Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف تحافظ مصر على أمنها المائي بعد تصديق جوبا على "عنتيبي"؟

انضمام جنوب السودان إلى الاتفاقية بمثابة انتهاء لواقع الحصص التاريخية لمصر ما ينذر بصدام حقيقي

حصة مصر المائية من نهر النيل باتت مهددة بعد تصديق جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي (أ ف ب)

ملخص

اللافت أن جنوب السودان، التي لم تكن قد أنشئت بعد خلال مفاوضات 2010، تتلقى مساعدات كبيرة من مصر بخاصة في مجال الري، آخرها افتتاح وزير الري المصري هاني سويلم مشاريع مائية في يونيو (حزيران) الماضي، ما جعل قرار جوبا مفاجئاً للأوساط المصرية.

نكأت جنوب السودان جرحاً قديماً لدى مصر بإعلانها التصديق على الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل المعروفة باسم "عنتيبي"، التي تفتح الباب أمام دعوات إعادة توزيع الحصص المائية للدول المطلة على أطول أنهار العالم، وتثير قلقاً في القاهرة بشأن المصدر شبه الوحيد للحاجات المائية لأكثر من 106 ملايين مصري، بخاصة أن الخطوة الجنوب سودانية تزامنت مع الإعلان عن بدء الملء الخامس لخزان سد النهضة الإثيوبي، الذي تعتبره القاهرة خطراً على مواردها من مياه النيل.

قرار جوبا جاء مفاجئاً بخاصة أن ملف اتفاقية عنتيبي شبه معلق منذ توقيعها من جانب خمس دول في عام 2010 خلال اجتماع عقد في مدينة عنتيبي الأوغندية، فيما لم يصدر عن القاهرة أي رد فعل رسمي لكن وسائل إعلام نقلت عن مسؤولين مصريين لم تسمهم القول إن القاهرة تدرس الموقف لاتخاذ ما تراه مناسباً من إجراءات.

وتستهدف الاتفاقية الإطارية لدول حوض النيل تنظيم التعاون بين الدول الـ11 المطلة على نهر النيل، وهي مصر والسودان وجنوب السودان وإثيوبيا والكونغو الديمقراطية ورواندا وبوروندي وتنزانيا وكينيا وأوغندا وإريتريا، لكن الاتفاق لا يعترف بالحصص المائية لدولتي المصب مصر والسودان المترتبة عن اتفاقيات سابقة وقعت أعوام 1902 و1929 و1959، التي تنص على حصول مصر على 55.5 مليار متر مكعب سنوياً من مياه النيل، و18.5 مليار متر مكعب سنوياً للسودان، ما دفع البلدين لرفض التوقيع على اتفاقية عنتيبي.

أول الموقعين على الاتفاقية في عام 2010 كانت إثيوبيا بجانب أوغندا وتنزانيا ورواندا وكينيا وانضمت لاحقاً بوروندي، وبعد ذلك بثلاث سنوات صادقت حكومتا إثيوبيا ورواندا على الاتفاقية، ثم تنزانيا في 2015، وتبعتها أوغندا في 2019 وبوروندي في 2023، وأصبحت جنوب السودان آخر الدول التي صادقت حكومتها، فيما لم تصادق حكومة كينيا حتى الآن.

لحظة تاريخية لإثيوبيا

اللافت أن جنوب السودان، التي لم تكن قد أنشئت بعد خلال مفاوضات 2010، تتلقى مساعدات كبيرة من مصر بخاصة في مجال الري، آخرها افتتاح وزير الري المصري هاني سويلم مشاريع مائية في يونيو (حزيران) الماضي، ما جعل قرار جوبا مفاجئاً للأوساط المصرية.

لكن الباحث في الشأن الأفريقي محمد عبدالكريم يعتبر أن مصالح جنوب السودان مع إثيوبيا باستثمارات تبلغ مليارات الدولارات ودفعتها إلى اتخاذ موقف لا يراعي المصالح المصرية، مشيراً إلى أن تلك الدولة تمارس "دبلوماسية عدائية" تجاه مصر في القارة الأفريقية بخاصة في الملف السوداني. وقال لـ"اندبندنت عربية" إن عدم صدور رد فعل مصري رسمي تجاه تصديق جنوب السودان ربما يعبر عن خيبة الأمل الشديدة لدى القاهرة في ظل العلاقات الطيبة مع جوبا.

كان رئيس الوزراء الإثيوبي، آبي أحمد، قد اعتبر أن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي، "لحظة تاريخية لبلاده". وقال عبر حسابه في منصة "إكس" إن خطوة جوبا "إنجاز دبلوماسي" يمثل خطوة مهمة في التعاون الإقليمي في حوض النيل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

واعتبر عبدالكريم أن انضمام دولة جنوب السودان إلى اتفاقية عنتيبي بمثابة انتهاء لواقع الحصص المائية التاريخية لمصر والسودان، ما ينذر بصدام حقيقي. وقال إن الخطوة المقبلة لمصر هي دفاع الدبلوماسية عن مصالحها بعد فترة خمول بحسب تعبيره، وإنهاء الثقة المفرطة في الشركاء الإقليميين لتعارض المصالح معهم.

وشدد على أن المرحلة المقبلة تتطلب انتهاج مصر سياسة خارجية واضحة تحافظ على مصالحها في القارة السمراء، لافتاً إلى أن إقرار اتفاقية دفاع مشترك مع الصومال قد يعد مؤشراً على ضبط علاقات مصر مع أفريقيا بما يحفظ حقوقها التاريخية في ملف مياه النيل.

"بلا قيمة"

في المقابل، يرى وزير الري المصري السابق محمد نصر الدين علام، أن توقيع دولة جنوب السودان على اتفاقية عنتيبي الإطارية لدول حوض النيل "بلا قيمة".

شغل علام حقيبة الري عام 2009 وكان حاضراً في مفاوضات عنتيبي التي رفضتها مصر في العام التالي. وقال لـ"اندبندنت عربية" إن الاتفاقية التي تتمحور بنودها حول إعادة النظر في شأن الحصص المائية لدول حوض النيل مجمدة منذ عام 2010، وإن تصديق "جنوب السودان" لن يفيد الدول الخمسة الموقعة، إذ يحتاج التفعيل إلى دولة سابعة لتخطي عتبة ثلثي الدول النيلية.

وعن خطورة الاتفاقية التي ترفضها مصر والسودان وتأثيرها على الحصص المائية لدول المصب، أوضح أن دول المنبع ليست لديهم قدرة على الضغط على دولتي المصب. واعتبر أن توقيع جنوب السودان بإيعاز غربي من أميركا وإسرائيل للتأثير على القاهرة التي تؤكد التمسك بحقوقها المائية.

ويعتبر نصر الدين أن دول المنبع مثل إثيوبيا والكونغو مشكلتها الأساسية هي كيفية التخلص من المياه وليس المطالبة بتقليل حصص دولتي المصب، مضيفاً أن من مصلحتهم "الحصول على ثمن الحصص المائية".

الحصص المائية

ولفت إلى أن نسبة المياه التي تصل مصر من الهضبة الاستوائية قليلة بينما النسبة الأكبر من منابع النيل في إثيوبيا، بالتالي اتفاقية عنتيبي لن تؤثر، وكل ما يهم إثيوبيا هو "تسليع المياه"، ما يعني بيع المياه مقابل المال، ولذلك تثير ملف الحصص المائية من حين إلى آخر.

وظل ملف الحصص المائية محل خلاف بين مصر وإثيوبيا طوال نحو عقد من المفاوضات في شأن سد النهضة، وكانت من عوامل فشل الجولة الأخيرة العام الماضي، حيث استنكرت أديس أبابا ما وصفته بمطالبة مصر بحصة "استعمارية" من المياه، وتمسكها بـ"معاهدة إقصائية تعود للحقبة الاستعمارية"، وفق بيان لوزارة الخارجية الإثيوبية في إشارة إلى اتفاقيتي 1902 و1929، فيما حملت مصر إثيوبيا مسؤولية انتهاء المسار التفاوضي في شأن السد الإثيوبي، بسبب "استمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر الأعوام الماضية للأخذ بأي من الحلول الفنية والقانونية التي من شأنها تأمين مصالح الدول الثلاث"، وفق بيان لوزارة الري المصرية.

