Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معضلة الانتخابات الأميركية: ترمب أم هاريس؟

قد يشعر كثيرون بأنه حان الوقت لأن تتولى امرأة زمام الرئاسة في البلاد

تتميز كامالا هاريس بابتسامتها وتفاؤلها وشبابها وطبيعتها الواضحة والذكية، أما دونالد ترمب فهو النقيض الصارخ لها (غيتي)

ملخص

قرار بايدن بالتنحي كان صائباً فيما رد فعل ترمب عليه يؤكد عدم نضجه وتوازنه، مما يجعل ترشيح هاريس أكثر جاذبية لأنها تمثل مستقبلاً أكثر إشراقاً لأميركا، بينما يجسد ترمب جانبها المظلم

يبدو أن وحدة الأميركيين باتت في مهب الريح. ففي "المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري" Republican National Convention (RNC)، بذل الرئيس السابق دونالد ترمب أثناء إلقاء كلمة قبوله ترشيح الحزب له لخوض الانتخابات - أو في الأقل كاتبو خطاباته - جهداً ملحوظاً لتقديم صورة عن "ترمب الجديد" New Trump الذي وعد به بعد محاولة اغتياله.

فتطرق بصورة عابرة إلى الرئيس جو بايدن في فقرة مقتضبة وصفه فيها على نحو ساخر بأنه من أسوأ الرؤساء في تاريخ الولايات المتحدة، حين قال إن "الضرر الذي ألحقه [بايدن] بهذا البلد يفوق التصور، لا بل لا يمكن تصديقه".

هذا الموقف من ترمب يشكل في الحقيقة مثالاً لما يسميها علماء النفس حال "الإسقاط" Transference [وهي مفهومٌ نفسي يقوم فيه الفرد بإسقاط مشاعره أو رغباته أو تجاربه على شخص آخر]. فترمب الذي يحمل هو، بلا جدال، لقب "أسوأ رئيس في التاريخ" (ويسعى الآن إلى الاستفادة من فرصة أخرى لتعزيز هذه السمعة وتثبيت اللقب إلى الأبد)، إنما يُسقط عيوبه الخاصة على جو بايدن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وكما هو متوقع، كان الرئيس السابق أكثر وقاحة من المعتاد في التصريح الذي ألقاه بعد إعلان بايدن قراره التنحي عن الترشح. ففي تعليق موجز وفظ وحاقد، ذكّر ترمب الناخبين الأميركيين بالسبب الذي دفعهم إلى رفضه في انتخابات عام 2020. وفيما اعتبر أن بايدن "غير لائق" للخدمة، فإن ترمب هو في الواقع الذي حرض على التمرد، ودين في محاكمة مدنية بتهمة الاعتداء الجنسي، وأصبح في نظر القضاء مجرماً مداناً.

ويصف ترمب، صاحب السلوك الطفولي وغير الناضج، بايدن بـ"جو الفاسد"، على رغم أنه هو نفسه غارق في مشكلات قانونية أمام المحاكم. ويدعي أن رئاسة جو بايدن هي نتيجة سلسلة "أكاذيب"، علماً أن ترمب بالذات هو الذي لا يستطيع أن ينطق بجملة واحدة من دون تشويه الحقيقة أو إطلاق أكاذيب.

إن الزعم السابق والمستمر من جانب دونالد ترمب الذي يروج له بسخرية، بأن انتخابات عام 2020 كانت مزورة وسُرقت منه، هو ادعاءٌ لا أساس له من الصحة كما الكثير من ادعاءاته الأخرى. وغنيٌ عن القول أيضاً إن مسألتي عبور ملايين المهاجرين الحدود إلى الولايات المتحدة، وخروج كثيرين منهم من "سجون ومؤسسات الرعاية العقلية"، هما مجرد ادعاءات لا صحة لها على الإطلاق. 

في جوهر الأمر، إن جميع الاتهامات التي يوجهها ترمب إلى بايدن، إنما تعكس الذنوب التي ارتكبها هو - وفي كثير من الأحيان بدرجة أكبر بكثير. فمنذ حادثة الرصاصة التي أصابت أذنه، واصل سلوكه المعهود الذي أضاف إليه الآن إحساساً وهمياً بالرعاية الإلهية له.

وقال ترمب في "المؤتمر الوطني للحزب ’الجمهوري‘" الأخير: "أقف أمامكم... بنعمة الله القدير". وفيما قد يكون ذلك صحيحاً، غير أنه نظراً إلى أن هذا الكلام يصدر عن ترمب المتسم بسلوك استبدادي، فإنه يحمل في طياته تلميحاً خفياً إلى ما يُعرف بـ"الحق الإلهي للملوك" [اعتقادٌ تاريخي بأن الملوك مُنحوا سلطة مباشرة من الله للحكم]. إن الله فعلاً يعمل بطرق يستعصي علينا فهمها.

إلا أن ما يبرز حقاً في التصريحات الفظة لدونالد ترمب أكثر من أن شيء آخر، هو ما يشبه رد فعل طفل حانق سُلبت منه للتو لعبته المفضلة. فقد كان ترمب والمرشح الذي اختاره ليكون نائبه جي دي فانس وفريقهما يتطلعون بصبر نافد إلى بضعة أشهر يقومون خلالها باستغلال نقاط ضعف جو بايدن ومهاجمته و"الديمقراطيين"، على هفواته العقلية المزعومة.

وبدت هذه الاستراتيجية وكأنها طريقة أكيدة للفوز بالانتخابات. فلن يحتاجوا إلى مناقشة قضايا مثل الإجهاض أو حقوق الإنجاب للنساء، إذ يمكنهم ببساطة تسليط الضوء على كل زلة أو خطأ ارتكبه بايدن. ولن يُضطروا كذلك إلى الإقرار بتقديم تنازلات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لأن تركيز الناخبين سيكون منصباً على ما إذا كان بايدن قادراً على التعامل مع الأزمة.

في المقابل، من المرجح أن يتلاشى تردد ترمب في تأكيد التزامه قبول نتائج الانتخابات، بمجرد أن يتضح أنه سيهزم "جو [بايدن] النعسان"، كما يسميه، على أي حال. لكن القرار الحكيم الذي اتخذه الرئيس الراهن بايدن، أفقد ترمب إمكان التصويب عليه وتوجيه الركلات إليه - في هذا الإطار يمكن استعارة اقتباس من أحد الرؤساء الأميركيين السابقين [وهو ريتشارد نيكسون الذي قال بعد استقالته "لن يكون لديك نيكسون لتركله بعد الآن"] - وبدلاً من ذلك، سيتحول التركيز إلى عمر دونالد ترمب نفسه وحدّته العقلية ونقاط ضعفه طويلة الأمد المتمثلة في افتقاره إلى النضج العاطفي والاستقرار التي بدت واضحة بصورة صارخة في تصرفاته الأخيرة.

كثيراً ما تمنى الأميركيون أن يكون هناك خيار بديل غير المنافسة بين بايدن وترمب، والآن باتت لديهم مرشحة أصغر سناً وأكثر نضجاً من المتنافسَين القديمَين والأكبر سنَاً اللذين اعتادوا عليهما. وفي هذا الإطار، يبدو أن النظام يعمل على النحو المنشود إلى حد ما.

وأيّاً كان الأمر، فإن كامالا هاريس تمثل بداية جديدة، وقد يشعر كثيرون بأنه حان الوقت لأن تتولى امرأة زمام الرئاسة في البلاد. وبالمقارنة مع هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأميركية السابقة، يبدو أن هاريس تتمتع بشخصية أكثر جاذبية. وقد يتبين لدونالد ترمب الذي عانى تاريخياً من النساء القويات - أن التعامل مع هاريس يشكل تحدياً صعباً له، كما كانت الحال مع نانسي بيلوسي الرئيسة السابقة لمجلس النواب التي كانت تدفعه إلى الجنون.

قريباً سيجد الناخبون الأميركيون أنفسهم أمام خيار شخصي مهم. وفيما يسخر دونالد ترمب من كامالا هاريس بسبب سلوكها البهيج ويصفها بـ "كامالا الضاحكة" ويزعم أنها "مجنونة"، إلا أن كثيرين يجدون ربما أنها أفضل بكثير من وجهه العابس.

فهاريس تتميز بابتسامتها وتفاؤلها وشبابها وطبيعتها الواضحة وذكائها الحاد، وتقف على تناقض صارخ مع الرئيس السابق. ومع ترشحها للرئاسة، تذكر انتخابات عام 2024 في الولايات المتحدة الرأي العام البريطاني، بالصراعات بين رئيس الوزراء السابق بوريس جونسون، المتبجح آنذاك في منصبه، وكير ستارمر - المدعي العام السابق كما كامالا هاريس - الذي تفوق باستمرار على جونسون، وتمكن في النهاية من إلحاق الهزيمة به.

تبقى الإشارة أخيراً إلى أن دونالد ترمب يجسد الجوانب الأكثر إزعاجاً وإثارة للقلق في الولايات المتحدة، في حين أن هاريس تمثل بديلاً أكثر إشراقاً وأملاً. ومن المرجح أن يكون كثير من الأميركيين حريصين على احتضان هذا المستقبل الأشد تفاؤلاً لبلادهم.

© The Independent

المزيد من آراء