ملخص
تشير البيانات الرسمية إلى تسارع وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب منذ عام 2022، بعد أن ظل يلعب دوراً ثانوياً في الموازنة العمومية للمصارف.
على رغم ارتفاع أسعاره إلى مستويات قياسية وتاريخية يواصل المصريون شراء المشغولات الذهبية، وهو سلوك يربطه عدد من المحللين بآليات التحوط من التضخم وتجدد أزمة شح الدولار في السوق المصرية.
شهدت أسعار الذهب في مصر أكبر موجة من الارتفاعات خلال عامي 2022 و2023 تزامناً مع الارتفاعات القياسية التي سجلها الدولار الأميركي مقابل الجنيه المصري.
وقال عضو شعبة الذهب في اتحاد الغرف التجارية بمصر أمير رزق إن السوق المحلية مختلفة بصورة كبيرة عن غالبية أسواق العالم، فحينما تنخفض أسعار الذهب عالمياً يتراجع الطلب عليه في مصر، وكلما زادت الأسعار عاد الطلب بصورة أقوى. ورجح استمرار صعود المعدن النفيس عالمياً إلى مستويات قياسية خلال الفترة المقبلة، وبخاصة بعد تثبيت أسعار الفائدة الأميركية تمهيداً لخفضها ربما خلال اجتماعي سبتمبر (أيلول) أو ديسمبر (كانون الأول) المقبلين.
وتوقع أن يصل سعر غرام الذهب عيار 21 إلى مستوى 4000 جنيه (82.47 دولار) نهاية العام الحالي، مشيراً إلى توقعات بتجاوزه مستوى ستة آلاف جنيه (123.7 دولار) خلال عام 2026. ولفت إلى أن أسعار الذهب ارتفعت خلال الفترة الأخيرة عالمياً، وهو ما انعكس على أسعار الذهب في السوق المحلية.
الذهب يقفز 4 في المئة خلال أسبوع
خلال التعاملات الأخيرة الأسبوع الماضي ارتفعت أسعار الذهب داخل الأسواق المحلية بمصر أربعة في المئة، في حين صعدت أسعار الذهب بالبورصة العالمية 0.8 في المئة خلال تعاملات الأسبوع المنتهي مساء أول من أمس الجمعة. ووفق بيان قال المدير التنفيذي لمنصة "آي صاغة" لتداول الذهب والمجوهرات عبر الإنترنت سعيد إمبابي إن أسعار الذهب ارتفعت بالسوق المحلية بقيمة 135 جنيهاً (2.73 دولار) خلال تعاملات الأسبوع الماضي، إذ افتتح سعر غرام الذهب عيار 21 التعاملات عند مستوى 3335 جنيهاً (67.64 دولار) ولامس مستوى 3500 جنيه (71 دولاراً) واختتم التعاملات عند مستوى 3470 جنيهاً (70.38 دولار)، في حين ارتفعت أسعار الذهب بالبورصة العالمية بقيمة 12 دولاراً، بعد افتتاح الأونصة التعاملات عند مستوى 2443 دولاراً واختتمت التعاملات عند مستوى 2431 دولاراً.
فيما سجل سعر غرام الذهب عيار 24 3811 جنيهاً (77.30 دولار)، وسجل سعر الغرام عيار 18 2859 جنيهاً (58 دولاراً)، بينما سجل سعر الغرام عيار 14 نحو 2224 جنيهاً (45.11 دولار)، وأخيراً، سجل سعر الجنيه الذهب نحو 26680 جنيهاً (541 دولاراً).
وعلى خلفية ارتفاعات الأسعار التي سجلها المعدن النفيس منذ بداية العام الحالي توقفت عمليات التسعير وكذلك البيع والشراء لأيام، ومع قرار خفض البنك المركزي أسعار الفائدة بنحو 200 نقطة أساس خلال الأول من فبراير (شباط) الماضي، بدأت أسعار الذهب في التراجع من مستوى تراوح ما بين 3900 جنيه (79 دولاراً) و3300 جنيه (67 دولاراً) خلال الخامس من فبراير، ثم الصعود مرة أخرى لمستوى 3700 جنيه (75 دولاراً) خلال الثامن من فبراير، ثم الاستقرار بين مستويات 3700 (75 دولاراً) و3500 جنيه (71 دولاراً).
ومع قرار البنك المركزي خلال السادس من مارس (آذار) الماضي برفع أسعار الفائدة بنسبة ستة في المئة وتحرير سعر الصرف، تعرضت أسواق الذهب لتقلبات سعرية تراوح فيها عيار 21 ما بين 3200 جنيه (65 دولاراً) و3 آلاف جنيه (60.8 دولار)، وخلال السابع من مارس ارتفعت أسعار الذهب لتلامس مستوى 3300 جنيه (67 دولاراً)، ثم العودة إلى مستويات بين 3250 جنيهاً (66 دولاراً) و3 آلاف جنيه (60.8 دولار).
وقال إمبابي إن سوق الذهب المحلية شهدت أسعاراً تحوطية خلال الأيام الماضية مع انتشار شائعة زيادة سعر صرف الدولار في السوق المحلية خلال الأيام المقبلة، ليصل الفرق بين السعر المحلي والعالمي نحو 100 جنيه (دولارين)، وسجل الفرق بين سعري البيع والشراء نحو 100 جنيه (دولارين). وأوضح أن أسواق الذهب تعرضت لتسعير عشوائي غير مبرر مع ختام تعاملات الجمعة الماضي، ووجود أكثر من سعر ليصل سعر الغرام عيار 21 في بعض المحال إلى نحو 3500 جنيه (71 دولاراً).
كم بلغت مشتريات المصريين خلال الربع الثاني؟
في الوقت ذاته، تشير البيانات إلى استمرار ارتفاع مشتريات المصريين من المشغولات الذهبية خلال الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالربع الأول، على رغم تراجعها خلال الربع الثاني على أساس سنوي. ووفق البيانات الصادرة عن مجلس الذهب العالمي بلغت مشتريات المصريين من المشغولات الذهبية نحو 6.8 طن خلال الربع الثاني من عام 2024، بزيادة تبلغ نسبتها اثنين في المئة على أساس سنوي.
وعلى رغم ارتفاع مشتريات المصريين خلال الربع الثاني على أساس سنوي فإنها جاءت أقل من المشتريات المسجلة خلال أول ثلاثة أشهر من العام والبالغة نحو ثمانية أطنان، بحسب التقرير الفصلي لمجلس الذهب العالمي. وتراجع حجم مشتريات المصريين من الذهب خلال الربع الثاني من عام 2024 بنسبة 16 في المئة ليصل إلى 14.4 طن من الذهب مقارنة بنحو 17.1 طن خلال الربع الثاني من العام الماضي.
وأشار مجلس الذهب العالمي إلى أن مشتريات السبائك والعملات الذهبية خلال الربع الثاني من العام الحالي في مصر سجلت 7.6 طن منخفضة بنسبة 27 في المئة بالمقارنة مع مشتريات الربع الثاني عام 2023 التي كانت عند 10.4 طن، بينما كانت مشتريات الربع الأول من هذا العام من السبائك والعملات الذهبية عند 5.2 طن.
وأشارت بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء إلى تراجع واردات المصريين من الذهب خلال أول أربعة أشهر من العام الحالي. وتراجعت واردات البلاد من أشكال خام الذهب "غير النقدي"، لتبلغ نحو 40.586 مليون دولار خلال الفترة من يناير (كانون الثاني) إلى أبريل (نيسان) الماضي، مقارنة بنحو 60.499 مليون دولار خلال الفترة نفسها من العام الماضي، بتراجع بلغت قيمته 19.913 مليون دولار بنسبة انخفاض بلغت نحو 33 في المئة.
وجاء هذا التراجع في وقت شهدت فيه الواردات ارتفاعاً هامشياً خلال أبريل الماضي فحسب، إذ بلغت قيمتها نحو 20.310 مليون دولار مقابل نحو 19.298 مليون دولار خلال الشهر نفسه عام 2023، وبزيادة بلغت نحو مليون دولار. وتعد واردات أشكال خام الذهب، ضمن قائمة أهم الواردات المصرية من السلع الوسيطة والتي بلغت قيمتها الإجمالية نحو 1.930 مليار دولار خلال أبريل الماضي، مقارنة بنحو 2.129 مليار دولار خلال الشهر نفسه عام 2023، بتراجع بلغت قيمته نحو 199.577 مليون دولار.
البنوك المركزية تتوسع في شراء المعدن النفيس
وتشير البيانات الرسمية إلى تسارع وتيرة شراء البنوك المركزية للذهب منذ عام 2022، بعد أن ظل يلعب دوراً ثانوياً في الموازنة العمومية للمصارف. وخلال عام 2022 بلغت مشتريات البنوك المركزية العالمية من الذهب نحو 1082 طناً بما يعادل ضعف المستويات المسجلة خلال العام السابق له.
وتزامنت بداية القفزة في شراء البنوك المركزية للذهب مع التوترات التي تلت فرض الولايات المتحدة وأوروبا عقوبات اقتصادية قوية ضد روسيا عقب حربها على أوكرانيا. وتضمنت العقوبات الغربية ضد روسيا تجميد الأصول المقومة بالدولار وفرض عقوبات على السلع الرئيسة لموسكو مثل النفط الخام، واتجهت البنوك المركزية خلال العامين الماضيين لتنويع احتياطاتها بعيداً من الدولار الأميركي، وللتحوط ضد هبوط العملة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتمثل هذا التوجه في خفض الصين لحيازتها من سندات الخزانة الأميركية بنحو 23 مليار دولار خلال فبراير الماضي لتصل إلى 775 مليار دولار، وهو الاتجاه المستمر من جانب بكين خلال الأعوام الأخيرة. ويبرر بعض المحللين تدافع البنوك المركزية لشراء الذهب بوجود دوافع سياسية إضافة إلى الرغبة في تنويع الأصول.
وقال محللو "جيه بي مورغان" إنه في بعض الحالات بدأت الدول غير الحليفة للولايات المتحدة في السعي إلى خفض تركز احتياطاتها على الدولار، مع أخطار تعرض هذه الاحتياطات للعقوبات. وأشاروا إلى أن الحكومات المتحالفة مع واشنطن تضيف أيضاً الذهب إلى احتياطاتها بوتيرة سريعة، في مسعى إلى حماية نفسها من التضخم المتسارع والمتقلب عالمياً.
وشهد التضخم العالمي حالاً من التسارع الحاد في أعقاب تعافي الطلب بعد وباء "كوفيد 19"، مما دفع البنوك المركزية حول العالم لرفع معدلات الفائدة بقوة. ويتوقع محللون استمرار البنوك المركزية العالمية في مراكمة الذهب خلال الفترة المقبلة مع استمرار الأسباب التي دفعتها لهذا التوجه في المقام الأول.
ويرى مجلس الذهب العالمي أنه على رغم أن البنوك المركزية اشترت كميات كبيرة من الذهب منذ عام 2022 فإن شهيتها للمعدن ربما لم تنته بعد. وأشار المجلس إلى أن الاتجاه طويل الأمد لشراء الذهب من قبل البنوك المركزية مستمر، وسط هيمنة البنوك في الأسواق الناشئة، ورجح ألا يؤدي ارتفاع أسعار الذهب بصورة كبيرة أخيراً إلى عرقلة أية خطط استراتيجية لمراكمة المعدن من جانب البنوك المركزية.
لكن المجلس شدد على أن هناك حاجة إلى مزيد من البيانات لتقييم مدى تأثير مستويات الأسعار الحالية في نشاط البنوك المركزية. ويحتفظ المجلس برؤيته في شأن استمرار البنوك المركزية مشترياً صافياً للمعدن خلال الفصول المقبلة، ما يوفر ركيزة أساسية لدعم الذهب، في وقت يربط بعض المحللين ارتفاع قيمة الدولار الأميركي بسعي البنوك المركزية إلى إيجاد بديل أقل كلفة.