تبدو البنوك المركزية في دول الخليج أقرب إلى خفض أسعار الفائدة من أي وقت مضى، وسط تقديرات حديثة مفادها عزم صناع السياسة النقدية في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي، بدء التيسير النقدي وخفض الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس في سبتمبر (أيلول) المقبل.
تتعزز تلك التكهنات كما يظهرها تقرير حديث، على خلفية انحسار التضخم في تلك البلدان، والاتجاه المتزايد لدى مجلس الاحتياط الفيدرالي (البنك المركزي الأميركي) نحو خفض الفائدة في اجتماع سبتمبر المقبل، بعدما أبقى في يوليو (تموز) الماضي، على سعر العائد على الأموال الفيدرالية عند أعلى مستوى في 24 عاماً عند 5.50 في المئة للاجتماع الثامن على التوالي.
25 نقطة أساس
التقرير الصادر عن وكالة "فيتش سوليوشنز" حافظ على وجهة نظر مفادها بدء البنوك المركزية الخليجية ومعها البنك المركزي الأردني، في خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس أغسطس (آب) المقبل، بعدما اقتفت البنوك المركزية في السعودية وقطر وسلطنة عمان والبحرين والإمارات والكويت والأردن قرار السياسة النقدية لـ"الفيدرالي" نفسه، بسبب ربط عملاتها بالدولار الأميركي، مما يدفعها عادة إلى مواءمة سياساتها النقدية مع سياسات بنك الاحتياط.
ويأتي تراجع التضخم وتزايد المخاوف في شأن ضعف بيانات سوق العمل ليعززا وجهة النظر حول خفض أسعار الفائدة الأميركية في سبتمبر المقبل، وهو ما ترجح معه الوكالة اتجاه البنوك المركزية في معظم أسواق دول مجلس التعاون الخليجي والأردن لتنفيذ خفضين لأسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس هذا العام، بدءاً من أغسطس المقبل.
خفض أسعار الفائدة 2025
وفي عام 2025، يتوقع أن تستمر الأسواق المرتبطة بعملات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في دورة تخفيف أسعار الفائدة بما يتماشى مع بنك الاحتياط الفيدرالي، مما يؤدي إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس إضافية، وفق التقرير.
لكن ثمة تباينات في مقدار التيسير النقدي لدى بنوك المنطقة، فالاعتقاد السائد أن دورة التيسير النقدي في الكويت ستكون أقل عدوانية من نظرائها في بنوك مجلس التعاون الخليجي، إذ اختار بنك الكويت المركزي خفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس فقط هذا العام، وذلك لأن الدينار الكويتي مرتبط بسلة من العملات التي تهيمن عليها، على عكس العملات في السعودية والإمارات وعمان والبحرين وقطر والأردن، التي ترتبط مباشرة بالدولار، ونتيجة لذلك سينفذ بنك الكويت المركزي دورة تيسير أكثر تحفظاً لتقليل الفارق في أسعار الفائدة الاسمية مع الولايات المتحدة.
فوز ترمب
وتميل الأخطار التي تهدد توقعات "فيتش سوليوشنز" لأسعار الفائدة إلى الهبوط في الأمد القريب، فقد يختار بنك الاحتياط الفيدرالي خفض أسعار الفائدة ثلاث مرات بمقدار 25 نقطة أساس بحلول نهاية العام، وهو ما يدفع البنوك المركزية المرتبطة بعملات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى اتباع النهج نفسه، وفي عام 2025 تميل الأخطار إلى الصعود، وقد يؤدي فوز ترامب في سباق الانتخابات الأميركية إلى ضغوط تضخمية أقوى، وهو ما من شأنه أن يشجع بنك الاحتياط الفيدرالي، ومن ثم الأسواق المرتبطة بعملات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا على خفض أسعار الفائدة بأقل من 200 نقطة أساس.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
أما على صعيد توقعات التضخم فيشير التقرير إلى ترجيحات بتباطؤ معدله المتوسط المرجح في دول مجلس التعاون الخليجي من 2.2 في المئة عام 2023 إلى 1.7 في المئة عام 2024، ثم يستقر عند هذا المستوى عام 2025، ومع ذلك سيظل التضخم في دول مجلس التعاون الخليجي أعلى من متوسط 2015-2019 البالغ 1.1 في المئة.
تراجع التضخم في السعودية
وفي النصف الأول من العام الحالي، تراجع التضخم في السعودية والأردن والكويت وعمان وقطر، وهو ما يتوقع له أن يستمر في النصف الثاني من عام 2024 في هذه الأسواق بسبب انخفاض التضخم في أسعار المواد الغذائية، واستمرار الظروف النقدية الضيقة.
وعلى النقيض من أقرانهما، بلغ متوسط التضخم في الإمارات والبحرين أعلى مما كان عليه في النصف الأول من عام 2023، ويرجع ذلك جزئياً إلى ضغوط الأسعار الأقوى في مكون الإسكان في مؤشر أسعار المستهلك، مما يدفع معدي التقرير إلى توقع أن تؤدي أسعار الإسكان الثابتة إلى جانب ارتفاع أسعار الطاقة لإبقاء التضخم مرتفعاً في النصف الثاني من عام 2024.
ارتفاع وتيرة الأخطار الجيوسياسية
لكن التوقعات بتباطؤ التضخم تبقى مهددة، إذ تقول "فيتش" إن من شأن ارتفاع الأخطار الجيوسياسية أن يؤدي إلى صعود أسعار خام "برنت" النفطي إلى مستويات أعلى من التوقعات الحالية، مما يثقل كاهل الضغوط التضخمية في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك في الأردن، وإضافة إلى ذلك، إذا كان هناك نمو قوي ومستدام في أسعار الإيجارات، وبخاصة في أسواق مثل الإمارات والبحرين، فمن المرجح أن يتجاوز التضخم في هاتين السوقين توقعات الوكالة.
ويرسم التقرير مساراً متوقعاً للتضخم حال فوز دونالد ترمب في انتخابات الرئاسة الأميركية التي ستجرى في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل، فإذا عاد ترمب إلى البيت الأبيض، فإن المتوقع أن تفرض سياساته المختلفة ضغوطاً إضافية على التضخم في الولايات المتحدة، وهو ما من المرجح أن يدفع بنك الاحتياط الفيدرالي إلى اتباع مسار أكثر تشدداً، وهو ما من شأنه أن ينعكس في أسواق دول مجلس التعاون الخليجي، مما يؤدي إلى تثبيط نمو الأسعار بصورة عامة.