Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"خيال رخيص": فيلم خرق قواعد هوليوود وحول تارانتينو إلى أيقونة

تحتفي دراما الجريمة الجريئة بمرور 30 عاماً على إصدارها، لكنها لا تزال حاضرة بقوة في الحوار الثقافي. ننظر في صناعة فيلم صدم العالم عند إطلاقه لكنه تحول في ما بعد إلى أحد كلاسيكيات السينما التي يقتبس الناس من حواراتها الرائعة، بمن فيهم ترمب نفسه.

أغرب من الخيال: جون ترافولتا وصامويل إل جاكسون في فيلم "خيال رخيص" (ميراماكس)

ملخص

أدهش "خيال رخيص" وأثار إعجاب حتى أصعب النقاد إرضاءً وأكثرهم قسوة

في حفل إفطار أقيم لأتباع الكنيسة الإنجيلية في ميلووكي الأسبوع الماضي، وبشكل غير متوقع، بدأ جي دي فانس، الشخص الذي اختاره دونالد ترمب ليكون المرشح الجمهوري الجديد لمنصب نائب الرئيس، بالحديث عن فيلم كوينتين تارانتينو الكلاسيكي "خيال رخيص" Pulp Fiction الصادر سنة 1994.

المشهد الذي ترك انطباعاً كبيراً لدى السياسي الآتي من أوهايو ومؤلف كتاب "مرثية الريف" هو أحد أكثر المشاهد دموية في الفيلم. الجانح العنيف جولز (يجسده صامويل إل جاكسون) المغرم بالاقتباس من الإنجيل، الذي يسميه فانس "أحد علماء اللاهوت المفضلين لدي"، كان قد أطلق للتو النار على شاب محتال. فجأة، يخرج رجل آخر كان يختبئ في الحمام ويصرخ "موتوا أيها الأوغاد!" بينما يفرغ ثلاث رصاصات باتجاه جولز وشريكه فينسنت (يجسده جون ترافولتا). لكن بطريقة ما، تخطئ جميع الطلقات هدفها. يرفع جولز وفينسنت مسدسيهما بحركة متزامنة تماماً ويقتلان الرجل. في هذه اللحظة، يبدأ جولز في الحديث عن "التدخل الإلهي".

يقول جولز، "كان يجب أن نموت... ما حدث لم يكن حظاً"، وهي جملة يتردد صداها بشكل غريب في تصريحات ترمب بعد نجاته من محاولة اغتيال في وقت سابق من هذا الشهر (قال ترمب: "كان من المفترض أن أكون ميتاً!") وبطريقة غريبة أيضاً، أصبح فيلم تارانتينو الذي سيعاد عرضه في المملكة المتحدة الشهر المقبل لمناسبة الذكرى الـ30 لإصداره، جزءاً من النقاش الحالي في الانتخابات الرئاسية الأميركية.

منذ عرضه لأول مرة في مهرجان كان السينمائي سنة 1994 (إذ فاز بالسعفة الذهبية)، خلق الفيلم نوعاً من الولاء شبه العقائدي لدى جمهور عريض من المعجبين حول العالم. ستجدون إشارات إلى "خيال رخيص" في كل مكان، من فيديوهات أغنيات أريانا غراندي إلى حلقات مسلسل "آل سمبسون" The Simpsons. ومع ذلك، ما من شيء يشبهه منذ ذلك الحين. ولا عجب أن استطلاع النقاد المؤثر الذي أجرته مجلة "سايت أند ساوند" Sight and Sound سنة 2022 صنفه بين أعظم الأفلام التي أُنتجت على الإطلاق.

مرت 32 سنة منذ أن بدأ الكاتب والمخرج الجريء الشاب آنذاك العمل على نص فيلمه بخط اليد في شقته الصغيرة ذات الغرفة الواحدة في أمستردام. تلك "المئات من الصفحات المكتوبة بخط غير مقروء" التي حملها تارانتينو معه من هولندا أصبحت أساساً للفيلم الذي أنقذ مسيرة جون ترافولتا وحول صامويل إل جاكسون من ممثل عادي إلى نجم لامع. ينسب إلى هذا الفيلم أيضاً الفضل في إنشاء نوع جديد من أفلام الجريمة، يجمع بين الأناقة والمرح.

أدهش "خيال رخيص" وأثار إعجاب حتى أصعب النقاد إرضاءً وأكثرهم قسوة. تفاعل كثر مع ظهوره وكأنه انبعاثة ثانية للسينما، ووصفوه بتعابير مثل "مثير"، "ينضح بالطاقة مثل مولد غاز الأوزون"، و"كينغ كونغ أفلام الجريمة".

"خيال رخيص" عمل يزخر بالألوان الزاهية والإثارة المقصودة، ومع ذلك، يمتاز ببنية سردية معقدة كتلك التي تجدونها في رواية حداثية عميقة. إنه فيلم أنطولوجيا [فيلم يتكون من عدة قصص أو أجزاء قصيرة، لكل منها حبكة وشخصيات خاصة بها، وغالباً ما تكون متصلة ببعضها بعضاً من خلال موضوع مشترك أو سرد شامل] مكون من ثلاث قصص مترابطة (عمل المخرج على كتابتها بالاشتراك مع الكاتب روجر أفاري). صيغت الشخصيات الرئيسة في الفيلم على غرار نماذج تقليدية مألوفة من أفلام هوليوود ذات الموازنات المنخفضة، لكنها جميعاً تحمل لمسة تارانتينو المميزة. يقدم المخرج لصوصاً ساخرين يرتدون بدلات داكنة، يشبهون في أناقتهم وسخريتهم ملائكة الموت الأنيقين اللذين جسدهما لي مارفين وكلو غولاغر في فيلم "القتلة" The Killers الصادر عام 1964 للمخرج دون سيغل. أما الملاكم المنهك بوتش كوليدج (يجسده بروس ويليس)، الذي طلب منه النزال في مباراة، يشبه إلى حد كبير الملاكم العجوز المتغضن الذي مثله روبرت رايان في فيلم "التجهيز" The Set-Up الصادر سنة 1949 للمخرج روبرت وايز.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وفي ما يتعلق بـميا، زوجة زعيم العصابة التي قامت بدورها أوما ثورمان، فهي تجسد نسخة حقبة التسعينيات من النساء القاتلات في أفلام "نوار" Noir [نوع سينمائي يتميز بأسلوبه البصري المظلم والكئيب وموضوعاته التي تتضمن الجريمة والغموض الأخلاقي والشخصيات المعقدة المعيبة]، مثل ريتا هيوارث في "غيلدا" Gilda (1946) أو آفا غاردنر في نسخة المخرج روبرت سيدماك التي قدمها عام 1946 من فيلم "القتلة" The Killers، لكنها تمتلك تسريحة شعر على غرار شخصية آنا كارينا في أفلام الموجة الجديدة الفرنسية في أوائل الستينيات.

في عالم تارانتينو، حتى اللحظات الأكثر توتراً يمكن أن تتحول إلى مشاهد مليئة بالخفة والمرح. خير مثال على ذلك، عندما تتناول ميا جرعة زائدة من المخدرات معرضة حياتها للخطر، فيتم إنعاشها بحقنها بجرعة من الأدرينالين في قلبها. وبينما يحاول فينس الذي يجسده ترافولتا وتاجر المخدرات المتهالك لانس (إيريك ستولز) إنقاذها يقدم تارانتينو المشهد بلمسة كوميدية بدلاً من أن يكون محملاً بالجدية التراجيدية، إذ يمزج بين الفوضى والمزاح بطريقة تجعلك تشعر بالخوف وتضحك في الوقت ذاته. أو كما تصفه جودي زوجة لانس (روزانا أركويت)، مشهد "مجنون للغاية".

في الوقت ذاته، يقدم تارانتينو واحداً من مشاهد الرقص الأكثر إمتاعاً في سينما التسعينيات، إذ نشاهد ترافولتا وثيرمان يرقصان على أنغام أغنية "لا يمكنك التنبؤ أبداً" لـتشاك بيري في نادي "جاك رابيت سليم" الليلي.

"كان مشروعاً ثورياً ومهماً للغاية"، هكذا تصف الممثلة البرتغالية ماريا دي ميديروس فيلم "خيال رخيص". تتابع في حديثها، "لقد خرق تماماً جميع قواعد كتابة السيناريو في هوليوود". بداية، الفيلم مليء بالحوار، على عكس القاعدة الآمنة التقليدية التي تدعو إلى "عرض" الأحداث بدلاً من "إخبارها". لكن تارانتينو يفضل الكلمات على الفعل في كثير من الأحيان، ثم يأتي نهجه في بناء الشخصيات، شخصية فينسينت فيغا، التي يجسدها ترافولتا، تقتل فجأة في منتصف الفيلم - وهو قرار شبه انتحاري من المخرج والكاتب (رغم أن تارانتينو يخفف من هذا القرار من خلال لعبه بالأحداث الزمنية، قافزاً إلى الوراء والأمام في الزمن، مما يتيح لـترافولتا أن يستمر في الظهور بعد موته).

 

قد يكون فينسنت أقرب ما يكون إلى البطل التقليدي في الفيلم، لكنه في الحقيقة قاتل مدمن للمخدرات. في أحد المشاهد، يطلق النار من طريق الخطأ على مجرم صغير مسكين يدعى مارفين في وجهه، ليتناثر دمه ودماغه في السيارة. المشهد مرعب تماماً، لكن تارانتينو يتعامل بطريقة ما مع اللحظة بأسلوب فكاهي، إذ يبدأ جاكسون وترافولتا في التنابز كزوجين غريبين مضحكين من مسلسل كوميدي، وهما مجبران على تنظيف الفوضى التي نجمت عن إطلاق النار.

كان تارانتينو شخصاً شديد الذكاء، كالإسفنج، يتشرب كل ما يحيط به من معرفة

الممثلة ماريا دي ميدوروس

 

تلعب دي ميديروس دور فابيين، الحبيبة الفرنسية الساحرة للشخصية التي يجسدها بروس ويليس، التي تختبئ معه في غرفة في أحد الفنادق بعد أن قتل خصمه الأصغر سناً في الحلبة. عندما ظهرت في "خيال رخيص" كانت ميديروس معروفة على مستوى عالمي بدورها البارز في فيلم السيرة الذاتي المثير "هنري وجون" Henry & June (1990)، إذ جسدت شخصية الكاتبة أنيس نين، بينما قامت أوما ثورمان بدور زوجة ميلر، جون. كانت ميديروس قد التقت تارانتينو في مهرجان في أفينيون الذي شهد عرض فيلمه الأول "كلاب المستودع" Reservoir Dogs (1992). تقول ميديروس، "أعتقد أنها كانت واحدة من أولى رحلات تارانتينو إلى أوروبا، إذ اكتشف الفروق الثقافية وأدخل تلك التجارب في كتابة سيناريو فيلم ’خيال رخيص’". وتقول إن من بين تلك الفروق المثيرة، كان اكتشافه المدهش أن كثيراً من الأوروبيين يفضلون وضع المايونيز على البطاطا المقلية بدلاً من الكاتشب.

وجدت ماريا دي ميديروس في تارانتينو "شخصاً شديد الذكاء، كالإسفنج، يتشرب كل ما يحيط به من معرفة". ولدهشتها، اكتشفت أنه شاهد فيلم "هنري وجون" الذي مثلت فيه. كانت ذائقته الثقافية أوسع بكثير من صيت "ملك أفلام الاستغلال" الذي اشتهر به. قابلته الممثلة مرة ثانية في مهرجان آخر في ساو باولو، ثم أرسل إليها سيناريو فيلم "خيال رخيص". أدركت فوراً أن النص كان "عبقرياً، حقاً مميزاً جداً، ومهيباً". قالت لنفسها، "’أتمنى أن أشارك في هذا العمل’. ما يميز سينما تارانتينو أنها مكتوبة ببراعة، مثل مسرحية متقنة. لا يغير الممثلون حرفاً واحداً، وكل شيء في الفيلم دقيق للغاية. لكنه إضافة إلى ذلك، يتميز بالروعة، فهو فكاهي بشكل مدهش وذكي جداً".

 

كانت موازنة "خيال رخيص" 8 ملايين دولار فقط، وهو مبلغ متواضع للغاية بالنسبة لأفلام هوليوود الكبيرة. ومع ذلك، فقد حقق الفيلم إيرادات عالمية مذهلة تجاوزت الـ200 مليون دولار. لكن، على رغم إشادة النقاد والجماهير، لم يسلم الفيلم من الجدل. إحدى القضايا المقلقة اليوم هي الدور الذي لعبه مدير شركة التوزيع الخاصة بالفيلم، هارفي واينستين، الذي أصبح الآن مداناً ومسجوناً بتهم التحرش الجنسي.

تحدث تارانتينو عن واينستين ضمن مدونة صوتية مع جو روغان في عام 2021، قائلاً، "كان [واينستين] أشبه بوالد... لكنه والد معقد ومشوش". وأثنى تارانتينو على واينستين لأنه سمح له بالإبقاء على مشهد تعذيبي تقطع فيه أذن أحد الممثلين في فيلم "كلاب المستودع" ولموافقته على إسناد دور فينسنت في "خيال رخيص" لـترافولتا في وقت كان نجم بطل فيلم "حمى ليلة السبت" Saturday Night Fever قد بدأ يخبو واقتصر ظهوره على أفلام للأطفال مثل "انظر من يتكلم" Look Who’s Talking. بينما كان تارانتينو على دراية ببعض سلوكيات واينستين الاستغلالية، إلا أنه أشار في حديثه إلى روغان إلى أنه لم يكن يعلم بتفاصيل الاعتداءات الجنسية، وكان يعتقد أن تصرفاته مجرد "تجاوزات من رئيس الشركة تجاه موظفيه".

في خضم الجدل الدائر حول "خيال رخيص" يبرز محتوى الفيلم كمسألة أخرى ذات طابع حساس. كما أوضح تارانتينو في كتابه "تكهنات سينمائية" الصادر عام 2022 وفي نقاشه المطول مع جو روغان، فإنه يكره الرقابة الذاتية والصواب السياسي اللذين ارتبطا بسينما الثمانينيات الأميركية، إذ كان كل ما يهم هو أن تكون الشخصيات في الأفلام "محببة" للجمهور. أثناء عمله في بداية شبابه في متجر تأجير أشرطة فيديو، كان يتوق إلى نهج أكثر جرأة وتحدياً في صناعة الأفلام، وهو ما جسده بالفعل في فيلمي "كلاب المستودع" و"خيال رخيص".

في حديثه مع روغان، يحذر تارانتينو من "أننا نعيش الآن في الجزء الثاني من الثمانينيات، باستثناء أن قائمة المحظورات المشابهة لما كان يحدث في زمن مكارثي باتت أطول". هذا مسار محفوف بالأخطار بالنسبة للمخرج. اتهمه معارضوه بالترويج للكراهية تجاه النساء، والعدمية، والعنف العشوائي. كتبت مجلة "ذا سبيكتيتر" عن النسخة المكتوبة التي أصدرها عام 2022 من فيلم "حدث ذات مرة في هوليوود" Once Upon a Time in Hollywood أن "صوت المؤلف يظل جلفاً وصادماً، وسادياً حتى في تعامله مع الشخصيات النسائية". كما تعرض لانتقادات من قبل زميله المخرج سبايك لي وآخرين بسبب "استيلائه على واستغلاله" للثقافة السوداء، بما في ذلك استخدامه المتكرر للألفاظ العنصرية في نصوصه.


رغم اتهامها أحياناً بالقسوة والعنصرية، فإن أفلام تارانتينو تحمل روحاً فكاهية وابتكارية وسخاء يجهضان كل المحاولات لتصويرها بأنها وضيعة أو عنصرية أو رجعية. تشير دي ميديروس إلى اللمسة "الرقيقة" التي أضافها تارانتينو على مشاهدها مع بروس ويليس في "خيال رخيص". وتشرح قائلة، "كانت الرقة واضحة في النص المكتوب أيضاً. تلك المشاهد التي نرى فيها الثنائي يتحاوران حول الصدمة الثقافية – كيف يمكن لثقافتين مختلفتين تماماً أن تتقاربا ويتولد الحب بينهما. إنها تبدو في قمة الضعف والهشاشة بين يدي الملاكم. التباين في هذه الصورة يجعلها في غاية الجمال".

 كما تشير إلى الأجواء "الودية واللطيفة" التي خلقها المخرج أثناء العمل. وتضيف، "تلك الحرية الرائعة في التعبير التي منحنا إياها كانت ثورية، وربما هي السبب في أن الفيلم، بعد 30 عاماً، لا يزال يعد عملاً عبقرياً ومرجعاً سينمائياً... كنا نستمتع كثيراً بمجرد الاستماع إليه ومشاهدته".

لذا، قد يكون من غير المتوقع أن فيلماً بهذه الغرابة والعنف يستمر في التأثير، سواء لدى سياسيي الحزب الجمهوري أو لدى الجمهور بصورة عامة. لكن هذا ما هو عليه "خيال رخيص". فيلم يشعرك بالرضا مثل "تناول هامبرغر اللحم مع الجبن"، ثم يصدمك مثل طلقة نارية أصابتك في المعدة.

سيتم في 23 أغسطس (آب) طرح نسخة عالية الدقة من فيلم "خيال رخيص" لمناسبة مرور 30 عاماً على إصداره.

© The Independent

اقرأ المزيد

المزيد من سينما