Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تنتهي قطيعة أنقرة ودمشق بصورة تذكارية للرئيسين؟

التقارب المنتظر تدعمه موسكو وبغداد وتعززه مساع للاستقرار الإقليمي وجهود القضاء على الإرهاب ومراقبون يستبعدون تطبيعاً حقيقياً في القريب

اجتماع بين رجب طيب أردوغان وبشار الأسد في اسطنبول عام 2010 (رويترز)

ملخص

فتح المعابر وقنوات التعاون بين البلدين يمكن أن يكون مفيداً لكليهما، فسوريا تحتاج إلى إعادة إعمار بنيتها التحتية واقتصادها المدمر، بينما يمكن لتركيا الاستفادة من فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، والتعاون الأمني سيعزز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، إذ يمكن للبلدين تبادل المعلومات والتنسيق في العمليات الأمنية لضمان عدم استغلال الجماعات الإرهابية كـ"داعش" و"القاعدة" للفوضى.

طغت أخبار التقارب التركي مع النظام السوري بعد القطيعة الطويلة، والمواجهات المباشرة التي خلفت قتلى من الطرفين خصوصاً في مواجهات إدلب مطلع 2020 عندما استهدفت قوات دمشق قواعد تركية وقتلت عشرات الجنود الأتراك، في حين ردت أنقرة بعملية استمرت أياماً عدة أطلقت عليها اسم "درع الربيع"، قالت وزارة الدفاع التركية حينها، إنها قتلت المئات من عناصر النظام السوري، وكبدته خسائر فادحة.

وعلى رغم التشابك والتعقيد في الملفات الخلافية بين الجانبين، فإن الأسابيع الماضية حملت كثيراً من الأخبار التي صدرت من أنقرة ودمشق وموسكو وبغداد بخصوص عملية تطبيع قريبة قد تنتهي بصورة تذكارية بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد.

لقاء قريب على مستوى الرؤساء

مصادر تركية مطلعة قالت لـ"اندبندنت عربية"، إنه "تم الانتهاء من جميع التحضيرات بخصوص لقاء الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ورئيس النظام السوري بشار الأسد، وسيكون اللقاء ثلاثياً بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على أن يعقد في الأسابيع القليلة القادمة وتحديداً في أغسطس (آب) المقبل"، مشيرة إلى أنه عُقدت ثلاثة اجتماعات بين رؤساء استخبارات روسيا وتركيا وسوريا خلال الشهر الأخير، مؤكدة أن رئيس الاستخبارات الروسية سيرغي ناريشكين زار أنقرة قبل أيام بخصوص هذا الملف.

يقول النائب في حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا ديلافير أرواس في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية"، إن "تركيا ستواصل حربها على الإرهاب، وخصوصاً تنظيم حزب العمال الكردستاني الإرهابي الذي قتل آلاف الأبرياء، ويحتل أراضي واسعة في سوريا، ويسرق موارد الشعب السوري، ونحن لن نسمح بقيام دولة إرهابية على حدودنا الجنوبية، لقد استطاع الجيش التركي إنشاء منطقة آمنة ومستقرة في شمال سوريا، ونقوم بدعم تنمية البنية التحتية وتحسين ظروف السوريين هناك، ونؤكد أننا نحترم سيادة ووحدة الأراضي السورية كاملة".

الحل 2254

ويضيف أرواس أن "تركيا تريد سوريا دولة آمنة مستقرة خالية من الإرهاب، ونهدف للتوصل إلى حل سياسي ضمن القرار الدولي 2254، هذا هو الحل الشرعي في سوريا، وقد أقره مجلس الأمن الدولي، ورئيسنا رجب طيب أردوغان كلف وزير الخارجية هاكان فيدان بهذه القضية"، مردفاً "بالتأكيد هناك محادثات تجري، ونأمل في أن يطبق القرار الأممي المتعلق بالملف السوري، فتركيا تحملت أعباء كثيرة بسبب النزاع في سوريا".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

أما الباحث والصحافي الروسي ديميتري بريكع، فيعتقد في حديث خاص أن "روسيا ماضية بسياستها لحل الأزمة السورية والعودة الطوعية للاجئين من دول الجوار، ومن ضمن مفهوم السياسة الخارجية الروسية التي وقع عليها فلاديمير بوتين في مارس (آذار) 2023، هناك استراتيجية لتحسين العلاقات بين سوريا ودول الجوار، يتجلى هذا في الجهود الدؤوبة لتنظيم لقاءات عالية المستوى بين الأطراف المعنية، كما نرى في اللقاء المرتقب بين الرئيس التركي ورئيس النظام السوري بحضور الرئيس الروسي، فالهدف العلني لهذه الاجتماعات هو تعزيز التعاون الإقليمي وتحقيق الاستقرار، بينما يتمثل الهدف غير العلني في تطبيق الحل السياسي ومقررات أستانا".

أسباب التقارب

ويضيف بريكع "تأتي هذه التحركات في وقت حساس، إذ تسعى روسيا لتأكيد دورها بوصفها وسيطاً رئيساً في المنطقة، وتعزيز نفوذها من خلال تعزيز العلاقات بين دمشق والدول المجاورة، بما يضمن تحقيق الأمان والعودة الطوعية للاجئين إلى وطنهم، ومن المتوقع أن تسهم هذه الجهود في تحقيق تقدم ملموس نحو السلام والاستقرار في سوريا والمنطقة ككل، مما يعزز من صدقية روسيا بوصفها قوة مؤثرة في الساحة الدولية".

ويتابع الصحافي الروسي "أعتقد أن التقارب السوري التركي مهم لأسباب عدة، أهمها تعزيز الاستقرار الإقليمي فتطبيع العلاقات يمكن أن يسهم بتحقيق الاستقرار في المنطقة بصورة عامة، كما أن التوترات المستمرة بين البلدين كان لها أثر سلبي على الأمن الإقليمي، وتخفيفها قد يفتح الباب أمام تعاون أوسع في مواجهة التحديات المشتركة، كذلك هناك قضية عودة اللاجئين، وهي أحد العوامل الرئيسة في التقارب، فتحسين العلاقات يمكن أن يؤدي إلى وضع خطط مشتركة لعودة طوعية وآمنة للاجئين، مما يسهم في تخفيف العبء على تركيا ويضمن عودة السوريين إلى ديارهم".

وتطرق بريكع إلى التعاون الاقتصادي وقال، إن "فتح المعابر وقنوات التعاون بين البلدين يمكن أن يكون مفيداً لكليهما، فسوريا تحتاج إلى إعادة إعمار بنيتها التحتية واقتصادها المدمر، بينما يمكن لتركيا الاستفادة من فرص الاستثمار وإعادة الإعمار، مما يعزز النمو الاقتصادي في كلا البلدين، وجانب آخر مهم هو مكافحة الإرهاب، فالتعاون الأمني سيعزز جهود مكافحة الإرهاب في المنطقة، إذ يمكن للبلدين تبادل المعلومات والتنسيق في العمليات الأمنية لضمان عدم استغلال الجماعات الإرهابية كداعش والقاعدة للفوضى".

ويختم الصحافي الروسي حديثه بالقول، إن "تحسين العلاقات قد يساعد في تخفيف بعض الضغوط الدولية على البلدين، فبالنسبة لتركيا، قد يساعد هذا في تحسين صورتها في المجتمع الدولي، في حين يمكن أن يؤدي إلى تخفيف بعض العقوبات عن سوريا وتقديم المساعدات الإنسانية اللازمة".

خلافات حول المكان والحضور

المتخصص في العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول سمير صالحة يقول في حديث خاص لـ"اندبندنت عربية" إنه "في الأيام الأخيرة كان هناك حراك في هذا الملف على أكثر من اتجاه، إذ التقى رئيس الاستخبارات الروسي نظيره التركي إبراهيم كالن في أنقرة، وتزامن مع ذلك زيارة كانت مفاجئة لرئيس النظام السوري إلى موسكو، كما أن وزير الخارجية التركي هاكان فيدان التقى نظيره الروسي سيرغي لافروف قبل أيام قليلة، كل هذه المؤشرات تقول إن الاتصالات بين أنقرة ودمشق بوساطة روسية مستمرة".

ويضيف، "قبل موعد القمة هناك نقطتان أساسيتان يجب الوقوف عليهما، الأولى هي مكان هذه القمة، فتركيا تطرح أن يلتقي أردوغان والأسد في منطقة (كسب) الحدودية بين البلدين، بينما الجانب الروسي يريد أن يكون هذا اللقاء في موسكو، أما النقطة الثانية، فمن سيجلس على الطاولة، من هم الحضور، هل ستكون طاولة ثنائية فقط بين الجانين التركي والسوري، هذا مستبعد إذ إن الوسيط سواء كان العراقي أو الروسي أو غيره يريد أيضاً أن يحمي حصته ودوره في هذه المرحلة".

ويتابع صالحة أنه "رغم كل هذا فمن المبكر الحديث عن خريطة الحل في سوريا، ومن المبكر النقاش عن تفاهمات تتم بمثل هذه السهولة والسرعة، فالملف السوري فيه أكثر من تعقيد بطابع ثنائي وإقليمي".

لا "تطبيع حقيقياً" قريباً

وعلى العكس تماماً من رأي المصادر التركية وتعليق الصحافي الروسي، يرى الباحث في مركز كاندل للدراسات أحمد الحسن في حديث خاص أنه "حتى الآن لم يصل إلى تركيا سوى فريق استخباراتي روسي لمناقشة موضوع الاجتماعات الخاصة بالملف السوري وقمة الرؤساء، والمحادثات لا تزال في طور مناقشة المقترحات المتبادلة فقط بخصوص شمال شرقي سوريا".

ويتابع الحسن، "أما بخصوص المعلومات أعلاه بأنه تم الانتهاء من جميع التحضيرات بخصوص لقاء الرئيسين بحضور بوتين خلال أسابيع، فأعتقد أن هذه المعلومات غير دقيقة".

ويشير مراقبون إلى أن التقارب بين تركيا والنظام السوري قد يبدو أنه يسير بوتيرة أكثر مما كان متوقعاً، لكن هذا لا يعني أن تغييراً جذرياً قد يحصل على أرض الواقع، إذ تعد أنقرة وجودها العسكري في شمال سوريا أمر يتعلق بالأمن القومي المباشر للبلاد، والجيش التركي غير مستعد، ولن يبدي استعداده للانسحاب من هناك قبل حل سياسي شامل واستقرار كامل في سوريا، وهذا أمر بعيد جداً في الوقت الحالي بسبب شدة تعقيد الملف.

ويبدو أن كل ما يجري من تصريحات قد تسفر بالفعل عن لقاء محتمل على مستوى الرؤساء، وهذا اللقاء يقتصر على الجانب السياسي من دون أن ينعكس على تغييرات في خرائط السيطرة، والتغيير المتوقع يقتصر على عودة جزئية لبعض اللاجئين السوريين من تركيا، وذلك لأهداف سياسية داخلية في تركيا تتعلق بالاستياء الشعبي من الوجود السوري والتجاذبات الانتخابية في البلاد.

المزيد من تقارير