Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

التطبيع التركي - السوري وتوازنات الشرق الأوسط

تتمسك السعودية ومصر بضرورة وجود أطياف المعارضة وتقدم أميركا عرضاً في شأن إسرائيل وتكافح إيران لضمان نفوذها

يحاول بشار الأسد ورجب طيب أردوغان إعادة المياه إلى مجاريها الدبلوماسية بين البلدين (رويترز)

ملخص

وجود حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) في شمال شرقي سوريا ينظر إليه على أنه "جرح مشترك" بين دمشق وأنقرة.

للمرة الأولى منذ بدء الأزمة في بلاده عام 2011 بعث رئيس النظام السوري بشار الأسد في الـ27 من يونيو (حزيران) الماضي أول رسالة إيجابية واضحة لتركيا أكد خلالها انفتاح "دمشق على أية مبادرات بخصوص العلاقات مع أنقرة إذا كانت هذه العملية مبنية على إعادة تأسيس سيادة الدولة السورية على كامل أراضيها".

انفتاح الأسد سبقته تصريحات للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الأمر نفسه، ثم خرج أردوغان بتصريحين متتاليين، أحدهما كان في الولايات المتحدة على هامش قمة "الناتو"، وأعرب خلاله عن استعداد تركيا لتطوير العلاقات بطريقة تحترم وحدة وسيادة الأراضي السورية.

مما لا شك فيه أن تأثير زيارة الممثل الخاص للرئيس الروسي لسوريا ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق نهاية يونيو الماضي كان له تأثير عميق في هذه الرسائل المتبادلة لأن موسكو ترى أن ضمان أمن القواعد التي استحوذت عليها في سوريا بصورة مستمرة خلال فترة الحرب تكمن في "السلام التركي - السوري"، إن صح التعبير. ويمكن القول إن روسيا بينما تسعى إلى تحقيق مصالحها الخاصة في هذه القضية، فإنها تحاول إيجاد حل وسط بين مطالب كل من أنقرة ودمشق.

اتحاد فيدرالي في سوريا

في عام 2015، وتزامناً مع التدخل الروسي العسكري في سوريا لمصلحة نظام الأسد، دعمت تركيا المعارضة. وعرضت موسكو مبادرة تتبنى إنشاء "اتحاد فيدرالي في سوريا"، وكانت الرؤية آنذاك ترتكز على إقناع جميع الأطراف بحل وسط وضمان الاستقرار السياسي في سوريا من خلال ضم المعارضة السورية المدعومة من تركيا، وبذلك يتحقق نوع من التوازن المرغوب في بلد أنهكته الحرب.

آنذاك قوبل الطرح الروسي بالرفض من قبل دمشق وأنقرة معاً، إذ رفضت الحكومة السورية المبادرة على رغم حاجتها الملحة إلى دعم موسكو العسكري، وفي المقابل أيضاً أبدت تركيا حساسيتها من هذا العرض بسبب وجود منظمة حزب العمال الكردستاني المصنفة إرهابية، وخشية أن يشملها الحل الفيدرالي. كل هذه الأسباب دفعت موسكو للتراجع عن خطتها في هذا الطرح.

العلاقات السورية - العربية

منذ عام 2016 بدأت الموازين في سوريا تتغير لمصلحة حكومة دمشق التي بدأت بدعم روسي إيراني في إحراز تقدم عسكري في الميدان، بعد ذلك بدأت تهدف إلى تعزيز العلاقات الدبلوماسية والخروج من العزلة، لكن بالنسبة إلى الغرب فإن تطبيع علاقاته مع الحكومة السورية يبدو مستحيل، فاتجهت نحو الدول العربية، حتى أسفرت الجهود الدبلوماسية إلى افتتاح سفارة للإمارات لدى دمشق عام 2019.

وبعد جهود طويلة بذلتها دول عدة عربية، خصوصاً الإمارات والجزائر، عادت سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية، وبالفعل شارك بشار الأسد في قمة جدة في السعودية التي عقدت في الـ19 من مايو (أيار) 2023، وبعد ذلك وتدريجاً فتحت الرياض سفارتها لدى دمشق.

جرح مشترك بين دمشق وأنقرة

وجود حزب الاتحاد الديمقراطي (الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني) في شمال شرقي سوريا ينظر إليه على أنه "جرح مشترك" بين دمشق وأنقرة، وبسبب الفوضى في بداية الأزمة السورية وانقطاع التنسيق وانعدام الثقة بين حكومتي الأسد وأردوغان تمكن الحزب من السيطرة على مناطق واسعة في شمال شرقي سوريا، كما أن المناطق التي سيطر عليها تقع فيها أهم الموارد الباطنية في سوريا (النفط والغاز)، على رغم العداء بين حكومة دمشق والمسلحين الأكراد فإن العقوبات الغربية المفروضة على حكومة بشار الأسد أجبرته على إقامة علاقات تجارية مع حزبي الاتحاد الديمقراطي والعمال الكردستاني، وهنا قدمت الولايات المتحدة مشروع "الاتحادية السورية"، وهذا المشروع لاقى قبولاً عربياً.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بعد الطرح الأميركي لمشروع "الاتحادية السورية"، تصرفت كل من السعودية ومصر بطريقة تسهم في إنجاح هذا المشروع، إذ تنظر هذه الدول إلى الأحزاب الكردية على أنها طرف في الصراع السوري، ولا تقبل إصرار حكومة دمشق على استبعاد المعارضة والأكراد من الحل.

وبالفعل استضافت القاهرة والرياض الممثلين السياسيين للأكراد، وهذه الخطوات تزعج دمشق، لذلك رأت أن تقدم رسائل إيجابية باتجاه الخطاب التركي الأخير الذي يدعو إلى التطبيع. وترى دمشق أن تركيا لا يمكن أن تقبل بالأحزاب الكردية المسلحة في شمال شرقي سوريا، وأن دمشق وأنقرة يمكنهما التعاون لمواجهة حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على مساحات واسعة في سوريا. وهنا سؤال مهم يطرح نفسه، هل ستعترض السعودية على موافقة دمشق التعاون مع أنقرة لمواجهة الأحزاب الكردية المسلحة؟ وهل سيكون التعاون بين تركيا وسوريا شفافاً في شأن هذه الأنشطة؟

حتى لو ألقى تنظيم حزب العمال الكردستاني أسلحته في شمال سوريا، هل تستطيع الحكومة السورية الصمود في وجه مشروع "الاتحادية السورية" الذي اقترحته واشنطن ويلقى قبولاً عربياً؟ الجواب عن هذا السؤال يرتبط بصورة مباشرة بالمشكلات الاقتصادية التي تعانيها دمشق، ففي حال تطبيع العلاقات التركية - السورية، هل ستقوم أنقرة بتقديم دعم اقتصادي لسوريا بحيث تستطيع ضمان الاستقرار فيها ومواجهة التنظيمات التي تصنفها أنقرة على قائمة الإرهاب؟

الموقف الإيراني "يعرقل التطبيع"

إيران، التي تعد أحد الأطراف الأكثر تأثيراً في الساحة السورية، لم يصدر منها أية تصريحات رسمية ضد التقارب بين أنقرة ودمشق، إلا أنه في حقيقة الأمر فإن أي تطبيع بين العاصمتين سيؤدي إلى إضعاف الحضور الإيراني في سوريا، ولو بصورة قليلة. وأبدت طهران بصورة غير مباشرة انزعاجها من عملية التطبيع.

وازدادت التصريحات الإيرانية أخيراً بضرورة أن تسدد حكومة دمشق ديونها لطهران. هذه الديون عبارة عن مساعدات قدمتها إيران إلى سوريا - الأسد طوال سنوات الحرب، وبلغت نحو 60 مليار دولار. وهنا يجب الإشارة إلى ضرورة أن تكون مفاوضات التطبيع بين سوريا وتركيا تراعي الوجود الإيراني وتأخذ توازنه بعين الاعتبار.

إسرائيل على الخط أيضاً

إضافة إلى كل ما ذكرناه أعلاه، فإن علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، والتوازن الإسرائيلي - الأميركي يجب أخذه بعين الاعتبار، ولا يخفى أيضاً أن واشنطن حليفة للدول العربية، وخصوصاً السعودية، وواشنطن والرياض قد يتفقان من حيث النتيجة على وجهة النظر في حل الصراع السوري، كما أن الطرفين يتفقان على ضرورة عدم استبعاد الأحزاب الكردية. ولذلك أي عملية تطبيع لتركيا مع سوريا يجب أن تراعي أيضاً هذا الجانب.

وفي هذا الصدد ظهرت تقارير تتحدث عن "عرض محتمل" يقدم لدمشق، مفاده أن تعترف الحكومة السورية بإسرائيل، وتعترف بسيادة الدولة العبرية على هضبة الجولان، في المقابل ينسحب الجيش الأميركي من شمال شرقي سوريا، وينسحب الجيش التركي من مناطق نفوذه في الشمال السوري، ويتم بعد ذلك تأسيس علاقات جديدة بين سوريا وإسرائيل.

كل هذه التوازنات يجب أن تراعى، وكل هذه النقاط يجب أن تؤخذ بعين الاعتبار، لذلك لا يمكن القول إن أزمات المنطقة ستحل مع التطبيع السوري - التركي، والتساؤل الأهم هنا، هل هذا التطبيع سيصلح ما دمرته السنوات الـ13 الماضية؟

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت التركية".

المزيد من تحلیل