Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

حي الملز… نافذة العصر الذهبي للرياض

عود الحنين لحي الملز لأسباب عدة، من بينها طرازه العمراني المتميز وطرقه الواسعة، إلى جانب أنه شاهد على مراحل تطور المدينة (مواقع التواصل)

ملخص

بدأت قصة حي الملز منذ عهد مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز، فتمت تسميته "الملز" نسبة إلى ملز الخيل لأن الخيول كانت تلز حول بعضها للسباق في تلك الأرض التي كانت شبه خالية ولا تحيط بها أسوار في ذلك الحين.

تحتفظ الأحياء القديمة في المدن السعودية بسحر خاص يعيد الأسر التي أقامت فيها إلى ذكرياتهم الأولى حيث نشأوا وترعرعوا. 

أحد هذه الأحياء هو حي الملز في الرياض الذي يحمل مكانة خاصة في قلوب السعوديين، إذ يستعيد الشباب ذكريات طفولتهم، متجولين في طرقات منطقتهم السكنية وزوايا منازلهم. 

ويعود الحنين لحي الملز لأسباب عدة، من بينها طرازه العمراني المتميز وطرقه الواسعة، إلى جانب أنه شاهد على مراحل تطور المدينة.

أول مشروع سكني

بدأت قصة حي الملز منذ عهد مؤسس الدولة الملك عبدالعزيز، فتمت تسميته "الملز" نسبة إلى ملز الخيل لأن الخيول كانت تلز حول بعضها للسباق في تلك الأرض التي كانت شبه خالية ولا تحيط بها أسوار في ذلك الحين.

في عهد الملك سعود، شهدت السعودية نقلة نوعية حين نقلت الوزارات من مدينتي مكة وجدة إلى العاصمة الرياض، ولم يكُن هذا الانتقال مجرد خطوة إدارية، بل رافقته تحديات لوجستية تمثلت في نقل موظفي الدولة إلى العاصمة الجديدة، مما أدى إلى ازدحام شديد في مساكن الرياض قبل التوسع العمراني، ونتيجة لذلك ارتفعت أسعار العقارات بصورة ملحوظة، مما استدعى ضرورة وضع حلول سكنية مبتكرة.

 

وبالفعل، أُقرّ أول مشروع سكني في البلاد واختيرت منطقة الملز التي كانت تقع خارج حدود المدينة في ذلك الحين. ولذلك أطلق عليها "مدينة الموظفين" أو "الرياض الجديدة".

ما يميز الملز؟

تميز حي الملز حينها بتنوع خدماته وبنيته التحتية المتطورة، فتتوافر فيه المستشفيات والمرافق التعليمية المتعددة، مما جعله وجهة مفضلة للعائلات، وكذلك كان يضم عدداً من المعالم الشهيرة، مثل حديقة الحيوانات التي تُعدّ ملاذاً للعائلات والأطفال وملعب الملز الشهير.

 

تجمع شوارع الملز بين العمارة الحديثة والتاريخية، بحيث تجد المنازل الفاخرة إلى جانب الأسواق الشعبية التي تضج بالحياة، ويتميز الحي أيضاً بموقعه المركزي في الرياض الآن، مما يسهل الوصول إلى كثير من مناطق المدينة الرئيسة.

ولا يزال يعدّ تراث حي الملز نافذة على العصر الذهبي للرياض عندما كانت تتشكل كعاصمة حديثة، محتفظاً بتفاصيل إرثه التاريخي الغني.

حكايات شوارع الملز 

يعدّ شارع الـ60 من أشهر شوارع الملز، ووصفه الباحث والمؤرخ منصور العساف بأنه "أيقونة العز"، ويعرف شارع الفرزدق باسم "شارع الإذاعة" لأنه كان يحتضن أول مقر للإذاعة الحكومية، ومنه انطلقت أول عبارة إذاعية حكومية "هنا الرياض" التي ألقاها المذيع الراحل محمد الشعلان. 

ويضيف العساف أن شارع جرير يتميز بأنه شارع تجاري افتتحت فيه أسماء تجارية بارزة مثل حلويات جرير ومكتبة جرير. أما شارع الـ40، فاشتهر بمطاعمه ومحاله التجارية وشركات السياحة

 

ووصف العساف شارع المتنبي بـ"الشارع الباريسي"، إذ كان الشارع الوحيد الذي كثرت فيه خلال فترة الثمانينيات المحال التجارية النسائية التي تخصصت في فساتين الأفراح والأقمشة والأكسسوارات، ودائماً ما يعجّ بالمتسوقات، خصوصاً خلال فترة "الطفرة" والرخاء المادي بعد ارتفاع أسعار النفط لأمهات ذلك الزمان. 

ويكشف العساف عن أن أمسيات شارع المتنبي كانت لا تنسى، فكان يُعدّ وجهة رئيسة للتسوق والترفيه، مشيراً إلى أنه من الملاحظ أن عدداً من شوارع الملز ارتبطت بأسماء الشعراء الكبار مثل المتنبي وجرير والفرزدق وأبو العلاء المعري.

سهرات تحت أضواء الملعب

يروي المؤرخ أن حي الملز تميز بـ"ملعب الملز" الذي سمي لاحقاً استاد الأمير فيصل بن فهد عام 1998 تقريباً، ويلفت إلى أنه أحدث نقلة كبيرة في الحياة الاجتماعية والمدنية بالعاصمة الرياض وبالحي من بينها تحديداً، وبعد تركيب الإضاءات الكاشفة في الملعب أصبح السهر سمة مميزة للحي.

وبسبب وجود المطاعم الشهيرة في شارع الـ60 بالملز، أصبح الحي وجهة مفضلة للشباب بعد حضور المباريات في ملعب الملز، ومن بين هذه المطاعم كان مطعم مقصود والعجمي والكوخ والدفواء والرابية التي أضفت جواً من الحيوية والحركة على الحي، مما جعله مقصداً مفضلاً للسهر والتجمعات الاجتماعية.

الملز النابض

لم يكتفِ حي الملز بوجود الملعب الرياضي والإذاعة الحكومية ومعهد الإدارة العامة، بل شهد بدايات أخرى مهمة، أبرزها تأسيس جامعة الملك سعود عام 1957 بأمر من الملك سعود وكان مقرها في الحي، ومثّل هذا الحدث نقطة تحول كبيرة للتعليم في السعودية، مما أضاف إلى الحي قيمة تعليمية بارزة.

ومن الحي نفسه، بدأت خدمة طلب وتوصيل الطعام إلى المنازل عبر الهاتف مع دخول شهر رمضان عام 1964، فافتتحت حينها أسواق مركزية عدة تابعة لجمعية التموين المنزلي لموظفي الدولة في حي الملز "الرياض الجديدة".

ولأن حي الملز آنذاك كان زهرة الرياض وربيع شبابها الفاتن، حرصت المطاعم الشهيرة على الحضور في هذا الحي المأنوس.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً للعساف، ظهرت وجبات الشاورما في الرياض خلال الستينيات الميلادية، فكان مطعم "أبو نواس" الذي أغلق قبل ثلاثة أعوام، أحد أشهر المطاعم التي قدمت الشاورما. وبدأ هذا المطعم في شارع الوزير ثم انتقل لاحقاً إلى شارع الخزان وكان يكتظ بالطلاب من المعاهد العلمية والجامعات القريبة.

كذلك، ذكر العساف أن سكان الرياض تعرفوا إلى وجبات "البروستد" من خلال شركة المطاعم الأهلية بواسطة مطاعم "ومبي" أو "كنتاكي" في شارع الوزير. 

وكان "كنتاكي" أول من جلب وجبة "البروستد" إلى العاصمة، في حين قدمت "ومبي" وجبات الهمبرغر، ومن خلال هذه المطاعم تعرف الناس إلى أعواد البطاطا المقلية والتتبيلات الخاصة بأنواع الصلصات.

باكورة مشاريع الإسكان 

تم بناء حي الملز كسكن لموظفي الدولة بعد نقل الوزارات من مكة وجدة إلى الرياض وارتفاع أسعار الإيجارات والعقار، باقتراح من أمين مدينة الرياض الأمير فهد الفرحان، وسمّي الحي "مدينة الموظفين" أو "الرياض الجديدة".

 

 

واعتبر المشروع باكورة مشاريع الإسكان في الرياض بشوارع واسعة بعرض 60 و40 و30 متراً، ونُفّذ بواسطة أربع شركات البحر الأحمر وعرين والزهراء والسعودية بكلفة 17 مليون دولار أميركي آنذاك، وبدأ المشروع عام 1954 وانتهى في 1961، وتضمن فيلات بثلاثة نماذج موزعة بحسب المراتب الوظيفية.

ويضيف المؤرخ السعودي أن أمانة منطقة الرياض لم تغفل الطلبة والموظفين غير المتزوجين المنتقلين إليها، فتم تشييد مبانٍ عدة لهم، من أشهرها ثلاثة شمال شارع الـ60.

الطراز المعماري وفلل الملز

يتميز الطراز المعماري في حي الملز بطابع مختلف وفخم بحيث يستخدم الجملون "القرميد" والرخام والألمنيوم للنوافذ والأبواب والشرفات "البالكونات" التي ما زالت تعتبر معلم فلل حي الملز إلى يومنا هذا.

 ويذكر المتخصص في الهندسة المدنية والتخطيط الاستراتيجي والتنمية العمرانية المهندس عبدالعزيز السحيباني أن البناء لم يتغير فالذي تغير هو كود البناء، وهو على سبيل المثال ارتفاع الأبواب وسماكات الخرسانة والعزل، وليست له علاقة بشكل المبنى المعماري، وكان سابقاً يعدّ من مكاتب هندسية ويعتمد من البلدية وهو صحيح إنشائياً بحسب الكود الأميركي والكود السعودي، أضاف ما يناسب البيئة كالعزل ونوع المواد.

أما بالنسبة إلى الطراز المعماري بحسب السحيباني فهو نمط بناء فقط وشكل للواجهات وغيرها كان شائعاً سابقاً "موضة" ويوجد في معظم مدن السعودية.

ومن ناحية الحفاظ على هذا الإرث يقول إن هناك جهوداً للحفاظ على المباني التراثية حيث توجد لجنة مشكلة من جهات عدة لكل مدينة، ولا يتم هدم أي مبنى قديم إلا بموافقة من هيئة التراث للحفاظ عليها إذا كانت صالحة للحفاظ عليها كمبانٍ تراثية.

ويرى أنه من الأفضل إزالة المباني القديمة في حي الملز وتحويله إلى حي مؤنسن بشوارع وحدائق وأبراج سكنية تستوعب أعداداً كبيرة من السكان، من خلال تأسيس شركة مساهمة تكون الأولوية فيها لملاك المباني وتتولى شراء المباني وبناء أبراج سكنية متعددة وإعادة أنسنة الحي وربطه بشبكة النقل العام.

ومن طرائف العقار بالملز، حين وزعت أراضي الملز أو منحت الفلل فيه خلال عهد الملك سعود، يقول العساف إن الناس كانوا يتحاشون السكن في الشوارع الرئيسة الواسعة مخافة على أبنائهم من السيارات، لكن بعد "الطفرة" في عهد الملك خالد أصبح سعر المتر العقاري في الشوارع الرئيسة عالياً جداً وندم الذين باعوا أراضيهم نظراً إلى تكبدهم خسارات، وعلى رغم أن جميع الأراضي ارتفعت أسعارها، إلا أن الأراضي التي كانت على شوارع حي الملز قفزت حتى 10 أضعاف.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير