Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يشكل "اتفاق عنتيبي" بداية حل لقضية سد النهضة؟

أجازت دولة جنوب السودان الاتفاق الذي ينص على إعادة توزيع مياه نهر النيل بشكل عادل ومنصف لكل أعضاء دول الحوض الـ 11

يعتبر بعضهم أن "الاتفاق الإطاري" حتى بعد إقراره بالغالبية ليس له شرعية نافذة في اتخاذ قرارات منفردة (أ ف ب)

ملخص

تؤكد دول المنبع أهمية إعادة النظر في الحصص كضرورة مع الزيادة المطردة في السكان، بينما تستند مصر إلى سابقة قانونية لمحكمة العدل الدولية في الحكم الذي صدر عنها عام 1989 وأقرت فيه أن اتفاقيات المياه شأنها شأن اتفاقيات الحدود لا يجوز تعديلها

بعد مصادقة دولة جنوب السودان على الاتفاق الإطاري لمياه النيل (عنتيبي)، واكتمال النصاب القانوني بستة أعضاء لسريانه، بحسب ما ورد في نص الاتفاق التي وضعته بعض دول حوض النيل ورفضته مصر والسودان، يأتي التساؤل إلى أين يقود الاتفاق الجديد؟ وأي واقع سيفرضه على سد النهضة ومصير المفاوضات المجمدة؟ وهل يكون "اتفاق عنتيبي" عنصر أزمة وتعقيد أم حلاً لمجمل قضية مياه النيل؟

عندما عزمت إثيوبيا بناء سد الألفية، النهضة لاحقاً، تمثلت العقبات في إطاري الموازنة والمشروعية، وقد بدأ المشروع بإمكانات ذاتية اعتمدت فيه إثيوبيا على سندات باعتها لمواطنيها في الداخل وعبر منصات رسمية في الخارج، وحققت من خلالها مكسباً مالياً.

لكن على رغم تأكيد التغطية الذاتية للموازنة لا تزال قضية تمويل المشروع ضمن أضابير الأسرار في كلفته العالية البالغة 4.9 مليار دولار.

المشروعية

أما في ما يخص المشروعية فقد بدأ التفاوض حول قضية مياه النيل كمسار قادته إثيوبيا بشعار التعاون بين دول حوض النيل، وذلك قبل الشروع في بناء سد النهضة، ففي نهاية عقد التسعينيات بدأ نشاط كبير لدول الحوض بدوافع "الحقوق المائية" تحت غطاء التنظيم والتعاون، في ظل ما تراه بعض دول المنبع من "احتكارية دولتي المصب للحصص المائية"، وحاجتها هي الأخرى الملحة إلى المياه، وعقدت الاجتماعات في بدايتها لأجل وضع آلية مشتركة للتعاون.

وبعد مشاورات دول الحوض جرى في فبراير (شباط) 1999 التوقيع على اتفاق عرف بـ "مبادرة حوض النيل" في تنزانيا من قبل كل دول الحوض الـ 11، بما في ذلك مصر والسودان باستثناء إريتريا، والذي يعتبر أن "مبادرة حوض النيل" فرضت واقعاً جديداً.

ومثلت الاجتماعات المتعاقبة بعد ذلك عزيمة حقيقية لدول المنبع، وفرضت المبادرة مبادئ عامة كحق الانتفاع المناسب من المياه لجميع الدول، والتزام كل دولة بعدم التسبب في ضرر جسيم لغيرها من دول الحوض، إلا أنها لم تتطرق لأي من الاتفاقات السابقة المتعلقة بالنيل والحصص المائية المعروفة.

وحققت المبادرة نجاح الأطراف في إنشاء أمانة للنيل مقرها عنتيبي، إضافة إلى عدد من المكاتب الإقليمية في كل من أديس أبابا وكيغالي برواندا، وانبثقت عنها أنشطة تمويلية لبعض المشاريع من صندوق المانحين الذي تم تأسيسه.

كسر الحاجز

وعلى رغم أن الاتفاق في بداية مساره لم يحقق طموح دول المنبع حول إعادة النظر في شأن الحصص المائية التي تستحوذ فيها مصر على 55.5 مليار متر مكعب إلى جانب حصة السودان المقدرة بـ 18.5 مليار متر مكعب، فيما يعرف بـ "الاتفاقات التاريخية"، ألا أنها وبحسب مراقبين أحدثت تبدلاً في الموقف المصري حول مناقشة الحقوق والحصص المكتسبة منذ عهد الاستعمار، وهو ما ظلت مصر ترفض مناقشته.

ففي حين ترى دول المنبع ضرورة إعادة النظر في تلك الحصص مع الارتفاع المطرد في أعداد السكان والحاجة إلى التوسع في النشاط الزراعي بزيادة رقعة الأراضي الزراعية لتلبية حاجات المجتمعات المتنامية من غذاء، وكون النيل هو المورد المتاح للزراعة وتوليد الكهرباء، تتمسك كل من مصر والسودان بحقوقهما المكتسبة ضمن اتفاقات عام 1902 و1929 و1959 والتي بموجبها حصلتا على نسبهما المائية، وتستندان في تمسكهما بنصيبهما، ولا سيما مصر، إلى سابقة قانونية لمحكمة العدل الدولية في الحكم الذي صدر عنها عام 1989، وفيه أقرت أن اتفاقات المياه شأنها شأن اتفاقات الحدود ولا يجوز تعديلها.

وتسنى لدول المنبع بعد النجاح في إنشاء مبادرة "حوض النيل" وكسر الحواجز التاريخية والانتقال إلى مناقشة ما اصطلح عليه بالحصص التاريخية في قسمة المياه، العبور إلى مرحلة الاجتماعات المتتالية والناشطة بعد خلافات نتيجة تمسك دولتي المصب بعدم مناقشة موضوع الحصص، باعتبارها مكتسبات تاريخية، وعدم المساس بحق مصر والرجوع لها في أي مشاريع تقام على مجرى النيل.

اجتماعات المفوضية

في يوليو (تموز) 2009 اجتمع المجلس الوزاري الـ 17 لحوض النيل في الإسكندرية، وسعت فيه دول المنبع إلى إقامة "مفوضية لحوض النيل" بدلاً من الاتفاقات التاريخية لتوزيع المياه، وفي الاجتماع اشتدت الخلافات مما استدعى إعطاء فرصة للتشاور ستة أشهر أخرى لحسم الخلافات.

وفي أبريل (نيسان) 2010 أعلنت دول المنبع عقب اجتماع عقد في شرم الشيخ أنها ستبدأ محادثات منفصلة حول مقترح المفوضية، على رغم رفض كل من مصر والسودان تبديل الاتفاقات التاريخية للمياه.

أما في مايو (أيار) 2010 وخلال اجتماع عقد في عنتيبي بأوغندا، فقد قررت خمس دول ضمن مبادرة حوض النيل، وهي كل من إثيوبيا وكينيا وأوغندا وتنزانيا وروندا، التوقيع على اتفاق الإطار القانوني لحوض النيل "اتفاق عنتيبي"، ومما جاء فيها:

أولاً: إلغاء الحصص التاريخية لمصر والسودان (55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان) والتي نالتها كل من مصر والسودان وفقاً لاتفاقات 1902 و1929 و1959.

ثانياً: تأسيس مفوضية لحوض النيل مقرها عنتيبي في أوغندا لتكون الجهة المسؤولة قانونياً عن جميع الحقوق والالتزامات الخاصة بمبادرة حوض النيل.

ثالثاً: دعا "اتفاق عنتيبي الإطاري" إلى الانتفاع العادل والمنصف من مياه النيل بين دول حوضه.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وأبرزت مصادقة برلمان دولة جنوب السودان، كدولة مرجحة لـ "اتفاق عنتيبي الإطاري"، قضية الأزمة بين المنبع والمصب من جديد في ظروف تجميد مصر محادثات سد النهضة، ويرى مراقبون في نجاح دول المنبع والوصول للنصاب المنصوص عليه لسريان "اتفاق عنتيبي" فرصة لزيادة إثيوبيا ضغطها في سبيل الحصول على حصة كاملة من المياه"، وهو ما جاء في تصريحات خلال المفاوضات الأخيرة التي شهدتها كل من القاهرة وأديس أبابا، وإضافة لما أشارت إليه مصر من تعنت إثيوبي تجاه الالتزامات القانونية المطلوبة في ملء وتشغيل سد النهضة، كانا السبب في تجميد المفاوضات.

وتبعاً لهذه التطورات فقد يصبح من الضرورة بمكان أن تحقق دول النيل حلولاً شاملة لقضية مياه النيل بجوانبها كافة، سواء اجتماعية أو اقتصادية، وفي هذه الحال يمثل سد النهضة جزءاً من التحديات بعد أن كان مصب التركيز.

بين التوقيع والمصادقة

ويقول الباحث في الشؤون الاقتصادية أحمد رياض "أعتقد أن توقيع دولة جنوب السودان سيسرع تنفيذ 'اتفاق عنتيبي' وتكمن التخوفات في حال تنفيذ هذه الاتفاق الإطاري من إقامة دول المنبع مزيداً من المشاريع على طول النيل، سواء اقتصادية أو إستراتيجية، وهذه الخطوة ستتيح لدول المنبع السيطرة على مياه النيل، وبالتالي ستكون نسبة المياه المتدفقة لدول المصب أقل من الحصص الحالية أو المطلوبة".

ويضيف، "هذا التوقيع أعاد الاتفاق المثير للجدل للواجهة من جديد، ففي الـ 14 من مايو 2010 وقعت كل من إثيوبيا وتنزانيا وأوغندا ورواندا على اتفاق الإطار التعاوني لحوض النيل (عنتيبي)، ثم انضمت كينيا وبوروندي إلى الاتفاق لاحقاً، ولم يصادق على الاتفاق رسمياً إلا بعد نحو ثلاثة أعوام من التوقيع، إذ صادقت عليه إثيوبيا عبر برلمانها في يونيو (حزيران) 2013، تلتها رواندا في أغسطس (آب) من العام نفسه، وفي عام 2015 صادق برلمان تنزانيا على الاتفاق، وبعده أوغندا عام 2019، ثم بوروندي عام 2023، في حين لم تصادق عليها كينيا التي كانت جزءاً من الموقعين الأوائل".

ويتابع أنه "من الواضح أن نجاح الدول المؤيدة لـ 'عنتيبي' تنطلق بدوافع ترى أنها ظلت متعطلة لأعوام عدة، وهي ترى أن حاجتها إلى التنمية والاعتماد على ذاتها في مشاريع اقتصادية ضرورة ملحة لا تقبل المجاملات، مما دفع الدول الست إلى التوقيع والتصديق على الاتفاق كهدف يرقي بمجتمعاتها إلى واقع اقتصادي واجتماعي أفضل".

فوات الأوان

الباحث السياسي ومدير مكتب اتصال إقليم أوروميا موسى شيخو يقول إن "العلاقات المصرية - الأفريقية شهدت فترة إهمال، ويبدو أن دولتي المصب مصر والسودان لم تنتبها في البداية إلى أن فكرة دول حوض النيل تتجه نحو إلغاء ما تعتبره الدولتان حصصهما التاريخية في نهر النيل"، مضيفاً أنه "ومنذ انطلاق أول نشاط لدول حوض النيل خلال تسعينيات القرن الماضي تسلسلت الأحداث في مبادرة حوض النيل والتي تطورت إلى ولادة الاتفاق الإطاري، ليصل الأمر أخيراً إلى إجازة دولة جنوب السودان الاتفاق الذي ينص على إعادة توزيع نهر النيل بصورة عادلة ومنصفة لكل أعضاء دول الحوض الـ11".

ويقول، "على رغم أن الاتفاق لم توقع عليه إلا خمس دول فقط من أصل 11 منذ عام 2010، فقد ظلت تشكل هاجساً وتثير مخاوف دولتي المصب مصر والسودان، إلى أن انضمت جوبا لتكون سادس دولة تصادق على الاتفاق الذي بموجبه قد ينشأ ما يسمى بمفوضية حوض النيل لتعيد توزيع حصته بصورة متساوية بين الجميع".

ويوضح أنه "في الحقيقة إثيوبيا تحتفل بانتصار دبلوماسيتها وحضورها القوي على رغم التحديات الداخلية التي تمر بها، ومع ذلك ترى أديس أبابا أن مفاوضات سد النهضة في حيثيات التطورات الأخيرة ضرورة لا بد منها".

ويتابع، "إثيوبيا ومع اكتمال نصاب الاتفاق الإطاري بعد مصادقة جنوب السودان عليه وسريانه قانونياً، حريصة على وحدة دول النيل وتعاونها لتحقيق مكاسب ومصالح للأعضاء كافة، وقد صرح رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد أن الإنجاز الدبلوماسي خطوة مهمة في تطلعاتنا الجماعية للتعاون الإقليمي في حوض النيل".