وبحسب صور أقمار اصطناعية، بدأت إثيوبيا عملية الملء الخامس لخزان سد النهضة، التي تستمر حتى نهاية موسم الفيضان في مطلع سبتمبر (أيلول) المقبل، وتوقع أستاذ الموارد المائية عباس شراقي تخزين 23 مليار متر مكعب في هذه المرحلة لتضاف إلى 41 ملياراً تم تخزينها في المراحل الأربعة الماضية.

وتعهدت الحكومة المصرية الجديدة بعدم التفريط في حصة مصر من مياه النيل. وقال رئيس الوزراء مصطفى مدبولي في بيان الحكومة الجديدة أمام البرلمان في وقت سابق من الشهر الجاري، إن الحكومة ستعمل على حماية أمن مصر المائي، من خلال تعزيز التعاون مع دول حوض النيل والقرن الأفريقي.

التحرك القانوني

أمام التعارض القانوني بين اتفاقيات سابقة تقر حصصاً مائية لمصر والسودان واتفاقية عنتيبي التي لا تقر تلك الحصص، تبدو القاهرة بصدد مواجهة قانونية مع دول حوض النيل. وأكد الأمين العام للجنة الدولية للدفاع عن الموارد المائية وأستاذ القانون الدولي محمد محمود مهران، أن مصادقة جنوب السودان على اتفاقية الإطار التعاوني لحوض النيل تمثل منعطفاً خطيراً في الصراع على مياه النيل، لكنها لا تغير جوهرياً من الوضع القانوني للاتفاقية.

وقال مهران لـ"اندبندنت عربية" إن اتفاقية عنتيبي تتجاهل الحقوق التاريخية لمصر والسودان المضمونة باتفاقيات سابقة، سواء الحصص المائية أو إضعاف مبدأ الإخطار المسبق لدول المصب عند إقامة مشروعات على النهر، إضافة إلى فتح الباب لإعادة توزيع الحصص المائية بين دول الحوض، وتأسيس مفوضية لحوض النيل قد تتخذ قرارات تضر بمصالح دول المصب.

وأوضح أن الاتفاقية تتعارض مع عدة مبادئ أساسية في القانون الدولي للمياه منها مبدأ الاستخدام المنصف والمعقول للموارد المائية المشتركة، ومبدأ عدم إلحاق الضرر الجسيم بالدول الأخرى، ومبدأ التعاون والتشاور المسبق بين الدول المتشاطئة، فضلاً عن عدم احترامها للحقوق المكتسبة والاتفاقيات التاريخية.

كما أشار الخبير في نزاعات الأنهار الدولية إلى أن الاتفاقية تدخل حيز التنفيذ بعد 60 يوماً من مصادقة ست دول عليها، وهو ما سيتحقق بانضمام جنوب السودان، لكنه شدد على أن هذا الإجراء الشكلي لا يمنحها الشرعية القانونية الكاملة، مؤكداً أن القانون الدولي للمياه يتطلب توافق جميع الدول المتشاطئة وليس فقط الغالبية.

وبحسب أستاذ القانون الدولي فإن مصر لديها أدوات قانونية وسياسية يمكنها استخدامها للدفاع عن حقوقها المائية، بداية من آليات تسوية النزاعات السلمية المنصوص عليها في القانون الدولي كالتفاوض أو الوساطة للتوصل إلى حل توافقي، كما يمكن لمصر الضغط على الجمعية العامة للأمم المتحدة لتقدم طلباً إلى محكمة العدل الدولية لطلب رأي استشاري حول مدى قانونية اتفاقية عنتيبي وتأثيرها في الحقوق التاريخية المكتسبة، مشدداً على أهمية تكثيف مصر جهودها الدبلوماسية لكسب التأييد الدولي لموقفها، وذلك من خلال إبراز الآثار السلبية المحتملة لتقليص حصتها المائية على الأمن الغذائي والاستقرار في المنطقة ككل.

وأضاف أنه يمكن تفعيل آليات التحكيم الدولي المنصوص عليها في الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، مثل اتفاقية الأمم المتحدة لقانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية لعام 1997، بعد موافقة الأطراف المعنية للوصول إلى حل يحافظ على حقوق الجميع بأقل الأضرار.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير