادي إن "نتائج الانتخابات البرلمانية في بريطانيا جاءت على نقيض تام لما أفرزته صناديق الاقتراع في فرنسا، وذلك يعود لسلّم زماني معاكس، ففي حين تعيش بريطانيا نهاية أزمتها الشعبوية الوطنية التي تمحورت حول قضية الخروج من الاتحاد الأوروبي (بركسيت)، ها هي تنتقل إلى مرحلة ما بعد الشعبوية القومية التي تجلت بسلسلة مواقف سياسية نجمت عن الخيبة والفشل الذي أوصلها إليه ’بريكست‘، في حين أن فرنسا تعيش مرحلة محاولة بناء سياسة شعبوية، وربما تكون قصة مماثلة لكن مع نقاط احتقان مختلفة".

وأضاف أن "المملكة المتحدة تشهد تراجع الحمى الشعبوية، لكن نراها في تصاعد في فرنسا حيث تتمحور حول حلم شعبوي جديد، néopopuliste ، ناجم عن سلسلة إخفاقات وحركات امتعاض، على رغم أن الكل يعرف أنه سيكون كابوساً وكارثة".
وحول ما إذا كان لخطاب مارين لوبن الذي تمحور حول هموم الحياة اليومية وغلاء المعيشة الذي جعل حزبها "التجمع الوطني" أكثر قرباً من هموم المواطن العادي، أثر في ذلك، يرى بادي أن "الخطاب كان له أثره على الصعيد الداخلي، لكن وصول حزب اليمين المتطرف إلى الحكم ستكون له عواقب على الصعيد الدولي وسيزعزع ثقة الشركاء الدوليين بفرنسا، ولتكوين فكرة يكفي الاطلاع على الصحافة الدولية ومواقف وتصريحات القادة باستثناء (الرئيس الروسي) فلاديمير بوتين، فخطر حكومة متطرفة يفقِد فرنسا مصداقيتها، وعندما لا تحظى السياسة الخارجية بثقة شركائها يكون مصيرها الفشل".
وحول قدرة أقصى اليمين على تطبيق الوعود الاقتصادية، يقول برتران بادي، "لا يمكن التعويل عليهم، فما إن يصل هؤلاء إلى السلطة، جلّ ما سيفعلونه لعدم فقدان ماء الوجه مباشرةً، هو اتخاذ سلسلة إجراءات لا تكلف كثيراً، ولن يكون لها أي أثر على رفع القدرة الشرائية لأنها لا تملك القدرة المالية، فعلى الصعيد الداخلي ستتركز هذه الخطوات في ميدان القضاء والشرطة، وعلى الصعيد الدولي ستنعكس في سياسة الهجرة وبعض المواقف الدبلوماسية التي تخدم مصالحها وتهدف إلى تطبيق مشروعها الوطني".
ويرى أستاذ العلاقات الدولية أن "ذلك يتطابق تماماً مع ما فعله (الرئيس الأميركي السابق دونالد) ترمب، إذ إن سياسته كانت موجهة نحو الهجرة والمسائل الدبلوماسية الكبرى كنقض اتفاق 14 يوليو (تموز) 2015 أي الاتفاق النووي مع إيران، ونقل سفارة الولايات المتحدة من تل أبيب إلى القدس، والمصافحة في سنغافورة بينه و(الزعيم الكوري الشمالي) كيم جونغ أون"، وهي تصرفات يصفها بادي بأنها "تدغدغ مخيلة القوميين المتطرفين من دون الإقدام على خطوات اقتصادية".

ولدى سؤاله عن الخشية التي طاولت الخارجية الفرنسية من وصول حزب "التجمع الوطني" الذي يترأسه جوردان بارديلا إلى الحكم، إذ يعقد المسؤولون فيها جلسات تشاور لمعرفة كيفية التعامل مع الوضع، علماً أن السياسة الخارجية عادةً ما تكون من اختصاص الرئيس، ينفي برتران بادي هذه الفكرة المكتسبة بأن تكون السياسة الخارجية والدفاع من اختصاص الرئيس منفرداً، ويقول "ما من شيء في الدستور الفرنسي يكرس مجالات الدبلوماسية والخارجية والدفاع للرئيس، فهي من مهمات الرئيس ورئيس الوزراء، واليوم نرى أن اليمين المتطرف يدعي بأن الرئيس مجرد من الصلاحيات والسلطة، ويبادله فريق الرئيس بأن رئيس الحكومة منزوع السلطات، لكن الدستور ينص على أن الاثنين يتشاركان السلطة". وأضاف أنه "في الماضي لم يكُن الأمر محط جدل بين الرؤساء في فترات حكومات التعايش، إذ ساد مبدأ التوافق الديغولي – الميتراني الذي يقضي بالتفاهم حول المسائل الكبرى من خلال اتباع سياسة مستقلة ومساندة سياسة تعدد الأطراف، وتأييد سياسة الاندماج الأوروبي بصورة متزنة. لكن هذا المبدأ بات مفقوداً اليوم".

ويرى بادي أنه "إذا وصل حزب مارين لوبن إلى الحكم، فلن تتلاءم سياسته الخارجية مع سياسة ماكرون والدليل على ذلك تغريدة الخارجية الروسية على منصة ’إكس‘ التي وصفت رؤية لوبن للسياسة الخارجية بأنها تتوافق مع تطلعات روسيا، مما يضعها في تناقض تام مع سياسة ماكرون في ما يتعلق بالنزاع في أوكرانيا وحول النزاع الإسرائيلي -الفلسطيني أيضاً، فموقف حزب لوبن ينسجم تماماً مع موقف نتنياهو الذي تربطها به علاقات ضيقة".
أما بالنسبة إلى السياسة الأوروبية، فيوضح أستاذ العلاقات الدولية أن "سياسة مارين لوبن الأوروبية تندرج في إطار نظرة مشككة رافضة لأوروبا، في حين أن ماكرون يناضل لدمج أوروبا ويطالب بنظام دفاع أوروبي"، والموقف متشنج في ما يخص العلاقات مع الولايات المتحدة وليس واضحاً ما ستؤدي إليه في الدبلوماسية الفرنسية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


الدبلوماسية في ظل التطرف

وقال بادي إن "الخارجية الفرنسية قلقة جداً، فهي كانت لزمن طويل معقل المفهوم الديغولي – الميتراني، مما يفسر تماشي الدبلوماسية الفرنسية مع حكومات التعايش المختلفة، لكن في ما بعد سيطر على الـ "كي دورسيه" (مقر الخارجية الفرنسية) تياران متباينان، تيار بقي وفياً للتقليد الديغولي – الميتراني، والآخر ينحو منحى المحافظين الجدد الأميركيين الذي ظهر بداية هذا القرن، وهو يختلف عن توجهات أقصى اليمين الفرنسي، فالمحافظون الجدد لديهم نزعة موالية لحلف شمال الأطلسي ومؤيدة لسياسة التدخل الغربي في دول الجنوب، في حين أن توجه مارين لوبن وجوردان بارديلا ذو نزعة وطنية قومية متطرفة معادية للولايات المتحدة". إذاً يضيف بادي أن "هناك بعض الموالين لهذه الرؤية في الخارجية الفرنسية لكنهم قلة قليلة، يعبرون عن وجهة نظر شخصية، مما يفسر قلق الدبلوماسيين الفرنسيين حيال احتمال وصول اليمين المتطرف إلى الحكم".
وحول انعكاس وصول أقصى اليمين إلى الحكم في عدد من البلدان الأوروبية على الاتحاد الأوروبي، وتسلم المجر بزعامة رئيس وزرائها فيكتور أوربان الرئاسة الدورية للمجلس الأوروبي، ورئيسة وزراء إيطاليا جورجيا ميلوني التي تبدو أكثر انسجاماً في مواقفها حيال المفوضية الأوروبية، يقول بادي إن "ما يميز التيارات القومية هي أنها ليست حليفة أي طرف، فهؤلاء حلفاء أنفسهم أولاً، واللافت هو أن القوميين الأوروبيين منقسمون في ما بينهم"، لافتاً إلى اختلاف توجهات ميلوني ولوبن، فهناك مجموعتان من أقصى اليمين في البرلمان الأوروبي، وأوربان يريد تأسيس مجموعة ثالثة، وهذا دليل على انقساماتهم العميقة، لكنه لا يمنع التقاء بعض وجهات النظر في ما بينهم".

الأحزاب المتطرفة

ويوضح بادي في هذا السياق أن "مارين لوبن أقرب إلى ماتيو ساليفيني منه إلى جورجيا ميلوني، وهذه الأخيرة باتت مقربة من المفوضية الأوروبية ومن رئيستها أورسولا فون دير لاين"، مضيفاً أن "كافة التيارات القومية المتطرفة في بولندا والمجر وإيطاليا وفرنسا، لا يربطها سوى مواقفها المشككة حيال الاتحاد الأوروبي، وكل همها هو وقف البناء الأوروبي، فيما هو بأمسّ الحاجة لإعادة التأسيس، وفي حال وصول أقصى اليمين الى الحكم فإن ذلك سيزيد الغموض غموضاً، وأوروبا التي تمر بمرحلة حساسة تجد نفسها مجمدة، إذ إنه من الصعب تحقيق شيء من دون مشاركة الدول الصغيرة مثل المجر مثلاً، فما بالك إن تعلق الأمر بدول كبرى مثل فرنسا وإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، فإن الأمر يغدو مستحيلاً. وفي حال سعت إحدى الدول إلى التفرد في تصرفها يصبح الأمر كارثياً، مما حذر منه بصورة واضحة المستشار الألماني أولاف شولتز، علماً أن ألمانيا تعيش مرحلة ائتلاف صعبة".

علاقات فرنسا وألمانيا

وأشار الأستاذ الجامعي إلى دقة الوضع في ما يتعلق بالعلاقات بين ألمانيا وفرنسا، "فالعلاقات بين البلدين ليست سهلة منذ ما يزيد على عقدين، ولم تعُد إلى مجراها الذي كانت عليه في السابق كما في عهد (الرئيس الفرنسي السابق) فرانسوا ميتران و(المستشار الألماني السابق) هلموت كول، و(الرئيس السابق) جاك شيراك و(المستشار السابق) غيرهارد شرودور، و(الرئيس الفرنسي السابق) فاليري جيسكار ديستان و(المستشار الألماني السابق) هلموت شميدت. وشولتز يعاني أوضاعاً صعبة في حكومة الائتلاف وتلقى ضربة قاسية في الانتخابات الأوروبية، لذا فإن وصول اليمين المتطرف من شأنه أن يفاقم المأزق وحال الجمود، فالخضر يؤيدون تقديم دعم أقوى لأوكرانيا، في حين أن شولتز يفضل الحذر والإبقاء على دعم متزن، ووصول لوبن من شأنه أن يعمق الانقسامات".
بناءً على كل ذلك هل يمكن القول إن الاوضاع في فرنسا هي أكثر صعوبة من أي بلد آخر؟، ليؤكد برتران بادي "أبداً، فالأمور ليست أفضل في بقية الدول، لكن مع فارق لا يستهان به، فهو يرى أن المأزق في الولايات المتحدة وفرنسا وإيطاليا ناجم عن أزمة اجتماعية، مجتمعية، لكنه في ألمانيا نتيجة أزمة سياسية"، بمعنى أن "تعثر عمل المؤسسات السياسية أثر بصورة عميقة في النسيج الاجتماعي، ودونالد ترمب وصل إلى السلطة بسبب امتعاض الطبقة الوسطى وأزمة الثقة حيال المؤسسات، فالطبقات الوسطى هي التي تأثرت وأصيبت بالإحباط جراء تداعيات العولمة التي لم تكُن لمصلحتها، وكذلك الأمر في فرنسا ويمكن تفسير المأزق الاجتماعي فيها وفي إيطاليا، باختفاء الحزب الشيوعي بصورة مفاجئة وعنيفة، فهذا الحزب كان يحتضن طبقة العمال ويحصل على 25 في المئة من الأصوات، وكان يسهم في الاستقرار على رغم دوره الاحتجاجي، وفي فرنسا وجدت شريحة كاملة من المجتمع نفسها متروكة ومهملة، بغياب من يمثلها مما جعلها تنجذب إلى خطاب أقصى اليمين".
ويختم برتران بادي بالقول "لكني لا أحب أبداً أن يكون لي دور سياسي في الولايات المتحدة، حيث المشكلة أنهكت النسيج الاجتماعي مما يزيد في صعوبة إدارة الأزمة، والمناظرة بين بايدن وترمب التي بلغت حداً من السطحية يكشف عن مجتمع فقد مرجعياته وطرق التعبير، وبات كما في فرنسا يعبّر عن نفسه بمعاداة الهجرة تحت وطأة هذيان الهوية وهذيان النزعة الحمائية، في حين أن العالم تبدل ولم يعُد مطابقاً لهذه المعايير. العالم الذي نراه اليوم بات ينساب كالسائل في ظل تحالفات متنقلة لا تدوم مثل الارتباط الحر ليوم واحد، وأقطاب تتخلى عن تحالفاتها من أجل الفائدة التي يقدمها شريك اليوم، والدليل على ذلك كيف أن بوتين الذي كان محاصراً استطاع التأقلم عبر التحالف مع دول الجنوب".

اقرأ المزيد

المزيد من حوارات