Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل يمكن لعصا يونس تغيير حظوظ بنغلاديش الفقيرة؟

وجود مثل هذا الرجل في المرحلة الانتقالية يعني شخصية تجمل بين المسؤولية والأكاديمية والقيادة الحكيمة

يونس يلوح أمام المحكمة بعد الحكم عليه بالسجن 6 أشهر في قضية انتهاك قانون العمل (أرشيفية - رويترز)

ملخص

بعد استقلال بنغلاديش عام 1971 وحتى اليوم شهدت البلاد أكثر من 20 انقلاباً ومحاولة انقلاب، وكل هذه الانقلابات لم تغير الحظ السيئ الفقير للبلاد،

في كتابه الشهير بعنوان "الفلسفات الاجتماعية في عصر الكساد"، الذي كتبه بيتيريم سوروكين، أحد أهم علماء الاجتماع في القرن الـ20، أكد أن هذا القرن كان عصر الأزمات. وتطرق إلى أسباب هذه الأزمات بخاصة في المجالات الفكرية والفلسفية والفنية، وخرج بهذه النتيجة من خلال تجاربه مع الناس والمجتمع الذين كان يتعامل معهم.

كان عالم الاجتماع سوروكين وجه انتقادات جدية للرأسمالية ومؤسساتها، وكذلك ضد الستالينية المتخفية في زي الماركسية اللينينية والبلشفية، كما يمكن أن نعتبره عاملاً فكرياً ومحارباً للأفكار الحديثة في الوقت نفسه، باختصار ناضل الرجل بقلمه ضد كل أنواع الاستبداد.

إذا قرأنا الأحداث التي جرت حول العالم خلال السنوات الماضية يمكننا أن نتأكد أكثر بأن القرن الـ20 على رغم أنه قرن الأزمات فإنه عصر الحداثة أيضاً، وبذلك يكون القرن الـ21 الذي اقترب من نهاية ربعه الأول هو "عصر أزمة ما بعد الحداثة"، بعد مرور كل هذا التطور وتلك الحروب والفلسفات والأفكار. وعلى رغم كل هذا لا يمكننا القول إنه تم تطوير فلسفة سياسية جديدة، سواء من المحافظين أو القوميين أو اليسار الاشتراكي أو الديمقراطيين الاشتراكيين أو الديمقراطيين الليبراليين، ومن الصعب جداً التأكيد أن أحد هؤلاء استطاع تطوير فلسفة سياسية جديدة أو نهج جديد للاقتصاد السياسي.

ومع ذلك بالتأكيد في كل زمان سواء في الماضي أو في الحاضر أو في المستقبل هناك دائماً أشخاص ومؤسسات وقادة ومفكرون يسعون جاهدين إلى جعل العالم مكاناً أفضل، ومن بين هذه الأسماء هو الاقتصادي وزعيم المجتمع المدني البنغالي الحائز جائزة نوبل محمد يونس.

من هو محمد يونس؟

محمد يونس البالغ من العمر 84 سنة، اشتهر للمرة الأولى في السبعينيات من خلال نظام التمويل الأصغر الذي صممه لتحسين وضع الفئات الأكثر فقراً في البلاد، وأسهم أيضاً في تطوير رواد الأعمال الصغار من خلال تقديم منح بمبالغ منخفضة من القروض بهذا النظام أثناء وجوده في جامعة شيتاغونج في البلاد، ثم أسس لاحقاً بنك جرامين (بنك الفلاحين) في عام 1983 واستثمر في مشاريع مختلفة، بما في ذلك المنسوجات والاتصالات والإنترنت واسع النطاق.

حصل يونس على درجة الدكتوراه في الاقتصاد في جامعة فاندربيلت بالولايات المتحدة بمنحة فولبرايت المرموقة، وبسبب عمله الرائد حصل على جائزة نوبل للسلام عام 2006، وهو أيضاً مؤسس مركز يونس، وهو مركز أبحاث مقره دكا يدعم تطوير المؤسسات الاجتماعية الجديدة.

بعد حصوله على جائز نوبل للسلام اتجه يونس للعمل السياسي أكثر، فأسس في عام 2007 حركة سياسية حملت اسم "ناغوريك شاكتي"، وتعني (قوة الشعب)، عارضت هذه الحركة سياسة رئيسة الحكومة التي استقالت قبل أيام الشيخة حسينة، لكنه أنهى تشكيل هذه الحركة في العام نفسه الذي أسست فيه، على رغم أن الانتقاد الأبرز الذي كان يطرحه يونس ضد حسينة هو سياستها في "استغلال الفقراء". وقبل أيام أثناء وجوده في باريس لمشاهدة دورة الألعاب الأولمبية تصاعدت الأصوات المنادية بتعيينه رئيساً للحكومة الموقتة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

بالعودة إلى موضوعنا الأساس فإن أهم مؤشرات حقبة الأزمات الجديدة التي نعيشها هي حوادث العنف الاجتماعي، وكذلك الصراعات الدينية والعرقية المتزايدة، وفي نهاية المطاف أصبحت سيناريوهات الحرب العالمية الثالثة ونهاية العالم النووية الآن أبعد من الاستعارة ووصلت إلى حد التهديد بها، وإذا ما أردنا استعراضاً سريعاً لأبرز الأحداث الساخنة أخيراً، نجد أمامنا استمرار الحرب الروسية - الأوكرانية والصراع الفلسطيني - الإسرائيلي والاحتجاجات في فنزويلا بسبب التوتر الاجتماعي المتزايد في الشوارع بسبب نتائج الانتخابات.

وبالاتجاه إلى بنغلاديش نجد أن هناك أكثر من 300 شخص قتلوا على يد الحكومة في حوادث العنف الاجتماعي واحتجاجات الطلاب الشباب التي بدأت في منتصف يوليو (تموز) الماضي، والتي أسفرت أيضاً عن اعتقال نحو 11 ألف شخص، وبطبيعة الحال تتحمل رئيسة الوزراء المستقيلة الشيخة حسينة وحكومتها المسؤولية عن كل هذا.

موقف الجيش "يبعث الأمل"

بعد رحيل رئيسة الوزراء إلى الهند وتقديم استقالتها تم اتخاذ خطوات سريعة في البلاد، فجرى حل البرلمان، وتولى قائد الجيش زمام الأمور وأدلى بالتصريح التالي، "حافظوا على ثقتكم في الجيش سنحقق في جميع جرائم القتل ونعاقب المسؤولين عنها". في حقيقة الأمر فإن قائد الجيش عندما أدلى بمثل هذا التصريح للجمهور أثناء دخول المتظاهرين إلى مقر إقامة الشيخة حسينة هو في الواقع دليل على العصر الجديد للبلاد، وفي نهاية المطاف التقى أركان الجيش بقادة الحراك الطلابي الذين لعبوا دوراً رئيساً في الاحتجاجات، وأعلنوا من دون تجاهل المطالب الاجتماعية أنهم عينوا محمد يونس رئيساً للحكومة الموقتة، فانتقل يونس من باريس إلى دكا عاصمة بنغلاديش، ولا شك أن موقفه يعني قبوله بالواجب الذي عرضه الجيش.

بعد استقلال بنغلاديش عام 1971 وحتى اليوم شهدت البلاد أكثر من 20 انقلاباً ومحاولة انقلاب، وكل هذه الانقلابات لم تغير الحظ السيئ الفقير للبلاد، لكن الوضع هذه المرة مختلف نوعاً ما (على رغم أن ما حصل ربما لا يسمى انقلاباً)، كما أن نداءات الهدوء التي أطلقها قائد الجيش وتعيين محمد يونس الاقتصادي المدني وزعيم المجتمع المدني والمفكر رئيساً للحكومة الموقتة هي تغيير لقواعد اللعبة بالنسبة إلى بنغلاديش، وربما نقطة تحول على المستوى من إمكانية تغيير ثروات البلاد الفقيرة كما يمكن تقييمها.

وفي ظل كل هذه التطورات المتسارعة التي شهدتها بنغلاديش أطلق سراح زعيمة المعارضة ورئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، إضافة إلى ذلك تم البدء بإطلاق سراح السجناء السياسيين والمعارضين، وبطبيعة الحال فإن هذا الموقف من الإدارة الجديدة يبعث على الأمل في ما يتعلق بإرساء الديمقراطية الحقيقية في بنغلاديش. علاوة على ذلك فإن رئيس وزراء البلاد المستقبلي المحتمل محمد يونس يحتل المرتبة الثانية بين أفضل 100 مثقف على مستوى العالم في عديد من الاستطلاعات المهمة والمرموقة، لكن الأهم من ذلك هو أن محمد يونس، باعتباره متخصصاً اقتصادياً، تمكن من تطوير نظام الائتمان الصغير لذوي الدخل المنخفض وأسس بنك جريمان، وهو بنك قروي، إضافة إلى جائزة نوبل للسلام التي حصل عليها بسبب جهوده في خلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الطبقات الدنيا، فيمكن القول إن المخضرم محمد يونس الذي في عقده التاسع من العمر على رغم ذلك فهو بصورة جادة يمثل فرصة لبنغلاديش في الفترة الانتقالية، لأن وجود مثل هذا الرجل في قيادة المرحلة الانتقالية يعني وجود رجل أكاديمي ورجل دولة في الوقت ذاته ومفكر وقائد حكيم إن صح التعبير. وعلى رغم تقدمه في العمر فإنه يمكنه من خلال خبرته الطويلة تغيير الحظ السيئ الفقير لبنغلاديش، وقد يتمكن من إعادة تجميع وإحياء المجتمع الذي يعاني خط توتر شديد.

باختصار، فإن ما جرى الأيام الماضية في بنغلاديش لا يشبه الانقلابات السابقة، والخطوات التي اتخذها الجيش والمجتمع المدني مع قادة الحراك من الطلاب، وإطلاق حملة إصلاح سياسي حقيقي يمكنه أن يغير قواعد اللعبة كلياً في البلاد التي عانت لعقود الفقر.

ملاحظة: الآراء الواردة في هذا المقال تخص المؤلف ولا تعكس بالضرورة السياسة التحريرية لصحيفة "اندبندنت تركية".

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل