ملخص
الـ "ميمز" هي صور أو مقاطع فيديو تحمل رسالة تتحدث إلى الأشخاص الذين يفهمونها بسبب معرفتهم أو عضويتهم في مجموعة معينة.
أن يفوز مرشح في المناظرة التليفزيونية المتعلقة أمام منافسه فهو أمر معتاد في انتخابات الرئاسة الأميركية، لكن ثمة حرباً أكثر شراسة تدور رحاها على مواقع التواصل الاجتماعي، وتختلف أدواتها بحسب خفة الظل ومهارات التواصل والقدرة على استخدام تقنيات تكنولوجية حديثة، تمكن مستخدميها من أدوات التلاعب بالصورة، فالمشهد الانتخابي الحالي في الولايات المتحدة يتخذ من منصات مواقع التواصل الاجتماعي ساحة للتنافس تعتمد على الـ "ميمز" والـ "ستيكر"، إما لترويج المرشح لنفسه أو لخلق حال من النفور والسخرية من منافسه.
بمنشور من المغنية البريطانية تشارلي XCX أعلنت فيه أن "كامالا هي الشقية" في إشارة إلى أغنيتها "Brat- الشقي"، تبنت حملة المرشحة الديمقراطية للرئاسة كامالا هاريس اللون الأخضر النيون المرتبط بثقافة "الشقي" في محاولة لمغازلة شريحة الناخبين الشباب، ولا سيما من "جيل "Z، فلقد حظي منشور المغنية البريطانية بأكثر من 30 ألف إعجاب، وأثارت عشرات من الـ "ميمز" التي تخلط بين صور هاريس واللون الأخضر النيون.
وعلى الجانب الآخر استغل فريق المرشح الجمهوري دونالد ترمب وأنصاره محاولة الاغتيال التي تعرض لها في وقت سابق من يوليو (تموز) الماضي في إنتاج الـ "ميمز" التي تصوره كمحارب، وفي إحدى هذه الصور وُضع وجه ترمب على غلاف ألبوم مغني الراب "50 سنت" لعام 2003، إذ كان المغني الأميركي الشهير قد نجا من إطلاق النار عليه تسع مرات.
جينات ثقافية
والـ "ميمز" صور أو مقاطع فيديو تحمل رسالة تتحدث إلى الأشخاص الذين يفهمونها بسبب معرفتهم أو عضويتهم في مجموعة معينة، ويصفها العالم البريطاني ريتشارد دوكينز في كتابه "الجين الأناني" بأنها أدوات تتصرف مثل الجينات الثقافية، إذ تنتشر وتتطور من خلال عملية معقدة نتيجة الطفرة والوراثة، وعلى الإنترنت تعمل هذه الـ "ميمز" على تنشيط التحيزات المتأصلة في ثقافة أو مجتمع ما، وتحل في بعض الأحيان محل الأساليب المنطقية للحجة المقنعة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي حين أن تلك الأدوات تضفي مزيجاً من الضحك والسخرية على الحملات الانتخابية، فقد أصبحت الـ "ميمز" ومحتوى وسائل التواصل الاجتماعي الأخرى مكوناً مهماً لرسائل الحملة التي يمكن أن تساعد في تشكيل السرد حول المرشحين، وفق أستاذ تحليل السياسات والاتصال في جامعة نورث وسترن إريك نيسبيت الذي يقول إن "الصور قوية للغاية، أقوى من النصوص، لذا تلعب الـ 'ميمز' دوراً في تحفيز الناخبين عاطفياً، وبخاصة الناخبين ذوي المعلومات المنخفضة الذين لا يهتمون بالأحداث اليومية للحملة".
ويضيف نيسبيت أن الـ "ميمز" تتمتع بقوة كبيرة من حيث التأثير في تصورات الناس، لأن الصورة "مثيرة للغاية وتترك بصماتها على أذهان الناس، ونحن نتذكر الأشياء التي تربطنا بها صلة عاطفية".
واستخدم أنصار ترمب الـ "ميمز" لإيصال رسالتهم، بما في ذلك وضع رأسه على محارب ملاك وقيادة جنود بوليوود الراقصين في معركة، وقال بريندن ديلي وهو صانع بودكاست ينظم "ميمز" خاصة بترمب العام الماضي إنه "لا يجب أن يكون الأمر حقيقياً، والمهم أن ينتشر على نطاق واسع".
وأثارت صورة لترمب بعد لحظات من محاولة اغتياله خلال تجمع انتخابي في بنسلفانيا مع العلم الأميركي يرفرف في الخلفية والدماء على وجهه، ضجة كبيرة وتحولت إلى "ميم" أيضاً، ووضعت على موسيقى تشير إلى ترمب باعتباره رجل عصابات أو محمياً من الله، كما عمت منصات التواصل الاجتماعي اليمينية إلى حد كبير، وفي "ميم" آخر يضع ملاك حارس يده فوق رأس ترمب أثناء إلقائه خطاباً.
وخلال كسوف الشمس في وقت سابق من هذا العام نشر ترمب مقطع فيديو ساخراً عبر حسابه على منصة "تروث سوشيال"، تضمن مقاطع لأشخاص يحدقون في السماء وهم يرتدون نظارات كسوف الشمس، ويهتفون عندما أصبحت السماء مظلمة، ثم انتقل الفيديو إلى صورة للشمس بينما يرتفع ظل كبير لرأس ترمب ليحجب الشمس عن الحشود التي وقفت مهللة.
ناخبو الجيل Z
تستهدف الـ "ميمز" والفيديوهات وغيرها من تلك المواد شريحة الناخبين الأصغر سناً، وتاريخياً كان الشباب الأقل إقبالا على التصويت في انتخابات الرئاسة الأميركية من الشرائح الأكبر سناً، ومع ذلك تغير هذا الاتجاه في الدورات الانتخابية الأخيرة، فوفق بيانات نشرتها جامعة تافتس في بوسطن فقد قفزت نسبة مشاركة الشباب في التصويت من 39 في المئة عام 2016 إلى 50 في المئة عام 2020، ومن 13 في المئة خلال انتخابات عام 2014 إلى 28 في المئة عام 2018.
وتقول أستاذ العلوم السياسية لدى جامعة ولاية كنتاكي ماغي ماكدونالد لموقع "نيوز نيشن" الأميركي إن الشباب في مناخنا السياسي الحالي يشعرون بعدم التواصل وعدم التمثيل، لذلك فهم لا يستهلكون المعلومات السياسية بالطرق التقليدية للحملات الانتخابية، مضيفة أن الـ "ميمز" وسيلة لبث الحماسة بين كتلة الناخبين الصغار.
ووجد تحليل أجرته صحيفة "نيويورك تايمز" في مايو (أيار) الماضي أن ترمب كان يكتسب أرضية على منصة "تيك توك"، وهي منصة شبابية إلى حد كبير، كما وجدت أن "تيك توك" كان لديها ما يقارب ضعف عدد المنشورات المؤيدة لترمب، مقارنة بالمنشورات المؤيدة للرئيس جو بايدن منذ نوفمبر (تشرين الثاني) 2023.
ومع ذلك فإن إدارة عملية استخدام الـ "ميمز" تحتاج إلى وعي كاف، إذ إنها تمثل سلاحاً ذو حدين، ويقول الخبراء إن ترك عملية إنتاج الـ "ميمز" لتكون تلقائية من جانب أنصار المرشحين يجعلها ذات تأثير أكبر، إذ يمكن فقط للحملات استغلالها وتضخيمها مثلما فعلت حملة هاريس.
ومن جانب آخر يمكن أن يكون لهذه الأداة تأثير معاكس إذا كانت مسيئة أو ذهبت إلى أبعد مما ينبغي، فعلى سبيل المثال أثار ترمب ردود فعل غاضبة في يونيو (حزيران) الماضي عندما شارك "ميم" فيديو على حسابه عبر منصة "تروث سوشيال" تضمن إشارات إلى "الرايخ الموحد"، مما دفع الحملة للتنصل من الـ "ميم".
عمرها قصير
والـ "ميمز" ليست مواد طويلة العمر، فهي أشبه بكوب اللبن الذي يفسد سريعاً، وقبل منشور المغنية البريطانية التي تحولت إلى ما يشبه شعاراً للمواد الإعلانية التي تنتجها حملة المرشحة الديمقراطية لجذب الشباب، كانت منصات التواصل الاجتماعي تعج بالفيديوهات والـ "ميمز" التي تسخر من هاريس بطريقة سلبية، وهو ما تلاشي سريعاً بعد منشور تشارلي.
وتعلقت تلك المنشورات والمقاطع الساخرة بتصريحات تعود لمايو 2023 أدلت بها هاريس أثناء فعالية للجنة الاستشارية للرئيس، والمعنية بتعزيز المساواة التعليمية والتميز والفرص الاقتصادية لذوي الأصول الإسبانية، وتحدثت هاريس عن أهمية المساواة في التعليم مشيرة إلى أنه جميع الطلاب لا يمنحون الفرص نفسها للنجاح، اعتماداً على الموارد المالية والبيئات التي نشأوا فيها، وقالت "لا أحد منا يعيش في صومعة، وكل شيء في سياقه"، مضيفة أن تحقيق العدالة التعليمية يعتمد أيضاً على توافر حاجات الآباء والأجداد والمجتمعات، قبل أن تروي حكاية شخصية مع نهاية كلمتها قائلة "اعتادت والدتي، كانت تسبب لنا أوقاتاً عصيبة في بعض الأحيان، وكانت تقول لنا 'لا أعرف ما خطبكم أيها الشباب، هل تعتقدون أنكم سقطتم للتو من شجرة جوز الهند'؟ أنتم موجودون في سياق كل ما تعيشون فيه وما سبقكم"، ثم أتبعت قصتها بقهقهتها الشهيرة.
ولم يفهم أحد ما علاقة تلك القصة التي روتها هاريس بسياق الحدث الذي كان يستضيفه البيت الأبيض، لكن مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ذهبوا إلى السخرية من تلك القصة التي عُرفت بـ"شجرة جوز الهند"، ونشر آلاف المستخدمين مقاطع فيديو ساخرة مستخدمين صوت هاريس، وتظهر العشرات من مقاطع الفيديو على منصة "تيك توك" عند البحث عن "شجرة جوز الهند" كامالا هاريس، ومع ذلك لم يفت حملة هاريس استغلال هذه السخرية أيضاً، إذ تتضمن السيرة الذاتية للحساب الرسمي للحملة عبر منصة "أكس" عبارة "نوفر السياق"، في إشارة إلى السخرية من حديثها المفكك غير المفهوم أحياناً.
وتقول صحيفة "نيويورك تايمز" إن النكات الافتراضية العابرة والساخرة عادة ما تنشأ لاستغلال لحظة ما في وقتها أو التعبير عن شعور بسرعة الإنترنت نفسه، ولا تختلف الـ "ميمز" السياسية عن ذلك، ففي حين أن التحدث بلغة الإنترنت يمكن أن يساعد في جعل المرشح يبدو ذكياً وعارفاً، فإن تبني الـ "ميمز" والنكات بصورة مفرطة قد يؤدي إلى ارتداد الأمر عكسياً، لكن المرشحين القادرين على الالتزام بالخط يمكنهم الاستفادة من تدفق الحماسة الذي تتسم به الثقافة الرقمية.
ما قبل الـ "ميمز"
كانت أولى الحملات السياسية التي استخدمت الإنترنت هي حملة الرئيس السابق بيل كلينتون والمرشح الجمهوري بوب دول عام 1996، وخلال الأعوام الـ 26 التي تلت ذلك، كان للتكنولوجيا تأثير كبير في الانتخابات في جميع أنحاء العالم للأفضل وللأسوأ، وفق مركز السياسة الحزبية.
ومع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي أوائل العقد الأول من القرن الـ 21 ظهرت منصات جديدة كل عام تقريباً، وخلال الأعوام الـ 20 الأولى تبنت كثير من المنصات دورها في العملية الديمقراطية، وروجت بشكل استباقي لشراكاتها مع المؤسسات الإعلامية في مساعدة الناس على الحصول على الأخبار والمعلومات، ووجد المرشحون أن تلك المنصات لا غنى عنها في الوصول إلى الناخبين، ومن ثم استضافوا المناظرات وتبادلوا البيانات حول مقدار ما يتحدث عنه الناس عن المرشحين والقضايا، وساعدوا في تسجيل الناخبين.
وقبل الإنترنت الذي سمح للتواصل مع الناخبين بطريقة مباشرة وأكثر عمقاً، كانت المناظرات التليفزيونية السبيل الأمثل ليقدم المرشح نفسه للناخبين جنباً إلى جنب مع المقابلات التليفزيونية والصحافية الخاصة والأخبار التي تغطيها وسائل الإعلام، ولكن قبل ذلك وفي عام 1928أصبحت شبكات الراديو المحرك الذي غير ديناميكيات السياسة على نطاق واسع، ويقول الكاتب الأميركي أنثوني روديل، مؤلف كتاب "مرحباً بالجميع: فجر الإذاعة الأميركية"، إن "المرشحين في ذلك الوقت كانوا نجوماً وكانت خطبهم تُصاغ لتذاع، وكانت الحملات الانتخابية تستخدم وسائل الإعلام للهجوم والهجوم المضاد".
وفي حين تختزل القضايا المعقدة اليوم في مقاطع صوتية مدتها 15 ثانية، رحب الأميركيون عام 1928 بالخطاب السياسي واستمعوا إلى خطب مدتها ساعة، وكان الراديو لا يزال جديداً إلى الحد الذي جعل تلك الخطابات مسلية".