Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

لماذا ظلت بنسلفانيا أهم ولاية في سباق الرئاسة الأميركي؟

حجر الزاوية للاتحاد الفيدرالي وبقيت محورية لفترات طويلة من التاريخ وحسمت نتائج 10 فائزين في الانتخابات الـ12 الماضية

ترمب في بنسلفانيا خلال اليوم الأخير من المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري لعام 2024 (أ ف ب)

ملخص

ما الأسباب التي جعلتها تحتل هذه المكانة؟ وكيف ظلت خلال العقد الأخير أهم ولاية بين الولايات المتأرجحة التي تحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وما رهانات كل من دونالد ترمب وكامالا هاريس للفوز بها؟

في السنوات الأولى التي أعقبت استقلال الولايات المتحدة عن بريطانيا، وفي تجمع حاشد للاحتفال بفوز الرئيس الثالث توماس جيفرسون بالانتخابات عام 1802، أشار المحتفلون إلى ولاية بنسلفانيا باعتبارها حجر الأساس أو حجر الزاوية للاتحاد الفيدرالي، ومنذ ذلك الحين حملت هذه الصفة وظلت لفترات طويلة من التاريخ ولاية محورية حاسمة في الانتخابات الرئاسية ولا تزال كذلك حتى اليوم، فما الأسباب التي جعلتها تحتل هذه المكانة؟ وكيف ظلت خلال العقد الأخير أهم ولاية بين الولايات المتأرجحة التي تحسم نتيجة الانتخابات الرئاسية الأميركية؟ وما رهانات كل من دونالد ترمب وكامالا هاريس للفوز بها؟

خاصية مستمرة

يعد دور ولاية بنسلفانيا كولاية متأرجحة في الانتخابات الرئاسية استمراراً لخاصية لوحظت منذ وقت مبكر يعود إلى عهد أحد أبرز الآباء المؤسسين للولايات المتحدة وهو الدبلوماسي والفيلسوف توماس جيفرسون، إذ اعتبرت الولاية خلال احتفال فوزه بالرئاسة الحجر المركزي في قوس يحافظ على جميع أحجار القوس الأخرى في مكانها، فقد كانت الولاية وقت الاستقلال في المركز الجغرافي للمستعمرات الأصلية الـ13 مع ست ولايات إلى الجنوب منها، وست ولايات إلى الشمال والشرق.

منذ الأيام الأولى للبلاد، كانت ولاية بنسلفانيا في كثير من النواحي في مركز الحدث، إذ استضافت المؤتمر القاري في مدينة فيلادلفيا في سبعينيات القرن الـ18، وكانت الولاية الأخيرة التي وافقت على إعلان الاستقلال بالإجماع في يوليو (تموز) عام 1776.

ولاية محورية

على رغم أن الولاية لم تكن دائماً متأرجحة فإنها بحسب المتخصص في مجال العلوم السياسية بجامعة ولاية بنسلفانيا روبرت سبايل، كانت ولا تزال محورية للحملات الرئاسية نظراً إلى أنها تضم ناخبين لديهم مجموعة واسعة من الآراء السياسية، مما يجعل النتائج متقاربة في الانتخابات على مستوى الولاية، ويعود السبب وراء ذلك وفقاً لسبايل إلى أن الناخبين في فيلادلفيا، كبرى مدن الولاية والمناطق الحضرية الأربع حولها، ليبراليون بالكامل تقريباً في جميع القضايا، في حين أن معظم الناخبين في المناطق الريفية في بنسلفانيا محافظون عادة ومتشككون في السياسة التي تحددها المناطق الحضرية بالولاية أو في واشنطن العاصمة، ومع ذلك فإن مناطق الضواحي الرئيسة في الولاية منقسمة، إذ تدعم فيلادلفيا الديمقراطيين وتدعم بيتسبرغ الجمهوريين.

وفي الوقت نفسه فإن المناطق الحضرية الأصغر حجماً والتي غالباً ما يتم تجاهلها في بنسلفانيا، مثل العاصمة هاريسبرغ وألينتاون وإيري وسكرانتون، هي المناطق المتأرجحة الحقيقية للولاية المتأرجحة.

الجائزة الكبرى

عندما فاز الرئيس جو بايدن بولاية بنسلفانيا في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2020 كانت تلك لحظة خاصة بالنسبة إليه، ليس فقط لأن مسقط رأسه كان في سكرانتون بالولاية نفسها، بل أيضاً لأن الفوز جعله يتجاوز عتبة 270 صوتاً في المجمع الانتخابي اللازمة للفوز بالبيت الأبيض.

 

 

ولأن بنسلفانيا تأتي في المرتبة الخامسة إلى جانب إلينوي بين جميع الولايات الأميركية، وتمتلك 19 صوتاً انتخابياً من إجمال أصوات المجمع الانتخابي (الهيئة الانتخابية) البالغة 538، فهي تعد الأكثر أهمية بين الولايات المتأرجحة الأخرى التي تمتلك أصواتاً أقل في المجمع الانتخابي، ومن الصعب تعويضها بولاية أخرى إذا خسرها أي من المرشحين في السباق الرئاسي، ولهذا فهي تعد الجائزة الكبرى في نوفمبر (تشرين الثاني) إما لترمب أو لهاريس، بخاصة أن 10 من الفائزين بالانتخابات الرئاسية الـ12 الماضية فازوا بولاية بنسلفانيا، مما يجعلها مؤشراً إلى النتيجة النهائية للسباق.

تحولات بنسلفانيا

لكن قبل أن تصبح بنسلفانيا متأرجحة خلال العقد الأخير شهدت الولايات تحولات مهمة عبر التاريخ، ففي القرن الـ19 ومع نمو الانقسام السياسي الإقليمي بين الشمال والجنوب، نما أيضاً دور بنسلفانيا في الانتخابات الرئاسية، فقد كانت الولاية الوحيدة التي صوتت للمرشح الفائز في كل انتخابات رئاسية بين عامي 1828 و1880.

ولعقود عدة بعد الحرب الأهلية دعم الناخبون في بنسلفانيا المرشحين الجمهوريين في كل انتخابات رئاسية بين عامي 1860 و1932 بما في ذلك الجمهوري التقدمي ثيودور روزفلت عام 1912.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وخلال أربعينيات القرن الـ20 استمرت بنسلفانيا في دعم المرشحين الرئاسيين الجمهوريين أكثر من بقية البلاد ككل، لكنها بعد ذلك تحولت فجأة وبدأت في دعم المرشحين الرئاسيين الديمقراطيين بهامش أكبر من ناخبي الأمة ككل لمدة 60 عاماً، أي الفترة من 1952 إلى 2012 بسبب عوامل عدة أبرزها تفكك قوة الآلة السياسية الجمهورية في فيلادلفيا، والتي انعكست في عدم انتخاب عمدة جمهوري هناك منذ عام 1952.

وعندما بدأ الجنوب الأميركي في التوجه نحو الجمهوريين خلال الخمسينيات والستينيات، أصبحت فيلادلفيا وبنسلفانيا أكثر ديمقراطية من سائر الولايات الأميركية الأخرى في الانتخابات الرئاسية، إذ فاز الديمقراطيون بجميع الانتخابات الرئاسية المتقاربة هناك على مدى 60 عاماً، حتى عندما كان الجمهوريون يفوزون بالمنصب الرئاسي على مستوى البلاد، بما في ذلك عام 1968، عندما فاز الديمقراطي هيوبرت همفري بالولاية وفاز الجمهوري ريتشارد نيكسون بالرئاسة، وعام 2000 عندما فاز الديمقراطي آل غور بولاية بنسلفانيا، لكنه خسر تصويتاً انتخابياً متقارباً للغاية انتهى بفوز الجمهوري جورج دبليو بوش بالرئاسة. وفي عام 2004 فاز الديمقراطي جون كيري في بنسلفانيا، وكرر بوش فوزه بالرئاسة مدفوعاً بالحماسة الوطنية عقب أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 وما تلاها من حروب في أفغانستان والعراق.

وكانت السنوات التي صوت فيها سكان بنسلفانيا لمرشح رئاسي جمهوري هي السنوات التي فاز فيها الجمهوريون بالبلاد ككل بهامش كبير مثلما حدث مرتين لدوايت أيزنهاور عامي 1952 و1956، ولإعادة انتخاب نيكسون عام 1972، ومرتين لرونالد ريغان عامي 1980 و1984.

ولاية حاسمة

لكن في وقت مبكر من هذا القرن، وفي سلسلة من الانتخابات الرئاسية التي شهدت منافسة شديدة، بدأ الجمهوريون يستشعرون الفرص التي تتيح لبنسلفانيا أن تلعب دوراً في حسابات المجمع الانتخابي، بخاصة أن انتشار استطلاعات الرأي السياسية على مستوى الولايات كان يعني أن الحملات الانتخابية يمكن أن تحدد اتجاهات التصويت الخاصة بكل ولاية.

ومع تبين أن غالب الولايات تصوت بشكل موثوق لمصلحة حزب واحد في كل انتخابات رئاسية، مما أدى إلى إطلاق تسمية "الولايات الزرقاء الديمقراطية "و"الولايات الحمراء الجمهورية" بعد انتخابات عام 2000، أصبح من الواضح أن عدداً ضئيلاً فقط من الولايات المتأرجحة التي شهدت استطلاعات رأي متقاربة كان من الممكن أن ينظر إليها باعتبارها حاسمة لتحقيق النصر، ومن أبرزها كانت بنسلفانيا إلى جانب فلوريدا وميشيغان.

اختراق ترمب ثم عودة إلى بايدن

منذ ذلك الحين ظلت ولاية بنسلفانيا تمثل انتصاراً محتملاً للجمهوريين في الانتخابات الرئاسية الثلاث التالية عقب التقارب الشديد بين آل غور وبوش في انتخابات عام 2000، إذ حقق ترمب في 2016 اختراقاً في ولاية بنسلفانيا، ليس فقط بالفوز بالانتخابات الرئاسية هناك للمرة الأولى منذ جورج بوش الأب عام 1988، بل أيضاً بأداء أفضل مقارنة بالنتائج على المستوى الوطني.

وشملت العوامل الحاسمة لفوز ترمب شعبيته العالية في المناطق الريفية من الولاية وفي ضواحي بيتسبرغ، وعدم ظهور هيلاري كلينتون في حملتها الانتخابية في عديد من المدن خارج منطقتي المترو الرئيستين في الولاية، ووفرت انتصارات ترمب المفاجئة هامش فوزه في المجمع الانتخابي وأدت إلى التركيز الإعلامي والسياسي الوطني على تلك الولايات الثلاث المتأرجحة الرئيسة منذ ذلك الحين.

غير أن بايدن الذي ولد في سكرانتون بولاية بنسلفانيا فاز بالولاية لمصلحة الديمقراطيين عام 2020 بهامش ضئيل (1.17 في المئة) أي نحو 80 ألف صوت، لكن ترمب فاز بنسبة تصويت أعلى في بنسلفانيا مقارنة بما فاز به على مستوى البلاد.

رهانات ترمب وهاريس

يراهن كل من ترمب وهاريس على الفوز بولاية بنسلفانيا في انتخابات نوفمبر المقبل، ولهذا لم يكن من المستغرب استمرار كلتا الحملتين في تخصيص مزيد من الوقت والموارد للولاية باعتبارها واحدة من الفرص الرئيسة للحصول على غالبية في المجمع الانتخابي، إذ تأمل هاريس في تأمين ما يسمى ولايات الجدار الأزرق التي تشمل بنسلفانيا إلى جانب ميشيغان وويسكنسن بما يضمن لها مع باقي الولايات الزرقاء الأخرى الفوز بـ270 صوتاً انتخابياً من المجمع الانتخابي، بينما يأمل ترمب في تكرار الاختراق الذي حققه قبل ثماني سنوات في بنسلفانيا أو واحدة في الأقل من الولايتين الأخريين بعد تأمين الفوز بالولايات المتأرجحة الأخرى وهي جورجيا وأريزونا ونيفادا، فضلاً عن الولايات الحمراء التقليدية الأخرى، لكن الطريق إلى النصر لأي من المرشحين لا يزال صعباً، ففي حين تتخلف هاريس عن ترمب على المستوى الوطني بنسبة 47 في المئة مقابل 49 في المئة وفقاً لاستطلاع للرأي أجرته صحيفة "وول ستريت جورنال"، كما يتقدم ترمب على هاريس بخمس نقاط أو أقل في خمس من الولايات المتأرجحة بما فيها بنسلفانيا، وفقاً لاستطلاع أجرته كلية "إيمرسون"، فإن الديمقراطيين أصبح لديهم أمل جديد بعد أن تنحى الرئيس بايدن عن السباق، وأصبحت هاريس على مسافة أمتار من نيل الترشيح الرسمي من الحزب الديمقراطي، ومن غير الواضح في الغالب ما إذا كان هذا التحول الزلزالي يمكن أن يغير من ملامح السباق، إذ يشير المتخصص الاستراتيجي الديمقراطي جيمس كارفيل إلى أن هاريس حققت بداية قوية، وأن الناس يشعرون بتحسن، لكن الواقعية تقتضي الاعتراف بأنها ستخوض حملة صعبة.

 

 

ويأمل فريق هاريس أن يساعد دعمها لحقوق الإجهاض في جذب الناخبات الإناث في الضواحي المحيطة بفيلادلفيا، والتي كانت منذ فترة طويلة ساحة معركة رئيسة داخل الولاية، كما يراهن أيضاً على إقبال السود على التصويت في فيلادلفيا وبيتسبرغ، والأهم من ذلك أن ولاية بنسلفانيا لديها أيضاً نسبة أعلى من خريجي الجامعات مقارنة بأي من ساحات المعارك في الولايات الأخرى، بخاصة أن هناك بعض الأدلة على أن هاريس تتفوق قليلاً على بايدن مع هؤلاء الناخبين.

في المقابل يراهن ترمب على الناخبين البيض من ذوي الياقات الزرقاء الذين لم يحصلوا على شهادات جامعية من خلال مغازلتهم بالوظائف التي يعد بها للطبقة العاملة التي خذلتها الإدارات الديمقراطية المتعاقبة بسبب سياسات العولمة التي أدت إلى انتقال المصانع إلى خارج البلاد، لكنه يأمل في توسيع نطاق داعميه في الولاية عبر تحسين ملف الاقتصاد الذي يشكل أولوية أولى لدى ناخبي بنسلفانيا وجذب نساء الضواحي المتعلمات عبر التعهد بالإبقاء على قضية الإجهاض في حدود كل ولاية من دون تدخل فيدرالي.

ناخبو بنسلفانيا

وتشكل التركيبة السكانية في بنسلفانيا (12.8 مليون نسمة) عاملاً مهماً لكل من المرشحين بالنظر إلى أولويات كل شريحة مجتمعية منهم، إذ إن ما يقارب ثلاثة أرباع (74.5 في المئة) سكان بنسلفانيا من البيض، بينما يمثل السكان السود أو الأميركيون من أصل أفريقي (12.2 في المئة) والسكان من أصل لاتيني (8.6 في المئة)، كما تضم ​​بنسلفانيا عدداً أكبر من كبار السن تجاوز 19.6 في المئة من السكان كانوا تقليدياً جزءاً من ائتلاف ترمب الفائز عام 2016، وظل أداء ترمب جيداً معهم في بنسلفانيا عام 2020 على رغم خسارته.

ومن حيث التوزيع الجغرافي للسكان كان الناخبون في الضواحي في ولاية بنسلفانيا حاسمين لبايدن عام 2020، إذ حقق مكاسب حاسمة تتفوق على أداء هيلاري كلينتون عام 2016 في المقاطعات المحيطة بفيلادلفيا وفي مقاطعة أليغيني.

القضايا الرئيسة

تشير أولويات سكان بنسلفانيا إلى أن أجندة ترمب الانتخابية تتوافق معهم بصورة أكبر، ووفقاً لاستطلاعات الرأي التي أجرتها شبكة "سي أن أن" في مارس (آذار)، فإن 4 من كل 10 ناخبين في الولاية ينظرون إلى الاقتصاد باعتباره القضية الأولى عندما يفكرون في اختيارهم الرئاسي، بينما حظيت حماية الديمقراطية بتأييد نحو 25 في المئة، والهجرة وحقوق الإجهاض بأكثر من 10 في المئة لكل منهما.

وأظهرت نتائج استطلاع آخر أجراه مركز "إيمرسون كوليدج" وموقع "ذا هيل" في مارس الماضي صوراً مماثلة، إذ كان الاقتصاد القضية الأولى لنحو 36 في المئة من الناخبين في بنسلفانيا، تليها الجريمة (12 في المئة)، والهجرة (11 في المئة)، والتهديدات للديمقراطية (11 في المئة)، والرعاية الصحية (9 في المئة)، والتعليم (7 في المئة).

ويبدو أن هذه القضايا ستكون محور تركيز المرشحين الرئاسيين في مسعاهما للحصول على الجائزة الكبرى بالفوز بولاية بنسلفانيا.

المزيد من تقارير