ويوضح شيخو أن "أهداف إثيوبيا في كل الأحوال تتمثل في التكامل الاقتصادي والأمني والسياسي بين دول المنطقة، بما فيها مصر والسودان"، مشدداً على أهمية "عودة مصر والسودان للمفاوضات قبل انضمام جميع دول حوض النيل للاتفاق".

حاجات ضعيفة

وفي شأن تطورات قضية المياه و"اتفاق عنتيبي" يقول خبير المياه والمستشار السابق لقوانين وسياسات المياه في البنك الدولي والخبير لعدد من المنظمات الدولية والإقليمية، سلمان محمد أحمد سليمان، في تصريح أدلى به سابقاً، إن "’اتفاق عنتيبي‘ يضع مبادئ أساس حول أحقية أية دولة في الانتفاع من مياه النيل، وهي مسألة قانونية"، ويقول "لكن السؤال هل دول حوض النيل الأخرى لديها حاجات مائية تؤثر في حصة السودان ومصر من مياه النيل؟".

ويتابع، "الإجابة هي لا، لأن حاجات دول البحيرات الاستوائية، وهي كينيا وتنزانيا ويوغندا وبروندي ورواندا، للمياه ضعيفة ومحدودة جداً، إضافة إلى أن هذه الدول تتميز بطقس ماطر كما أن أراضيها الزراعية صغيرة".

ويكمل أن هناك كمية من المياه تتبخر وتقدر بـ 30 مليار متر مكعب كل عام، لذلك فالمسألة في النهاية تعود للتعاون لأن الغبن يولد الغبن، كما أنه على الصعيد الإنساني من حق هذه الدول الحصول على مياه لشربها، لكن بالنسبة إلى إثيوبيا يجب على السودان ومصر مواصلة الحوار والتفاوض والتعاون معها لحل أي مشكلات".

وفي ما يتعلق بشرعية المفوضية الجديدة ومستقبلها يعتقد سلمان عبر طرح له على مواقع التواصل الاجتماعي أن "المفوضية الجديدة ربما تنال التأييد الدولي والإقليمي وستصبح المتحدث الرسمي والممثل القانوني لحوض النيل ودوله"، مشيراً إلى أن "بنود الاتفاق ستدخل حيز التنفيذ بعد 60 يوماً من مصادقة ست دول أعضاء عليها، مما يعني أن الاتفاق أصبح واقعاً عملياً بعد مصادقة دولة جنوب السودان عليه".

من جهته يرى الخبير في القضايا الأفريقية والمدير السابق لجامعة أفريقيا حسن مكي أن القضايا الشائكة كقضية المياه لا تحقق مردوداً إلا عبر توافقات بين الأطراف كافة"، مضيفاً أن "مسألة الغالبية قد تصبح مثار أخذ ورد وبخاصة في قضية المياه، واعتماد الملايين عليها".

ويلفت إلى أنه "في هذه الحال فمن المستحيل تغيير حياة راسخة بجدلية قانون إذا لم يكن هناك في الأساس توافق وتعاون بين الأطراف كافة".

ويوضح مكي أنه "إذا اعتمدنا القانون كحل مطلق فموضوع مياه النيل والحصص التي تتمسك بها دولتا المصب منذ عقود طويلة هي الأخرى تسندها حجج قانونية تقابل حجج الاتفاق الإطاري والمفوضية الجديدة"، ويمضي في القول إنه "في هذه الحال ينبغي على الأطراف تجنب النزاع في ظروف إقليمية تتطلب التعاون والتوافق في سبيل المصالح".

ويختم مكي، "من المهم أن نعرف أن الاتفاق الإطاري حتى بعد إقراره بالغالبية لا يتمتع بشرعية اتخاذ قرارات منفردة، كما أنه ينتظر الاعتماد والمصادقة من المنظمات الإقليمية والدولية ومؤسسات البنك الدولي المعنية بقوانين المياه، وفقاً للقوانين الدولية الخاصة بالمجاري المائية الدولية، وهي قضية متداخلة ومعقدة، وفي كل الأحوال يصبح التعاون بين دول الحوض الطريق الأمثل في سبيل تحقيق التنمية والاستقرار".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير