Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل ترسم الشعبوية كونفيدرالية دول الساحل الأفريقي؟

مصدر القلق محاولة روسيا ملء الفراغ الغربي في القارة السمراء أمنياً بعد أن نجحت الصين اقتصادياً

عقد زعماء مالي والنيجر وبوركينا فاسو القمة الافتتاحية في السادس من يوليو الماضي وأعلنوا الاتحاد الكونفيدرالي بين الدول الثلاث (أ ف ب)

ملخص

تتجسد الشعبوية في أفريقيا بسبب الهيمنة الشخصية للقادة سواء كانوا جنرالات نفذوا انقلابات عسكرية، أو زعماء أحزاب سياسية بسبب نهج مفاهيمي يعود إلى أيام النضال ضد الاستعمار.

وسط بيئة مليئة بالتحديات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أعلنت دول مالي والنيجر وبوركينا فاسو "كونفيدرالية الساحل"، إذ انتهز جنرالات هذه الدول الذين نفذوا انقلابات عسكرية بين عامي 2020 و2023، السخط العام من مستويات الفقر والبطالة وعدم المساواة المستمرة لتقويض الثقة في المؤسسات الديمقراطية. واتفق الجنرالات الثلاثة على الخروج من النفوذ الفرنسي في غرب أفريقيا للحد من وجود كل ما له علاقة بمستعمرتهم السابقة، بدءاً من الوجود الدبلوماسي والعسكري وكل المظاهر الفرنكوفونية الأخرى، وألقوا باللوم على فرنسا كونها قادت حملة طويلة الأمد للحد من انتشار التمرد والعمليات الإرهابية، لكنها فشلت في تحقيق أهدافها، بينما استمرت بالتدخل في شؤون هذه البلدان الداخلية والاستفادة من ثرواتها ومواردها الطبيعية.

 ووضعت بذرة التحالف في سبتمبر (أيلول) 2023 على أن تتولى مالي رئاسة "اتحاد دول الساحل"، وعقد الجنرالات القمة الافتتاحية في السادس من يوليو (تموز) الماضي وأعلنوا الاتحاد الكونفيدرالي بين الدول الثلاث، وتأسيس ميثاق "ليبتاكو-جورما"، الذي سمي على المنطقة التاريخية التي تحمل الاسم نفسه، تحالف دول الساحل.

 

وكان رئيس المجلس العسكري الحاكم في النيجر عبدالرحمن تياني، وفي بوركينا فاسو إبراهيم تراوري، ومالي أسيمي غويتا قد دعوا إلى جعل التحالف الجديد بديلاً عن أي تجمع إقليمي آخر، وتعهدوا بالالتزام بمكافحة ما سموه "الاستعمار الجديد".

أوضاع شائكة

وتخشى الدول الأخرى في إقليم الساحل وغرب أفريقيا من انتقال العدوى إليها، فبعض الأصوات المعارضة وصفت التحالف بأنه "تهديد حقيقي للديمقراطية" وعدته خطوة لترسيخ مبدأ الاستيلاء على السلطة السياسية وإدارة البلاد من طريق الانقلابات العسكرية، ولكن في الجانب الآخر هناك من يؤيد التحالف ويراه خطوة نحو العهد بالسلطة لشعوب هذه البلدان التي عانت الاستعمار بصورته التقليدية والحديثة.

وبين الرؤيتين ينطلق التحالف في سياق تقلبات سياسية وأمنية واقتصادية تمر بها هذه الدول، كما تحيط بالإقليم أوضاع شائكة من الممكن أن تعوق تقدمه. ووسط هذه التحديات بما فيها تهديدات الإرهاب خصوصاً المرتبطة بتنظيمي "القاعدة" و"داعش" التي تنفذها جماعات محلية مسلحة، والصراعات القبلية وعمليات التهريب الواسعة للبشر والمخدرات، تعهد التحالف بتركيز جهوده على مكافحة الإرهاب، وشكلت الدول الثلاث في مارس (آذار) الماضي قوة عسكرية مشتركة لمحاربة الجماعات الإرهابية التي تهاجم أراضيها، عبر خطة ثلاثية دائمة لمكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة العابرة للحدود.

أما المشكلات الاقتصادية ذات الطابع الاجتماعي، فيلعب فيها الرعي دوراً بارزاً نسبة للروابط القبلية بين هذه الدول، وبالسماح لمواطنيها بالتحرك بحرية من دون وضع آليات لتسهيل حركة الأشخاص والماشية، وكذلك حركة التجارة داخل حدود التحالف، قد تحدث احتكاكات على مصادر المياه الشحيحة، وتنشط حركة النهب، كما يمكن أن يزداد خطر العداء المحتمل للمهاجرين من هذه الدول في دول الجوار الأخرى مثل غانا وساحل العاج والسنغال وغيرها.

تجسيد الشعبوية

وفي الحالات التي تم فيها الاستيلاء العسكري على السلطة في أفريقيا وخصوصاً مالي والنيجر وبوركينا فاسو، وضع رؤساء المجالس العسكرية أنفسهم كمدافعين أبطال عن الأمة، وحاولوا تأكيد أن بلدانهم في حاجة إلى تدخلهم لمحاربة "الاستعمار الفرنسي الجديد"، مستفيدين من حالات إحباط شعوبها تجاه النخب السياسية.

ومع أن معارضين سياسيين وصفوا تكتل هذه الدول بأنه "مجرد كونفيدرالية شعبوية للتمثيل على الشعوب المنعزلة عن العالم، وأنها في حاجة ماسة إلى متطلبات الحياة الضرورية من الغذاء والكهرباء"، لكن في الوقت نفسه، فإن هذه الارتباطات والجوانب المشتركة بين شعوبها في ما يتعلق بالموروثات التاريخية السلبية حول الاستعمار قد تكون أداة لاستغلالها، عبر بناء خطاب مشترك يصور التحالف بأنه خطوة نحو التخلص من التبعية للقوى الاستعمارية.

وتتجسد الشعبوية في أفريقيا بسبب هيمنة الشخصية للقادة سواء كانوا جنرالات نفذوا انقلابات عسكرية، أو زعماء أحزاب سياسية بسبب نهج مفاهيمي يعود إلى أيام النضال ضد الاستعمار، إذ كانت تتجلى كاستراتيجية سياسية مدعومة بخطاب أيديولوجي وأداء اجتماعي وثقافي. وبناء على ذلك استمرت الشعبوية في أفريقيا على مر الزمن ضمن سياقات مختلفة للدول والأنظمة السياسية، معظمها نظم عسكرية انقلب فيها الضباط الراديكاليون الشباب على الديمقراطيات الناشئة، وعملوا على تصوير أنفسهم كحماة للمصالح الوطنية والشعب، مما يعكس شعبوية عسكرية كلاسيكية أصبحت هي القاعدة الجديدة، وعبر عن ذلك إبراهيم تراوري، رئيس المجلس العسكري في بوركينا فاسو بقوله "العبد الذي لا يستطيع أن يتحمل ثورته لا يستحق الشفقة".

وأسهمت عوامل عدة في تفشي الشعبوية العسكرية في أفريقيا، منها، أولاً، فشل النظم المنتخبة في تحسين مستويات المعيشة واستشراء الفساد. ثانياً، الأثر الذي تركته دول شرق آسيوية، شريكة تجارياً واقتصادياً، تمجد الزعماء السياسيين مثل الصين والهند. أما العامل الثالث الذي يتمسك به زعماء هذه الدول فهو فشل الدول الغربية في القضاء على الإرهاب، إذ إن تحركها في أفريقيا تأثر بديناميات جيوسياسية، فلم تعد لعقوباتها المفروضة على هذه الجماعات أو الدول الراعية لها فاعلية تذكر.

موقف الغرب

وتتحسب أوروبا والولايات المتحدة لانضمام دول أخرى لهذا التحالف بما يمكن أن يؤثر في مصالحها في القارة، وعليه، يتوقع أن تعمل على إفشاله في مهده. وفي حال نجحت الدول الثلاث، فإن الولايات المتحدة التي تقترب من إيجاد موقع بديل لقاعدتها العسكرية في النيجر، بالانتقال إلى ساحل العاج أو بنين، يمكنها أن تنتهج نهجاً عقابياً غير مباشر، بالاتفاق مع الدول الأوروبية خصوصاً فرنسا. أما الخطة البديلة إذا لم تنجح العقوبات، فإنها ستقوم بإعادة صياغة سياستها نحو القارة خصوصاً مع الدول الثلاث حيث تتعامل معها حالياً كأنظمة انقلابية، ولضمان الحفاظ على مصالحها يمكن أن تغير الصيغة إلى مخاطبتها باعتبارها أنظمة انتقالية على رأسها مجلس عسكري بمشاركة مدنية.

أما مصدر القلق الآخر، فهو محاولة روسيا ملء الفراغ الغربي في أفريقيا أمنياً، بعد أن نجحت الصين في ملئه اقتصادياً. وبدأ تصاعد النفوذ الروسي بعد تراجع الوجود الأميركي والفرنسي في مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وغيرها، إذ استبدلت هذه الدول الحلفاء الروس بالقوات الأوروبية والأميركية. وتقدم روسيا نفسها كعامل استقرار بمزيج من المساعدة في تعزيز أمنها الداخلي والقضاء على الإرهاب والمشكلات الأمنية، واستخراج الثروات المعدنية مثل الذهب واليورانيوم وحماية مناطق الإنتاج من الجماعات الإرهابية. وهناك ما يقدر بنحو 1000 جندي روسي في مالي، كانوا في السابق ضمن قوات "فاغنر" المنتشرة في أفريقيا، وأعيدت تسميتهم بـ"فيلق أفريقيا"، ويتم تجنيد آخرين في النيجر وبوركينا فاسو. وهذه القوات موجودة تحت لافتة مكافحة الإرهاب، لكن هدفها الحقيقي في ما يبدو هو حماية النظام من مزيد من التهديدات بالتمرد أو الانقلاب.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الانسحاب من "إيكواس"

وتدهورت العلاقة بين الدول الثلاث والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا "إيكواس" بعد الانقلاب العسكري في النيجر على الرئيس محمد بازوم في يوليو 2023، إثر إعلان المنظمة التدخل عسكرياً في النيجر لإعادة بازوم للسلطة، وإعلان مالي وبوركينا فاسو استعدادهما لحماية النيجر، ثم أعلنت الدول خروجها من "إيكواس" في يناير (كانون الثاني) الماضي، إذ انسحبت مالي في مايو (أيار) 2022، وأعلنت النيجر وبوركينا فاسو انسحابهما عبر بيان مشترك في ديسمبر (كانون الأول) 2023.

وتحيط بهذه الخطوة عقبات وتحديات صريحة في مجالات التنسيق والتعاون، إذ إن قرار الانسحاب من "إيكواس" لن يكون من دون كلف اقتصادية وسياسية واجتماعية. وتمثل مساحة الدول الثلاث التي تشمل نحو 72 مليون شخص، ثلث مساحة "إيكواس"، ولكن من ناحية أخرى فإن كون الدول الثلاث "حبيسة" تفرض أسئلة تتعلق بالوصول إلى الساحل، وبعض المشكلات اللوجيستية وتسليم البضائع عبر الموانئ البحرية، إذ تعتمد هذه الدول على دول "إيكواس" الساحلية في جميع صور التجارة خصوصاً في الغذاء والسلع الاستهلاكية.

كما أن النيجر ومالي وبوركينا فاسو أعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا، الذي يستخدم الفرنك الأفريقي كعملة مشتركة، مما يفرض عليها واقعاً جديداً وهو إنشاء عملتها الخاصة في حال قررت التخلي عن عملة الفرنك الخاصة بالاتحاد المالي الأفريقي، والمستخدمة في البلدان الثمانية الأعضاء في الاتحاد الاقتصادي والنقدي لغرب أفريقيا.

مصير الكونفيدرالية

ويتوقف نجاح "كونفيدرالية الساحل" على مدى إمكانية بناء التوازن بين مصالح الدول الثلاث والأهداف المشتركة مع الإقليم، وعليه لن يكون الخروج من "إيكواس" محققاً لنجاح التحالف إذا لم تعالج هذه الدول قضاياها الأساسية المؤدية إلى عدم الاستقرار مثل الفقر والفساد والتوترات الإثنية، إضافة إلى تقييم المجتمع الدولي للتحالف، واحتمالات التعامل المفتوحة معه. وهناك سيناريوهات عدة لمصير هذه الكونفيدرالية، كل منها يحمل في طياته بذور تحققه وفقاً للظروف المحيطة.

السيناريو الأول، إذا استطاعت هذه الكونفيدرالية الصمود، وأن تثبت وجودها في المجالين الأمني والاقتصادي، فإنه يمكن أن تفتح الباب إلى مبادرات أخرى وتجمعات إقليمية للتأسيس لكونفيدرالية أكبر وأوسع، خصوصاً إذا نجحت في إنشاء برلمان إقليمي وبنك مماثل للبنك الذي تديره "إيكواس"، وفي حال لم تصل إلى كيان كونفيدرالي موحد فيمكن أن تكون على صورة تحالفات واستقطاب إقليمي.

والثاني، بإمكان هذه الدول أن تنجح في محاربة الإرهاب ولكن في الوقت ذاته ستكون واقفة ضد الغرب ومصالحه في المنطقة، مما يتعين على "إيكواس" تكييف استراتيجيتها مع هذا الواقع الجيوسياسي الجديد، والاستعداد لتحرك مجموعات إقليمية أخرى مثل مجموعة دول شرق أفريقيا، ودول جنوب أفريقيا لإنشاء أو تعزيز شراكاتها مع جهات دولية أخرى مثل روسيا والصين وإيران، وفي المقابل قد تتخذ دول الغرب اتجاهاً خاصاً للتدخل.

والثالث، قد تخضع هذه الدول إلى عقوبات دولية غير مباشرة خصوصاً من الولايات المتحدة، مما يؤثر في استقرارها وجدوى التحالف.

أما السيناريو الرابع، فهو التفاوض والعودة إلى "إيكواس"، التي صرحت بأنها لم تتلق إخطاراً رسمياً بعد، وهو ما يعني، وفقاً للوائح، أن الدول لا يمكنها المغادرة إلا بعد عام واحد، وهذا يوفر لجميع الأطراف وقتاً للتفاوض ومساحة للتنازلات.

اقرأ المزيد

المزيد من تحلیل