Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

نظام الرعاية الصحية في غزة: جراحات من دون مسكنات والأطفال يصرخون ألما

ثلث مستشفيات غزة فقط ما زالت في الخدمة والإمدادات تتضاءل والأطباء يضطرون إلى بتر أطراف المرضى من أجل إنقاذ حياتهم من دون تخدير أو مطهر. في ما يلي شهادات قدمها عدد من العاملين في المستشفيات عن المشاهد المروعة التي يواجهونها

طفل فلسطيني أصيب في قصف إسرائيلي على قطاع غزة يتلقى العلاج في مستشفى في خان يونس (وكالة الصحافة الفرنسية)

ملخص

شهادات مروعة لأطباء مستشفيات غزة وسط تدمير ممنهج لمرافق الرعاية الصحية على يد إسرائيل.

تنبيه في شأن المحتوى: يتضمن المقال أدناه تفاصيل قد يجدها بعض القراء مزعجة.

في ظل عدم وجود خيار آخر، استعد أطباء فلسطينيون من الناحيتين النفسية والجسدية لمهمة هي في غاية الصعوبة، عندما بدأوا ببتر الساق اليمنى لطفل يبلغ من العمر ثلاثة أعوام في غزة، من دون الاستعانة بمخدر. وقد شاهدت مسعفة طبية ومتطوعة أميركية ما يحدث، وهي في حال من الرعب، وكانت تصلي كي يغمى على الطفل من شدة الألم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يضطر الأطباء في غزة كل يوم لإجراء عمليات جراحية أو خياطة الجروح لما يصل إلى 30 طفلاً، من دون الاستعانة بمسكن مناسب للألم، وغالباً ما يضطرون إلى تثبيت المرضى وتقييد حركتهم.

هذه المشاهد المروعة حدثت في "مستشفى أبو يوسف النجار" في مدينة رفح، التي تقع في أقصى جنوب قطاع غزة، في أبريل (نيسان) الماضي. وقبل بضعة أسابيع فحسب، اضطر طاقم المستشفى إلى إخلائه وإغلاقه، بعدما سيطرت القوات الإسرائيلية على المنطقة، وعلى معبر المساعدات القريب منها.

قبل ذلك، كان "مستشفى النجار" أحد المراكز الطبية القليلة التي بقيت في الخدمة في تلك المنطقة. ومع ذلك، فقد رزح أمام تدفق المصابين الجرحى عليه، ونفاد الإمدادات الأساسية بما فيها مسكنات الألم.

زينة صالح هي طبيبة جراحة عامة تقيم في ولاية نيوجيرسي في الولايات المتحدة الأميركية، وقد استجابت في وقت سابق من هذه السنة لنداءات جمعيات خيرية طبية، وانضمت إلى متطوعين قرروا السفر إلى غزة، من أجل المساعدة في التخفيف من الكارثة الإنسانية غير المسبوقة التي تكشفت هناك.

وباعتبارها طبيبة مقيمة، توقعت أن يطلب منها تغيير ضمادات، أو مساعدة جراحين، أو حتى مسح أرضية المستشفى. إلا أنها لدى وصولها إلى "مستشفى النجار"، أدركت أن معظم الفريق المتبقي فيه يتكون من أطباء عامين وطلاب في الطب، يعملون وسط إطلاق نار مستمر بالقليل من الأدوية أو حتى من دونها. وتقول إن الهجمات على نظام الرعاية الصحية وموظفيه في قطاع غزة قد دمرت قدرتهم على الاستجابة للمصابين والمرضى.

وروت صالح لصحيفة "اندبندنت" لحظات الرعب قائلة إن "المصابين كانوا يصرخون بشكل دائم من الألم، وينادون أحباءهم، فيما كان مسعفون آخرون يحاولون تثبيت أجسادهم لإكمال الإجراء الطبي. كانوا يبكون بلا انقطاع حتى يغمى عليهم في النهاية بسبب الصدمة". وتستذكر التجربة المروعة المتمثلة في تخييط جروح عشرات من الأطفال الجرحى يومياً وإجراء جراحتين كاملتين من دون تخدير مناسب.

وتضيف: "كانت صرخاتهم تثير ألماً شديداً في النفس وكان صعب التعامل معها من الناحية العاطفية. كنا نأمل جميعاً في أن يفقدوا وعيهم عاجلاً وليس آجلاً".

وتضيف الطبيبة قائلة: "كان يفترض بـ’مستشفى النجار‘ أن يكون مركزاً لفرز المرضى، إلا أنه كان يفتقر إلى الموارد اللازمة للقيام بتلك المهمة. ولم تكن لدينا أي مواد تخدير على الإطلاق. وكل إجراء طبي كنا نقوم به كان يحدث من دون تخدير".

وتروي أنه في ذلك اليوم، لم يكن أمام الأطباء الفلسطينيين أي خيار لإنقاذ حياة طفل يبلغ من العمر ثلاث سنوات، كان قد أصيب في غارة إسرائيلية، سوى بتر طرفه الأيمن. وتقول في وصف ذلك: "كان أسوأ شعور على الإطلاق. بصراحة، لم يكن في وسعي إلا أن أفكر: متى سيفقد الوعي؟".

ويتحدث الدكتور مارك بيرلماتر جراح العظام من ولاية "نورث كارولاينا" في الولايات المتحدة، الذي تطوع هو الآخر في الفترة نفسها في "المستشفى الأوروبي" في خان يونس شمال رفح، عن مشاهد كانت مختلفة لكنها مروعة بالمقدار نفسه.

هذا الجراح المخضرم الذي يتمتع بخبرة 30 عاماً في القيام بمهام جراحية في مختلف أنحاء العالم - بما فيها علاج الجرحى في "غراوند زيرو" ("مبنى التجارة العالمي" سابقاً) بعد هجمات "11 سبتمبر"، وإجراء عمليات جراحية لمواطنين في مدينة "سان بيدرو سولا" شمال هندوراس (التي كانت تعرف سابقاً باسم "عاصمة القتل في العالم") - يروي التجارب المروعة التي عاشها.

ويقول إن ما رآه في غزة كان "الأسوأ على الإطلاق" إن من حيث الضحايا المدنيين والأطفال، أو لجهة النقص في الموارد بالنسبة إلى طواقم المسعفين الطبيين.

ويتابع في حديث أجرته معه صحيفة "اندبندنت" في واشنطن العاصمة حيث كان يدلي بشهادته أمام أعضاء من مجلسي الشيوخ والنواب في الكونغرس الأميركي: "كانت غزة بالنسبة إليَّ هي المرة الأولى التي أمسك فيها بيدي بدماغ طفل يبلغ من العمر 6 سنوات، كان قد أصيب برصاصة قناص".

لم يكن لدينا أي عقار تخدير على الإطلاق، وكل إجراء طبي قمنا به كان بلا تخدير

زينة صالح طبيبة متدربة

ويشير إلى أنه "بعد وقوع قصف أو هجوم، كان الجرحى يصلون في كثير من الأحيان في مجموعات مؤلفة من 10 أو 15 طفلاً، وأحياناً كان يوضع أكثر من طفل على الحمالة".

ويقول: "كنا نهرع ​​إلى غرفة الطوارئ حيث يكون هناك 13 طفلاً يحتضرون. بعضهم وضع على الأرض، والبعض الآخر على حمالات، والبعض كان ما بين الحمالات والأرض، لأن هاتين المساحتين كانتا الخيارين الوحيدين المتاحين لعمل الطاقم الطبي".

وكان الدكتور فيروز سيدهوا - وهو جراح صدمات ورعاية حرجة من "ولاية كاليفورنيا"، قد تطوع في "المستشفى الأوروبي" في خان يونس - يتحدث عن الإصابات التي تسببت بـ"تسييل" أجزاء داخلية لدى المصابين (تلف واسع النطاق في الأنسجة الداخلية يؤدي إلى تحللها).

ووفقاً لـ"مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية" United Nations’s Humanitarian Agency (OCHA)، فقد تم إخلاء ثلاثة مستشفيات في غزة ووضعها خارج الخدمة في الأسبوع الماضي وحده، بسبب الهجوم البري الإسرائيلي المكثف على أكبر مدينة في شمال غزة. وهذا الواقع ترك 13 مستشفى فقط من أصل 36 في غزة، تعمل بشكل جزئي.

واتهمت منظمة "المساعدة الطبية للفلسطينيين" Medical Aid for Palestinians - وهي مؤسسة خيرية صحية دولية، الجيش الإسرائيلي بـ"القيام بتفكيك ممنهج لنظام الرعاية الصحية في غزة". وأشارت إلى أن الجيش الإسرائيلي نفذ أكثر من 460 هجوماً على مرافق الرعاية الصحية والعاملين فيها منذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023.

وأكدت المؤسسة الخيرية في تقرير حديث لها، أن ما لا يقل عن 500 عامل في مجال الرعاية الصحية قتلوا خلال الهجوم العسكري الإسرائيلي الذي استمر تسعة أشهر على غزة، وهو ما يتجاوز العدد الإجمالي للمسعفين الذين أبلغ عن مقتلهم في جميع الصراعات العالمية، في الفترة الممتدة ما بين عامي 2021 و2022. إلا أن الجيش الإسرائيلي نفى أن يكون قد استهدف مرافق الرعاية الصحية بشكل مباشر، أو المدنيين.

وكانت القوات الإسرائيلية قد شنت هجوماً شرساً على قطاع غزة في رد على هجمات حركة "حماس" على جنوب إسرائيل في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، التي قتل خلالها نحو1200 شخص، وجرى احتجاز ما لا يقل عن 250 شخصاً رهائن.

ومنذ ذلك الحين، أفادت وزارة الصحة الفلسطينية بأن الهجوم الإسرائيلي على غزة أدى إلى مقتل أكثر من 37 ألف فلسطيني، وإصابة 86 ألفاً، وما زال ما يقدر بنحو 10 آلاف فرد مفقودين تحت الأنقاض، ويفترض أن معظمهم قد ماتوا. وذكرت مجلة "لانسيت" - وهي مجلة طبية عامة خاضعة لمراجعة نظراء علميين - هذا الأسبوع، أن العدد الإجمالي للقتلى المباشر وغير المباشر، قد يزيد على 186 ألف شخص، وفقاً لتقديراتها، ويعود السبب جزئياً إلى تدمير البنية التحتية للرعاية الصحية.

ومن جهتها، نفت إسرائيل بشدة أن تكون قد استهدفت نظام الرعاية الصحية، وشككت في عدد القتلى الفلسطينيين. واتهمت حركة "حماس" مراراً - وهي جماعة مصنفة على أنها إرهابية - باستخدام المستشفيات غطاءً لعملياتها العسكرية (وهذه الاتهامات نفاها تكراراً المسعفون الدوليون والفلسطينيون ومنظمات الإغاثة). وقد اتصلت صحيفة "اندبندنت" بالجيش الإسرائيلي للتعليق على هذه الاتهامات المحددة، لكنها لم تتلق رداً بعد.

وتسود مخاوف من أن الهجمات على المستشفيات ستتفاقم مع تكثيف القوات الإسرائيلية عمليتها في مدينة غزة بهدف القضاء على مسلحي حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، مما يتسبب بفرار آلاف الفلسطينيين.

واحتجت "الكنيسة الأسقفية في القدس والشرق الأوسط" Episcopal Church of Jerusalem and the Middle East  الإثنين على إغلاق "المستشفى العربي الإنغليكاني الأهلي" في مدينة غزة. وقال بيان صادر عن أبرشية القدس إن المستشفى "أجبر على الإغلاق من جانب الجيش الإسرائيلي".

وأضاف البيان أنه مساء الأحد، أطلقت طائرات من دون طيار وابلاً من النيران على منطقة مجاورة مباشرة للمستشفى. في غضون ذلك، قالت المتحدثة باسم "وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين" (أونروا) Palestinian refugee agency (UNRWA)، لويز ووتريدج، إن المساعدات الطبية لم تصل بعد. ونبهت في حديثها مع "اندبندنت" من خان يونس، إلى أن إمدادات "أونروا" - بما فيها الإنسولين - ستنفد خلال شهر.

وأوضحت أن "هناك تراكماً كبيراً من الإمدادات الطبية عند نقاط العبور، والمساعدات جاهزة وتنتظر السماح بإدخالها"، وأضافت أن "بصيص الأمل الوحيد هو أن وكالة ’أونروا‘ تمكنت من إعادة فتح مركز صحي في المنطقة المدمرة بالكامل. وكان قد تم إغلاقه في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما حاصرته الدبابات".

لكن هذا ليس لا يكفي. فقد أشارت ووتريدج إلى أن "(العاملين في مجال الصحة) يقولون إنهم يقومون في الأساس بالتعامل مع أزمة إنسانية كبرى بحلول موقتة - فيما تبقى القضايا الأساسية على حالها من دون معالجة، بأي شكل من الأشكال".

وأضافت تقول إن "هناك كثيراً من أوامر التهجير في مناطق عدة - حيث يحيط الموت بالجميع". وتؤكد أنه "أينما ذهبوا، يكون الموت في انتظارهم".

علاوة على ذلك، أطلع الأطباء العائدون من غزة صحيفة "اندبندنت" على التداعيات الكبيرة المترتبة عن النقص في الإمدادات. وأفادت السيدة صالح بأن معدلات الإصابة بالالتهابات في "مستشفى النجار" ارتفعت بشكل بارز بسبب عدم القدرة على تعقيم المعدات الجراحية بشكل مناسب. وكانت الكحول ومادة الـ"بيتادين" - وهي من المطهرات - قد نفدت قبل أن تصل إلى المرفق الصحي. وقالت إن "إمدادات المياه كانت ملوثة، والمضادات الحيوية غير متوافرة". وأضافت أن "رائحة الموت كانت تنبعث من الأجواء، إذ كان هناك خليط من الدم التالف الممزوج بالبراز أو القمامة المهترئة والعفن. لا يمكن التنفس. ولم يكن هناك سوى أشخاص مطروحين أرضاً في كل مكان".

وأكد الطبيبان بيرلماتر وسيدهوا أن الجروح ناجمة عن "مقذوفات غريبة" لم يشاهدا مثيلاً لها من قبل.

وفي معرض وصف الدكتور بيرلماتر للمظهر السطحي للجروح والضرر الداخلي الشديد الذي لاحظه أثناء علاج المصابين، يقول: "كانت الجروح التي دخلت إليها أو خرجت منها تلك المقذوفات، صغيرة الحجم نسبياً. وفي بعض الحالات، كان اللحم في الداخل يتحول إلى ما يشبه الهلام".

ويضيف: "أجريت عمليات جراحية على الأطراف، ولم أجد سوى ضرر مرئي ضئيل على مستوى الجلد نفسه. لكن تحته كانت العظام في المنطقة المصابة مطحونة إلى نحو 10 آلاف قطعة، فيما دمرت الأنسجة العضلية تماماً أو تبخرت".

أما الدكتور سيدهوا، الذي كانت مهمته وقف النزف المسبب للموت، فوجد أيضاً لدى الأطفال والبالغين جروحاً صغيرة تشبه تشكل وخزات إبر، نتيجة دخول شظايا حادة، لكنها كانت شديدة بما يكفي للتسبب بانخماص الرئتين تحت الجلد.

يأتي ذلك في وقت يبدو فيه أن إسرائيل وحركة "حماس" باتتا أقرب ما تكونان إليه منذ أشهر للموافقة على اتفاق وقف للنار من شأنه أن يؤدي إلى إيقاف الحرب بشكل موقت، في مقابل إطلاق سراح عشرات من الإسرائيليين المحتجزين رهائن لدى الحركة في قطاع غزة.

لكن العقبات الكبيرة لا تزال قائمة، على رغم أن "حماس" لينت أخيراً موقفها الرئيس لجهة سحب مطالبتها لإسرائيل بالتزام إنهاء الحرب، شرطاً مسبقاً لأي اتفاق.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من الشرق الأوسط