Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تحدي الكيلوغرامات المفقودة معركة تحت جناح الصمت

النحافة المفرطة بأبعادها النفسية والاجتماعية والطبية تستحق أن يلتفت لها العالم

يخوض ذوو الوزنين الناقص والزائد تحديات اجتماعية وصحية ونفسية  (بكسلز)

ملخص

 للنحول تحديات جسدية ومرضية ونفسية واجتماعية، فما أسبابه؟ وكيف يتعامل معه؟

على ضفة شبه منسية يخوض جزء من سكان الكوكب حرباً مختلفة مع الوزن، فهم يسعون جاهدين إلى كسب غرامات تكسو هيكلهم العظمي، وأمام أكثر من 2.5 مليار شخص يتأثرون بالسمنة يعاني نحو 600 ألف النحافة بحسب منظمة الصحة العالمية، ويواجه هؤلاء تماماً كما يواجه الذين يعانون السمنة أعراضاً صحية ونفسية واجتماعية.

تخبر سوسن عن مدى توقها لسكب 10 كيلوغرامات ليصبح وزنها مثالياً، "كنت أتناول المقالي والرز والبطاطا والحلويات بشكل مفرط، ولم أزد كيلو غراماً واحداً، وكنت أشعر أنني مجرد علاقة ثياب هزيلة، فالأثواب لا تتشكل فوق جسمي بل تنسدل من دون أي تضاريس".

تضيف عانيت كثيراً من الانتقادات والتنمر في المدرسة، فكان زملائي يقولون إنني آتية من مجاعات أفريقيا، والشاب الذي أعجبت به قال إنني "عصا بلياردو"، حتى إنني كنت أحشو جسمي بالأقمشة، وأكور بعض الجوارب لأضعها في حمالات الثدي. وتشير إلى أنها زادت بعد سنوات طويلة نحو 40 كيلوغراماً بدأت مع الرياضة وتمرين العضلات إلى أن اضطرت إلى بعض العلاجات الهرمونية، وهي تسعى الآن إلى إنقاص وزنها.

تقول متخصصة التغذية ريتا حداد لـ"اندبندنت عربية" إن ظاهرة النحافة المفرطة موجودة بشكل كبير في البلدان النامية، وتحولت في بعض البلدان إلى "ترند"، إذ نلاحظ انتشار الأندية الرياضية وعيادات الأنظمة الغذائية التي يشغل معظمها أشخاص يريدون إنقاص أوزانهم، ونلاحظ في عياداتنا إنه في مقابل زيارة 10 أشخاص بهدف إنقاص الوزن يأتينا شخص واحد يعاني نقصاً بالوزن.

أسباب ونصائح

وعن سبب الكيلوغرامات المفقودة تقول ريتا إنها قد تكون بسبب عامل جيني وراثي، أو بسبب سوء التغذية، أو نسبة الحرق العالية في جسم المريض، أو فرط في نشاط الغدة الدرقية، إضافة إلى عامل الضغط stress الذي يعانيه الناس.

توضح أن بعض الخطوات تساعد في كسب الوزن بطريقة صحية مثل اعتماد نظام غذائي صحي متوازن من خلال تأمين العناصر الغذائية كافة التي يحتاج إليها الجسم، ويمكن تقسيم الوجبات الغذائية من خلال تناول ثلاث وجبات أساسية (فطور وغداء وعشا)، وتناول أكثر من ثلاث وجبات صغيرة "السناك" في النهار بحسب حاجة الأشخاص.

تنصح ريتا بتناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من البروتينات والحبوب والدهون الجيدة، والابتعاد عن المعجنات والمقالي والحلويات العربية المشبعة بالقطر والسكريات، واستبدالها بالعصائر الطبيعية والفواكه، مع الانتباه إلى الإكثار من شرب الماء.

وتشير إلى أنه لا تختلف نوعية العناصر الغذائية التي يحتاج إليها الأشخاص الذين يريدون إنقاص الوزن عن الأشخاص الذين يريدون زيادة الوزن، وما يختلف هو نسبة عدد السعرات الحرارية التي تعطى للأشخاص يومياً.

 

الوضع النفسي

تنبه ريتا للأخطار الصحية لاعتماد نظام غذائي عشوائي لزيادة الوزن، فزيادة الوزن بشكل مفرط وعشوائي قد تؤدي إلى زيادة الدهون في الجسم، وبالتالي إلى زيادة الكوليسترول والتريغليسريد وLDL، وزيادة السكر في الدم مما يؤدي لاحقاً إلى أمراض مزمنة وخطرة.

تضيف إنه لاعتماد حياة غذائية وصحية سليمة يجب أن نعتمد بنسبة 80 في المئة على غذاء صحي متوازن، و20 في المئة على النشاط البدني والرياضة، وفي حالة زيادة الوزن على الأشخاص ممارسة الرياضة لأنها تساعدهم في تغذية وتنمية العضلات مما يساعدهم في زيادة الوزن الصحي.

توضح أنه يجب تحفيز الأشخاص الذين يريدون زيادة الوزن من خلال المتابعة اليومية حول نسبة تناول الأطعمة، وإعطائهم نتائج ملموسة لزيادة الوزن ولو بنسبة ضئيلة، مما يشجعهم على المتابعة والاستمرار، والاستماع لمشكلاتهم التي يعانونها في زيادة وزنهم، وحثهم على حلها والتفكير الإيجابي، إضافة إلى إعطائهم أنظمة غذائية تتناسب مع نمط حياتهم وراحتهم النفسية، ومساعدتهم في تغيير نمط حياتهم واعتماد نمط حياة صحي بقناعة.

أطعمة ومكملات

وعن الأطعمة التي تزيد من الشهية تنصح ريتا بتناول الأطعمة التي تحتوي على نسبة عالية من البروتيينات والمكسرات النيئة وبذور الشيا والكتان، والأطعمة التي تحتوي على الدهون الجيدة مثل الأفوكادو والسمك وثمار البحر والعسل والفواكه المجففة.

لا تحبذ ريتا فكرة تناول الأدوية والمكملات الغذائية، لأنها توقف عمل خمائر الهضم (إنزيمات) في المعدة، ناهيك عن احتوائها على مواد كيماوية، إلا في حالة واحدة أن يكون المكمل الغذائي طبيعياً وموثوقاً، يمكن حينها للمريض تناوله لتسريع عملية زيادة الوزن.

الوزن المثالي

تصنف فئات الوزن بناء على مؤشر كتلة الجسم  (Body Mass Index) ويحسب بقسمة الوزن بالكيلوغرام على مربع الطول بالمتر، ويوجد حاسبات على المواقع الطبية ممكن أن تحدد مؤشر كتلة الجسم.

فإذا كان منحفضاً يكون معدله تحت 18.5، والوزن الطبيعي بين 18.5 و24.9، والزائد بين 25 و29.9، والسمنة تبدأ من 30 إلى 39.9، وتعد أية نتيجة فوق 40 سمنة مفرطة.

وفي حين أن معظم المقالات الصحية تركز على مشكلة زيادة الوزن والسمنة، هناك جانب آخر من القصة يغفل عنه عادة، وهو معركة زيادة الوزن للأشخاص الذين يعانون النحافة، هؤلاء الأفراد يواجهون تحديات جسدية ونفسية قد تختلف عن تلك التي يواجهها من يسعون إلى خسارة الوزن.

تحديات جسدية ونفسية واجتماعية

في عالم يسيطر فيه وباء السمنة على الخطاب الصحي غالباً ما يتجاهل جهود الأشخاص الذين يعانون النحافة الذين تتعدد أبعاد مشكلتهم بين اجتماعية وطبية ونفسية، فاجتماعياً قد تكون النحافة مصدراً للعزلة بسبب الضغط المجتمعي للامتثال لصورة الجسم المثالية، الذين يعانون النحافة يواجهون نوعاً من الوصمات، بدءاً من التفضيل لأنواع معينة من الأجسام إلى التمييز العلني أو التنميط السلبي، وقد يتعرضون للتنمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأظهرت الدراسات أن النحافة يمكن أن تؤدي إلى الانسحاب الاجتماعي، إذ قد يشعر الأفراد بالوعي الذاتي تجاه مظهرهم أو يعانون التصور بأنهم لا يلبون المعايير المجتمعية، أما طبياً فتداعيات النحافة المبالغة عميقة، وفقاً لمراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها (CDC)، يعتبر مؤشر كتلة الجسم (BMI) أقل من 18.5 نحيفاً. وهذه الحالة لا يمكن النظر إليها كمسألة تجميلية، كونها ترتبط بمجموعة من الأخطار الصحية تشمل سوء التغذية، وضعف وظيفة الجهاز المناعي وهشاشة العظام ومشكلات الخصوبة بسبب اضطرابات في الدورة الشهرية، وولادات مبكرة ومشكلات الجلد أو الشعر أو الأسنان، والتعرض للأمراض بشكل متكرر، وفقر الدم والنمو البطيء أو المتعثر لدى الأطفال والمراهقين بحسب مقالة نشرت في موقع Medical News Today.

نفسياً بحسب طبيبة علم النفس السريري بريدجيت هوغ المتخصصة في معالجة اضطرابات الطعام نفسياً يمكن أن تؤثر النحافة في المزاج، مما يؤدي إلى مشاعر العصبية الزائدة وتفاقم الغضب والميل نحو التفكير غير المرن وضعف التركيز وصعوبة في اتخاذ القرارات.

هذه التحديات المعرفية يمكن أن تسهم في الانسحاب الاجتماعي والتركيز الداخلي، مما يزيد من إحساس الفرد بالعزلة، فالتحديات النفسية لا تقل خطورة، والنحافة قد تكون مصدر قلق وتوتر للأفراد بخاصة في مجتمع يربط بين الوزن المثالي والجاذبية الجسدية، ويتعرض الأشخاص الذين يعانون النحافة للتنمر أو الانتقاد، مما يؤثر في ثقتهم بأنفسهم وصحتهم النفسية.

وألقت الأبحاث الحديثة الضوء على هذه التأثيرات متعددة الأبعاد، فوجدت دراسة تحت عنوان "خطر الوفيات المرتبط بنقص الوزن" التي درست مجموعة مكونة من 31578 فرداً وتابعتهم نحو 32 سنة، ونشرت الدراسة في مجلة BMC  Public Health أن الأفراد النحيفين لديهم خطر متزايد للوفاة مقارنة بأولئك الذين لديهم مؤشر كتلة جسم متوسط، وقد تعوق عمليات الشفاء لدى الشخص بعد حادثة أو صدمة، كما أبرزت دراسة من مجموعة الدراسة الوطنية السويسرية زيادة معدل الوفيات من جميع الأسباب المرتبطة بالنحافة.

المجتمع التجاري واضطرابات الأكل

لا يمكن التقليل في مجتمعنا التجاري السريع اليوم من تأثير الإعلانات ووسائل الإعلام في صورة الجسد، فالترويج المستمر لشكل جسم "مثالي"، الذي يميل غالباً إلى النحافة أسهم في زيادة عدم الرضا عن الجسد بين الأفراد، مما أدى بدوره إلى اضطرابات أكل خطرة مثل فقدان الشهية العصبي.

فالشخص العادي يتعرض لآلاف الإعلانات يومياً، وكثير منها يعرض صوراً غير واقعية وجميلة ومعدلة رقمياً، هذا السيل المستمر من الصور المثالية يمكن أن يؤدي إلى بيئة ثقافية سامة إذ يشعر الأفراد، وبخاصة النساء والفتيات الصغيرات، بالضغط للامتثال لهذه المعايير، لدرجة أن دراسات أجرتها مدرسة الصحة العامة في جامعة هارفرد وجدت أن عدداً كبيراً من الأطفال الصغار يعبرون عن قلقهم في شأن وزنهم.

 

وهذه الظاهرة ليست مقتصرة على منطقة بالذات بل باتت قضية عالمية، وتزيد منصات التواصل الاجتماعي من تعقيد هذه المشكلة من خلال عرض صور حياة وأجساد مثالية، مما يؤدي إلى دورة من المقارنة والتصور السلبي للذات، إذ يقيس الأفراد قيمتهم الشخصية في مقابل هذه المعايير التي غالباً ما تكون غير قابلة للتحقيق.

وتتمثل عواقبها باضطرابات الأكل مثل فقدان الشهية العصبي، وحالات صحية نفسية معقدة يمكن أن يكون لها تأثيرات مدمرة في الرفاهية الجسدية والعاطفية للفرد، تتميز بخوف شديد من زيادة الوزن وصورة مشوهة للجسم، مما يؤدي إلى تقييد تناول الطعام وسلوكيات ضارة أخرى.

دور الإعلام

يتطلب معالجة هذه المشكلة نهجاً متعدد الأبعاد، يشمل إظهار صورة جسد صحية وواقعية، وتشجيع التنوع في تمثيل وسائل الإعلام، وتعزيز ثقافة تقدر الأفراد لصفاتهم الفريدة بدلاً من التزامهم بمعايير الجمال غير القابلة للتحقيق، ومنها برامج مثل STRIPED (المبادرة الاستراتيجية لتدريب الوقاية من اضطرابات الأكل)، الموجودة في جامعة هارفارد ومستشفى بوسطن للأطفال، تعمل على تحقيق هذه الأهداف من خلال الدعوة إلى تغيير في طريقة تفكير المجتمع حول الطعام وصورة الجسد.

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات