ملخص
حين يغزو الفساد نخبة المجتمع وقادته ومسؤوليه وجنرالاته وأساتذته وجامعاته وأهل الثقافة وصروحها فيه، يصبح مرضاً مستعصياً على العلاج.
تفاجأت الأوساط الثقافية والأكاديمية في روسيا بإلقاء السلطات الرسمية القبض على وزير الثقافة السابق في موسكو ألكسندر كيبوفسكي واقتياده بقرار قضائي إلى مركز الاحتجاز السابق للمحاكمة حتى الـ16 من سبتمبر (أيلول) المقبل، بتهم ارتكابه جرائم رشى وفساد أثناء توليه منصبه لما يقرب عقداً من الزمن.
وأوضحت الممثلة الرسمية للجنة التحقيق سفيتلانا بيترينكو أن كيبوفسكي اتهم بثماني تهم وتلقي رشى، ومحاولة احتيال واحدة.
ووفقاً للتحقيق في مقابل الرشى، ساعد كيبوفسكي شركات تجارية على إبرام عقود حكومية مربحة، وفي الوقت نفسه تصرف مع شركاء آخرين كجزء من مجموعة إجرامية منظمة، ويبلغ إجمال الرشى التي تلقاها أكثر من 100 مليون روبل (أكثر من مليون دولار)، وفق ما جاء في البيان الصحافي للجنة التحقيق.
من ألكسندر كيبوفسكي؟
شغل ألكسندر كيبوفسكي منصب وزير الثقافة في موسكو من مارس (آذار) 2015 إلى سبتمبر 2023. وقبل ذلك، في الفترة من نوفمبر (تشرين الثاني) 2010 إلى 2015، ترأس قسم التراث الثقافي في المدينة.
وبين عامي 2008 و2010، ترأس الخدمة الفيدرالية للإشراف على الامتثال للتشريعات في مجال حماية التراث الثقافي، ومن عام 2006 إلى عام 2008 شغل منصب نائب رئيس دائرة الاتصال الجماهيري والثقافة والتعليم في الحكومة الفيدرالية للاتحاد الروسي.
ويشغل هذا المسؤول منصباً قيادياً في حزب السلطة "روسيا الموحدة"، وهو أكاديمي مرموق في الأكاديمية الروسية للفنون ومرشح للعلوم التاريخية وحاصل على عدد من جوائز الدولة. ويتحدر من عائلة كيبوفسكي النبيلة القديمة من مقاطعة سمولينسك. وخدم في الفترة بين عامي 2000 و2001 في البحرية الروسية بمشاة البحرية وتقاعد إلى الاحتياط برتبة رقيب.
ويعد كيبوفسكي من الشخصيات الثقافية المعروفة في العاصمة الروسية، ويحمل صفة "مستشار الدولة النشط للاتحاد الروسي من الدرجة الثانية"، ولقب "فنان روسيا الكريم" وحصل على وسام الاستحقاق للوطن من الدرجة الثانية.
والطريف أن كيبوفسكي أعلن أمام هيئة المحكمة التي نظرت في طبيعة الإجراء الوقائي ضده عن رغبته في خوض الحرب في أوكرانيا.
وصرح علناً من قفص الاتهام بصوت جهوري "لقد قلت منذ وقت طويل أنني سأذهب إلى قسم العمليات الخاصة بنفسي. بالنسبة إليّ هذه مسألة محسومة، بغض النظر عما سيحدث هنا من احتجازي أم لا".
وقال كيبوفسكي أمام المحكمة "لقد أرسلوا لي مراوغين قدموا أدلة ضدي، لن أخون وطني ولن أختبئ في أي مكان وسأذهب إلى المنطقة العسكرية الشمالية"، مذكراً المحكمة بأنه خدم ذات مرة في مشاة البحرية في بحر قزوين.
وقال المدعى عليه إن الخدمات التشغيلية للاستخبارات الروسية كانت تتابعه خلال فترة طويلة، واحتجزته في محطة "كازانسكي" للقطارات ذات مرة، بل وكسرت أحد أضلاعه.
وأرفق الدفاع عن كيبوفسكي في جلسة المحاكمة بالقضية عدداً من الشهادات والأوسمة التي منحت لهذا الشخص المتورط في قضية فساد، من بينها أكثر من 30 وساماً وشكراً للمساعدة للمشاركين في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا.
وتصل عقوبة المسؤول السابق بتهم الرشى الثماني المتهم فيها ومحاولة احتيال واحدة إلى السجن 15 عاماً، مع حرمانه من حقوقه المدنية ومنعه من شغل مناصب حكومية لمدة مماثلة.
والغريب أن كيبوفسكي كان يوم توقيفه يشغل منصب مستشار مكتب عمدة موسكو وحكومة موسكو في شأن التعاون الثقافي مع "الكيانات التأسيسية الجديدة لروسيا"، أي المقاطعات الأوكرانية الأربع التي دخلتها القوات الروسية وضمتها إلى أراضيها أثناء خريف 2022.
والمسؤول السابق المتهم بالفساد من أكبر مؤيدي الحرب في أوكرانيا. وسبق له أن تحدث في افتتاح معرض للصور مخصص لـ"أبطال منطقة العمليات العسكرية الخاصة"، وكان مسؤولاً عن تنظيم جولات لفنانين من موسكو في المناطق الأوكرانية المحتلة.
وخلال عام 2022 ألغى المسؤول عرضاً في مسرح ستانيسلافسكي في العاصمة الروسية بمشاركة الممثلة يوليا أوج التي دانت غزو روسيا لأوكرانيا. وفي العام نفسه دعا كيبوفسكي إلى قتل الأوكرانيين. واستخدم السطور الأخيرة من قصيدة لكونستانتين سيمونوف من الحرب العالمية الثانية دعا فيها المؤلف إلى مقاومة النازيين والدفاع عن منازلهم.
ونهاية مارس الماضي أدخلت تعديلات على القانون الجنائي وقانون الإجراءات الجنائية في الاتحاد الروسي للسماح بإرسال المتورطين في قضايا جنائية إلى الحرب، مقابل وقف الملاحقة القضائية.
وبعد ذلك بدأ المحققون بصورة جماعية في تقديم عروض للمتهمين بإبرام عقود مع وزارة الدفاع الروسية من أجل التوجه إلى الجبهة، بدلاً من السجن.
الفساد وحزب السلطة الحاكم
خلال العقد الأول من القرن الـ21 حقق كيبوفسكي مسيرة مهنية سريعة في القسم الثقافي بُعيد مسارعته للانتماء إلى حزب السلطة الحاكم "روسيا الموحدة"، الذي أسسه الرئيس فلاديمير بوتين مطلع الألفية الثانية للفوز في الانتخابات والقضاء نهائياً على حلم الحزب الشيوعي الروسي بالعودة إلى حكم البلاد. وخلال الفترة بين عامي 2001 و2004 شغل منصب نائب رئيس قسم الحفاظ على الممتلكات الثقافية في وزارة الثقافة في الاتحاد الروسي، إذ أشرف على القضايا المتعلقة بإعادة الممتلكات الثقافية التي نزحت خلال الحرب العالمية الثانية.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبعد أعوام عدة من العمل في حكومة الاتحاد الروسي (2004-2008)، ترأس الخدمة الفيدرالية للإشراف على الامتثال للتشريعات في مجال حماية التراث الثقافي. وخلال عام 2011، عين رئيساً لقسم التراث الثقافي بالعاصمة. وشمل مجال مسؤوليته في المقام الأول ترميم المعالم التاريخية والثقافية في موسكو والإشراف على حالتها الصحيحة.
وبعد إقالة سيرغي كابكوف من منصب رئيس قسم الثقافة في حكومة موسكو بتهمة الفساد عام 2015، تولى ألكسندر كيبوفسكي مكانه وأصبح وزيراً للثقافة في العاصمة الروسية.
وخلال فترة ولايته عقد عدد من الأحداث الثقافية المهمة في موسكو (على سبيل المثال، افتتاح حديقة "زاريادي" ومجمع الحفلات الموسيقية الذي يحمل نفس الاسم). وخلال قيادته القسم أقيل عدد من المسؤولين الثقافيين الذين لا يوافقونه الرأي.
السيرة الذاتية
ولد كيبوفسكي ألكسندر فلاديميروفيتش خلال الـ15 من نوفمبر 1973 في موسكو. وتخرج عام 1995 في الجامعة الحكومية الروسية للعلوم الإنسانية بدرجة علمية في إدارة المتاحف وحماية المعالم التاريخية والثقافية. ودافع عام 2000 عن أطروحته حول موضوع "طريقة الموضوع التاريخي لإسناد أعمال البورتريه في روسيا في النصف الأول من القرن الـ18 - والنصف الأول من القرن الـ19"، ليصبح مرشحاً للعلوم التاريخية.
بدأ العمل كمحرر عام 1993 في مجلة التاريخ العسكري، وخلال عام 1998 أصبح نائباً لرئيس التحرير. وبين عامي 1996 و1997 عمل على نحو مواز في متحف بانوراما معركة بورودينو. ومنذ عام 1997 صار متخصصاً رئيساً في مجال الثقافة، وتولي خلال عام 1998 منصب نائب رئيس قسم الترخيص ومراقبة بيع التحف بوزارة الثقافة.
وفي الفترة بين عامي 2000 و2001 خدم في البحرية الروسية وتقاعد برتبة رقيب بحري. ووفقاً له، خدم في اللواء 77 في كاسبيسك.
وعمل كنائب لرئيس قسم الحفاظ على القيم الثقافية بوزارة الثقافة بين عامي 2001 و2004. وشارك في أنشطة البحث عن الأشياء الثمينة المسروقة من روسيا وإعادتها خلال الحرب العالمية الثانية.
ودرس بين عامي 2004 و2008 تاريخ الزي العسكري في مدرسة مسرح موسكو للفنون. ومن عام 2006 إلى عام 2008 شغل منصب نائب رئيس قسم الاتصال الجماهيري والثقافة والتعليم في الحكومة الفيدرالية الروسية.
وخلال الأول من نوفمبر 2010 بات رئيساً لقسم التراث الثقافي في موسكو. وكان من المبادرين لبرنامج العاصمة الخاص بترميم الآثار المتضررة على حساب المستأجرين. وعين خلال أكتوبر (تشرين الأول) 2011 رئيساً للجنة التابعة لحكومة موسكو للنظر في قضايا أنشطة التخطيط الحضري داخل حدود المعالم ومناطق حماية التراث الثقافي.
وخلال الـ12 من يوليو (تموز) 2013 أصبح رئيساً لمجموعة العمل لتنسيق إعداد وإجراء الأحداث الإعلامية والدعائية في ما يتعلق بالتواريخ التي لا تنسى في التاريخ العسكري للوطن التابع للجنة تنظيم النصر الروسي، برئاسة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.
ومنذ أكتوبر 2014 ترأس فرع موسكو للجمعية التاريخية العسكرية الروسية.
وشغل بين عامي 2015 و2023 منصب وزير الثقافة في موسكو. وخلال الـ24 من أكتوبر 2023 عين مستشاراً لمكتب عمدة وحكومة موسكو في شأن القضايا الثقافية، ممثلاً لمكتب عمدة وحكومة موسكو في قضايا التعاون الثقافي مع الكيانات التأسيسية الجديدة للاتحاد الروسي في أقاليم دونيتسك ولوغانسك وزاباروجيا وخيرسون الأوكرانية التي ضمتها روسيا لأراضيها.
وحصل على عدد من الأوسمة وأسهم في التعرف على أكثر من 500 صورة مجهولة الهوية موجودة في المتاحف والمجموعات الخاصة. وهو أحد مؤسسي السلسلة العلمية "صور روسية من القرن الـ18- أوائل القرن الـ20" التي توالى نشرها منذ عام 2013 عن الأيقونات الروسية.
الفساد المعشعش بين مسؤولي الثقافة
خلال الـ19 من أبريل (نيسان) 2023 اعتقل النائب السابق لوزير الثقافة في الاتحاد الروسي أولغا ياريلوفا في قضية إساءة استخدام السلطة، واختلاس غير قانوني بقيمة 125 مليون دولار أثناء تنفيذ مشروع الدولة "بطاقة بوشكين". وأثناء الـ25 من أبريل 2024 حكمت عليها المحكمة بالسجن سبع أعوام.
وفي وقت سابق وبالتحديد نهاية ديسمبر (كانون الأول) 2023 أذنت محكمة زاموسكفوريتسكي الروسية نفسها بالقبض على المستشار السابق لكيبوفسكي وهو الآن متقاعد سيرغي بالياسنيكوف، ومدير شركة "إيروكوم" أندريه نيرودينكوف ونائبه كونستانتين ياكوفليف وكذلك رجل الأعمال أندريه غالييف. ووفقاً للتحقيق قام المتهمون مع أشخاص مجهولي الهوية خلال الفترة من مارس 2023 إلى السابع من نوفمبر 2023 بتهيئة الظروف، التي بموجبها فازت شركة "غرادينت" التي يسيطر عليها المتواطئون بمزادات لإبرام 10 عقود حكومية مع وزارة الثقافة لمصلحة مشروع توريد معدات وأثاث وديكورات داخلية للمؤسسة الثقافية "رابطة المراكز الثقافية" الحكومية العامة، بمبلغ إجمال قدره 155 مليوناً و650 ألف روبل (نحو 3 ملايين دولار)
وهذه الكلفة مضخمة عمداً بما لا يقل عن 38 مليون روبل (700 الف دولار) "لسحب الأموال لاحقاً" الناتجة من الفرق بين الكلفة الفعلية لهذه العقود الحكومية وتكلفة البضائع الفعلية التي سلمت.
واتهم جميع المتورطين بمحاولة الاحتيال واتهم نيرودينكوف وياكوفليف بتلقي رشى على نطاق واسع خصوصاً. ويحقق في قضيتهم مثل قضية كيبوفسكي من قبل قسم التحقيق الثالث التابع للإدارة الثانية للتحقيق في القضايا ذات الأهمية الخاصة (المتعلقة بالجرائم ضد سلطة الدولة وفي المجال الاقتصادي) التابعة لمديرية التحقيق الرئيسة التابعة للإدارة الثانية. ومددت فترة التحقيق حتى الـ22 من ديسمبر المقبل.
وطلب المحقق اعتقال كيبوفسكي حتى الـ16 من سبتمبر المقبل. وأشار ممثل مديرية التحقيق الرئيسة التابعة للجنة التحقيق إلى أن المتهم ينكر ذنبه الثابت، ويدلي بشهادة تخالف مواد القضية وقد يهرب. والجرائم المتهم بها وفقاً للمحققين ارتكبت خلال الفترة من 2015 إلى 2023، عندما أدار كيبوفسكي مع نيرودينكوف وياكوفليف بصورة فعلية وقانونية عملية الشراء بأموال حكومية.
إضافة إلى ذلك قال محقق مديرية التحقيق الرئيسة التابعة للجنة التحقيق التابعة للاتحاد الروسي أثناء جلسة المحكمة، إن كيبوفسكي حاول الاختباء والتواري عن أعين وكالات إنفاذ القانون.
واعترف كيبوفسكي أمام المحكمة بأنه أصدر التعليمات إلى أندريه نيرودينكوف ولكن فقط حول كيفية أن يصبح الشخص عضواً في مكتب العمليات العسكرية الخاصة، أثناء التحقيق للإفلات من العقوبة بالسجن. مضيفاً "لقد قلت منذ فترة طويلة إنني سأذهب بنفسي إلى مكتب العمليات الخاصة، وحلت هذه المشكلة".
وفي ما يتعلق بالمشاركين في العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا تنص التعديلات الجديدة على القانون الجنائي الروسي بوجوب تعليق التحقيق مع أي متهمين، وإنهاء محاكمتهم الجنائية حال استحقاقهم العسكري والتحاقهم بعمليات الجيش في أوكرانيا.
والغريب أن الأمر القضائي باحتجاز كيبوفسكي جاء بعد يوم واحد فقط من إعلان وزيرة الثقافة السابقة في شبه جزيرة القرم نوفوسيلسكايا المحكوم عليها بالسجن لمدة 10 أعوام، أنها طلبت من السلطات تحريرها من السجن وإرسالها للخدمة في منطقة العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا، بعد إدانتها العام الماضي بتلقي رشى أثناء رعايتها بناء صروح ثقافية في شبه الجزيرة التي ضمتها روسيا إلى أراضيها عام 2014.
نائب وزير الثقافة السابق متهم بالفساد
وتمت الموافقة على لائحة الاتهام في قضية جنائية ضد نائب وزير الثقافة السابق لمنطقة أورينبورغ أناتولي تشاخيف بالاشتراك مع صاحب شركة تجارية. والمسؤول السابق متهم بتلقي رشوة في صورة ممتلكات أخرى على نطاق واسع خصوصاً، وتجاوز السلطات الرسمية. ورئيس الشركة التجارية متهم بتقديم رشوة لمسؤول حكومي على نطاق واسع من أجل الحصول على مكاسب مالية، وكذلك بالاحتيال بحسب ما يفيد مكتب المدعي العام.
وخلص التحقيق إلى أنه خلال الفترة من مايو (أيار) 2019 إلى أغسطس (آب) 2021 تلقى نائب وزير الثقافة السابق للمنطقة رشوة من رئيس المنظمة في مواد البناء. وحولت المكافآت غير القانونية مقابل "القيام بأعمال معينة والرعاية العامة للأنشطة التجارية".
وإضافة إلى ذلك، من عام 2012 إلى العام الماضي "قدم المسؤول السابق تفضيلات لرواد الأعمال الآخرين الذين يعرفهم" واكتشفتها قوات الأمن. وأصدر تعليماته لمرؤوسيه "بقبول نتائج العمل بموجب العقود ودفع ثمنها بحرية بغض النظر عن جودتها"، وفق مكتب المدعي العام.
وقام رئيس شركة تجارية تعمل في ترميم مركزين ثقافيين ضمن المشروع الوطني خلال الفترة من مارس 2020 إلى نوفمبر 2021 بتضمين معلومات وهمية عن حجم العمل الفعلي في صكوك القبول وتكلفة العمل للجهة الإشرافية. ونتيجة لذلك فإن الشخص المتورط في القضية "حصل على أجر من بين أمور أخرى، مقابل عمل غير مكتمل".
بالتالي، تجاوزت الأضرار التي لحقت بموازنة بلديتين 4 ملايين روبل (49 الف دولار). وفي مرحلة التحقيق في القضية الجنائية، قدم مكتب المدعي العام الإقليمي التماساً لاسترداد الأضرار الناجمة.
وتبلغ قيمة ممتلكات المتهم الذي اعتقل أثناء التحقيق أكثر من 18 مليون روبل (360 الف دولار)، وسترسل مواد القضية الجنائية المرفوعة ضدهم إلى محكمة مقاطعة لينينسكي في أورينبورغ.
وفي السابق تم فتح خمس قضايا جنائية جديدة ضد نائب وزير الثقافة السابق في منطقة أورينبورغ. ومددت المحكمة تدبير حبسه الوقائي.
الفساد في الجامعات الروسية
وفقاً للبيانات المتاحة فإن الفساد هو الأكثر انتشاراً على نحو متناقض في البيئة الثقافية والتعليمية، خصوصاً الاحتيال في مجال التعليم الجامعي في روسيا.
وفقاً لإدارة الأمن الاقتصادي التابعة لوزارة الداخلية فقد حددت وكالات إنفاذ القانون الروسية حالات فساد تتزايد عاماً بعد آخر في الجامعات الروسية.
ومع ذلك، فمن المثير للاهتمام أنه وفقاً للإحصاءات الرسمية للممارسة القضائية فإن معظم الأطباء والمدرسين وضباط الشرطة هم من بين محتجزي الرشوة، الذين يجدون أنفسهم في قفص الاتهام.
مؤسسات التعليم العالي لا تحرم من اهتمام وكالات إنفاذ القانون. فعلى مدى الأعوام الماضية، ظهرت تقارير منتظمة في الصحافة حول اعتقال أساتذة ومدرسين من مجموعة متنوعة من الجامعات في روسيا، بدءاً من العاصمة موسكو وصولاً إلى الشرق الأقصى على الحدود مع اليابان والصين، وكلهم دينوا بالرشوة.
لقد كان وجود الفساد في الجامعات منذ فترة طويلة حقيقة مقبولة بصورة عامة. ووفقاً لمنظمة الشفافية الدولية (منظمة دولية غير حكومية تحارب الفساد وتبحث في مستوى الفساد في جميع أنحاء العالم)، "خلال عام 2007 وفي مجال التعليم بما في ذلك التعليم العالي، دفع الروس رشى أكثر بأربع مرات تقريباً من المحاكم ومرتين أكثر من المؤسسات الطبية وخمس مرات أكثر من سلطات التسجيل، ويرتكب مزيد من التعديات على جيوب الروس فقط في وكالات إنفاذ القانون".
وقبل عام قدر الخبراء حجم التداول السنوي المقدر لهذه السوق بمليار دولار. وأشار الأستاذ في المدرسة العليا للاقتصاد في موسكو الذي درس هذه المشكلة مارك ليفين إلى أنه "في نظام التعليم الروسي وحده، تدفع رشى بقيمة مليار دولار سنوياً وتذهب هذه الأموال نحو القبول الناجح واجتياز الاختبارات".
ويعتمد الطلاب غير القادرين على سمعة المؤسسة التعليمية، فهم يدفعون ما بين 5 آلاف إلى 20 ألف دولار للقبول في الجامعة، ويواصل معظمهم كما يقول التقرير دفع الرشى لاجتياز الاختبارات والحصول على الدبلوم. وقدرت اليونيسكو حجم الفساد في الجامعات الروسية بـ750 مليون دولار.
يبدأ سوق الفساد في الجامعة بالقبول فيها ومن ثم الحصول على خدمات إضافية، تتمثل في رسوم الاختبارات إلى القبول في كلية الدراسات العليا والدفاع عن الأطروحات.
ويقول عالم اللغة والخبير الثقافي أليكسي بلوتسر سارنو "أصبحت الجامعات منذ فترة طويلة أرضاً خصبة ممتازة لقيادتها، إذ يتم بيع المناصب في الأقسام وحتى الأقسام بأكملها. ويمكن للمشتري أن يدفع مقابل قسم لم يكن موجوداً من قبل وسينشأ على الفور للمشتري، الذي يمكنه أن يرأسه ليصبح في الوقت نفسه أستاذاً ودكتوراً في العلوم مقابل رسوم إضافية... حتى أفضل الجامعات في البلاد لا تتردد في تنظيم مثل هذه الأقسام للمشترين الموهوبين من بين البيروقراطيين ورجال الأعمال ونخبة الأوليغارشية. وكقاعدة عامة يضفى الطابع الرسمي على هذه العلاقات بصورة قانونية على صورة شراكات ورعاية".
وإضافة إلى الأساليب المرتبطة بالأنشطة التعليمية والعلمية يجد موظفو الجامعة أيضاً طرقاً أخرى لإثراء أنفسهم. فعلى سبيل المثال تخصص أموال الموازنة أو نوع من "التعاون" مع شركات البناء. وهكذا مثلاً، دين نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية ورئيس قسم الخدمات اللوجيستية بجامعة كاريليان التربوية بالرشوة. وتلقى نائب رئيس الجامعة بصفته رئيس لجنة المنافسة بالجامعة لتقديم أوامر لبناء وإصلاح المؤسسات التعليمية عدة رشى يبلغ مجموعها 150 ألف (1700 دولار) روبل من رئيس قسم اللوجيستيات بالجامعة.
ومقابل رسوم كان نائب رئيس الجامعة يطلع مرؤوسه على حجم عروض الأسعار المقدمة من المنظمات التجارية لإبرام العقود مع الجامعة.
ومع أخذ المعلومات الواردة في الاعتبار، قام رئيس القسم بتهيئة الظروف لبعض الشركات للفوز بالمزايدات والمناقصات. وحكمت المحكمة على نائب رئيس الجامعة بالسجن عاماً مع وقف التنفيذ مع فترة اختبار لمدة عام والحرمان من حق مزاولة الأنشطة التنظيمية والإدارية لمدة عامين. وحكم على رئيس قسم اللوجيستيات بالجامعة بغرامة بسيطة قدرها 15 ألف روبل.
وبعد ذلك بقليل في موسكو، اعتقل نائب رئيس الجامعة للشؤون الإدارية والاقتصادية في جامعة الإدارة الحكومية بتهمة الرشوة. وخلال يوليو من هذا العام طلب من ممثلي منظمة البناء التي نفذت العمل في الجامعة مبلغ 4 ملايين روبل للتوقيع من دون عوائق على جميع المستندات المتعلقة بالعمل.
مثل هذه "الفطنة التجارية" لا تتناسب بطريقة ما مع الصورة التقليدية للعالم. وعلاوة على ذلك، فإن التعطش للربح وعدم الخوف من العقاب يدفع الناس أحياناً إلى القيام بأفعال لافتة للنظر في قسوتها. لذلك، حدثت قبل أعوام قصة جامحة تماماً في الأكاديمية القطبية في سانت بطرسبورغ.
ونظم النائب الأول لرئيس الجامعة فلاديمير لوكين واثنان من الموظفين العاديين محاولة اغتيال كيرمن باسانغوفا التي عينت خلال ديسمبر 2008 عميداً للجامعة، واتهمت نائب رئيس الجامعة باختلاس تسعة ملايين روبل. ولحسن الحظ أحبطت محاولة قتلها.
وأثناء التحقيق اكتشف أنه خلال الفترة من أبريل 2006 إلى ديسمبر (كانون الثاني) 2008 أبرم نائب رئيس الأكاديمية 40 عقداً قيمتها الإجمالية 7.5 مليون روبل (270 الف دولار). وبموجب ثلاثة عقود أخرى يزعم أنه دفع 1.5 مليون، على رغم أن إجراء الإصلاحات لا يحتاج أكثر من 50 ألف دولار. واتضح أيضاً أن الإدارة السابقة منحت نفسها مكافآت ومدفوعات مقابل الأنشطة الأسطورية. وبناء على التوقيعات، شارك في ذلك لوكين وزوجته ورئيسة الأكاديمية السابقة أزورجيت شوكنباييفا وكبيرة المحاسبين في الجامعة لاريسا غوساروفا. ولذلك وخلال ثلاثة أشهر تلقى لوكين وشوكنباييفا مليوناً وستمائة ألف روبل. وبالمناسبة، كان من المخطط أن يدفع للجاني الذي كان من المفترض أن يقتل كيرمن باسانغوفا 360 ألف روبل فحسب (12 ألف دولار).
عادة ما يشار إلى انخفاض الأجور على أنه السبب الرئيس للفساد، إذ يبلغ اليوم راتب الأستاذ في الجامعات القوية نحو ثلاثة آلاف دولار، والأستاذ المشارك نحو ألفي دولار ومن ليس لديه رتبة مساعد أو درجة تدريس من 1000 إلى 1500 دولار.
وفي بعض الجامعات يكون معدل الرواتب أعلى. ولا يبدأ الجميع في استخدام الاعتمادات المدفوعة للحصول على دخل إضافي. والمشكلة أن مثل هؤلاء الأشخاص الصادقين وغير العمليين ينظر إليهم بارتياب في عدد من الجامعات.
كلما زاد وزن المعلم زادت فرصه في كسب دخل إضافي بما في ذلك من خلال عضويته في لجان القبول. فعدد من العاملين الإداريين في الجامعات لديهم عدد من أتباعهم للقبول. وفي مقابل ذلك يجد الموظفون الإداريون دائماً شيئاً "مثيراً للاهتمام" للمعلم، لأن حياته المهنية تعتمد بصورة مباشرة على رؤسائه، كما يوضح أليكسي بلوتسر سارنو.
وسبب الفساد بصورة عامة هو الانحدار العام في الأخلاق، إذ يتم استبدال القيم الافتراضية الخيالية بالقيم الحقيقية وبصورة متزايدة. فبدلاً من المعرفة قدم المال واحصل على أي دبلوم حسب المبلغ.
ويقول أليكسي بلوتسر سارنو "هذه هي الطريقة التي يدمر بها رأس المال المعرفي الروسي، وهذا هو الوضع الذي يلقي فيه أستاذ زائف محاضرة لشبه طالب عندما يدفع كلاهما ثمن مكانتهما في سوق المعرفة. ويتحول سوق المعرفة إلى نوع من الخيال ويغطي الوجود الحقيقي لسوق المكانة الممولة بسخاء. وتصل السخافة إلى النقطة التي تجعل اثنين من المسؤولين الفاسدين سعيدين للغاية ببعضهما بعضاً".
وتقول إيفغينيا ألباتس إن مثل هذا الجو "السوقي" في الجامعات لا يؤدي إلى الفساد فحسب بل يمنح الطلاب أيضاً نظام قيم خاطئاً تماماً. وتضيف "في بلدنا لسوء الحظ التعليم وقيمته هو الحصول على قطعة من الورق. والتعليم كقيمة معرفية لا يزال موجوداً بصورة سيئة في بلدنا".
وتضيف رئيسة تحرير مجلة نيو تايمز "جامعاتنا لا تفعل ذلك. أفهم دائماً أنه من الضروري تعليم الناس الصدق الفكري. وأن السرقة الفكرية ليست أقل سوءاً من السرقة من المحفظة وأن المشاركة في المعاملات الفاسدة مع الطلاب أمر خطر في الواقع، ثم يخرج هؤلاء الأشخاص إلى الحياة الواقعية ويعيشون ويعملون بفكرة أن الغش هو بالضبط ما يريدون القيام به".
وفي رأيها مع هذا النهج في التعليم لا توجد تغييرات ممكنة في الوعي الاجتماعي، وتقول "إلى أن يتم تقديم مفهوم دقيق على مستوى المدارس العليا بأن الصدق هو شيء مطلق بالنسبة إلى شخص متطور فكرياً وشخص مفكر، فإن الصدق هو أمر إلزامي. وأخشى أن يكون هذا هو ما لا يدرس في الجامعات. التحولات التي نود أن نراها في مجتمعنا لن تحدث لأن الأشخاص الذين اعتادوا على حقيقة أن عدم الأمانة يمكن أن يحقق لهم شيئاً ما لن يكونوا قادرين على القيام بأشياء عادية من المؤكد".
قمة جبل الفساد
وكانت قمة جبل الفساد خلال الأشهر الأخيرة وتحديداً خلال الـ26 من يونيو (حزيران) الماضي باعتقال المدير العام لشركة "أورال بلانتس"، بتهمة سرقة أموال مشتريات الدفاع الحكومية.
وخلال الشهر نفسه أيضاً اعتقل النائب الأول السابق لوزير الرياضة في إقليم كراسنويارسك بتهمة الاختلاس والاحتيال، وحوكم رئيس منطقة بيسكي في خاكاسيا الروسية بتهمة الرشوة والاستيلاء على المال العام. ودين موظف سابق في مركز الحجر الزراعي في منطقة إيركوتسك بالرشوة. وحكم على مدير شركة "تاشتيبلز" السابق في خاكاسيا بالسجن بتهمة الاحتيال والرشوة.
وخلال مايو 2024 اكتشفت سرقات كبيرة في خاكاسيا خلال بناء دار الثقافة في منطقة شيرينسكي، واعتقل نائب وزير الثقافة في منطقة موسكو فلاديمير تالييف إضافة إلى اعتقال النائب السابق لرئيس وزارة الصحة في إقليم كراسنويارسك بتهمة الاحتيال على أموال من المشروع الوطني لـ"الرعاية الصحية"، واعتقال رئيس دائرة شؤون الموظفين بوزارة الدفاع الروسية يوري كوزنتسوف والكشف عن سرقة ملايين أموال المشروع الوطني لإصلاح الطرق في خاكاسيا، وفتح قضية جنائية في مينوسينسك في شأن تجاوزات في توفير السكن للأيتام.
وخلال أبريل الماضي اعتقل نائب وزير الدفاع تيمور إيفانوف بتهمة الرشوة، وحكم على مفتش هيئة الرقابة على الزراعة بالسجن تسعة أعوام بتهمة الرشوة، واتهم رئيس مجلس أسكيزسكي بالحصول لنفسه على مكافآت مدفوعة بصورة غير قانونية بقيمة 270 ألف روبل، وحوكم نائب في الجمعية التشريعية لإقليم كراسنويارسك بتهمة الرشوة.
هل يمكن القضاء على آفة الرشوة؟
من الغريب أن وصفة المساعدة في التخلص من الفساد معروفة منذ زمن طويل. وذكر الاقتصاديون وعلماء الاجتماع وغيرهم من المتخصصين هذا الأمر مراراً وتكراراً في وسائل الإعلام الروسية. كما أن قائمة "فصل سلطات وصراع سياسي تنافسي وصحافة حرة وقضاء مستقل وانتخابات نزيهة" ليست وصفة سحرية، لكنها خريطة طريق عملية نحو مكافحة الفساد والحد من الرشوة.
الفساد في روسيا الجديدة ليس في حال تراجع أو تناقص لأنه ببساطة عندما تظهر حقيقة الفساد تكتب وسائل الإعلام عن ذلك، ويثير الطرف المنافس فضيحة والحزب المنافس لهم يتصرف بطريقة متناظرة، بالتالي لا يختفي الفساد بالطبع بل يتصاعد بصورة حادة وصولاً إلى بعض المؤشرات الخطرة، لأن نفس الخبراء الذين يكتبون روشتة العلاج يعترفون بأن كل هذه التوصيات غير ممكنة في ظل الوضع السياسي المعاش في روسيا.
الطريقة الفعالة التي استخدمت في الولايات المتحدة وأدت إلى خفض كبير جداً في الفساد، تقدمها الرئيس التنفيذي لمنظمة الشفافية الدولية في روسيا إيلينا بانفيلوفا.
وهناك، من أجل مكافحة الفساد نفذ إصلاح اجتماعي وإداري فعلياً باستخدام نظام الرقابة والتشجيع. إذ تم حساب العدد المطلوب من موظفي الخدمة المدنية - المسؤولين وضباط الشرطة وما إلى ذلك - بدقة. وفي الوقت نفسه "اخترع نظام ربط صارم للغاية للحوافز المادية التي لم تكن في بدايتها كبيرة جداً ولكنها متزايدة، تنالها فقط إذا كنت تعمل بطريقة لا تشوبها شائبة، والأهم من ذلك أنك تحفز الحزمة الاجتماعية التي تنتظرك في المستقبل، أي إنه كلما طاولت مدة بقائك خالياً من العيوب صارت حياتك أفضل".
وتشرح إيلينا بانفيلوفا قائلة إنه مع هذه الطريقة عليك الانتظار لفترة طويلة للحصول على النتائج - ظهرت نتائج مكافحة الفساد في الولايات المتحدة بعد 50 عاماً فقط - ولكن هذه كلها فترة متوقعة جداً. ومع ذلك مرة أخرى لا يستطيع النظام الحاكم في روسيا حالياً الالتزام بانتخابات نزيهة وأجور عادلة ونظام قضائي مستقل وصحافة حرة وفصل كامل للسلطات.
والتدابير المتبقية هي عقابية إلى حد ما، ولكن حتى هنا النظام التشريعي الروسي يترك كثيراً مما هو مرغوب فيه. وتوضح إيلينا بانفيلوفا أن "غرامة قدرها 15 ألف روبل (170 دولاراً) فقط أو حتى عام من المراقبة تعد مجرد عقوبة سخيفة لمتلقي الرشوة، والمعنى الرئيس لوجود المسؤول الفاسد هو الحصول على المال وتحويله إلى ممتلكات وضمان حياة رفاهية مريحة لنفسه. لذلك يمكن أن تكون العقوبة الأكثر فظاعة حتى عام ولكن مع مصادرة كل الأموال التي حصل عليها بطرق غير شرعية وملتوية. وهنا المجال مفتوح، وكل أنشطته التي كرس لها أعوامه الأخيرة ستصبح كأنها ذهبت سدى، ثم ربما سيشعر بالخوف".
وتوضح "كما ترون، إذا رأى الناس مسؤولاً فاسداً حوكم ونال عقوبة حقيقية بمصادرة كل ما سرقه، فهذا أسوأ من الإعدام". وفي رأيها، لكي يختفي الفساد أو في الأقل يقل يجب جعله غير مربح.
محاربة الفساد أم تنظيمه؟
وعلى رغم العدد المتزايد من القضايا الجنائية المرفوعة ضد المسؤولين والجنرالات وأهل الثقافة والمعلمين في مختلف الجامعات في جميع أنحاء روسيا، فإن بعض التقارير الصحافية تثير الشكوك في أن الموجة الحالية من الحرب ضد الفساد ليست أكثر من عاصفة في فنجان.
فقبل أعوام معدودة رفضت المحكمة في تيومين مراجعة قضية عالم الاجتماع إيغور غروشيف "في شأن حماية السمعة التجارية" التي خسرها.
وجريمته أنه نشر بيانات استطلاع أجري عام 2006 بين طلاب جامعة تيومين للقانون التابعة لوزارة الشؤون الداخلية. وخلال هذا الاستطلاع اعترف 30 في المئة من الطلاب بأنهم دفعوا المال مقابل قبولهم في الجامعة، وقال ثلاثة في المئة فقط إنهم لم يدفعوا رشى أبداً أثناء دراستهم في الجامعة. وبعد تلقي هذه البيانات أطلقت إدارة الجامعة حملة ضده.
ثم عندما نشر بيانات استطلاع الرأي في كتاب رفعوا دعوى قضائية ضده و... فازوا بالمحكمة، لأن المحكمة قضت بأن نشر هذه المعلومات يقوض سلطة وهيبة الجامعة، أي إن ما يقوض سلطة الجامعة هو نشر فساد إدارتها وليس الرشى التي يقدمها 97 في المئة من الطلاب.
وأمرت المحكمة غروشيف بدفع غرامة قدرها ألفا دولار وكتابة دحض. والآن عالم الاجتماع في حيرة. فكيف يمكنه دحضها وهناك بيانات من استطلاعات لـ413 طالباً مسجلة في فيلم موثق.
وفي السياق ذاته يمكن اعتبار محاولة اغتيال رئيس جامعة نوفوسيبيرسك الطبية الحكومية إيغور مارينكين إشارة أكثر إثارة للقلق. ويزعم المحققون أن الجناة لم يعتزموا قتله بل فقط إخافته.
وبحسب إحدى الروايات فإن هذا الهجوم مرتبط ببيان مارينكين لإنهاء الفساد واستعادة المكانة المفقودة لواحدة من أفضل الجامعات. واتهم رئيس الجامعة السابق أناتولي إفريموف بتنظيم قبول المتقدمين للحصول على رشى. ويدعي المحققون أنه خلال الفترة من 1999 إلى 2006 حصل على أكثر من 1.9 مليون روبل. وبعد فتح قضية جنائية ضده قام رئيس الجامعة ومرؤوسوه وفقاً للتحقيق بإخفاء 4500 ملف شخصي للطلاب، وزود المحققون بوثائق مزورة تفيد بأن هذه الملفات أتلفت.
وفي وقت لاحق عثر على الملفات المخفية. وواجه إفريموف أربعة أعوام سجناً، ولكن خلال أكتوبر 2023 أسقطت سلطات التحقيق في نوفوسيبيرسك هذه القضية الجنائية البارزة "بسبب التوبة النشطة".
وأصبح إيغور مارينكين رئيساً لهذه الجامعة في فبراير (شباط) 2008، متغلباً على زوجة حاكم منطقة نوفوسيبيرسك بعشرات الأصوات.
وفي يونيو من العام ذاته عندما اعتقل أحد موظفي الجامعة لتلقي رشوة قدرها 6 آلاف روبل، صرح إيغور مارينكين رسمياً في مؤتمر صحافي عقد خصيصاً بأن "إدارة الجامعة الطبية أرسلت خطاباً رسمياً إلى وكالات إنفاذ القانون مع طلب المساعدة لوقف الفساد في العملية التعليمية. وهذا ليس إجراء لمرة واحدة يهدف إلى كسب شعبوية رخيصة ولكنه عمل منهجي ومستمر، سنواصله جنباً إلى جنب مع السلطات المتخصصة في جميع الاتجاهات. وفي مرحلة الحملة الانتخابية وعدت الطلاب والمعلمين والخريجين بأنني سأغير المناخ الداخلي لجامعتي الأصلية، وسأحاول استعادة سلطة الجامعة بين الطلاب والموظفين والمجتمع، لم يكن فقط وعداً انتخابياً بل أيضاً قناعة صادقة... وأؤكد أن مكافحة الفساد لن تكون في شأن جامعتنا فحسب، بل هي أيضاً مهمة تواجهنا على المستوى الوطني".
الفساد مرض مستعص على العلاج
الفساد في روسيا الحديثة لا يزال أحد أهم المشكلات التي تواجه المجتمع والدولة مما يستلزم دراسة مظاهره المختلفة، وبخاصة في مجال إدارة الدولة والبلديات. وقد اجتذب تأثير الفساد في هذا المجال خلال الأعوام الأخيرة اهتماماً علمياً متزايداً بين المحامين والاقتصاديين وعلماء الاجتماع وعلماء السياسة وعلماء الثقافة.
ويجري تطوير الأساس النظري والتطبيقي لدراسة المشكلات المتعلقة بالفساد وتأثيرها في السلطة بصورة نشطة، إذ تنعكس الحاجة إلى البحث العلمي في مشكلات الفساد في الوثائق الحكومية وفي مواد الهياكل العامة.
والخطط الوطنية المتوالية لمكافحة الفساد في روسيا، التي تمت الموافقة عليها بموجب مراسيم رئاسية كتعليمات لحكومة الاتحاد الروسي، تنص على صيغ إنشائية غير فعالة مثل "مواصلة التنفيذ بين جميع الطبقات الاجتماعية السكانية في مختلف مناطق البلاد، للبحث الاجتماعي الذي من شأنه أن يسمح لنا بتقييم مستوى الفساد في الاتحاد الروسي وفعالية تدابير مكافحة الفساد المتخذة".
وورد في التقرير السنوي للغرفة العامة للاتحاد الروسي "حول فعالية تدابير مكافحة الفساد المتخذة في الاتحاد الروسي ومشاركة مؤسسات المجتمع المدني في تنفيذ سياسة مكافحة الفساد في الاتحاد الروسي" أنه "يجب أن تظهر مراقبة مكافحة الفساد ديناميكيات الفساد في إدارة منطقة معينة أو عند أداء وظيفة محددة، ووصف حالات الفساد الأكثر شيوعاً واقتراح تدابير فعالة للحد من الأخطار المقابلة".
وفي الواقع، تم بالفعل وضع أسس المراقبة الاجتماعية لمكافحة الفساد في الأبحاث التي أجراها علماء من قسم الخدمة العامة وسياسة شؤون الموظفين التابع للأكاديمية الروسية للاقتصاد الوطني والإدارة العامة التابعة لرئيس الاتحاد الروسي، حول القضايا التي تؤثر في المشكلات الحالية من الخدمة المدنية للدولة.
وفي هذه الدراسات تم دائماً إعطاء الفساد في الحكومة والهيئات الحكومية مكانة خاصة. وكمثال على ذلك يمكن أن نستشهد بنتائج توزيع آراء المشاركين في الدراسات لتقييم درجة انتشار الفساد في السلطات العامة والإدارة.
وهذا يعني عملياً رصد موقف المجتمع من مشكلة الفساد، على رغم أن هذه الدراسات تضمنت أيضاً أسئلة موضوعية محددة، بما في ذلك حول آليات مكافحة الفساد وتقييم فعالية التدابير المتخذة.
والخطر الأكبر لفساد الموظفين في الهيئات الحكومية والبلدية يتجلى في انخفاض مستوى الكفاءة المهنية لموظفي الدولة والبلديات، وهذا رأي نصف المشاركين في الدراسة ويليه انخفاض سلطة الدولة والحكومة والمؤسسات البلدية بين السكان.
وأشار 47.6 في المئة من المشاركين في الدراسة إلى استقالة المتخصصين المؤهلين من هيئات الدولة والبلديات، وزيادة خطر الأعمال غير القانونية من قبل المسؤولين (الرشوة والفساد). وحدد هذا الخطر باعتباره عقبة أمام التوظيف التنافسي الحر للمتخصصين المؤهلين في الهيئات الحكومية التابعة للدولة والبلديات من قبل 32.9 في المئة من المشاركين في الدراسة، وأشار كل واحد من أربعة منهم (25.9 في المئة) إلى تزايد اغتراب مصالح المسؤولين عن مصالح السكان، وزيادة مستوى البيروقراطية في هيئات الدولة والبلديات الحكومية. وهذه كلها أخطار كبيرة جداً يمكن أن تؤثر بصورة كبيرة في كفاءة نظام حكومة الولاية والبلدية بأكمله.
العمليات الرئيسة لمأسسة الفساد وتحديده كظاهرة اجتماعية وثقافية تبدأ من رأس هرم السلطة والنظام السياسي، من خلال عمليات إضفاء الشرعية على طقوس ممارسات الفساد التي تتجسد في ظروف محاكاة وتقليد الممارسات الاجتماعية الرسمية. ونتيجة لهذا الوضع، يبدأ الفساد كبيئة معيارية في تنظيم العلاقات الاجتماعية في المجتمع. ونتيجة للأبحاث النظرية اقترح تعريف مفهوم ثقافة الفساد وتحديد معالمه في روسيا، والتي تتمثل في دمج هذه الظواهر الإجرامية مثل تقليد الفساد الوطني والثقافة التنظيمية الفاسدة والمحاباة، وتدمير التنظيم المؤسسي لمجتمع ما بعد الاتحاد السوفياتي، إذ شُكل نموذج للبنية الوظيفية لثقافة الفساد وآليات تكوينها في ظروف الشذوذ في الفضاء المعياري القيمي للمجتمع الروسي.
الفساد كونه في حد ذاته صورة عامة لنوع معين من العلاقات الاجتماعية لديه مجموعة واسعة من الثوابت النموذجية لتمثيله وفقاً لخصائص المواقع المؤسسية لتنفيذ علاقات الفساد في المجال الاجتماعي والثقافي. وفي هذه الحالات تعتمد المكونات المعيارية لقيمة الممارسات الفاسدة أيضاً على تفاصيل منظومة القيمة المعيارية للمؤسسة التي يتم توطينها فيها.
وهكذا في روسيا يمتد الفساد كظاهرة اجتماعية ذات محتوى معياري قيمي معين في سياق زمني إلى منظور اجتماعي، كمجموعة تعويضية من الخلل الوظيفي في شذوذ النظام السياسي الاجتماعي الثقافي السائد في البلاد.
فحين يغزو الفساد نخبة المجتمع وقادته ومسؤوليه وجنرالاته وأساتذته وجامعاته وأهل الثقافة وصروحها فيه، يصبح مرضاً مستعصياً على العلاج أقله في ظل النظام السياسي الاقتصادي الاجتماعي القائم. لذلك، يتطلب العلاج عمليات جراحية موجعة لاستئصال جذوره، تبدأ بتغيير هيكلية النظام السياسي وأسسه، ولا تنتهي عند نشر ثقافة وعي بديلة تستند إلى مبادئ العدالة والمساواة والإنصاف المتناقضة تماماً مع ثقافة الفساد والإفساد والمحاباة والتربح على حساب المواطنين ولقمة عيشهم.