Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حراك إقليمي ودولي يسابق تمدد الحرب السودانية

لقاء إنساني بين طرفي الحرب في جنيف وعقبات أمام الاجتماع الأفريقي اليوم و مخاوف من انهيار الدولة

يتصدر ملف الصراع السوداني عدداً من المنابر الإقليمية والدولية (إعلام مجلس السيادة الانتقالي)

ملخص

بدأت المعارك تأخذ منحى جديداً بعد ظهور مؤشرات إلى تعدد الأطراف التي تقاتل على الأرض مع تعاظم حجم الكارثة الإنسانية ومواجهة أكثر من 9 ملايين سوداني الجوع، وقد يكون نحو 2.5 مليون مواطن في عداد الموتى خلال الأشهر الخمسة المقبلة

منذ انعقاد مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنية الأسبوع الماضي ينشط هذه الأيام بصورة لافتة الحراك الدبلوماسي الإقليمي والدولي والثنائي، في شأن وقف الحرب والبحث عن حلول للأزمة السودانية. ومع احتدام الأزمة الإنسانية المتفاقمة والوضع الغذائي الذي بلغ درجة مخيفة من التدهور والسوء مع ازدياد موجات النزوح الداخلي، تصدر ملف الصراع السوداني عدداً من المنابر الإقليمية والدولية في ظل تطاول أمد الحرب وتمدد المعارك والقتال إلى معظم ولايات البلاد، بصورة بلغت معها المخاوف من تفكك وانهيار الدولة نفسها.

استئناف منبر جدة

ومطلع هذا الأسبوع شكلت زيارة نائب وزير الخارجية السعودي وليد بن عبدالكريم الخريجي الذي وصل إلى السودان في زيارة رسمية مبعوثاً عن القيادة السعودية، حاملاً رسالة إلى رئيس مجلس السيادة الانتقالي الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان في شأن الدعوة إلى استئناف التفاوض بمنبر جدة، أبرز التحركات على صعيد الوساطة السعودية – الأميركية.

وأوضح وكيل وزارة الخارجية السودانية السفير حسين الأمين أن الفريق البرهان أكد خلال لقائه الموفد السعودي حرص السودان على إنجاح منبر جدة باعتباره أساساً يبنى عليه، لكن الفريق البرهان أشار إلى ضرورة تنفيذ بنود إعلان جدة الموقع في مايو (أيار) من العام الماضي.

أضاف وكيل الخارجية أن رئيس مجلس السيادة الانتقالي أكد كذلك أهمية توسيع قاعدة الوسطاء في مفاوضات جدة، مع تحفظه على وجود أي طرف يدعم قوات "الدعم السريع" على طاولة المفاوضات.

وسبق لحكومة السودان أن رفضت وجود دولة الإمارات كوسيط في منبر جدة، على خلفية اتهاماتها المتكررة لها بإمداد قوات "الدعم السريع" بالمال والسلاح في حربها ضد الجيش السوداني.

وقال الأمين إن البرهان عبر عن تقديره لمواقف السعودية التي تعزز أمن البلاد واستقرارها، مشيراً إلى العلاقة التي تربط كل من الشعبين.

ومن جانبه أكد نائب وزير الخارجية السعودي حرص المملكة على أمن واستقرار السودان ودعمها اللا محدود له، منوهاً بأهمية استقرار السودان كدولة غنية بالموارد وتأثير ذلك المباشر في أمن واستقرار المنطقة برمتها.

تضامن إثيوبي

وفي سياق الحراك المتصل وفي اليوم التالي لزيارة المبعوث السعودي أنهى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أمس الثلاثاء التاسع من يوليو (تموز) الحالي، زيارة رسمية ليوم واحد إلى العاصمة الإدارية الموقتة بورتسودان كأول رئيس حكومة يزور السودان منذ اندلاع الحرب.

وعقد آبي أحمد محادثات ثنائية مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي القائد العام للجيش الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان بقصر الضيافة، تناولت العلاقات الثنائية بين البلدين وأهمية المحافظة عليها.

 وذكر بيان صحافي لمجلس السيادة أن رئيس المجلس وصف الزيارة بأنها امتداد لصدق القيادة الإثيوبية وحسن نياتها تجاه السودان، وتدل على عمق ومتانة العلاقات بين شعبي البلدين مؤكداً حرص السودان على تطوير تلك العلاقة في المجالات كافة خدمة للمصالح المشتركة.

وأوضح البيان أن رئيس الوزراء الإثيوبي استمع إلى مجريات الوضع في السودان على خلفية التمرد الذي قادته "الدعم السريع" ضد الدولة ومؤسساتها، والجرائم والفظائع التي ارتكبتها ضد الشعب السوداني فضلاً عن استهدافها المؤسسات القومية وتدمير البنية التحتية للدولة.

و من جانبه أوضح رئيس الوزراء الإثيوبي أن زيارته السودان جاءت لتأكيد وقوف إثيوبيا حكومة وشعباً إلى جانب السودان، وأنها بمثابة رسالة تضامن مع شعب السودان في محنته مبيناً أن هذه الحرب ستنتهي وستبقى علاقات البلدين راسخة ووطيدة، وأن "الأصدقاء الحقيقيين يظهرون وقت الشدة"، لافتاً إلى أهمية السلام كأساس للتنمية ومؤمناً أن مشكلات الدول يجب أن تحل داخلياً من دون تدخل خارجي.

وفي هذا الوقت ينتظر أن ينخرط اليوم ممثلون عن طرفي القتال (الجيش وقوات ’الدعم السريع‘) في مفاوضات تيسير العمليات الإنسانية وحماية المدنيين تحت مظلة الأمم المتحدة، في العاصمة السويسرية السياسية جنيف بدعوة من المبعوث الأممي الخاص رمطان لعمامرة.

حوار أديس أبابا

وفي الأثناء ووسط مقاطعة قوى سياسية سودانية مؤثرة من المنتظر أن تنطلق اليوم الأربعاء الـ10 من يوليو الجاري في مقر الاتحاد الأفريقي بإثيوبيا، جلسات حوار الاتحاد الأفريقي التشاورية التي ستستمر حتى الـ15 من يوليو نفسه.

وأكدت مصادر سياسية أن رئيس آلية الاتحاد الأفريقي رفيعة المستوى لتسوية الصراع في السودان محمد بن شمباس وجه الدعوات لكل من تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) إلى جانب (الكتلة الديمقراطية)، ومجموعة أخرى من القوى السياسية لإجراء حوار سياسي سوداني على مرحلتين، مرحلة تحضيرية من المقرر أن تبدأ اليوم ترتب لحوار شامل لحل الأزمة السودانية في المرحلة التالية.

غير أن دعوة الاتحاد الأفريقي تواجه بسلسلة اعتذارات عن المشاركة وفي مقدمها تنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية (تقدم) التي أعلنت عدم مشاركتها بالاجتماع، إلى جانب "حزب البعث العربي الاشتراكي" و"حركة جيش تحرير السودان" (عبدالواحد محمد نور) و"حزب الأمة" بقيادة الصادق الهادي المهدي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال بيان "تقدم" إن مخاوفها من "غياب الشفافية حول تصميم الاجتماع تأكدت، إذ اتضح أن هذا الاجتماع مسيطر عليه من قبل عناصر النظام السابق وواجهاته وقوى الحرب، ويستبعد قوى السلام والتحول المدني الديمقراطي، وهو ما لن يقود إلا لمنح مشروعية للحرب وقواها، عوضاً عن أن يؤدي إلى سلام في السودان".

وأكدت "حركة جيش تحرير السودان" أن لديها موقفاً ثابتاً ومبدئياً بعدم الجلوس مع المؤتمر الوطني وواجهاته لأي سبب من الأسباب.

وكانت نائب رئيس لجنة الاتحاد الأفريقية المعنية بالسودان سبيسيوسا وانديرا أكدت لدى مشاركتها في مؤتمر القوى السياسية المدنية السودانية، الذي عقد في القاهرة الأسبوع الماضي أن هناك "عملاً مضنياً تقوم به اللجنة المعنية بالتنسيق مع الأمم المتحدة وكل الدول المعنية من أجل الوصول إلى تقارب للرؤى والتوصل إلى تفاهمات مشتركة بين الأطراف السودانية كافة بغرض إبرام اتفاق يقضي بوقف الاقتتال.

شبه إجماع

وفي السياق أوضح بكري الجاك المتحدث باسم تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية "تقدم" أنه بات واضحاً تزايد الحراك والاهتمام الإقليمي والدولي، مما يعكس تكثيف الجهود الإقليمية والدولية بعد شبه إجماع على أن حرب السودان وصلت إلى مرحلة حرجة.

وأوضح الجاك أن طبيعة الحرب بدأت تأخذ منحى جديداً بعد ظهور مؤشرات إلى تعدد الأطراف التي تقاتل على الأرض، مشيراً إلى أن الجهد الدولي يبدو مبرراً بالنظر إلى حجم الكارثة الإنسانية المتفاقمة إذ يواجه أكثر من تسعة ملايين سوداني حالياً الجوع، وربما يكون نحو 2.5 مليون مواطن في عداد الموتى خلال الخمسة أشهر المقبلة أي بنهاية العام الحالي.

وعد متحدث "تقدم" الاهتمام الإقليمي والدولي الذي بدأ منذ مؤتمر القاهرة أمراً حيوياً ومهماً إلى جانب الحراك المتواصل الذي يقوده المبعوث الأميركي الخاص بالسودان، توم بريلييو وكل من السعودية والإمارات.

زيارات وضغوط

وصف متحدث "تقدم" زيارة نائب وزير الخارجية السعودي بأنها "مهمة جداً وتأتي في إطار دفع الجيش للعودة إلى منبر جدة التفاوضي، إذ بإمكانه العمل على تحقيق كل ما يسعى إليه عبر التفاوض بدلاً من استمرار الحرب بكلفتها العالية المتصاعدة"، مبيناً أن زيارة آبي أحمد تصب في نفس الاتجاه باعتبار إثيوبيا دولة جارة تتحمل قسطاً كبيراً من تبعات الحرب مثل مصر التي تتحمل العبء الأكبر.

وعلى الصعيد نفسه توقع المتخصص في العلاقات الدولية الأمين عبدالمجيد أن يتوالى وصول وفود إقليمية ودولية أخرى إلى مدينة بورتسودان خلال الأيام المقبلة عقب زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي، قد تشمل رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت وبعض الوفود والشخصيات العربية وكذلك من الاتحاد الأوروبي.

ولفت عبدالمجيد إلى أنه في ظل غياب أية حلول لوقف الحرب سواء عسكرياً أو سياسياً إلى جانب جمود مسار التفاوض، كلها تدفع بالأوضاع الإنسانية إلى منحى كارثي غير مسبوق أو مقبول إلى جانب مؤشرات تشعب الحرب واجتذابها لعناصر حركية إقليمية، مما دفع المحيطين الإقليمي والدولي لمثل تلك التحركات بغرض ممارسة الضغوط على طرفي الصراع تمهيداً للعودة إلى مسار التفاوض في جدة.

عودة وشروط

وأشار المتخصص في العلاقات الدولية إلى أن قائد الجيش لم يرفض الدعوة للعودة إلى منبر جدة التفاوضي لكنه ألمح إلى بعض الشروط المرتبطة بتنفيذ ما اتفق عليه سابقاً، غير أن رسالة القيادة السعودية التي حملها الخريجي طلبت منها صراحة العودة إلى التفاوض، بالتالي على الجيش إبداء تحفظاته أو ملاحظاته من داخل المنبر نفسه.

وفي شأن زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي أوضح عبد المجيد أن أديس أبابا حريصة على عدم خسارة علاقاتها مع السودان بصورة نهائية، وظلت في كل الأوقات تسعى إلى الحفاظ على شعرة معاوية بينها والسودان، حتى في أيام المواجهات العسكرية لاسترداد السودان أراضي الفشقة كان التواصل بين البلدين بحده الأدنى.

وأضاف المتخصص في العلاقات الدولية أن انتقال إثيوبيا من خانة المتهم بمساندة "الدعم السريع" إلى المساند للحكومة السودانية هو تطور يحسب لمصلحة بورتسودان، ويصب في تأكيد تأمين الحدود الشرقية المشتركة وبخاصة بعد احتمال اقتراب نيران الحرب السودانية من الحدود الإثيوبية، لأن انعكاساتها على الأمن الإثيوبي ستكون كبيرة جداً، مما دفع بآبي أحمد إلى تفادي أي تصعيد على الشريط الحدودي المتوتر أصلاً وبخاصة بعد دخول قوات "الدعم السريع" لولاية سنار الحدودية مع إثيوبيا.

إنقاذ وتهدئة

واعتبر عبدالمجيد زيارة آبي أحمد للسودان بمثابة تدخل عاجل لإنقاذ ما تبقى من رصيد في علاقة إثيوبيا مع السودان بعد التآكل الذي اعتراها أخيراً، وهدفت أيضاً إلى التهدئة والاتجاه نحو استقرار العلاقات الثنائية بين البلدين، خصوصاً مع المخاوف الإثيوبية المتنامية إزاء انتقال تعقيدات وتهديدات الصراع إلى أراضيها.

وكان رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان أصدر قراراً بترقية مدير مكتبه اللواء الصادق إسماعيل إلى رتبة فريق وتعيينه مبعوثاً رئاسياً شخصياً له، مما عده مراقبون مؤشراً إلى تفعيل التواصل والجهود الدبلوماسية للجيش خلال الفترة المقبلة.

وأخفقت مبادرات إقليمية ودولية عدة في إعادة الطرفين إلى طاولة التفاوض مرة أخرى، ودخلت الحرب التي اندلعت منتصف أبريل (نيسان) العام الماضي عامها الثاني من دون إحراز أي تقدم في المفاوضات منذ الـ11 من مايو 2023، في وقت يستمر فيه القتال وتتمدد المعارك وتتسع رقعة الحرب بولايات ومناطق جديدة، مخلفة مزيداً من موجات النزوح والأوضاع الإنسانية الكارثية ومهددة بجر البلاد إلى أتون حرب أهلية طويلة وشاملة قد تزعزع استقرار المنطقة بأكملها.

وعلى رغم خسائرها البشرية والمادية المتعاظمة وتسببها في أزمة إنسانية كارثية ومجاعة تهدد أكثر من نصف السودانيين، فإنها ما زالت مستمرة ومتمددة.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات