Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

السوري براء قاطرجي... تاريخ حافل بـ"الكسب غير المشروع"

فقد حياته خلال غارة إسرائيلية في منطقة الصبورة القريبة من الحدود مع لبنان

براء قاطرجي مع رئيس النظام السوري بشار الأسد  (اندبندنت تركية)

ملخص

أسس القاطرجي ما هو أشبه بـ"مدينة خاصة" تضم نحو 3 آلاف منزل في حي الحمدانية بمحافظة حلب، اتخذوا من هذه المنطقة مقراً أساساً لهم

خلال الخامس عشر من يوليو (تموز) الجاري تداولت وسائل الإعلام العربية والعالمية خبر مقتل واحد من أشهر رجال الأعمال السوريين، والمقربين من الحكومة السورية محمد براء قاطرجي أحد ثلاثة إخوة من عائلة قاطرجي الشهيرة، فقد حياته بغارة إسرائيلية في منطقة الصبورة القريبة من الحدود اللبنانية السورية.

لم يمر إلا وقت قصير جداً على الحادثة حتى بدأت أوساط المعارضة السورية وخصوصاً الموجودة في تركيا بتداول الخبر على طريقة "البشرى السارة"، وشنت أيضاً حملة تشهير ضد شخصيات من عائلة قاطرجي المعروفة بقربها من حكومة دمشق.

على سبيل المثال عنونت إحدى الصحف التابعة للمعارضة السورية الخبر بـ"مقتل براء قاطرجي أحد حيتان الحرب في سوريا"، وأطلقت الصحيفة وصف حوت على قاطرجي في إشارة إلى أنه "أمير حرب جشع منتفع لص.. إلخ".

ولم يكن موضوع الهجوم على قاطرجي بدأ بعد مقتل براء بل سبق ذلك تقارير عدة من المعارضة السورية تشهر بعائلة قاطرجي. وقبل أعوام نشرت صحيفة "الأجندة السورية" تحقيقاً صحافياً حمل عنوان "حسام قاطرجي.. الممول المظلم لنظام الأسد"، ما أريد الإشارة إليه هنا هو أن نقل خبر كهذا من وسائل إعلام المعارضة السورية قد يكون فيه شيء من التضليل، والعكس أيضاً صحيح.

 ونقل خبر كهذا من وسائل إعلام الحكومة السورية أيضاً سيكون فيه تضليل لذلك لا بد من التقصي والحيادية، وهنا أريد الاستطراد قليلاً حول أمراء وتجار الحروب، ويجب أيضاً تأكيد أن سوريا التي تشتعل فيها حرب أهلية منذ أكثر من عقد ليس فقط رجال الأعمال المقربون من النظام المستفيدين، أيضاً هناك أمراء حرب في المعارضة السورية ومنهم مقربون من تركيا، بمعنى أن لصوص الحرب ليسوا فقط أولئك القريبين من الأسد.

جوهر الأمر هو أنه في البلدان التي تحدث فيها حروب وصراعات وأزمات لا يقتصر كسب المال عبر وسائل قانونية أو غير قانونية على الشركات أو عدد قليل من العائلات أو المجموعات الرسمية أو غير الرسمية، على العكس من ذلك تستفيد مجموعات مختلفة وعصابات وشركات وبيروقراطيون سياسيون وعسكريون وحتى شبكات دولية من هذه البيئة الفوضوية، مستغلة البيئة التي تهيمن عليها الأزمات الاقتصادية والسياسية وهذا الأمر لا ينطبق فقط على ما جرى في سوريا، على سبيل المثال كان الجنود والمسؤولون ووحدات الاستخبارات الأميركية الذين شاركوا في حرب فيتنام خلال الستينيات متورطين في تجارة المخدرات، وخلال الحرب الإيرانية - العراقية التي استمرت ثمانية أعوام انكشفت فضيحة إيران غيت خلال نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1986، التي شارك فيها مسؤولون وأفراد من وكالة الاستخبارات المركزية وكانت اللعبة المشينة المعروفة بفضيحة إيران كونترا أو إيران غيت عبارة عن صفقة سرية، عندما باعت إدارة الرئيس الأميركي رونالد ريغان خلال فترة ولايته الثانية إيران أسلحة بوساطة إسرائيلية، على رغم قرار حظر بيع الأسلحة إلى إيران وتصنيف الإدارة الأميركية لطهران بأنها راعية للإرهاب.

 أيضاً استخدمت الولايات المتحدة أموال الصفقة في تمويل سري لحركة معارضة معروفة باسم "الكونترا" التي كانت تحارب لإطاحة الحكومة اليسارية وحزب "ساندينيستا" الذي كان يحكم نيكاراغوا، وحظي بدعم من الاتحاد السوفياتي وكوبا حينها.

واليوم يواصل عدد من التنظيمات المنضوية تحت مظلة "الجيش الوطني السوري" الذي يتلقى دعم حكومة حزب العدالة والتنمية في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة القوات المسلحة التركية، ارتكاب جرائم ابتزاز وخطف وتهريب وغيرها وهناك عدد من التقارير التي تفيد بأن بعض المعارضين السوريين أصبحوا أمراء حرب ومستفيدين من الحرب وأغنياء في كل من تركيا وسوريا، وما أعنيه هنا ليس مهاجمة المعارضة السورية بل لتأكيد أن أمراء الحرب والمفسدين ليسوا فقط المقربين من حكومة دمشق بل ظهر كثير من أمراء الحرب في سوريا من مختلف الأطراف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالعودة إلى موضوعنا الأساس مقتل براء قاطرجي بعد تداول الخبر لدى وسائل إعلام المعارضة ذكرت الحكومة السورية "مقتل رئيس مجلس إدارة شركة القاطرجي"، علماً أنه شقيق حسام قاطرجي العضو السابق في مجلس الشعب السوري وكلاهما جنى ثروة مالية ضخمة خلال الحرب السورية.

خلال عام 2018 وضعت الولايات المتحدة الأميركية الأخوين حسام وبراء قاطرجي على قائمة العقوبات بسبب أنشطتهما التجارية والسياسية الداعمة للنظام السوري المتهم بارتكاب جرائم حرب ومجازر بحق مئات الآلاف من المدنيين السوريين، ليس فقط بسبب دعمهما حكومة دمشق بل أيضاً لعقدهما صفقات بيع نفط وحبوب لمصلحة الحكومة السورية من كل من قوات سوريا الديمقراطية وتنظيم "داعش"، الذي سيطر على مناطق شاسعة في شمال شرقي سوريا قبل أن يقضى عليه.

حسام كان الرجل الثاني في عائلة قاطرجي بعد براء وكان يعرف بأنه "عراب النفط للنظام" خصوصاً خلال عام 2015، إذ أسس محمد براء وشقيقه حسام "إمبراطورية" تجارية ضخمة بسبب قربهما من حكومة دمشق ومن بشار الأسد خصوصاً.

 وتقول بعض المصادر إن ثروة القاطرجي تجاوزت 300 مليار ليرة سورية (1 دولار يساوي نحو 14 ألف ليرة سورية)، ويعمل القاطرجي بالقطاعين العام والخاص فيما تتركز نشاطاتهما في شراء وشحن وبيع النفط، والخدمات اللوجيستية بما في ذلك توريد الأسلحة من السوق الدولية وكذلك يعملون في مجالات النقل والسفر والبناء.

 أما حسام قاطرجي (العضو السابق في مجلس الشعب السوري) فيطلق عليه الموالون للنظام في حلب اسم "أبو الفقراء"، كونه يقدم دعماً جماهيرياً خصوصاً ضمن أفراد العشيرة التي ينتمي إليها. وكان خلال شهر رمضان يقدم مساعدات لأفراد قبيلته والميليشيات التابعة لهم مع عائلاتهم، وكذلك لعائلات قادة الميليشيات التابعة لهم، وبعض الوحدات العسكرية الموالية للحكومة مثل لواء دفاع حلب ولواء الباقر وفوج القدس، وكذلك كان يقدم مساعدات توزع من خلال غرفة تجارة حلب.

وأسس القاطرجي أشبه ما يكون بـ"مدينة خاصة" تضم نحو 3 آلاف منزل في حي الحمدانية بمحافظة حلب واتخذوا من هذه المنطقة مقراً أساساً لهم، وفيه يلتقون القادة السياسيين وكبار المسؤولين في حزب البعث الحاكم وكبار الضباط في الأجهزة الأمنية السورية والجيش. وبحسب مصادر في المعارضة السورية فإن "أبناء القاطرجي كانوا حريصين على بناء شبكة علاقات واسعة مع مختلف القوى المسلحة والعشائرية المدعومة من إيران وروسيا على حد سواء، وهذه السياسة تسهل عليهم التغلغل أكثر في البنية الاقتصادية والاجتماعية، وتسهم بصورة كبيرة في توسع استثماراتهم، وتقلل من أخطار الصدام مع الجهات المتنفذة عشائرية كانت أو أمنية مسلحة".

ويذكر أنه منذ مطلع العام الحالي هاجمت خلايا تنظيم "داعش" أكثر من مرة صهاريج النفط التي تتبع قاطرجي، وخلال الـ14 من يوليو الجاري قتل وأصيب عدد من الأشخاص في هجوم استهدف قافلة صهاريج نفط في بادية حمص وسط سوريا، عندما شن مسلحون تابعون لـ"داعش" هجوماً على قافلة الصهاريج مما أدى إلى مقتل سائقين يتبعان قاطرجي وإصابة ثالث، وهذه الهجمات تكررت مرات عدة خلال الأشهر الماضية.

وهجمات خلايا "داعش" ضد قاطرجي ليست مستغربة لكن ما لا تنقله وسائل إعلام الحكومة السورية هو ما حصل في شهر يناير (كانون الثاني) الماضي، عندما اندلعت اشتباكات بين الجماعات المسلحة التابعة لقاطرجي والفرقة الرابعة التي يقودها ماهر شقيق بشار الأسد، وكان السبب هو قيام الفرقة الرابعة بمنع مرور شاحنات لقاطرجي.

 

وخلال الأعوام الماضية حجزت الحكومة السورية على أموال شخصيات مهمة جداً منها رامي مخلوف رجل الأعمال الشهير وخال بشار الأسد ومنعت حكومة دمشق رجال الأعمال العلويين من القيام بـ"أعمال خيرية"، خصوصاً آل مخلوف لأن هذه الأعمال قد تزيد من القاعدة الشعبية لعائلة مخلوف وغيرها على حساب عائلة الأسد مما يجعلهم في خط المنافسة، أما قاطرجي فهو لا يطمح لمنافسة الأسد وتنظر عائلة الأسد إلى عائلة قاطرجي على أنها "رأس المال السني الموالي لها في حلب" ولا يشكل تهديداً لها، كما أن أفراد عائلة قاطرجي يتلقون دعماً قوياً من إيران لقدرتهم على التكيف مع السياسات التي تتبعها دمشق وإيران في ظل ظروف الحرب.

محمد براء قاطرجي نشأ وترعرع في مدينة الباب بريف حلب على رغم أنه من مواليد مدينة الرقة عام 1976 أما أخوه حسام فهو من مواليد عام 1982 وثالثهما هو محمد أغا القاطرجي من مواليد عام 1991، وأول ملف فساد ظهر فيه اسم براء قاطرجي كان قيامه بتغيير أوصاف بناء أثري من طبقة واحدة وتحويله إلى بناء من خمسة طوابق في مدينة حلب، وذلك بحصوله على موافقة من مديرية الآثار والمتاحف تحمل رقم 4409 صادرة بتاريخ الثاني من مايو (أيار) 2010 مقابل دفع مبلغ 40 ألف دولار أميركي.

 وخلال صيف عام 2013 تغير مسار القاطرجي كليا عندما سيطرت قوات المعارضة السورية على صوامع الحبوب والقمح في محافظتي الرقة ودير الزور، وهنا تدخل القاطرجي لشراء القمح من فصائل المعارضة وبيعه للنظام.

وخلال عام 2015 زادت ثقة حكومة دمشق ببراء قاطرجي الذي استطاع عقد صفقات كانت صعبة للغاية وفي هذه الفترة كان "داعش" يسيطر على حقوق النفط شرقي سوريا، وهنا تدخل القاطرجي من جديد وعقد صفقات لشراء النفط من التنظيم المصنف على قائمة الإرهاب العالمية وبيعه للحكومة السورية، وكان هناك اتفاق بين الطرفين بألا يتعرض أحد للصهاريج التي تنقل النفط وكانت ترى يومياً على طول الطرق بين دير الزور وحمص ودمشق.

 واستمر عمل القاطرجي في تجارة النفط حتى بعد سقوط "داعش" فأصبح الوسيط الرسمي في هذه التجارة بين قوات سوريا الديمقراطية التي تسيطر على شمال شرقي سوريا والحكومة السورية.

وبفضل الثروة التي جمعها آل قاطرجي يقومون بدعم الحكومة السورية بالمال وبالمشاركة في المعارك التي خاضتها ضد المعارضة السورية، ولذلك فرضت عليهم الإدارة الأميركية عقوبات.

وترتبط شركات القاطرجي بعلاقة وثيقة مع "حزب الله" اللبناني وأسهم القاطرجي بتشكيل فصيل مسلح حمل اسم "المقاومة السورية لتحرير الجولان"، ويتلقى هذا الفصيل رعاية مباشرة من حزب الله.

وشارك القاطرجي أيضاً في نقل أسلحة للحرس الثوري الإيراني من العراق إلى سوريا ولبنان، وفق ما أفاد به مصدر من "المرصد السوري لحقوق الإنسان".

وبعيداً من القاطرجي وبما أن الحديث عن سوريا أريد أن أختم التقرير بتعليقي على محادثات التقارب التركي السوري الذي ظهر أخيراً.

خرج عدد من الباحثين والصحافيين يتحدث بأن أسباب التطبيع تعود إلى عاملين أساسيين الأول هو المشكلات الداخلية المتعلقة باللاجئين والتي يواجهها أردوغان، والأخير رغبة الحكومة التركية بالتعاون مع دمشق لمواجهة المنظمات الكردية، وتحدثت التقارير عن لقاءات قريبة وتطبيع شامل قد يحدث في المستقبل القريب لكن في حقيقة الأمر هذه التحليلات بعيدة نوعاً ما من الواقع.

أولاً تعمل تركيا وفق "مصالحها الخاصة" ويجب الأخذ بعين الاعتبار أن المعارضة السورية اليوم ليست نفسها المعارضة السورية القديمة التي كانت قوية، إذ أسهمت الولايات المتحدة وتركيا في إضعاف المعارضة السورية واليوم باتت هذه المعارضة ضعيفة لا تستطيع رفض أي طلب، لذلك هي ملزمة بما سيتفق عليه واجتمع المسؤولون الأتراك خلال الأسابيع الماضية مع قادة المعارضة السورية وأبلغوهم بأن تركيا تهتم بالدرجة الأولى بمصالحها الوطنية، وستنفذ أي اتفاق يبرم مع دولة أخرى.

لكن وعلى رغم كل هذا ليس من المتوقع حصول تقدم حقيقي على أرض الواقع في ملف التقارب السوري التركي، وهناك أسباب كثيرة جداً تمنع ذلك منها الفرق الشاسع بين وجهتي نظر دمشق وأنقرة وعدم قبول أي طرف منهما بتنفيذ شروط الطرف الثاني، وبعيداً من كل هذا يجب أن نتذكر أن تركيا حليف استراتيجي للولايات المتحدة وعضو مهم بحلف "الناتو"، وموقف واشنطن والحلف من الحكومة السورية هو رفض التطبيع ورفض إعادة تأهيل النظام الحاكم في سوريا.

الآراء الواردة في هذا المقال تخص الكاتب، ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة اندبندنت التركية

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير