Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

شبح تيار اليقظة العالمي يلاحق "أولمبياد باريس 2024"

شركة اتصالات أميركية توقف تعاقداتها الإعلانية مع هذا الحدث ومحام فرنسي يتقدم بشكوى رسمية وإدانات كنسية

ربط كثيرون بين مشهدية "العشاء الأخير" ومصطلح شاع في ستينيات القرن الماضي ويطلق عليه مسمى Wokeism أو تيار اليقظة (ا ف ب)

ملخص

هناك من ربط بين مشهدية "العشاء الأخير" وبين مصطلح شاع في الستينيات من القرن الماضي ويطلق عليه مسمى Wokeism أو تيار اليقظة أو الاستيقاظ. ومشهدية العشاء الأخير، ليست المسألة الجدلية الوحيدة التي رافقت أولمبياد باريس، إذ تسببت سلسلة فضائح متتالية بالكثير من ردود الفعل السلبية.

لاحقت الفضائح والاستنكارات "أولمبياد باريس 2024" منذ انطلاقته بداية على خلفية مشهدية تتضمن تشبيهاً لعشاء السيد المسيح الأخير، التي أثارت جدلاً وغضباً واسعين حول العالم، وذلك بعد استخدام اللوحة الشهيرة للفنان ليوناردو دا فينشي في مقاربة بدت مستغربة لكثيرين وفي مقدمهم اليمين الفرنسي والكنيسة الكاثوليكية. وتضمنت المشهدية التي أخرجها توماس جولي عرضاً فنياً يتضمن دي جي باربرا بوتش وعدداً من فناني Drag Queen، وهم في الغالب رجال يرتدون الملابس النسائية ويتصرفون بأنوثة مبالغ فيها، وفي أدوار نسائية لغرض الترفيه والتأثير الدرامي الكوميدي الساخر، أو المتحولين جنسياً، مما أثار استياء عدد من الجماعات الدينية والمشاهدين الذين اعتبروا هذا العمل مسيئاً ومستهزئاً بالدين المسيحي. كما تضمن العرض إشارات إلى مجتمع "الميم"، مما أثار حفيظة جزء من اليمين الفرنسي، واعتبر أن ذلك هو إقحام هذه المسألة الجدلية في أكبر حدث رياضي في العالم، كما اعتبر كثيرون أن العرض مسيء، ووصف بأنه "افتقار تام للاحترام تجاه إحدى أشهر اللوحات في العالم"، وتناولت الانتقادات شخصيات سياسية ودينية من مختلف أنحاء العالم.

وتعتبر لوحة "العشاء الأخير" للفنان ليوناردو دا فينشي، واحدة من أهم الأعمال الفنية في تاريخ الفن الغربي، وتصور آخر ما شاركه السيد المسيح مع تلامذته، ورسمت على أحد جدران قاعة الطعام في دير سانتا ماريا غراتسي في ميلانو بإيطاليا. وسبب هذا المشهد حالاً من الغضب على نطاق واسع، بدأت من داخل فرنسا بتصريحات الكنيسة الكاثوليكية الفرنسية التي قالت "للأسف احتوت هذه الحفلة مشاهد تسخر من المسيحية، وهو ما نأسف له بشدة. نشكر أصحاب الديانات الأخرى على تضامنهم معنا، نفكر في المسيحيين بالعالم الذين جرحوا من هذا التجاوز"، وتبع الكنيسة الفرنسية في الإدانة الكنيسة الأرثوذكسية الروسية وكنيسة الروم الكاثوليك في رام الله.

 

موجة الانتقادات هذه تطورت إلى تعهد المحامي الفرنسي فابريس دي فيزيو بتقديم شكوى رسمية على اللجنة المنظمة لحفلة الافتتاح، بسبب تجسيد اللوحة بهذا الشكل. أيضاً أعلنت شركة اتصالات أميركية وقف تعاقداتها الإعلانية مع الأولمبياد في باريس، وذلك عقب ظهور مشهدية اللوحة.

ورداً على هذه الانتقادات قدمت اللجنة المنظمة للأولمبياد اعتذارها، موضحة أن الهدف كان الاحتفال بالتنوع والشمولية وليس الإساءة لأية مجموعة دينية. وأكد توماس جولي أن هدفه كان إرسال رسالة حب وتضامن وليس إثارة الجدل أو الإساءة، وهو كان حذف فيديو الحفلة التي وثقت "العشاء الأخير" من حساب "يوتيوب" الخاص بالبطولة.

فضائح بالجملة ظهرت في "أولمبياد باريس 2024"

مشهدية العشاء الأخير، ليست المسألة الجدلية الوحيدة التي رافقت أولمبياد باريس الذي بدأ في الـ26 من يوليو (تموز) الجاري، وتختتم الدورة في الـ11 من أغسطس (آب) المقبل، إذ تسببت سلسلة فضائح متتالية بالكثير من ردود الفعل السلبية.

فقد تم استبعاد بعض المشاركين من الدورة، ومن بين هؤلاء مدربة المنتخب الكندي النسائي لكرة القدم بيف بريستمان، بسبب تشغيل أحد أعضاء الفريق طائرة مسيرة فوق مقر تدريب منتخب نيوزيلندا في سانت إتيان، وهو ما وصف بـ"فضيحة تجسس" على الفريق الآخر.

كما انسحبت لاعبة الفروسية البريطانية شارلوت دوغاردان قبل أيام قليلة من بدء الألعاب الأولمبية، بعد ظهورها في مقطع فيديو وهي تضرب حصاناً بشكل متكرر، فيما انسحبت قائدة منتخب الجمباز الفني للسيدات شوكو مياتا من تشكيلة الفريق المشارك في الدورة، بعد انتهاك قواعد سلوك الفريق بالتدخين وشرب الكحول. 

 

أضف إلى ذلك أعمال التخريب التي طاولت شبكة السكك الحديد التي تشغلها الشركة الوطنية للسكك الحديدية الفرنسية في 26 يوليو، وتخريب آخر لمنشآت الشركة الفرنسية للاتصالات، وبحسب صحيفة "لو باريزيان" الفرنسية رجح المحققون أن الجماعات "اليسارية المتطرفة" التي كانت تنوي زعزعة استقرار الوضع في البلاد على خلفية الألعاب الأولمبية، متورطة في هجوم السكك الحديد الفرنسية، فيما تلقى عدد من وسائل الإعلام الفرنسية والدولية رسائل من أشخاص يطلقون على أنفسهم اسم "الوفد المجهول".

اليقظة

وبالعودة لمشهدية "العشاء الأخير" هناك من ربط بينها وبين مصطلح شاع في الستينيات من القرن الماضي ويطلق عليه مسمى Wokeism أو تيار اليقظة أو الاستيقاظ. وتاريخياً ووفقاً للمراجع البحثية باللغة الإنكليزية جاءت كلمة Woke من اللغة الإنجليزية العامية الأميركية - الأفريقية وتعني "مستيقظ" أو "واع"، واستخدمت في البداية للإشارة إلى الوعي بالظلم العرقي والتفرقة العنصرية، لكنها توسعت لتشمل مجموعة واسعة من القضايا الاجتماعية والسياسية والجندرية والبيئية وغيرها. وأصبح المصطلح شائعاً في العقد الأخير، ويستخدم للإشارة إلى الأشخاص أو الحركات التي تركز على مناهضة الظلم والتمييز وتدعو إلى المساواة والعدالة، كما يستخدم المصطلح أحياناً بطريقة نقدية أو ساخرة للإشارة إلى مواقف أو سلوكيات تعتبر مبالغاً فيها أو مدفوعة بالرغبة في الظهور بمظهر الوعي الاجتماعي.

وفقاً للكاتبة الأميركية سوهلي آهن "من المستحيل الحديث عن اليقظة من دون الحديث عن وجهات النظر السياسية لأولئك الذين يستخدمون هذا المصطلح، لأنه أصبح محفوفاً بالإيحاءات التنافسية، يستخدمها اليمين السياسي الأميركي على وجه الخصوص، وهي كلمة مكونة من أربعة أحرف". وتتابع الكاتبة الأميركية أنه "في اليوم الذي بحثت فيه عن الـWokeism، كانت أكثر المقالات التي حققت نجاحاً كبيراً هي مقالة بعنوان Wokeism Is a Cruel and Dangerous Cult للمؤرخ فيكتور ديفيد هانسون. وهو يصف اليقظة على أنها المعادلة الحديثة لليعقوبية (النادي السياسي الأكثر نفوذاً خلال الثورة الفرنسية)، في إشارة إلى الفترة الأكثر دموية وتطرفاً في الثورة الفرنسية، والمعروفة باسم (عهد الإرهاب)".

ووفقاً للكاتب المصري المتخصص في الشؤون الأميركية محمد المنشاوي، أنه "حتى سنوات قليلة مضت كانت كلمة Woke (معناها الحرفي استيقظت) تعني أن تكون متيقظاً للظلم والتمييز العنصريين، وكان يستخدمها بصورة حصرية الأميركيون السود. ومع ذلك وبسبب ما تعرفه أميركا من حرب ثقافية ضروس، واستقطاب حاد غير مسبوق فيها، تطور استخدام الكلمة لتصبح سلاحاً في يد المحافظين، يوجهون بها سهاماً ساخرة وإهانات مباشرة إلى سياسات النخبة الليبرالية ومواقفها وفكرها. وتعكس الكلمة وتطورها واستخدامها حجم وشراسة الحرب الثقافية التي تشهدها الولايات المتحدة، التي يعبر عنها بوضوح في التنافس السياسي المستمر".

وجاء تعريف الكلمة للمرة الأولى عند وليام ملفين كيلي، وهو روائي أميركي أسود، في مقالة نشرت بصحيفة "نيويورك تايمز" عام 1962، وفي كتابته عن اللغة العامية التي يستخدمها الأميركيون السود، وعرفها كيلي بأنها تشير إلى شخص "مطلع ولديه علم" في ما يتعلق بقضايا العنصرية وحقوق السود.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويضيف الكاتب المصري أن "تطور الكلمة أخذ منحنى مهماً بعدما استخدمته حركة (حياة السود مهمة) في التظاهرات الواسعة المناهضة للعنصرية وعنف الشرطة عقب مقتل الشاب الأسود مايكل براون عام 2014، وكان الصياح الأشهر آنذاك (ابق مستيقظاً)Stay Woke ".

ويرى المنشاوي أنه "ومع انتشار الكلمة في وسائط التواصل الاجتماعي ابتعدت عن معناها الأصلي، وبدأت تستخدم على نطاق واسع لوصف أي شخص أو أي مجموعة تتبنى أفكاراً تقدمية تدعو إلى المساواة والعدالة الاجتماعية، ثم تطور استخدامها لدى القوى المحافظة وكبار الساسة الجمهوريين، وأصبح معناها الإهانة أو التحقير، وبمرور الوقت أعيد تعريفها لتعكس تعجرف النخبة الليبرالية التقدمية المرتبطة بالحزب الديمقراطي. ومع وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض اتسع الاستقطاب الحاد بين القوى الليبرالية التقدمية من جانب والقوى المحافظة المتدينة من جانب آخر، ولعب ترمب دوراً مركزياً في تأجيج هذا الصراع والاستفادة منه". 

لماذا وجهت اتهامات لـ"أولمبياد باريس 2024" بأنه أظهر نزعة Wokeism؟

من متابعة الآراء المتباينة التي عمت مختلف العالم، إذ عجت وسائل التواصل بالمواقف المتباينة والمتطرفة أحياناً ضد ما حصل في باريس، يمكن استنتاج أن بعضاً منها يرى أن ذلك جاء بسبب بعض القرارات والإجراءات التي اتخذتها اللجنة المنظمة التي اعتبرها بعضهم ترويجاً لأجندات اجتماعية وسياسية معينة. ومن بين هذه القرارات تركيز اللجنة المنظمة على التنوع والشمولية، بما في ذلك اختيار شخصيات متنوعة لتمثيل الأولمبياد، وتبني سياسات داعمة لحقوق المرأة والأقليات، واتخاذ إجراءات تهدف إلى جعل الأولمبياد أكثر استدامة بيئياً، مما قد ينظر إليه على أنه جزء من الحركة البيئية الخضراء التي تعتبر جزءاً من الأجندات الواسعة المرتبطة بـ"تيار اليقظة"، وكذلك تنظيم فعاليات وأنشطة تهدف إلى تسليط الضوء على قضايا اجتماعية مثل العدالة العرقية والمساواة الجندرية وحقوق الأقليات. وهذه القرارات والإجراءات لاقت ردود فعل متباينة، وأشاد بها بعضهم واعتبروها خطوة نحو تحسين المجتمع وتعزيز العدالة، بينما انتقدها آخرون واعتبروها تسييساً للأحداث الرياضية وإقحاماً لأجندات اجتماعية لا علاقة لها بالرياضة، فيما اعتبر بعضهم أن الجدل يعكس التوترات المستمرة بين حرية التعبير الفني واحترام المقدسات الدينية، وهو نقاش يعود لقرون ويظهر بشكل متكرر في مختلف الثقافات والمجتمعات.

يقول أستاذ العلاقات الدولية والسياسات الخارجية خالد العزي إن "مصطلح Wokeism انتشر في الولايات المتحدة عام 1960 في محاولة لتشريعه كحركة إنسانية شعبية، وكأنه رد فعل على مصطلح الهيبيز والروك التي كانت تشكل عماد الحركة الثورية في ثورة الطلاب 1986 في فرنسا، وكانت رافعتها الفلسفة الوجودية". ويتابع أن "ذلك له علاقة بتغير الفكر الإنساني الحديث وظهور حال من الفلسفة الشاذة في العالم تبلورت في الولايات المتحدة في مرحلة الستينيات، عندما كانت أوروبا تواجه صورة اجتماعية وثورة طلابية، وباتت مفاهيم إنسانية جديدة تغزو الفكر الإنساني، ونرى اليوم عملية تحول في هذه المفاهيم لتصبح فرنسا في أولمبيادها مجبرة للانصياع لها. فاليقظة هو مصطلح قد تستخدمه مجموعات مختلفة من خلال إعادة مفهوم الهوية الخاصة بها، كونها مفاهيم ترسخ النهوض والوعي من الثبات وتحويل حلم اليقظة إلى حقيقة".

صراع بين اليمين واليسار

وذهب آخرون إلى وصف ما جرى بأنه صراع بين اليمين واليسار في فرنسا، وعادة ما يدور ذلك الصراع حول قضايا اقتصادية واجتماعية وثقافية، ويمكن أن يتأثر الأولمبياد بالقضايا السياسية، مثلما حدث في بعض الدورات السابقة، إذ شهدت المقاطعات أو الاحتجاجات من بعض الدول لأسباب سياسية. وبما أنه يمكن أن تستخدم الألعاب الأولمبية كمنصة للتعبير عن المواقف السياسية، يشير الجنرال المتقاعد والمتخصص في الأمن الوطني والدفاع يعرب صخر إلى "أن الأولمبياد كشف عن غوغائية اليسار، وتبين أن مسعاه التغييري قائم على انحلال الأخلاق وسقوط القيم والتحول خلاف الطبيعة، وهذا لا شك سيشوه ويزعزع أعرق الديموقراطيات القائمة على تيار الوسط، ويدفع اليمين في كل أوروبا نحو مزيد من التطرف".

ويقول الأكاديمي العزي إنها "محاولة تشويه القيم الانسانية والأخلاقية للبشر، وتقوم بها بعض قوى النفوذ المالي من أجل السيطرة والسطوة على مقاليد الحكم، ومن هنا بتنا في حال فوضى أخلاقية وإنسانية غير قانونية تتحدى مفاهيم البشرية الفلسفية والقانونية والدينية في تشريع المحرم وتحوير المفاهيم العامة لدى الإنسانية"، ويتابع "أن الانقلاب على الدين والأخلاق والإنسانية هو الفوضى بحد ذاتهـا والمثلية موجودة تاريخياً، وليس المطلوب الخوف منها ولا التستر عليها، وإنما معالجتها وبالطرق العلمية وليس العمل على تسويقها وتشجيعها في تهديد واضح للكيانات الإنسانية والبشرية، والدخول في حال شغب مع الدين والأخلاق والطب تحت مسمى الحرية الشخصية، وفي ضرب المجتمعات وتغيير طبيعتها من أجل مصالح طبية خاصة تشجع ممارسة هذه الأعمال البشعة، التي يدفع ثمنها الإنسان الطبيعي والأجيال المقبلة".

وهنا يفيد الجنرال يعرب صخر بأن "هناك خطاً واضحاً يربط بين صعود تيارات اليمين المتطرف في أوروبا وأميركا في الآونة الأخيرة، لا سيما بعد تصاعد العمليات الإرهابية في أوروبا وأميركا ومنطقة الشرق الأوسط، وموجات الهجرة واللجوء التي وجدت هذه التيارات فيها ملجأ ومتنفساً لتقديم نفسها، مما زاد من شعبيتها في السنوات الخمس الأخيرة، وتجسد في صعود أسهمها في عدد من دول أوروبا ثم اليوم في أميركا، بوصول اليميني المتطرف دونالد ترمب إلى رأس السلطة، وينذر بالمآل ذاتها في أوروبا، وقوة وشعبوية هذه التيارات بلغت مبلغاً أصبح يطغى على ميول الوسط (بيساره ويمينه)، الذي ميز الديموقراطية الغربية لعقود طويلة".

ويختم الأستاذ الجامعي خالد العزي أن "الطبقات الرأسمالية الأميركية التي عملت على نشر الفوضى العالمية بخلط الأوراق من خلال استخدام أوروبا في مواجهة هذا الصراع، وما شهدته دورة كرة القدم في قطر، حتى جاء الأولمبياد الفرنسي كمكان وإطلالة مهمة لنشر وتعويم الأفكار اللا أخلاقية عبر عاصمة العلم والتنوير والثقافة باريس، وما شاهدته العاصمة في يوم الافتتاح هو خريطة طريق بدأت من فرنسا المغلوب على أمرها لنجاح الألعاب والدخول في صراع بين اليمين المتطرف الذي أثبت وجوده ودوره في الانتخابات الأخيرة، وبين تعويم مصطلح حلم اليقظة الخارج من العباءة الفرنسية".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير