Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أموال التبرعات "ثقب أسود" في جسد الديمقراطية الأميركية  

هل حان وقت تغيير النظام الانتخابي الرئاسي بسبب عدم عدالة الوضع الحالي؟

هل أغفل الآباء المؤسسون للولايات المتحدة الأميركية إشكال تمويل الحملات الانتخابية؟ (اندبندنت عربية)

ملخص

أول من تنبه لإشكالية التبرعات الانتخابية وجمعها وما يدور من حولها من مثالب كان الرئيس ثيودور روزفلت عام 1905، الذي أدرك مبكراً الحاجة إلى إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، ودعا إلى سن تشريعات لحظر مساهمات الشركات لأغراض سياسية

خلال أسبوع واحد من إعلانها الدخول في سباق الانتخابات الرئاسية، وحتى قبل أن تضحي رسمياً المرشح الرسمي للحزب الديمقراطي، حصدت نائبة الرئيس الأميركي كمالا هاريس على 200 مليون دولار تبرعات من المانحين الديمقراطيين، أولئك الذين يتطلعون إلى أن يروها الرئيس المقبل في البيت الأبيض.

يبدو الحصاد وفيراً إلى درجة تثير التساؤلات العديدة عن المانحين وما وراء هذا السخاء، وعن الدور الذي يقوم به المال في الانتخابات الرئاسية الأميركية بشكل عام، إذ مكنت تبرعات صغيرة لا تتجاوز 10 أو 20 دولاراً باراك أوباما من الدخول إلى البيت الأبيض والبقاء فيه لثماني سنوات، ثم وهذا هو الأهم عن تقاطعات وتجاذبات عملية تمويل الانتخابات مع سياقات الديمقراطية، إذ من لديه يمكنه التأثير، فيما الفقراء يزداد تهميشهم في الحال والاستقبال.

كثيراً ما ارتفعت الأصوات في الداخل الأميركي، منذرة ومحذرة من ارتهان القرار السياسي الأميركي لجماعات الضغط المختلفة، وفي مقدمها الممولون، من منطلق أن من "يدفع للجوقة هو من يحدد اللحن".

لكن على رغم ذلك لم يقدر للمحكمة العليا أن تحسم هذه  القضية حتى الساعة قانونياً، وإن كانت أدبياً وأخلاقياً تختصم كثير من مساحة الديمقراطية الحقيقية، وتفتح المجال واسعاً  للقوى الماورائية لإعادة تشكيل الولايات المتحدة كيفما يحلو لها.

هل من يصدق أنه في أوقات انتخابات رئاسية كان من اليسير لبعض الآسيويين التبرع لحملة المرشح الرئاسي بنحو 100 ألف دولار، وفي المقابل يمكنه قضاء الليل مع زوجته في محل سكن إبراهام لنكولن، وفي الصباح تناول الإفطار مع الرئيس في حديقة البيت الأبيض؟

من هذا المنطلق تبدو أميركا سوقاً واسعاً، كل شيء فيها معروض للبيع، ضمن سياقات الرأسمالية المتوحشة، حتى  مقام الرئاسة.

هل أغفل الآباء المؤسسون إشكال تمويل الحملات الانتخابية، من عند أصغر بلدية في أبعد ولاية، وصولاً إلى البيت الأبيض، أم أن هذا المشهد هو نتاج طبيعي لتطور المشهد السياسي في ارتباطه مع نمو الاقتصاد، وهيمنة المدينة التي تنظر لنفسها على أنها ساكنة فوق الجبل؟

التبرعات الانتخابية... نظرة تاريخية

بلغت التبرعات الانتخابية لحملة الرئاسة 2020، مع التجديد النصفي للكونغرس وقتها 14 مليار دولار، وهو أعلى رقم شهدته انتخابات رئاسية أميركية منذ التأسيس.

مشهد كان له أن يجعل جورج واشنطن، الرئيس الأول لأميركا، يقف حائراً، سواء في شأن مصادر تلك الأموال، أم طرق إنفاقها، وتداعيات الأمر على حرية عملية الاقتراع، سيما أن مفهوم التبرعات كان غائباً عن الرؤساء الأوائل، الذين كانوا جزءاً من ثقافة سياسية تقول إنهم وليس داعموهم من يقدمون المنح والهدايا لنيل رضا الجماهير الأميركية  وللتصويت لهم.

حتى أوائل سبعينيات القرن الـ20، نادراً ما كان السياسيون يطلبون مساهمات من الأفراد، بينما اليوم يشكل المانحون الأفراد الجزء الأكبر من قاعدة المساهمين في الحملات الانتخابية.

عام 2008 استطاعت تبرعات من فئة 10 و20 دولاراً وبأرقام هائلة من عموم الولايات أن تتيح للسيناتور باراك أوباما شراء أوقات دعاية على التلفزة والإذاعة الأميركية في أوقات مميزة، مما وفر له دعاية طيبة قادته إلى البيت الأبيض.

يعتمد نظام الانتخابات الأميركي على جمع الأموال وتمويل المرشحين مع زيادات ضخمة في كل موسم انتخابي، وهو ما تعمل لجنة الانتخابات الفيدرالية على تنظيمه للحد من تأثير المال في الانتخابات.

ماذا عن هوية تلك اللجنة؟

باختصار غير مخل، هي وكالة تنظيمية مستقلة مكلفة بإدارة  وتنفيذ تمويل الحملات الفيدرالية، وتتمتع بالولاية القضائية على تمويل الحملات الانتخابية لمجلس النواب ومجلس الشيوخ والرئاسة ونائب الرئيس في الولايات المتحدة.

على موقعها في الشبكة العنكبوتية، تقول اللجنة إن أول من تنبه لإشكال التبرعات وجمعها وما يدور من حولها من مثالب كان الرئيس ثيودور روزفلت عام 1905، الذي أدرك مبكراً الحاجة إلى إصلاح تمويل الحملات الانتخابية، ودعا إلى سن تشريعات لحظر مساهمات الشركات لأغراض سياسية.

بعد مرور أكثر من 120 عاماً من رؤية روزفلت هذه، لا يزال جرح التبرعات ثخيناً في الجسد الأميركي، ومن غير أدنى مقدرة على مداواته، سيما في ظل التعديل الأول للدستور الأميركي، كما فسرته المحكمة العليا، إذ لا يمكن إجبار أي فرد أو جماعة برقم محدد لا يتجاوزونه في تبرعاتهم في إنفاقهم على العملية الانتخابية.

هنا يبدو من الواضح جداً أن أولئك الذين لديهم قدرة بعينها  على جمع التبرعات والحصول على الأموال سترجح كفتهم أمام منافسيهم، مهما كانت قدراتهم السياسية.

في تاريخ الانتخابات الرئاسية الأميركية خلال العقدين الماضيين أمثلة عديدة تدلل على موثوقية ما نقول به، وما جرى في الانتخابات الرئاسية عام 2000 بين المرشح الجمهوري جورج بوش الابن والمرشح الديمقراطي آل غور خير دليل.

على أنه قبل الدخول إلى عمق هذه الجزئية، ربما ينبغي لنا أن نتساءل: هل مسألة التمويل، هي عملية عشوائية تجري بها المقادير من غير هدى، أم أن الأمر أكثر عمقاً وتدبيراً، بل وترتيباً من ذلك، وبما يقطع بوجود الدولة الأميركية العميقة، قولاً وفعلاً؟

في كتابه THE POWER ELITE الصادر عام 1956 يوثق الكاتب الأميركي "سي. رايت ميلز" كيف قوت الحرب العالمية الثانية ثالوث السلطة في الولايات المتحدة، ذاك الذي يجمع بين نخب الشركات الضخمة، والجيش والحكومة في هيكل سلطة مركزي تحركه المصالح الطبقية، ويعمل بانسجام من خلال الدوائر العليا للاتصال والاتفاق. ويصف ميلز كيف أن نخب السلطة هي هؤلاء "الذين يقررون أي شيء يتخذ في شأنه قرار وله نتائج مهمة"، هل من مثال واضح على هذا الكلام؟

بوش الابن يكسب وآل غور يخسر

إليكم مثالاً حياً على كيفية بيع وشراء الأصوات الانتخابية عبر ما يقوله "غريغ بالاست" الكاتب الأميركي الشهير وأفضل من كتب في هذا الإطار، إذ يعطينا مثالاً بالانتخابات الرئاسية عام 2000 وعام 2004 التي استطاع فيها جورج بوش الابن تحقيق نصر رئاسي مبين، عبر مليارات الدولارات التي دخلت حملته الانتخابية، مما حرم منافسه آل غور من فرصة منافسة حقيقية.

لم يكن جورج دبليو بوش ليتمكن من جمع هذه الملايين من الدولارات لحملته الانتخابية، لو كانت كنيته جونز أو سميث. فبينما كان المرشحون الآخرون يتوسلون ويناشدون ويتملقون للحصول على الهبات، أضاف آل بوش طريقة مبتكرة ومرتجلة إلى كيفية صيد النقود، لم يكن باستطاعة المنافسين محاكاته فيها، ألا وهي عمل بوبي (لقب جورج بوش الأب) في ما بعد مرحلة البيت الأبيض، كخبير ومستشار لشركات النفط الاميركية العملاقة.

شكل هذا العمل العامل الرئيس في بدانة صندوق تبرعات حملة جورج دبليو، وزاد الثروة الصافية للعائلة بنسبة بضع مئات في المئة.

معظم أموال بوش يخبر مركز الأساليب السياسية الحساسة جاءت على شكل أموال سهلة وفي "رزم"، هذه هي المادة المطواعة التي تستخدمها الشركات لتليين القانون الأميركي الذي يحظر أية هبات مباشرة من الشركات.

أسهم موظفو جلوبال كروسينغ بمليون آخر في ترشح بوش الصغير، وعلى رغم إيمان آل بوش بأن المجرمين السابقين لا ينبغي أن يملكوا الحق بانتخاب الرئيس، إلا أنهم لم يمانعوا أبداً بأن يضع المحكومون السابقون الرؤساء على جداول مكافآتهم، ففي عام 1996 على رغم مناشدات زعماء الكنيسة في أميركا بعدم الفعل، ألقى بوبي بوش خطابات عدة تقاضى 100 ألف دولار عن كل خطاب منها برعاية منظمة يديرها رجل الدين "صن ميانغ موون" زعيم طائفة دينية، ومحتال ضرائب، وسابقاً أحد نزلاء السجن الفيدرالي الأميركي.

أتت بعض النقود التي دفعت للجهود الجمهورية المبذولة في الدورات الانتخابية ما بين 1997 ـ 2000 من مؤسسة تدعى "باريك كوربورايشن" كان المبلغ صغيراً نسبياً بالنسبة للحزب الجمهوري العتيد، على رغم أنه تجاوز 100 ألف دولار، ولكنه مع ذلك بدا ملفتاً للنظر، بالنسبة إلى شركة يقع مركزها في كندا، ماذا يعني ذلك؟

ربما يعني أنه ليس من الداخل الأميركي فقط تؤثر أموال حملات التبرعات، بل من خارج أميركا أيضاً، وهذا أمر يمثل خطورة كبيرة على استقلالية القرار الأميركي سواء الرئاسي أم في الكونغرس.

هل المال بوابة الفساد السياسي؟

على رغم أن المال هو عصب أي عمل في الحياة المعاصرة، إلا أنه من الواضح جداً إمكان تحوله إلى عامل مفسد للحياة السياسية، لا سيما في زمن الانتخابات الرئاسية الأميركية؟

في قراءة مطولة عبر مجلة "فورين آفيرز"، عدد أبريل (نيسان) 2022، تحاجج كاترين إلينا وإيريكا شين بأن هناك جانباً مظلم من الديمقراطية الأميركية يجب التوقف والحديث عنه باستفاضة، أما السبب وراء ذلك فلأن مشكلة الفساد التي تهدد الديمقراطية باتت أوسع نطاقاً من التمويل غير المشروع في الانتخابات، ولكن هذا التمويل هو غالباً ما يكون البوابة  إلى الفساد السياسي الأكثر انتشاراً.

ترى الكاتبتان كيف أن موافقة المحكومين ـ التي تأسست من خلال انتخابات ذات صدقية ـ هي أساس الديمقراطية، وعليه إذا كانت الانتخابات مجرد عمله يمكن التلاعب بها بحسب رغبة المانحين والممولين، فإن هذا الأساس ينهار. ومن غير المستغرب إذاً أن يغذي الفساد السياسي النفوذ الأجنبي الخبيث وترسيخ المستبدين على حد تعبيرهما.

هل من نقاط محددة يمكن اعتبارها تمثل خطورة عالية المستوى على الحياة السياسية الأميركية من جراء إشكال أموال التبرعات؟

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

هناك على سبيل المثال أربع نقاط يمكننا أن نشاغلها بالتفكير:

1 ـ تستغل الجماعات الإجرامية الانتخابات لغسل الأموال غير المشروعة ودعم الساسة الذين يسمحون لها بمواصلة  العمل من دون عقاب.

2 ـ تعمل المصالح الأجنبية على تحويل الأموال عبر الحدود وإلى الحملات السياسية، إذ وثق التحالف من أجل تأمين الديمقراطية على نطاق واسع التأثير الملوث للأموال السوداء (التمويل السياسي حيث يكون المصدر وأي مانحين وسيطين غير معروفين)، عبر 33 دولة في العقد الماضي. ويشمل ذلك الولايات المتحدة، إذ أدت الثغرات في الإطار التنظيمي  وموارد الرقابة غير الكافية حتى وقت قريب، إلى خلق بيئة متساهلة لـ"أموال الثقب الأسود".

3 ـ يظهر أثر الأموال الخبيثة في زمن الانتخابات الأميركية، عبر حملات التضليل عبر الإنترنت، والإعلانات السياسية  المتخفية في هيئة محتوى حقيقي، وهو ما يترك الناخبين في حيرة واضطراب كبيرين، ويؤثر في قدراتهما على التصويت السديد.

4 ـ لم تعد التبرعات تقتصر على العملات الورقية والشيكات التقليدية، إذ فتحت التبرعات السياسية بالعملات المشفرة  والرموز غير القابلة للاستبدال آفاقاً جديدة للفساد في الانتخابات، لا سيما بعدما انفجر حجم معاملات العملات المشفرة على مستوى العالم في السنوات الأخيرة.

ومن المرجح أن تتجاوز سرعة وتطور الجهات الخبيثة قدرة  الجهات الديمقراطية على الاستجابة لها، وعليه سيكون من الخطر تجاهل التأثير المحتمل للعملات المشفرة غير المنظمة في الانتخابات والعملية الديمقراطية، لكن وفي كل الأحوال فإنه لا يمكن فهم أبعاد مشهد التبرعات الانتخابية، بمعزل عن رؤية أوسع لعلاقة المال بالسياسة في أعين الأميركيين.

استياء واسع من دور المال سياسياً

في أوائل أكتوبر (تشرين الأول) من 2023 أصدر مركز بيو للدراسات والأبحاث في واشنطن، أحد أهم المراكز الموثوقة، تقريراً مطولاً عن رؤية الأميركيين لهذا الإشكال، ومنه نحاول فك الاشتباك بين الضدين المال والسياسة في الحياة العامة الأميركية، وبنوع خاص في زمن اختيار الرئيس ونائبه والتجديد للكونغرس.

في مقدمته يشير التقرير إلى أن نحو سبعة من كل 10 بالغين، يفضلون فرض حدود على الإنفاق في الحملات السياسية (72 في المئة)، فيما يقول 11 في المئة فقط إن الأفراد والمنظمات ينبغي أن يتمكنوا من إنفاق القدر الذي يريدونه من المال، في حين لا يبدي 16 في المئة منهم أي رأي.

نقطة أخرى مهمة، وهي أن ستة من كل 10 أميركيين، يقولون إنه من الممكن سن قوانين من شأنها أن تقلل بشكل فعال من دور المال في السياسة، ويعتبر اثنان من كل عشرة  (21 في المئة) أنه من غير الممكن تشريع هذا بشكل فعال، وهناك نسبة مماثلة (20 في المئة) غير متأكدة.

وفي سؤال مفتوح تطوع 11 في المئة من الأميركيين بالقول إن المشكلة الأكبر التي تواجه المسؤولين المنتخبين هي أنهم متأثرون بشكل كبير بالمال في السياسة. ووصف تسعة في المئة آخرون المسؤولين المنتخبين بالفاسدين، وقال 16 في المئة إنهم لا يعملون لصالح الأشخاص الذين يمثلونهم، وتعد هذه المخاوف من أبرز الإجابات عن هذا السؤال.

هل يقف المال حائلاً أمام السياسيين الجيدين في الوصول إلى المناصب، سيما أن الناخبين المماثلين لهم مالياً، أي فقراء أميركا، سيكونون غير قادرين على التبرع بالتالي منعدمي التأثير مالياً في أي انتخابات رئاسية قائمة أو مقبلة؟

بحسب بيانات مركز بيو، فإن غالبية ساحقة تقول إن كلفة  الحملات السياسية تجعل من الصعب على الأشخاص  الجيدين الترشح لمنصب ما، ويقول أكثر من ثمانية من كل 10 أميركيين (85 في المئة) إن هذا وصف جيد للنظام السياسي الأميركي اليوم، بما في ذلك نسب مطابقة من الجمهوريين والديمقراطيين.

لماذا يترشح البعض للرئاسة والكونغرس؟

هذا تساؤل مثير تتقاطع فيه القضايا الأخلاقية مع نظيرتها البراغماتية، وفي كل الأحوال فإن باحثي بيو توصلوا إلى  جواب مفاده بأن المصلحة الذاتية - وبخاصة الرغبة في كسب المال - هي أحد الأسباب الرئيسة التي تجعل الناس يعتقدون أن غالب المسؤولين المنتخبين يترشحون لمناصبهم.

هنا يقول أكثر من ستة من كل 10 (63 في المئة) إن كل أو غالب الأشخاص الذين يشغلون حالياً مناصبهم كمسؤولين منتخبين ترشحوا لمناصبهم لكسب كثير من المال.

تبين دقائق التقرير أن ما يقرب من ثمانية من كل 10  أميركيين يرون أن أعضاء الكونغرس لا يقومون بعمل جيد في الفصل بين مصالحهم المالية الشخصية وعملهم في الكونغرس.

وفي كل الأحوال بات ينظر وعلى نطاق واسع إلى  المتبرعين للحملات الانتخابية وجماعات الضغط باعتبارهم يتمتعون بنفوذ كبير على أعضاء الكونغرس.

يقول ثمانية من كل 10 بالغين في الولايات المتحدة إن الأشخاص الذين يتبرعون بالأموال للحملات السياسية، يتمتعون بنفوذ كبير على القرارات التي يتخذها أعضاء الكونغرس. فيما يعتبر 73 في المئة أن جماعات الضغط وجماعات المصالح الخاصة تتمتع بنفوذ كبير، وتقول غالبية كبيرة من الجمهوريين والديمقراطيين على حد سواء إن المتبرعين  للحملات الانتخابية وجماعات الضغط وجماعات المصالح الخاصة، هم من يرسمون ملامح ومعالم الحياة السياسية الأميركية.

في هذا الإطار يمكن التساؤل: هل بات القرار السياسي الأميركي مرتهن لمن يدفع أكثر، ضمن حلبة السباق السياسي الدائرة؟

لا عزاء لفقراء أميركا انتخابياً

يتساءل أميركيون: هل ستظل اللاعدالة الانتخابية تشمل ملايين الفقراء؟

أبحاث عدة واستطلاعات رأي جديدة، تقطع بأن الفقر بات عاملاً مؤثراً وبشكل كبير في نحو 38 مليون شخص في الداخل الأميركي، هؤلاء الذين يمثلون مستودعاً ضخماً من الأصوات الضائعة وسط ضجيج الرأسمالية وماكينتها الطاحنة.

قبل بضعة أشهر طفت على السطح تقارير لما يسمى "حملة  الفقراء" التي رصدت كيف أنه بين المرشح الديمقراطي جو بايدن والجمهوري الحالي دونالد ترمب، يمكن للمرشح الذي يعالج قضايا الفقر الاستفادة من الأصوات غير المستغلة في الولايات المتأرجحة الرئيسة والفرعية.

هل هناك من يهتم بهولاء الفقراء الأميركيين، سيما في ظل عدم مقدرتهم على المساهمة بالتبرعات في الحملات الانتخابية الكبرى؟

بحسب التقرير المشار إليه فإنه من بين 63 مليون ناخب مسجل من ذوي الدخل المنخفض أو الفقراء في البلاد، لم يدل 34 مليوناً بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.

هنا السؤال المثير: لماذا؟

باختصار غير مخل، لأنهم لم يعودوا يستشعرون اهتماماً  خاصاً بقضاياهم، بدءاً من مقام الرئاسة في البيت الأبيض، وصولاً إلى أعضاء الكونغرس بغرفتيه، والساعين إلى تعظيم الاهتمام بالأثرياء ومن يملكون مقدرة حقيقية على تعظيم "المحفظة المالية" لحملاتهم الانتخابية، سواء أكان هؤلاء أفراداً أم مؤسسات.

ظهرت أزمة الفقر والفقراء في الداخل الأميركي بشكل واضح في الانتخابات الرئاسية الماضية 2020، إذ وقع هؤلاء بين فكي كماشة الفقر والركود من جهة، والمرض والفاقة من جانب آخر.

انشغلت أميركا البيضاء (الواسب)، ويبدو أنها لا تزال منشغلة بالفعل في السباق الانتخابي، وعودة التيارات اليمينية  المحافظة والمتشددة للساحة، فيما 30 إلى 40 مليون أميركي، ما بين أبيض وأسود ولاتيني مهمشون من جراء أوضاعهم الاقتصادية، ولا يكاد يمثلون أهمية تذكر لكبار المرشحين، سواء للرئاسة أم الكونغرس.

هل يمكن القطع بأن هناك أزمة سياسية حقيقية من جراء التفريق بين الأغنياء والفقراء، سياساً وانتخابياً؟

الشاهد أن الأعين تنظر الآن إلى احتمال حشد هؤلاء جهودهم، والتصويت لصالح مرشح ثالث، بعيد من المرشحين التقليديين، من جمهوريين أو ديمقراطيين، مما يعني أن إشكال التبرعات الانتخابية قد يكون سبباً في إفراز رغبة حقيقية عارمة لدى ملايين الأميركيين، سواء من شريحة المسحوقين سياسياً، أم من الطبقة الوسطى التي تتراجع أوضاعها يوماً تلو الآخر، للانخراط في العمل السياسي بعيداً من التكتلين الرئيسين.

وفي كل الأحوال يبقى تغيير المشهد السياسي الأميركي أمراً بالغ الأهمية، إذ إن الظلم المتشابك الذي تجب معالجته في وقت واحد، أي العنصرية المنهجية والفقر المنهجي، ليس من القضايا الهامشية.

المزيد من تقارير