Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حاجة تخوف" مسرحية مصرية تطلق 50 موهبة شابة

المخرج خالد جلال يقدم دراما متقنة في بنية مرنة

من العرض المسرحي "حاجة تخوف" (الخدمة الإعلامية)

ملخص

في عرضه المسرحي الجديد "حاجة تخوف" يقدم المخرج المصري خالد جلال الملقب بـ"صانع النجوم" أكثر من خمسين ممثلاً وممثلة، أمضوا عاماً ونصف العام من التدريب في مركز الإبداع الفني في القاهرة، ضمن الدفعة الثالثة لاستديو المواهب في المركز.

عندما تدخل إلى قاعة مسرح مركز الإبداع في دار أوبرا القاهرة فمن المفترض أن يكون هناك أحد العاملين في المركز مهمته إرشادك إلى مكان جلوسك، وهكذا في كل المسارح ودور السينما، ويطلقون على هذا الشخص "أبلا سير" ويعني المرشد.

المرشد هنا كان المخرج خالد جلال نفسه الذي تولى استقبال الجمهور وإرشاد كل واحد إلى مقعده لمشاهدة عرضه المسرحي "حاجة تخوف"، وهو عرض تخرج الدفعة الثالثة المجموعة "ب" من استوديو المواهب في المركز دفعة "علي فايز".

قد يسأل البعض هل هذا السلوك له علاقة بالعرض الذي سنشاهده؟ والإجابة نعم بالتأكيد. لماذا ينشغل مخرج كبير يطلقون عليه "صانع النجوم" بأمر بسيط كهذا وهو ليس من مهام عمله أصلاً فضلاً عن أن الدخول مجاني، ولا داع للمبالغة في استقبال الجمهور؟

لقد أمضى خالد جلال 18 شهراً في تدريب أكثر من 50 شاباً وفتاة. وهذا العرض وهو نتاج عمل وجهد شاق ورعاية بدا وكأنه وليده الذي انتظره فترة طويلة ويريد أن يقدمه في أفضل صورة. لذلك كان حرصه على الاهتمام بأدق التفاصيل حتى يكون كل شيء منضبطاً، وتحت عنايته. وهكذا يفعل في كل عروضه بمركز الإبداع.

وانسحب ذلك على العرض نفسه، فنحن أمام عمل مسرحي متقن حرص مخرجه على الاهتمام بضبط عناصره كافة، ولسنا أمام حفل تخرج لمتدربين مسرحيين يقدمون خلاله بعض المشاهد المنفردة أو الجماعية ليخبرونا بما اكتسبوه من مهارات، كما يحدث عادة في نهايات الورش التدريبية المسرحية.

التفكير والسؤال

أراد خالد جلال من عرضه أن يضرب عصفورين بحجر، يقدم المواهب التي اكتشفها ودربها وفي الوقت نفسه يقدم عملاً يستوفي شروط المسرح فيه من المتعة الفكرية والجمالية وفيه كذلك من التسلية ما يجعله جاذباً للجمهور، ومسهماً في تطوير وعيه ودفعه إلى التفكير والسؤال.

ويطرح العرض فكرة الخوف من أخطاء ارتكبناها وكيف يؤدي هذا الخوف لو سيطر علينا، إلى إرباك عقولنا وتشويه أرواحنا، وتعطيل مسيرتنا تماماً. لذا علينا أن ننظر في مرآتنا، نتأمل ذواتنا بعمق ونطرح عليها الأسئلة من دون خوف لنتخلص من خوفنا.

دور صغير قام به خالد جلال في بداية العرض، إذ لعب دور الراوي الذي يقدم الأحداث ثم انسحب تاركاً متدربيه لتجسيدها.

يتعطل أحد الباصات في مكان مهجور ليس به إلا بيت واحد، يلتقيهم شخص أقرب إلى المسخ ويدلهم عليه ويخبرهم بإمكانية المبيت فيه، وعندما يدخل الركاب البيت يتفاجأون بصاحبه وبناته الثلات، وجميعهم غريبو الأطوار كما تشي ملامحهم وطريقة حديثهم وتعبيراتهم بأجسادهم. ويرحب بهم صاحب البيت ويخبرهم أن جميع الأبواب تغلق عند المغرب ولا تفتح إلا بعد بزوغ الفجر، ويحذرهم من النظر إلى المرآة لكنهم ينظرون، وكلما نظر أحدهم إلى المرآة تداعت إلى ذهنه خطاياه التي ارتكبها لتبدو الرحلة هنا كما لو كانت رحلة للتطهر وقتل الخوف بداخلهم، إذ يقومون في نهاية العرض بقتل الرجل وبناته والمسخ هؤلاء الذين يجسدون فكرة الخوف، تأكيداً على قدرة الإنسان في التغلب على مشاعره السلبية ودعوته إلى إدراك أنه أولاً وأخيراً إنسان يخطئ ويصيب، وأن الخطأ أمر طبيعي وليس نهاية المطاف، والمهم الاعتراف به والسعي إلى تجاوزه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحدات صغيرة

لجأ خالد جلال في صياغته للعرض إلى فكرة الوحدات الصغيرة، كل واحد من الركاب لديه مشكلة ما أو خطأ ما ارتكبه وينغص عليه حياته ويوقعه في دائرة الخوف، الأزمة واحدة وإن تعددت المخاوف. أي إن موضوعة الخوف هي التي تصنع دراما العرض. فنحن أمام حكايات متعددة لا حكاية واحدة لها قوام من بداية ووسط ونهاية.

واللجوء إلى تلك الوحدات له ما يبرره، فالمخرج لديه أكثر من 50 ممثلاً وممثلة يريد إشراكهم جميعاً في العرض، وهو في الوقت نفسه حريص على تقديمهم وفق سياق مبرر درامياً، فكانت الأزمات المتعددة المرتبطة بشيء واحد هو الخوف سبيله الأمثل لبناء عرضه.

هذه البنية التي لجأ إليها المخرج فيها من المرونة ما يسمح بتجديد العرض كل ليلة لو تطلبت الظروف أو الأحداث، أي يمكن لعرضه أن يكون بمثابة "صحيفة يومية" وهي ميزة إضافية اكتسبها العرض الذي استغرق نحو ساعتين، يمكن لمخرجه إذا أراد تقديمه في ساعة أو ساعة ونصف الساعة، فالبنية تسمح بالحذف أو الإضافة وتطوير العرض بصورة دائمة.

آلية التقديم

وحتى يتجنب المخرج ما قد يحدثه العرض من ملل سعى إلى التنويع في آلية تقديم هذا المشهد أو ذاك، فبين كل مشهد وآخر إعتام سريع لنشاهد أحدهم يقول في فزع "أنا ما عملتش حاجة" ثم تبدأ حكايته التي يتم استدعاؤها، لنعرف من خلالها الخطأ الذي ارتكبه. لم تستمر هذه الآلية طوال العرض إذ لجأ إلى التنويع قدر الإمكان في بداية كل مشهد، ولجأ كذلك إلى التنويع في الحكايا من مشهد كوميدي إلى آخر تراجيدي إلى ثالث تغلب عليه المليودراما، وهو اختيار على قدر عال من الذكاء والوعي، ذلك أننا أمام عدد كبير من الممثلين لكل منهم طبيعته ولكل منهم ميله إلى نوع معين من الدراما، بل إن كثيرين منهم قدموا مشاهد متنوعة جمعت بين الأنواع كافة.

هكذا دارت مباريات في التمثيل لتفصح عن مواهب عديدة بعضها مارس التمثيل من قبل والبعض الآخر يقدم نفسه للمرة الأولى، وأحسب أن من حقهم ذكر أسمائهم ولكن لا مجال هنا.

هؤلاء المواهب لم يكتفوا بالتمثيل فحسب، بل شاركوا في صناعة عناصر العرض الأخرى، الأزياء محمد نديم وهبة كامل، والموسيقى محمد سراج ومارك نادي، والديكور أشرف مهدي ومحد كريم ونادر جودة، تحت إشراف مصمم الديكور المعروف محمد الغرباوي.

ويخرج المشاهد من عرض" حاجة تخوف" ليس كما دخل. يخرج متخلصاً من مخاوفه أو في سبيله إلى ذلك، مستمتعاً بأداء تمثيلي جيد ومتقن ورؤية إخراجية يمتلك صاحبها القدرة على صناعة "خلطته" الخاصة، التي يحرص على ضبط مقاديرها لتكون أكثر إمتاعاً وتأثيراً، وتناسب وهذا هو الأهم الأذواق كافة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة