ملخص
ألقى ملك بريطانيا تشارلز الثالث خطاب افتتاح البرلمان الجديد الذي فاز حزب العمال بأكثرية مطلقة في مقاعده أخيراً، وأعلن الملك قائمة طويلة من مشاريع القوانين التي تستعد الحكومة الجديدة لطرحها وتنفيذها خلال الأعوام الخمسة المقبلة، بعضها يتعلق بالقضايا الداخلية ذات التأثير الاقتصادي على المنطقة والعالم، وبعضها الآخر حول ملفات خارجية تمس القارة الأوروبية ومنطقة الشرق الأوسط.
أكثر من 35 مشروع قانون تعتزم الحكومة البريطانية الجديدة تنفيذها خلال الأعوام الخمسة المقبلة، لخصها الملك تشارلز الثالث في خطاب افتتاحه أولى دورات برلمان المملكة المتحدة 2024، وقال عنها رئيس الوزراء كير ستارمر إنها "سوف تطلق العنان للدولة" وتقود نحو التغيير الذي وعد الناس به في الانتخابات العامة الأخيرة.
وصل الملك إلى البرلمان بعربته المذهبة بعد أن أودع نائباً كرهينة في قصر باكنغهام وفق تقليد متبع في البلاد منذ قرون. ودخل "الغرفة الحمراء" أو مجلس اللوردات ثم أرسل ممثله يطرق باب مجلس العموم ويدعو المشرعين المنتخبين إلى خطابه الذي يشرح خطط الحكومة، بعد التفويض الشعبي لحزب العمال بإدارة البلاد خمسة أعوام.
ويعد الخطاب الأول لتشارلز الثالث كملك في هذه المناسبة، وكان له أن ألقى خطاباً مشابهاً عام 2020 نيابة عن والدته الملكة الراحلة إليزابيث الثانية عندما تعذر حضورها لسبب صحي. وكان تشارلز حينها ولياً للعهد، والحكومة تحمل راية حزب المحافظين بقيادة بوريس جونسون الذي قاد المملكة المتحدة للخروج من الاتحاد الأوروبي.
وقبل الخطاب فتش الحرس الملكي البرلمان لضمان سلامة الملك في محاكاة لتقليد مستمر منذ عام 1605 عندما حاول الكاثوليك تفجير المؤسسة التشريعية الأقدم في العالم، وبعدما انتهى الخطاب رافق الحرس تشارلز الثالث في رحلة الإياب إلى القصر برفقة زوجته الملكة كاميلا التي جلست إلى جانبه في العربة المذهبة ومجلس اللوردات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ملفات اقتصادية
وفي الشأن الداخلي ثمة عناوين اقتصادية بارزة في خطط الحكومة البريطانية الجديدة، أولها إعادة رسم خرائط العمران لتشييد مئات آلاف المساكن من دون أن يعترض "حماة البيئة" أو "أنصار المساحات الخضراء"، فتوفير المنازل ذات القيمة المعقولة للشباب وأصحاب الدخل المحدود أحد وعود حزب العمال في استحقاق عام 2024.
وخلال العقدين الماضيين حاولت الحكومات المتعاقبة تعطيل حق احتجاج المجتمعات المحلية على خرائط التوسع العمراني في المملكة المتحدة، ولكنها فشلت. وربما يراهن ستارمر اليوم على الأكثرية البرلمانية التي تبلغ 411 نائباً في مجلس العموم، ولكن الأمر لن يكون سهلاً وفق رئيس مركز "القرن القادم" للدراسات جعفر الأحمر.
ويقول الأحمر في حديث إلى "اندبندنت عربية" إن تعارض خطط العمران مع الأهداف البيئية بعيدة المدى سيكون تحدياً كبيراً أمام الحكومة، وما يخطط له "العمال" في هذا المجال وغيره إما أن يتعثر إلى مرحلة الفشل أو يخلق مشكلات عدة تفقد ستارمر وحزبه شعبيتهم بسرعة، حتى قبل انتهاء عمر البرلمان الجديد على حد تعبيره.
وفي سياق توسعة الخيارات أمام البريطانيين في مسألة السكن، تعهدت الحكومة بتعديل قوانين الإيجار للحد من "مزاجية" الملاك في رفع الإيجارات أو إخلاء عقاراتهم. وفي شأن آخر قرر "العمال" إلغاء الإعفاء الضريبي للمدارس الخاصة في سبيل تعيين 6500 مدرس جديد يحتاج إليهم قطاع التعليم ولا يمكن للخزانة تحمل رواتبهم.
ومن العناوين الاقتصادية المهمة أيضاً تأميم سكك الحديد وإنشاء هيئة حكومية كبرى لإدارتها بدلاً من مشغلي القطاع الخاص، وهذا أمر كبير يحتاج إلى قرارات مدروسة تزيد من جاذبية هذا النقل في أعين البريطانيين من دون الحاجة إلى زيادة كلفة التذاكر فيه، كما أن البنية التحتية لهذه السكك تحتاج إلى تطوير مكلف وفق تصريحات نقلتها صحيفة "ذا غارديان" عن مايك شايلز رئيس السياسات في منظمة "أصدقاء الأرض".
وتمتد خطط "العمال" في التأميم لأكثر من سكك الحديد في قطاع النقل كما أنهم يريدون إنشاء شركة للطاقة المتجددة تتيح للدولة السيطرة على هذا القطاع قبل أن يتحول إلى "غول" اقتصادي كحال شركات النفط والغاز، ولكن مرة أخرى لا يوجد ما يوضح كيف يمكن للحكومة أن تتحمل كلفة كل هذا في ظل ظروف مالية صعبة.
مكافحة الهجرة
وبعيداً من الاقتصاد يخطط "العمال" لوقف توريث العضوية في مجلس اللوردات كما جاء في خطاب الملك، وهذا المجلس أو الغرفة الثانية للبرلمان يصل عدد أعضائه إلى نحو 800 شخص حالياً، لذلك يعد من أكبر الهيئات التشريعية حول العالم. أما صلاحياته فهي التدقيق في التشريعات التي تقترحها الحكومة ويقرها مجلس العموم، فيطالب اللوردات بإجراء تعديلات عليها أو يمررونها إلى القصر الملكي للمصادقة عليها.
وتريد الحكومة أيضاً تغيير قوانين أندية كرة القدم من الناحية الإدارية وتعتزم تخفيض سن الاقتراع في المملكة المتحدة إلى 16 عاماً بدلاً من 18، وحافظت على خطط "المحافظين" في حظر التدخين تدريجاً، وستلزم الأبنية بإجراءات وتدابير لتجنب وقوع هجوم إرهابي فيها عبر إصدار قانون "مارتين" المعلق منذ أعوام.
ومن تعهدات "العمال" أيضاً فرض تدابير جديدة لمواجهة الجريمة بمختلف أنواعها، وضرورة تعزيز القوات المسلحة ودعم الجامعات وتحقيق المساواة المجتمعية وتوسيع توفير الدعم النفسي للناس، ودعم الشباب في فرص العمل وتوسيع صلاحيات المجالس المحلية والتنسيق مع أقاليم المملكة من أجل ضمان عمل وطني متسق.
التحول نحو سياسة مختلفة في ضبط الحدود ومكافحة الهجرة غير الشرعية إلى البلاد واحد من أهم عناوين المرحلة المقبلة تحت قيادة "العمال" أيضاً، فهم من "وأدوا" خطة الحكومة السابقة لترحيل اللاجئين إلى رواندا وقرروا إنشاء إدارة جديدة لقوات الحدود ذات كفاءة أكبر وأكثر فاعلية في التعامل مع الزوارق من شواطئ فرنسا.
وتسعى الحكومة إلى معاملة مهربي البشر الذين يرسلون المهاجرين على ظهر "زوارق الموت" كإرهابيين، وبحسب صحيفة "ديلي إكسبريس" تأمل وزارة الداخلية في دعم أجهزة الاستخبارات الداخلية في هذا الشأن، ولكن الرهان الرئيس لها سيكون على تعاون دول الاتحاد الأوروبي وبخاصة فرنسا التي تنطلق منها رحلات الهجرة.
قضايا خارجية
والتعاون مع الاتحاد الأوروبي من أبرز العناوين التي تضمنها خطاب الملك في خطط حكومة العمال في شأن السياسة الخارجية، ولعل قمة مجموعة السياسة الأوروبية التي تستضيفها المملكة المتحدة يوم غد الخميس الـ18 من يوليو (تموز) ستكون نقطة الانطلاق التي يراهن عليها ستارمر من أجل صياغة علاقات جديدة مع دول القارة العجوز بعد "بريكست" على أصعدة مختلفة، وفي صدارتها الطاقة والهجرة والأمن.
في الملفات الخارجية أيضا أكد تشارلز الثالث حرص حكومته على دعم أوكرانيا في حربها المستمرة ضد روسيا منذ أكثر من عامين، ولكن هذا الدعم برأي الصحفي المختص بالشؤون الدولية لوك هانرهان، يبقى رهنا بنتائج الانتخابات الأمريكية المقبلة وكيف ستتعامل الإدارة الجديدة للبيت الأبيض مع الحرب إذا عاد الرئيس السابق دونالد ترامب للسلطة، حيث يخطط ترامب لتغيير توجهات الولايات المتحدة الحالية في هذا الشأن.
فيما يتعلق بالشرق الأوسط، أعلن الملك أن الحكومة الجديدة ملتزمة بإحلال السلام في المنطقة وقال إنها سوف تعمل على إطلاق حل الدولتين لإنهاء النزاع بين الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن هذا الملف من وجهة نظر أستاذ القانون المقارن في جامعة "ميدلسكس" نهاد خنفر، يعتمد أيضا على قرارات الحليف الأمريكي أولا، وثانيا على مآلات الحرب التي تدور رحاها فوق قطاع غزة منذ 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023.