ملخص
دكتور في القانون الدولي يوضح أن حل مجلس النواب بعد اتفاق "الطائف" بات أكثر تعقيداً، والمجلس لا يمكنه أن يحل ذاته إلا بقانون يقضي بتقصير ولايته وتليه دعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة، أو أن يستقيل نصف عدد النواب أي 64، والنائب ميشال ضاهر يقول إن "الدعوة إلى استقالة جماعية نيابية هي صرخة لهز الضمير بعد عجز المجلس عن معالجة الأمور السياسية والاقتصادية والمالية، ولا أتوقع أن يستجيب لها أحد".
بعد ثلاثة أشهر من الآن يدخل الشغور في موقع رئاسة الجمهورية في لبنان عامه الثاني، ومضى على آخر جلسة انتخاب دعا إليها رئيس مجلس النواب نبيه بري أكثر من عام. مبادرات عدة داخلية وخارجية جرت لخرق الجمود الرئاسي ولم تنجح، وبرز في الساعات الماضية كلام لسفير مصر لدى لبنان علاء موسى أعلن فيه أن "اللجنة الخماسية" التي تضم سفراء أميركا وفرنسا والسعودية ومصر وقطر مستمرة في عملها، ونوه بحراك المعارضة التي كانت تقدمت بخريطة طريق تقوم على التشاور النيابي بلا رئيس تتبعه جلسة مفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس للجمهورية، واعتبر موسى أن حراك المعارضة يمكن البناء عليه في المستقبل، واعتبر أن الحل يأتي أولاً من الداخل، لكنه اعترف بارتباط انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان بتطورات غزة عندما قال "التوصل إلى هدنة في غزة سينعكس على الملف الرئاسي".
التعادل السلبي
وكان التعادل السلبي بين القوى السياسية المنقسمة إلى ثلاث "حزب الله" وحلفاؤه في مقابل الكتل النيابية المعارضة وكتلة وسطية تنتظر اللحظة المناسبة لحسم أمرها، قد حال دون انتخاب رئيس. وحاول "حزب الله" وحلفاؤه، في مقدمهم رئيس مجلس النواب نبيه بري، اشتراط عقد طاولة حوار برئاسة رئيس المجلس للاتفاق على هوية الرئيس قبل الذهاب إلى الانتخاب، ورفضت قوى المعارضة ما اعتبرته أعرافاً خارجة عن الدستور، وأصرت على الجلسة المفتوحة بدورات متتالية حتى انتخاب رئيس. وبعد أشهر على الشغور الرئاسي اقترح نواب جدد فكرة الاعتصام داخل القاعة العامة للمجلس النيابي، ونفذ النائبان ملحم خلف ونجاة صليبا اعتصاماً دائماً مضى عليه أكثر من عام لإجبار رئيس المجلس على الدعوة إلى جلسة لانتخاب الرئيس، لكن الخطوة لم تؤد إلى نتيجة بعد أن اقتصرت لمدة محددة على صليبا وخلف ليستمر الأخير وحيداً في إقامته داخل المجلس حتى الآن.
دعوة إلى الاستقالة الجماعية
وبرزت أخيراً دعوات نيابية فردية تدعو إلى استقالة مجلس النواب وإجراء انتخابات نيابية جديدة كحل لأزمة رئاسة الجمهورية، ومن بين الداعين النواب الياس بو صعب وفيصل كرامي وميشال ضاهر الذي أكد لـ"اندبندنت عربية" أن دعوته إلى استقالة مجلس النواب هي صرخة وهزة ضمير بعد فشل المجلس وعجزه في معالجة الأزمات السياسية والاقتصادية والمالية ورئاسة الجمهورية هي المدخل لكل المعالجات. وسأل ضاهر "في نهاية المطاف إذا لم ننجز ولم نحقق شيئاً منذ انتخابنا فلما نبقى؟"، وتابع "أن هناك نوعين من النواب، النائب المصمم على العمل الذي يعتبر أن عجزه عن تحقيق أي شيء يستدعي استقالته، والنائب الحزبي أو الذي ينتمي إلى بيت سياسي وهمه تأمين استمراريته بغض النظر عن النتيجة. لست معتاداً على التنظير وتضييع الوقت"، أضاف النائب المستقل والمنتخب للمرة الأولى، معتبراً أن هناك فريقاً في البلد هو "حزب الله" لا يريد رئيساً الآن ومرتاح على وضعه. وإذ اعترف ضاهر بأن أحداً من النواب أو الكتل لن يستجيب لاقتراحه بالاستقالة، معتبراً أن الحل يمكن أن يكون بالدعوة إلى جلسة مفتوحة ودورات متتالية، وقال "بكل دول العالم عندما يصل مجلس النواب إلى العجز تحصل انتخابات نيابية جديدة بعد استقالة ثلث المجلس".
ماذا يقول القانون؟
سابقة حل مجلس النواب في لبنان حصلت قبل اتفاق "الطائف" خمس مرات، فإمكان تقصير ولاية المجلس كانت متاحة لأن مجلس الوزراء قبل عام 1990 كان تابعاً لرئيس الجمهورية الذي كان يحصل على موافقته بسهولة ويصدر مرسوماً معللاً يذكر فيه أسباب حل المجلس النيابي ويدعو إلى انتخابات نيابية جديدة، ولكن بعد "الطائف" بات الأمر أكثر تعقيداً "إذ إن قرار مجلس الوزراء بمنح رئيس الجمهورية الحق بحل البرلمان يتطلب موافقة ثلثي أعضاء الحكومة واشتراط توفر ثلاثة شروط شبه مستحيلة وهي: أن يرد المجلس النيابي الموازنة برمتها بقصد شل الحكومة، أو فرض عدم اجتماعه خلال عقد عادي أو عقدين استثنائيين متتاليين خارج القوة القاهرة، أو الإصرار على تعديل الدستور بأكثرية ثلاثة أرباع على رغم إصرار الحكومة على رفض التعديل، وهي حالات ثلاث تعجيزية من الصعب أن تحصل".
وأوضح الأستاذ في القانون الدولي رزق زغيب "أنه بعد عام 1990 وبعد اتفاق الطائف باتت استقالة مجلس النواب أحد الحلول المتاحة لحل المجلس، بسبب عدم وجود إمكانية أخرى لتحقيق ذلك، خصوصاً أن الطائف ألغى صلاحية حل المجلس النيابي التي كانت بيد رئيس الجمهورية، ووضع شروطاً تعجيزية لتمكين السلطة التنفيذية من حل المجلس"، وتابع رزق أن "مجلس النواب لا يمكنه أن يحل ذاته إلا بقانون يقضي بتقصير ولايته وتليه دعوة إلى انتخابات نيابية مبكرة أو أن يستقيل نصف عدد النواب أي 64، على اعتبار أن أي استقالة فردية يمكن أن تحل بإجراء انتخابات فرعية لملء المركز الشاغر على أن يجتمع مجلس النواب لأخذ العلم بها، أما إذا استقال نصف عدد أعضاء المجلس البالغ 128 فلا يمكن حينها أن تجتمع الهيئة العامة لأخذ العلم بها كون نصاب الجلسة هو 65 نائباً، وبالتالي استقالة كهذه تشل عمل المجلس وتفرض الدعوة إلى انتخابات نيابية جديدة". وخلص رزق إلى التأكيد أن حل مجلس النواب لا يمكن أن يتم إلا عن طريق تقصير ولايته من خلال قانون أو باستقالة نصف أعضائه، وهو من الحلول الممكنة لتبديل الوضع أمام فشل مجلس النواب في انتخاب رئيس للجمهورية بعد مرور سنتين على الفراغ الرئاسي.
لكن الأستاذ الجامعي يعترف أن هذا الحل ليس سهلاً ويتطلب توافقات سياسية غير متوفرة، فضلاً عن تحكم رئيس مجلس النواب بكل الإجراءات المتعلقة بقبول القانون ووضعه على جدول أعمال الجلسة التشريعية بواسطة هيئة مكتب المجلس، ولكن نظرياً "إذا التقى في المجلس 64 نائباً وصوتوا لقانون تقصير الولاية يمكن أن يحصل ذلك"، ويذكر أن صعوبة تأمين نصاب الثلثين لجلسة انتخاب الرئيس هي السبب الرئيس وراء تعطيل الانتخابات، أما تأمين الأكثرية المطلقة فليست بهذه الصعوبة، من دون أن يغفل اعتراض غالبية نيابية على التشريع في غياب رئيس الجمهورية واعتبار المجلس هيئة ناخبة فقط.
هل تحل الاستقالة مشكلة الشغور؟
وأوضح عضو تكتل "الجمهورية القوية" لحزب "القوات اللبنانية" النائب جورج عقيص أنه مع أي اقتراح من شأنه تعزيز حظوظ انتخاب رئيس للجمهورية، "لأن الأزمة اليوم هي أزمة انتخاب رئيس، لكن السؤال المطروح هل تقرب الاستقالة الجماعية انتخاب الرئيس أم تسبب في إطالة أمد الفراغ ونصبح بفراغ مثلث (رئاسة الجمهورية والحكومة ومجلس النواب)"، وإذ شدد على موقف "القوات" الداعي إلى الالتزام بالدستور أوضح أنه سبق وقدم حزب "الكتائب" (برئاسة النائب سامي الجميل) على إثر تفجير مرفأ بيروت في الرابع من أغسطس (آب) 2020 اقتراحاً بتقصير ولاية المجلس النيابي وسقط الاقتراح في الهيئة العامة. "وتقصير الولاية يحتاج إلى قانون ودون ذلك صعوبات في الظروف الحالية، تتعلق بتأمين الأكثرية لتمريره، أما الاستقالة الجماعية فتحتاج إلى استقالة نصف المجلس زائداً واحداً لتكون منتجة وتؤدي إلى حل المجلس، وإلا فإن الثنائي الشيعي (حزب الله وحركة أمل) يكملان بالمجلس وبـ65 نائباً، وهذا ما حصل بعد استقالة عدد من النواب على إثر انفجار الرابع من أغسطس، وكيف كان رد فعل كتلتي أمل وحزب الله وحلفائهم، اللامبالية لهذه الاستقالة، وإعلان الرئيس بري الاستمرار بمن بقي".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
الاستقالة من دون جدوى الآن
من جهته رأى عضو كتلة "التنمية والتحرير" لحركة "أمل" برئاسة رئيس مجلس النواب نبيه بري النائب قاسم هاشم أن "الاستقالة الجماعية التي يدعو إليها النائب ضاهر، وإن كانت حلاً في كثير من الدول، لكنها في مثل حال لبنان تعتبر من دون جدوى ولن تبدل الحال وقد تزيد الأزمات أزمة جديدة ويكفينا ما نحن فيه". واعتبر هاشم أن اقتراح ضاهر هو وجهة نظر، ويحق لأي كان أن يطرح ما يراه مناسباً لحل الأزمات، لكن السؤال اليوم في ظل قانون انتخابات فيه كثير من السلبيات وفي ظل واقع المجلس الحالي وعدم القدرة على انتخاب رئيس ماذا سيتغير؟ وما الذي يمكن أن يحصل إذا لم نذهب إلى قانون انتخابات جديد أو أقله تعديل القانون الحالي؟ وختم نائب حركة "أمل" "في كل الأحوال هناك انتخابات نيابية في ظل هذا القانون لا جدوى منها، كونها ستنتهي بالنتائج ذاتها، بالتالي العلة هي في قانون الانتخابات الحالي وليس في أية مسألة أخرى".
الاستقالة هرب من المسؤولية
وكما زملاؤه اعتبر النائب التغييري المعارض مارك ضو أن حل مجلس النواب أو استقالة العدد الكافي من النواب لفرض تقصير ولاية المجلس ليس حلاً، مشدداً على ضرورة الدفاع عن المؤسسات في المرحلة الحالية بدلاً من تعطيلها، "والعمل الأساس يجب أن ينصب على الحفاظ وتطوير عمل المؤسسات وإعادة ترميمها لتقوم بدورها بشكل كامل، وهذا دور النواب والأشخاص في مواقع السلطة اليوم. وعلى عكس ضاهر الذي اعتبر أن استقالة النواب واجب بعد عجزهم، لفت ضو إلى أن استقالة النواب قبل تأدية المهمات التي أعطيت لهم بموجب الوكالة الشعبية هو خطأ، "وفي ظل الانهيار والتفكك الحاصل على النواب أن يرتبوا هذه الأمور ويعملوا على أن يتم كل استحقاق بوقته، وكل من يطرح فكرة الخروج بحسب رأيه يريد ألا يكمل المسؤولية الملقاة على عاتقه. البلد في نصف حرب ولا يمكن تركه والابتعاد، كما أن إجراء انتخابات نيابية في هذه الظروف أمر مستحيل، وعكس الاستقالة علينا مسؤولية هي تفعيل المؤسسات واتخاذ مواقف واضحة حتى تحقيق ذلك".
لماذا لا يكون الحل بالضغط على بري؟
وسأل عضو تكتل "التيار الوطني الحر" برئاسة النائب جبران باسيل النائب جورج عطا الله "لماذا لا يكون الحل بالضغط على رئيس المجلس لدعوة النواب وانتخاب رئيس أم أن الضغط عليه ممنوع؟"، وأوضح عطا الله ألا موقف لـ"التيار" تجاه مسألة كهذه كونها لم تطرح بشكل جدي، منتقداً الذهاب دائماً إلى حلول تزيد الأمور تعقيداً ولا تحلها، وشدد على وجوب وجود خطة لدى كل المعترضين على مرشح "الثنائي الشيعي" لدفع رئيس مجلس النواب إلى الدعوة إلى جلسة انتخاب بدورات متتالية وانتخاب رئيس وإلا تكون هذه الغالبية كما الفريق الآخر، مساهمة في التعطيل وباستمرار الفراغ الرئاسي.