Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأت روسيا تغرق في أوحال الساحل الأفريقي؟

بعض يعتبر أن "الغضب يزداد تجاه موسكو لأن شعوب المنطقة نفد صبرها أمام الخسائر التي يتكبدها أبناؤهم في الجيوش الوطنية

استبدلت دول مالي وبوركينافاسو والنيجر الحليف الفرنسي التقليدي بروسيا (رويترز)

ملخص

"المنطقة تتسم بتضاريس صعبة ومخابئ أنشأها المسلحون منذ عقود يصعب كشفها، لذلك وعلى رغم المكاسب السريعة التي حققتها روسيا فور دخولها مثل السيطرة على كيدال في مالي وتأمين حكم الجنرال إبراهيم تراوري في بوركينافاسو، فإن الطريق لن تكون مُعبدة أمام روسيا التي قد تواجه مصير فرنسا".

عندما عقدت روسيا تحالفات مع المجالس العسكرية التي وصلت إلى الحكم للتو في الساحل الأفريقي قبل ثلاثة أعوام، لم يكن أحد يتوقع أن تكون مهمتها في ملء الفراغ الذي تركته فرنسا مُعقدة بهذه الصورة، إذ باتت أذرعتها في المنطقة تتكبد خسائر فادحة في مواجهة الجماعات المسلحة هناك.

وأحدث هذه الخسائر ما أُعلن في مالي حيث قُتل ما لا يقل عن 84 عنصراً من مجموعة "فاغنر" شبه العسكرية الروسية في معارك مع الحركات الأزوادية المتمردة في شمال مالي، وذلك خلال محاولة الجيش المالي وحلفائه الروس انتزاع السيطرة على مناطق غنية بالذهب هناك.

ولم يكد يمر يومان حتى أعلنت جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" في النيجر احتجاز رهينتين روسيتين، مما يثير تساؤلات عما إذا كانت روسيا قد بدأت بالفعل تغرق في أوحال منطقة الساحل الأفريقي، وهي منطقة تدخلت فيها فرنسا لعقود من دون أن تُحقق مكاسب ميدانية ضد المتمردين والإرهابيين.

وإثر موجة من الانقلابات العسكرية، استبدلت دول مالي وبوركينافاسو والنيجر الحليف الفرنسي التقليدي بروسيا في مسعى إلى إنهاء حركات تمرد ونشاط مكثف لجماعات مرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش".
في موازاة ذلك، أعلن الجيش الأميركي الاثنين أن الولايات المتحدة "أنجزت" انسحابها من قاعدة أغاديز، الأخيرة لها في النيجر بعد أن طلب منها النظام العسكري الذي يتولى السلطة منذ عام في نيامي، المغادرة في مارس (آذار) الماضي.
وأوضحت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا (أفريكوم) أن الانسحاب من أغاديز "بدأ في مايو/ أيار" و"سيستمر التنسيق بين القوات المسلحة الأميركية والنيجرية خلال الأسابيع المقبلة لضمان إتمام الانسحاب الكامل كما هو مخطط له" بدون أن تحدد ما إذا كان لا يزال هناك جنود أم معدات فقط.

هزيمة قاسية لكن

وعلى رغم الخسائر التي تكبدتها أخيراً، فإن روسيا لم تتردد في تجديد دعمها لمالي التي يحكمها مجلس عسكري ناتج من انقلاب، وهو ما يعكس تمسكاً من موسكو بمواقعها في أفريقيا التي قد تشكل ورقة رابحة في سياق المواجهة مع القوى الغربية.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، خلال اتصال مع نظيره المالي، عبدالله ديوب، إن "روسيا تؤكد مجدداً وقوفها بثبات إلى جانب مالي وكونفدرالية الساحل التي تضم النيجر وبوركينافاسو ومالي".

وشارك عشرات من الروس في تأبين مقاتلي "فاغنر" الذين قضوا في مالي في واحدة من أشد المعارك دموية، التي دارت في مدينة تينزاوتن قرب الحدود مع الجزائر.

وتنفي روسيا أن تكون قد زجت بعناصر مجموعة "فاغنر" في الساحل الأفريقي، وتقول إن أتباعها هناك هم من مدربين ومستشارين أرسلوا بموجب اتفاقات مع دول المنطقة.

وقال الباحث السياسي الموريتاني المتخصص في شؤون الساحل الأفريقي سلطان ألبان، إن "روسيا جاءت إلى أفريقيا وتحديداً إلى منطقة الساحل من أجل تحقيق مصالح إستراتيجية على المدى البعيد، وإسقاط معارك ’فاغنر‘ في الشمال المالي باعتباره هزيمة لروسيا، هو إسقاط غير دقيق".

وتابع ألبان في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن الخسارة التي تعرضت لها "فاغنر في المعركة الأخيرة مع المجموعات الأزوادية هي هزيمة قاسية بالفعل لكن في عملية قتالية لن تكون الأخيرة".

وشدد على أن "المجموعات المسلحة في شمال مالي سواء الانفصالية أو الإرهابية لم تُحقق أي تقدم ميداني على مستوى توسيع دائرة النفوذ أو حتى استرجاع مناطق أو مدن كان قد سيطر عليها الجيش في الفترة الأخيرة، وهو أمر إذا حصل كان سيعد بالفعل هزيمة فعلية، روسيا لم تنهزم بعد وليست على خطا فرنسا".

واستنتج ألبان أن "ما حدث هو اختبار قتالي جاد واجه مجموعة ’فاغنر‘ الروسية في منطقة الساحل الأفريقي، في الحقيقة الصراع في مالي صراع تاريخي معقد اختلط بآفة الإرهاب وطرقه، وستبقى روسيا وذراعها ’فاغنر‘ والجيش المالي يقاتلون تلك الجماعات المتخفية في مساحات شاسعة وفي تضاريس صعبة جداً وغير معلومة في عملية قتال مُعقدة لا غالب فيها ولا مغلوب، حتى تتغير معادلة الصراع وتُرسم خطة سياسية جادة لحل هذه الأزمة لأن الصراع تاريخي وطويل ومُتجدد".

مؤشر خطر جداً

والتطورات الميدانية الأخيرة لا يمكن فصلها عن تصعيد كلامي في منطقة الساحل الأفريقي تجاه روسيا، إذ سبق أن دعا قائد جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" التي بايعت في وقت سابق تنظيم "القاعدة" الإرهابي، إياد آغ غالي، المسلمين إلى قتال روسيا و"فاغنر".

وتملك جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" نفوذاً في كل من مالي والنيجر ومناطق حدودية أخرى، مما يضع روسيا أمام سيناريوهات عدة في سياق تدخلها في منطقة الساحل الأفريقي.

واعتبرت الباحثة في شؤون الساحل الأفريقي ميساء نواف عبدالخالق، أن "ما حدث مؤشر خطر جداً لروسيا، لكن شمال مالي يريد الانفصال، الشعب الأزوادي له سخط تجاه روسيا الآن لأنه يرى أنها تدعم الجيش المالي لتقويض الدولة التي يطمحون إلى إقامتها وتأسيسها وفصلها عن الدولة الأم".

وأوضحت عبدالخالق صاحبة مؤلف "القاعدة وداعش وصراعهما في الساحل الأفريقي" في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أن "روسيا لم تأت إلى مالي أو النيجر أو دول أخرى إلا في إطار الحفاظ على مصلحتها، لا ندري إلى أي حد ستستطيع وضع حد للإرهاب ولنشاط المجموعات التي تسعى إلى الانفصال في شمال مالي".

وأضافت متسائلة "هل سنشهد في الفترة المقبلة سخطاً ضد روسيا أسوة بالسخط الذي حصل ضد فرنسا؟".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

مُهمة مُعقدة

وقبل أعوام أطلقت فرنسا عملية "برخان" العسكرية وهي عملية مشتركة مع الجيوش المحلية في دول الساحل الأفريقي الخمس، بوركينافاسو ومالي والنيجر وتشاد وموريتانيا، على أمل إنهاء حركات التمرد والجماعات المرتبطة بـ"القاعدة" وتنظيم "داعش"، لكن عملياتها باءت بالفشل.

ومن غير الواضح ما إذا ستنجح روسيا، التي تسعى إلى تنويع أدوات تدخلها في الساحل الأفريقي، في خلافة فرنسا بالصورة التي تحقق نتائج حاسمة ضد المجموعات المسلحة في المنطقة.

وأخيراً زجت روسيا بـ"لواء الدب" الذي كثف نشاطه في الساحل الأفريقي وتحديداً في دولة بوركينافاسو، فيما تنشط عناصر "فاغنر" بكثافة في مالي، وهو أمر كشفت عنه عملية السيطرة على مدينة كيدال معقل المتمردين، في نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حين رفعت عناصر من "فاغنر" علم المجموعة ولوحت به فوق أسطح المدينة باعتباره دلالة على وجودهم هناك.

ورأى الصحافي والمتخصص العسكري التشادي إيريك توبونا، أن "الوضع في الساحل الأفريقي وتداخل مصالح الجماعات الإرهابية مع المجموعات الانفصالية والمتمردين يجعل من مهمة روسيا معقدة للغاية مثل أية دولة أخرى تتطلع لأداء دور هناك".

وأبرز توبونا في تصريح خاص أن "المنطقة تتسم بتضاريس صعبة ومخابئ أنشأها المسلحون منذ عقود يصعب كشفها، لذلك وعلى رغم المكاسب السريعة التي حققتها روسيا فور دخولها مثل السيطرة على كيدال في مالي وتأمين حكم الجنرال إبراهيم تراوري في بوركينافاسو، فإن الطريق لن كون مُعبداً أمام روسيا التي قد تواجه مصير فرنسا".

وأكد أن "الغضب يزداد ويتفاقم تجاه روسيا لأن شعوب المنطقة نفد صبرها أمام الخسائر التي يتكبدها أبناؤهم في الجيوش الوطنية وأيضاً أمام الحواجز التي تقف أمام تحقيق التنمية والتقدم ومواطن الشغل".

وختم توبونا بالقول إن "روسيا ستكون مطالبة برد فعل قوي في المرحلة المقبلة على الهزيمة التي تعرضت لها عناصرها أخيراً، لا سيما في ظل التزامات الحكومة العسكرية في مالي بمنح الذهب وثروات أخرى في الشمال لموسكو وأنقرة كذلك".

المزيد من تقارير