Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تخطيط غير مفهوم... "طرح النهر" يثير الانتقادات في مصر

مقرات ثقافية وتعليمية وقضائية مطالبة بالإخلاء من ضفاف النيل والحكومة تتجاهل تساؤلات النواب

تعد الإطلالة على واجهات مائية نقاطاً جذابة عمرانياً (رويترز)

ملخص

لا يتوقع مراقبون أن يكون قرار سحب أراضي طرح النهر "يتعلق بإعادة تسعير الأراضي، لأن الجهات القائمة خدمية"، إنما إعادة تخطيط وُصِف بـ"غير المفهوم" حتى الآن.

في خطوة مفاجئة قد تغير وجه ساحل القاهرة الكبرى على نهر النيل، أقدمت أجهزة الدولة المصرية على سحب ملكية نواد ومنشآت مطلة على النيل، يطلق عليها "طرح النهر"، معظمها يعود إلى هيئات قضائية وأكاديمية وحكومية، مما أثار تساؤلات حول الهدف من إعادة تخطيط تلك المساحة الشاسعة، التي تمتد من شبرا أقصى شمال القاهرة الكبرى إلى حلوان أقصى الجنوب، فضلاً عن اعتراض الهيئات المتضررة من عدم وجود مكان بديل.

جزيرة الروضة النيلية، التي تضم حي المنيل العتيق من أبرز المواقع التي شملتها قرارات سحب ملكية المنشآت، التي تشمل نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة والمسرح العائم وحديقة أم كلثوم ونادي هيئة النيابة الإدارية ونادي قضاة مجلس الدولة وكلية السياحة والفنادق، وجميع تلك الجهات تلقت خطابات من إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة بإلغاء وعدم تجديد عقود حق الانتقاع بجميع أراضي طرح نهر النيل، وإخلاء ما عليها من منشآت فوراً، طبقاً لتوجيهات رئاسية.

وفي عام 2020 أصدر رئيس الوزراء قراراً بمنح جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة الحق في إدارة أراضي طرح النهر، في المنطقة الممتدة من شبرا إلى حلوان، بدلاً من الهيئة العامة لمشروعات التعمير والتنمية الزراعية، كما جرى توقيع بروتوكول بين الجهاز ووزارة الري للانتفاع بالمسطحات المائية شرق وغرب النيل في المنطقة نفسها.

وتبع ذلك طرح جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة عدداً من الأراضي في مزادات العام الماضي، عقب إنشاء "وحدة أراضي طرح النهر"، وخصصت تلك الأراضي لإنشاء مطاعم ومناطق ترفيهية في مناطق عدة بالقاهرة الكبرى.

بداية الأزمة

تفجرت الأزمة مع إخطار المسرح العائم في المنيل بالإخلاء، مما دفع الفنانة سميحة أيوب الملقبة بـ"سيدة المسرح العربي" إلى مناشدة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الحفاظ على المسرح وحمايته من الهدم. مشيرة إلى أن مصر "في حاجة إلى المسارح، وعلينا أن نفكر في بنائها، لا هدمها"، متسائلة "كيف نهدم مسرحاً عريقاً يضم مسرحاً آخر للطفل؟".

مناشدة أيوب عقَّب عليها وزير الثقافة المصري أحمد هنو، في تصريحات إعلامية، بأنه "لا قرار فعلياً لهدم المسرح، وأن الأمر مجرد تكهنات"، مؤكداً في تصريحات صحافية أن وزارته "لم تتسلم" أي قرارات رسمية بخصوص الهدم، ومشيراً إلى أن مخطط تطوير منطقة المنيل بالقاهرة لم يعرض على وزارة الثقافة، وأنه من غير الواضح هل سيزال المسرح أم سينقل إلى مكان آخر أم سيعاد إلى مكانه بعد التطوير.

ورفضت بعض الجهات تسليم مقارها، مثل نادي قضاة مجلس الدولة، الذي حضرت إليه لجنة لتسلم مقر النادي في المنيل الأسبوع الماضي، لكن رئيس نادي قضاة مجلس الدولة، المستشار عبدالسلام النجار، رفض التسليم إلى لجنة مشتركة بين جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة وجهاز حماية النيل التابع لوزارة الموارد المائية والري.

وبرر رئيس النادي قراره أن المقر هو الوحيد لتصريف الشؤون الاجتماعية والخدمية لقضاة مجلس الدولة، كما يضم غرف مداولات وفرعاً للشهر العقاري وإدارة مرور، وغيرها من فروع الجهات تحتاج إلى وقت لنقلها، حسب محضر رسمي نقلته تقارير إعلامية محلية.

وعلى النهج ذاته، رفض نادي مستشاري النيابة الإدارية (هيئة قضائية) تسليم مقره المطل على النيل، باعتباره المتنفس الوحيد لـ7 آلاف مستشار، وفق تصريحات صحافية لرئيس النادي المستشار عبدالرؤوف موسى.

قرار "غير مفهوم"

وامتد القرار إلى نادي أعضاء هيئة التدريس بجامعة القاهرة، الذي لم يعلن صراحة رفضه تسليم المقر، لكنه أوضح في بيان سعيه إلى إيجاد حلول مناسبة وسلك كل السبل المشروعة لمحاولة الإبقاء على مقره، إضافة إلى دراسة كل السيناريوهات والحلول المطروحة "بما لا يتعارض مع مصالح السادة الأعضاء أو المصالح القومية".

كذلك طالبت إدارة مشروعات أراضي القوات المسلحة كلية السياحة والفنادق بجامعة حلوان بإخلاء مقرها ونقل المتعلقات في الحال، مما دفع الطلاب إلى إطلاق مطالبات على مواقع التواصل بالتراجع عن القرار، الذي يرون أنه سيؤثر سلباً في العملية التعليمية، وزعم بعضهم أن أرض الكلية المطلة على النيل ستباع إلى مستثمر أجنبي.

المطالبة بالشفافية في ملف أراضي طرح النهر تصدر تعليقات إعلاميين عدة منهم عمرو أديب الذي طالب الحكومة بتوضيح ما ستؤول إليه أراضي طرح النهر "من دون أن يترك الأمر للغمز واللمز"، مع الأخذ في الاعتبار آراء قاطني تلك المناطق. كما تساءلت الإعلامية لميس الحديدي عبر حسابها بمنصة "إكس" عن حقيقة سحب أراضي طرح النهر ومصير تلك المناطق.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

عضو مجلس النواب أيمن أبو العلا، تقدم بطلب إحاطة لمطالبة الحكومة بتوضيح مخطط تطوير أراضي طرح النهر، وقال لـ"اندبندنت عربية" إن الحكومة "لم ترد" حتى الآن على طلب الإحاطة في شأن سحب أراضي طرح النهر. متوقعاً إرفاقه بجدول طلبات الإحاطة بلجنة الإسكان والتنمية المحلية.

ولا يتوقع أبو العلا أن يكون قرار سحب أراضي طرح النهر "يتعلق بإعادة تسعير الأراضي، لأن الجهات القائمة خدمية"، إنما إعادة تخطيط وصفه بـ"غير المفهوم" حتى الآن.

وشهد مجلس النواب تقديم طلبات إحاطة أخرى في شأن أراضي طرح النهر، إذ تقدمت عضو المجلس مها عبدالناصر بطلب إحاطة موجه لكل من رئيس مجلس الوزراء ووزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزير الثقافة. وأعربت في تصريحات تلفزيونية عن استيائها من غياب الشفافية في شأن التعامل مع تلك الأراضي، وكذلك عدم معرفة بنود بروتوكول التعاون بين وزارة الري وجهاز المشروعات التابع لوزارة الدفاع.

الحفاظ على الاستثمارات

وبعد أيام من الجدل وطلبات التوجيه عقد اجتماع برئاسة وزيري الري والسياحة ومدير عام جهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة، لمتابعة إجراءات التعامل مع أراضي طرح النهر بالقاهرة الكبرى، وذلك "في ضوء توجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي بمتابعة إجراءات التعامل مع أراضي طرح النهر"، حسب بيان لوزارة الموارد المائية والري الثلاثاء الماضي.

وذكر البيان أن الاجتماع جرى خلاله دراسة حوكمة التعامل على أراضي طرح النهر، والتعامل مع التعديات وأعمال الردم على مجرى نهر النيل. وأكد وزير الري هاني سويلم خلال الاجتماع "مراعاة كل المعايير الفنية التي تضمن الحفاظ على القطاع المائي للنهر وحماية جسوره، تزامناً مع الحفاظ على الاستثمارات القائمة على مجرى النهر بما يراعي الاشتراطات والقوانين المتبعة".

كما شمل الاجتماع تأكيد التنسيق بين وزارة الري وجهاز مشروعات أراضي القوات المسلحة وكل الوزارات والجهات المعنية "للإسراع في دراسة الطلبات الخاصة للترخيص بأعمال وأنشطة على نهر النيل واتخاذ القرارات في شأنها في أسرع وقت، حفاظاً على الاستثمارات القائمة والمستقبلية".

إعادة تقييم الأصول

يرى أستاذ التخطيط العمراني إسلام رأفت أن وجود مبان تابعة لبعض الجهات على أراضي طرح النهر من شبرا إلى حلوان "غير مبرر" من الناحية العمرانية، مثل الجامعات والنوادي. قائلاً "من الأفضل استخدام تلك الأراضي كمنشآت سياحية أو ترفيهية أو تجارية، باعتبارها ستحقق مكاسب مالية". مشيراً إلى أنه من السهل العثور على أماكن بديلة للجامعات والنوادي المطلة على النيل.

وأضاف رأفت لـ"اندبندنت عربية" أن أراضي طرح النهر ملك للدولة وتحوزها الهيئات المختلفة بعقود "حق انتفاع"، لذا فالدولة لها الحق في إعادة توظيف الأراضي، بما يتناسب مع رؤيتها لتخطيط المدينة. مشيراً إلى أن الفكرة الرئيسة في انتزاعها هي إعادة تقييم الأصول وتسعيرها وطرحها باشتراطات عمرانية جديدة.

ولفت إلى أن الإطلالة على واجهات مائية تعد نقاطاً جذابة عمرانياً، لذا بعد سحب أراضي طرح النهر، يجب اشتراط تدرج الارتفاعات في المباني، للسماح بتدرج الرؤية لكل المطلين على الواجهة المائية. موضحاً أن الجامعات وكل المهتمين بالشأن العمراني لديهم مقترحات لتطوير الواجهات المائية.

اقرأ المزيد

المزيد من تحقيقات ومطولات