Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجربة صحافي في العبور إلى الأراضي الروسية مع الجيش الأوكراني

مع إرساء أوكرانيا موطئ قدم في كورسك، هل يتغير مسار الحرب أخيراً؟

أعتقد أن كلما زادت الأراضي الروسية التي تسيطر عليها أوكرانيا، كان ذلك أفضل لكل مكان يريد أن يشهد نظاماً ديمقراطياً (أ ف ب/غيتي)

ملخص

يتحدث الصحافي البريطاني أسكولد كروشيلنيتسكي عن تجربته في العبور إلى الأراضي الروسية مع الجيش الأوكراني، معبراً عن فخره بتراثه الأوكراني ودعمه للقيم الديمقراطية، مشيراً إلى همجية القوات الروسية ومحاولات موسكو قمع الإعلام والمعلومات. ويؤكد دعمه لانتصار أوكرانيا، معتبراً أن كل تقدم تحققه يعزز الديمقراطية ويحد من نفوذ الأنظمة الاستبدادية مثل روسيا

في عطلة نهاية الأسبوع الماضي، عندما اصطحبني الجيش الأوكراني إلى منطقة كورسك الروسية، تذكرت كيف كنت بصفتي مراسلاً أجنبياً، أعاني كل العراقيل البيروقراطية التي واجهتني أثناء السفر من وإلى موسكو.

قبل أعوام، عندما عُينت للعمل في موسكو مراسلاً لصحيفة بريطانية في المنطقة، تعرضت للمتاعب من قبل السلطات الروسية المغرضة لعدة أشهر قبل أن أحصل على تأشيرة صحافة روسية. حتى بعد ذلك، كان لدى مسؤولي المطارات الروسية موهبة جعل الدخول إلى بلادهم أو الخروج منها أمراً محفوفاً بالصعوبات وعدم الارتياح.

وشكل الصعود على متن طائرة أجنبية مغادرة من روسيا أمراً ساراً في غالبية الأحيان، لدرجة أن طاقم الطائرة أسروا لي بأنهم يعرفون "نظرة" الارتياح على وجوه الركاب الذين يتخذون مقاعدهم وبأنهم أحياناً يقدمون فوراً للمسافرين مشروبات للاحتفال بالمغادرة حتى لو كان هؤلاء يسافرون في الدرجة السياحية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ابتسمت عندما مرت حاملة الجنود المدرعة التي كنت على متنها بسرعة عبر حطام مبنى مراقبة جوازات السفر الروسي عند الحدود مع أوكرانيا ودخلت من دون تأشيرة إلى الدولة التي أطلقت عام 2022 أوسع نزاع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.

وصفت مشاهداتي في مقالات سابقة للـ"اندبندنت" ولكنني أود هنا أن أصف بعض المشاعر التي انتابتني لدى إتمامي مهمة كانت مختلفة تماماً عن كل الرحلات التي كتبت عنها.

فأنا ولدت في لندن من أبوين مهاجرين أوكرانيين فرا من البلاد خلال الحرب العالمية الثانية ووصلا إلى بريطانيا حيث التقيا عام 1948. لم يكن في بريطانيا أي مجتمع أوكراني منظم قبل الحرب وساعد والدي في إنشاء مجموعة الشتات الصغيرة والمفعمة بالنشاط التي أسهمت في إبقاء فكرة أوكرانيا مستقلة حية بعدما حاول السوفيات –واليوم حكم اللصوصية بزعامة فلاديمير بوتين– سحقها مراراً.

كانت الأوكرانية لغتي الأم ونشأت في بيئة تعلمت فيها عن تاريخ أوكرانيا وثقافتها وعن الأقارب الذين حاربوا خلال القرن الـ20 من أجل استقلال أوكرانيا.

شعرت بالفخر بإرثي الأوكراني ولكن أيضاً بالاعتزاز ببريطانيا البلد الذي ولدت فيه. شعرت بالفخر من قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي تنادي بها والتي تتناغم مع قيم الأشخاص الذين يكافحون من أجل استقلال أوكرانيا التي شكلت مبادئها بمثابة الدليل المرشد لأولئك الذين عملوا على تحويل مستعمرة سوفياتية أسيرة في السابق إلى دولة غربية حديثة.

أنا مواطن أميركي أيضاً ولا شك أن الجنود الأوكرانيين يحاربون من أجل المبادئ المشتركة التي تتمتع بها الدولتان في وقتٍ تستمر موسكو بمحاولة محو بلادهم عن خريطة العالم.

منذ عام 2014 كنت أغطي أخبار استيلاء روسيا على الأراضي الأوكرانية بدءاً من قيام موسكو بضم شبه جزيرة القرم واحتلالها قسماً شاسعاً من شرق البلاد يُعرف بدونباس مما أدى إلى اندلاع صراع دموي دام ثمانية أعوام، ولكن على مستوى منخفض نسبياً.

في الـ24 من فبراير (شباط) 2022، عندما أطلق بوتين زعيم الكرملين عملية غزو شاملة لأوكرانيا باعتبارها جزءاً من حلمه المحموم لإعادة بناء الإمبراطورية الروسية، كنت موجوداً في شرق أوكرانيا بمدينة سيفيرودونتسك وهي واحدة من بين عدة مدن سُويت بالأرض منذ بدء النزاع وبدأت أؤرخ العدوان الروسي منذ ذلك الحين.

خلال الأشهر القليلة الماضية، قادت القوات الروسية موجات انتحارية من الهجمات البشرية بلا هوادة بدعم من وحداتٍ مسلحة ضد المواقع الأوكرانية الرئيسة في شرق أوكرانيا. يبدو أنهم لا يقيمون أي اعتبار للخسائر الفادحة التي تكبدوها -والتي تتجاوز روتينياً الألف قتيل وجريح يومياً- وهم اليوم على وشك الاستيلاء على بعض المواقع الأوكرانية الرئيسة في منطقة دونيتسك.

بعد رؤية كثير من الأراضي الأوكرانية تقع بين أيدي الروس التي شهدت على أدلة مروعة عن عدد من عمليات الإعدام والاغتصاب والتعذيب والتنكيل التي نفذتها قوات موسكو وشرطتها السرية، أشعر ببعض الارتياح الممتع بأن أرى جنوداً أوكرانيين ينتشرون على مساحة تبلغ نحو 500 ميل مربع (نحو 1300 كيلومتر مربع) من الأراضي الروسية.

في العادة، لا أقوم بنشر صور لي على فيسبوك، ولكنني وددت أن يراني أصدقائي أبتسم في وسط مدينة سودجا الروسية وخلفي تمثال مقطوع الرأس يعود إلى فلاديمير لينين الذي لا يزال يُعتبر رمزاً للقوة والإمبريالية في روسيا التي يقودها بوتين.

عملت في هذا المجال لوقتٍ طويل. ففي الثمانينيات رافقت المجاهدين الأفغان في تغطية معركتهم ضد الغزو السوفياتي وتعرضت للتشهير من قبل الصحافة السوفياتية التي اتهمتني بأنني عميل لجهاز المخابرات البريطاني "أم آي 6" MI6 ولمارغريت تاتشر ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية "سي آي أي" CIA. وفي وقت لاحق، برزت معلومات تفيد عن إرسال وحدة من الجنود السوفيات لمطاردتي ولكن معلوماتهم كانت خاطئة ولم أكن قريباً من المنطقة الأفغانية حيث كانوا يبحثون عني.

على رغم أن البربرية التي جسدتها قوات موسكو في أوكرانيا كانت صادمة، فإنها لم تكن مفاجِئة. فقد كانوا يقومون بذلك على مر تاريخهم كله.

عندما عملت وعشت في موسكو، أدركت ما يفكر فيه عدد من الروس في شأن أوكرانيا في الأوقات التي لم يعتقدوا أن هناك من يسمعهم. كانت آراؤهم مشابهة بصورة أساسية للأفكار التي عبر عنها بوتين والقائلة إن الاوكرانيين هم سلالة أقل شأناً متحدرة من الروس لذا لا يستحقون بلداً خاصاً بهم ويجب القضاء على لغتهم وثقافتهم وهويتهم.

كما وصفت في مقالي، لم يكن من المفاجئ أن يقوم المدنيون الروس -الذين تحدثت إليهم مع صحافيين آخرين - بالإشادة بالجنود الأوكرانيين لعدم إساءة معاملة أي شخص وتوفير الطعام والماء والأدوية، بيد أنهم تجنبوا في الوقت نفسه التطرق إلى رأيهم بالفظائع التي ترتكبها قوات الاحتلال الروسية في أوكرانيا.

وبطريقة غير واضحة، قال الجميع إنه ليس بوسعهم التعليق لأنهم، بسبب نقص المعلومات، لم يكونوا على علم بما كان يفعله جنودهم في أوكرانيا على مدى عامين ونصف العام.

أعرف أن بلطجية موسكو يراقبون كل ما يصرح به المدنيون الروس للصحافة الغربية وسيحاولون معاقبة كل من يحيد عن خط الكرملين. ولكنني كنت لأحترمهم أكثر لو أنهم في الأقل قالوا عبارات على غرار "أنت تعرف بأن الوضع يفرض علي عدم قول أي شيء" بدلاً من الادعاء بأنهم لم يكونوا على دراية بما يحصل.

فهذا ليس عصر ستالين إذ كان بإمكان موسكو قمع كل المعلومات الواردة من العالم الخارجي. وعلى رغم سيطرة بوتين الواضحة على وسائل الإعلام الروسية، يملك الروس القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا التي تمكنهم من العثور على معلومات بديلة مثل الإنترنت، على سبيل المثال.

أنا واثق أن عدداً منهم يؤيدون الحملات الدعائية التي يطلقها بوتين ليس لأنهم يصدقونها بل لأنها تتوافق مع أحكامهم السابقة في شأن أوكرانيا والعالم الغربي "الخبيث والغارق بالملذات".

أقول جهاراً أنني أتمنى خسارة روسيا في هذه الحرب، ليس بسبب خلفيتي الأوكرانية وحسب بل لئلا يقوم بوتين والحكام الديكتاتوريون في الصين وإيران وكوريا الشمالية وأماكن أخرى في العالم بإطلاق العنان لأنفسهم والقضاء على قيم الديمقراطية التي، على رغم شوائبها، مكرسة ومحمية من قبل بريطانيا والولايات المتحدة.

أشعر بالفخر والاعتزاز بأنني عملت صحافياً لأكثر من أربعة عقود وكتبت عما واكبته بصدق ودقة. أحاول أن أتوخى الموضوعية ولكنني لا أتزعم الحياد المطلق.

لا أعتقد أنني بحاجة إلى سرد "جانبَي القصة" عندما يكون واضحاً من هو الفريق الذي قام بغزو الآخر ومن الذي ارتكب الفظائع التي اعتقد معظمنا بأنها لن تحصل مجدداً في القرن الـ21.

فضلاً عن ذلك، يستحيل علينا "سرد جانبي القصة" عندما ترفض روسيا السماح للصحافيين أو الهيئات الدولية برؤية ما تفعله، وتقوم بسجن أو قتل الأشخاص الذين يحاولون الإبلاغ وإعلاء الصوت عما تفعله.

أعتقد أنه كلما زادت الأراضي الروسية التي تسيطر عليها أوكرانيا كان ذلك أفضل لكل مكان يريد أن ينعم بالديمقراطية.

اعذروني إن كانت كتابتي تحمل بعض الشماتة، لكنني أدعم النظام البسيط الذي تطبقه أوكرانيا لدخول روسيا من دون تأشيرة.

© The Independent

المزيد من تقارير