Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

قوات مصرية - جيبوتية إلى الصومال... بعثة جديدة بمهام قديمة 

لتعويض انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام التي تنتهي مهامها في مطلع العام المقبل

 آلية تابعة لقوة الإتحاد الأفريقي لحفظ السلام في العاصمة الصومالية مقديشو (رويترز)

ملخص

يرى مراقبون أن المبادرة الجديدة لكل من مصر وجيبوتي من شأنها أن تسهم في نزع فتيل الأزمة بين الاتحاد ومقديشو إلى جانب مساهمتها في تعزيز قدرات القوات الصومالية وفاعليتها في معالجة التحديات الأمنية المعقدة في البلاد.

عرضت كل من مصر وجيبوتي إرسال قوات خاصة من جيشيهما لحفظ السلام في الصومال لتعويض انسحاب بعثة الاتحاد الأفريقي لحفظ السلام، إذ من المقرر أن تنسحب البعثة الانتقالية في الصومال (ATMIS) بحلول يناير (كانون الثاني) 2025.

وبحسب الاقتراح المصري - الجيبوتي المدعوم أفريقياً فإن القوات الجديدة المقرر انتشارها في الصومال تحمل اسم بعثة الاتحاد الأفريقي للدعم والاستقرار في الصومال (AUSSOM) التي من المقرر أن يصدق عليها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي خلال اجتماعه غداً. 

ورحب متحدث باسم المجلس بالعروض التي قدمتها القاهرة وجيبوتي، داعياً الدول الأعضاء في الاتحاد إلى المساهمة في تشكيل هذه القوات مالياً ولوجيستياً لحماية الاستقرار في الصومال، وذلك إثر الخلاف الذي ظل قائماً بين مقديشو والاتحاد الأفريقي حول التمديد للبعثة السابقة التابعة للاتحاد الأفريقي، والتي كانت تتشكل من نحو 13 ألف جندي، وتشارك فيها جيوش من كينيا وأوغندا وإثيوبيا وبوروندي وجيبوتي بينما تشارك دول غانا ونيجيريا وسيراليون وأوغندا بعناصر شرطة. 

وفيما سعت مقديشو في الفترة الأخيرة، لإنهاء مهمة البعثة الأفريقية، وتعويضها بقوات تركية لحفظ السلام، بخاصة بعد توقيع أديس أبابا لمذكرة تفاهم من إقليم صوماليلاند غير المعترف به دولياً تنص على حصول الأولى لمنفذ بحري في السواحل الصومالية مقابل الاعتراف بصوماليلاند كدولة مستقلة، وقد واجه السعي الصومالي نحو أنقرة انتقادات حادة من الاتحاد الأفريقي، باعتبار أنه يحبذ التمديد للبعثة السابقة أو تعويضها ببعثة جديدة تتشكل من دول الاتحاد ذاته، عوضاً عن استقدام قوات من خارج القارة السمراء. 

ويرى مراقبون أن المبادرة الجديدة لكل من مصر وجيبوتي من شأنها أن تسهم في نزع فتيل الأزمة بين الاتحاد ومقديشو إلى جانب مساهمتها في تعزيز قدرات القوات الصومالية وفاعليتها في معالجة التحديات الأمنية المعقدة في البلاد، علاوة على معالجة قضايا الأمن الإقليمي، بخاصة أن الصومال يواجه تهديدات أمنية من جماعات متطرفة على رأسها حركة الشباب.

مهام وإنجازات 

وكان الاتحاد الأفريقي قد شكل قوة لحفظ السلام في يناير (كانون الثاني) 2007 بعد سيطرة المحاكم الإسلامية على العاصمة الصومالية مقديشو بتفويض أولي مدته 6 أشهر ووافق عليها مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة في قراره رقم 1744. 

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وظلت هذه القوات تمدد تفويضها بصورة نصف سنوية لمدة تجاوزت 18 سنة، قبل أن تطلب مقديشو إنهاء مهامها هذا العام. وشرعت القوات الأفريقية في الانسحاب التدريجي وتسليم المهام والقواعد للقوات الصومالية، في عملية مخطط لها أن تكتمل بنهاية عام 2024.

ويقدر مراقبون للشأن الصومالي أن من بين أهم الإنجازات التي حققتها القوات الأفريقية في الصومال إخراج حركة الشباب من العاصمة مقديشو عام 2011، وبسط نفوذ الدولة على إقليمي شبيلي السفلى والوسطى، بعد أن ظلت محاصرة في العاصمة، مما مهد لاحقاً لتشكيل البرلمان وانتخاب الرئيس، مما شرع بيئة سياسية إيجابية، إضافة إلى توفير الحماية للمرافق الرئيسة في العاصمة، مثل المطار والميناء، وتدريب الشرطة الصومالية وتوفير المعدات اللوجيستية.

إخفاقات عقد ونصف 

من جهته يرى المحلل السياسي الصومالي محمد عيدي أن بعثة الاتحاد الأفريقي المنتهية مهامها، وعلى رغم بعض الإنجازات التي حققتها خلال عقد ونصف العقد من الانتشار في الصومال، فإنها أخفقت في عديد من المهام من بينها عدم قدرتها على هزيمة حركة الشباب، إذ إنه على رغم إخراجها من العاصمة وعدد من المدن، فإنها لم تنجح في الحد من فاعليتها، وظلت تنفذ عمليات نوعية استهدفت مقدرات الحكومة الصومالية.

ويضيف عيدي أن ثمة إشكاليات أخرى لازمت البعثة من بينها عدم قدرتها على العمل كوحدة واحدة بسبب الخلافات بين قادة القوات التابعة للدول المساهمة في البعثة.

 

 

إلى جانب ذلك يذكر المحلل السياسي أن ثمة مشكلات تتعلق بالتمويل ظلت تواجه الاتحاد الأفريقي، مما دفع الاتحاد الأوروبي لتولي دفع رواتب أفراد البعثة، إلا أن عجز البعثة في حسم معركتها ضد حركة الشباب وتوسع رقعة المناطق التي تهيمن عليها الحركة على الارض، إضافة إلى تفجر صراعات أخرى، على رأسها الحرب في أوكرانيا، أسهم في تقليص موازنة الاتحاد الأوروبي للبعثة، مما أسهم في تراجع القدرة القتالية واللوجيستية للبعثة.

وتابع أن البعثة وعلى رغم مرور 18 سنة على انتشارها في الصومال فإنها لم تتمكن من اتباع استراتيجية ناجعة لحماية المدنيين في مناطق عملياتها، على رغم أن التفويض الأفريقي قائم على هدف قواعد الاشتباك التي تنص على حماية المدنيين.

ويضيف عيدي أن فشل البعثة في هذه المهام الرئيسة أسهم في استياء

النخب السياسية الصومالية من جدوى بقاء هذه القوات. ويرجح أن تدهور العلاقات بين مقديشو وأديس أبابا، بخاصة بعد توقيع الأخيرة مذكرة تفاهم مع هرجيسا، دفع الحكومة الصومالية لإنهاء مهام البعثة التي تسيطر عليها إثيوبيا على المستويين العسكري والسياسي، إذ أضحت أديس أبابا مهددة للسيادة الصومالية، من خلال سعيها إلى الحصول على منافذ ساحلية في الأراضي السيادية الصومالية، مما يصعب معه الاعتماد عليها في حفظ السلام. 

ويرى عيدي أن موافقة مقديشو لتشكيل بعثة أفريقية جديدة لحفظ السلام في الصومال ظل مشروطاً بعدم مشاركة قوات تابعة لإثيوبيا، مضيفاً أن هذا الموقف لم يقتصر على الحكومة الصومالية فحسب، بل أيضاً شمل القوى السياسية الصومالية الأخرى. 

بعثة جديدة بمهام قديمة 

ويوضح عيدي أن البعثة المزمع انتشارها ستحمل ذات التفويض والمهام القديمة، وعلى رأسها بسط الأمن والاستقرار في الصومال، مع التركيز على ضرورة انتقال المهام الشرطية والأمنية للأجهزة الصومالية، إذ تسعى إلى الانتقال من وضع "حفظ السلام" من خلال قوات إقليمية إلى وضع جديد يهدف إلى تمكين القوات الصومالية من القيام بالمهام الأمنية والعسكرية. 

ويرجح المتخصص الصومالي أن يكون التعاطي الشعبي مع القوات الجديدة - والتي من المزمع تشكلها بصفة أساسية من قبل جيشي مصر وجيبوتي - أكثر مرونة وتقبلاً، لا سيما أن الدولتين ترتبطان بعلاقات جيدة مع الصوماليين، ولديهما إسهامات مشهودة في التاريخ الصومالي، إلى جانب توفر إدراك سياسي وإرادة حقيقية لإعادة الصومال لوضعه الطبيعي، في محيطه العربي والأفريقي. 

ويقدر عيدي أن ثمة تاريخاً مشتركاً بين الصومال وجيبوتي بخاصة، إضافة إلى أن الأخيرة تتماهى مع المواقف الصومالية حول مذكرة التفاهم الموقعة مع إثيوبيا، وأنها المتضرر المحتمل من مقررات هذه المذكرة، إذ تعتمد إثيوبيا على موانئها بصورة شبه كلية في عملياتها التجارية، وحصول أديس أبابا على منفذ بحري في السواحل الصومالية سيضر بمصالحها المالية والاقتصادية، كما تمارس القاهرة ضغوطاً سياسية ودبلوماسية ضخمة لدعم موقف مقديشو تجاه هذه القضية والحفاظ على وحدة التراب الصومالي. 

تفاهم تركي - مصري 

وفي رده على سؤال يتعلق بموقف أنقرة من البعثة الجديدة، لا سيما أنها تسعى إلى إرسال قوات لحفظ السلام بعد الاتفاق الذي وقعته مع مقديشو، يقول محمد عيدي إن البعثة التركية تختص بحماية السواحل الصومالية ولا علاقة لها بعمليات حفظ السلام في المدن الداخلية بما فيها العاصمة، مشيراً إلى أن هناك تفاهماً تركياً - مصرياً تم خلال زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان للقاهرة، موضحاً أن الوزير التركي ونظيره المصري بدر عبدالعاطي، أعلنا في مؤتمر صحافي على هامش الزيارة التزامهما الموحد دعم سلامة أراضي الصومال، مشددين على الأهمية الحاسمة لحماية سيادته وسط النزاعات الإقليمية المستمرة، ورفضا بشدة أية إجراءات تقوض وحدة الصومال وسلامة أراضيه.

ورأى عيدي أنه لا تعارض بين البعثة الأفريقية بقيادة مصر وجيبوتي والاتفاق الموقع بين مقديشو وأنقرة حول حماية السواحل الصومالية. 

مركزية الدور الإثيوبي 

من جهة ثانية يرى المحلل الإثيوبي بيهون غيداون أن سعي حكومة مقديشو إلى لإنهاء مهام بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال (ATMIS)، والقبول في الوقت ذاته بتشكيل بعثة جديدة تحت رعاية الاتحاد الأفريقي تضم قوات من مصر وجيبوتي يكشف عن أن التبريرات التي قدمتها الحكومة الصومالية لإنهاء مهام البعثة الأولى غير منطقية. ويشير إلى أن المذكرة المقدمة للاتحاد الأفريقي تنص على إنهاء مهام البعثة لانتفاء الأسباب الداعية لوجود قوات أجنبية داخل الصومال، موضحاً أن القوات العسكرية والأمنية الصومالية باتت قادرة على القيام بمهامها على أكمل وجه. 

ويقول غيداون إن الهدف الرئيس للمذكرة يتمثل في إخراج إثيوبيا من الصومال، "الاعتقاد أن دولة صغيرة مثل جيبوتي ودولة بعيدة نسبياً عن جغرافيا الصومال مثل مصر، يمكن أن تنجح في حلحلة الأزمة الصومالية، اعتقاد خاطئ". ويضيف أن إثيوبيا ترتبط بالصومال بحدود مشتركة تبلغ 800 كيلومتر، فضلاً عن التداخل السكاني، إذ إن هناك إقليماً صومالياً في إثيوبيا يبلغ تعداده نحو 6 ملايين نسمة يتحدرون مع ذات العرقية الصومالية ويتحدثون اللغة ذاتها، ويرتبطون بعلاقات ثقافية وعرقية ودينية مع الشعب الصومالي، ويتأثرون بصورة مباشرة بالأوضاع السياسية والاقتصادية السائدة هناك. 

ويقدر المتخصص الإثيوبي أن هذه الميزات تمنح إثيوبيا دوراً مركزياً في معالجة جميع مشكلات الصومال، مشيراً إلى أن بلاده ظلت العون الأول للصوماليين عقب سقوط نظام سياد بري وانهيار الدولة الصومالية. 

ويؤكد أن معظم الاتفاقات بين الفرقاء الصوماليين وقعت بوساطات ومبادرات إثيوبية، كما أن أديس أبابا كانت صاحبة فكرة أول مبادرة لحفظ السلام في الصومال عبر منظمة إيغاد، ثم الاتحاد الأفريقي، وتملك رصيداً كبيراً في فهم الأزمات الصومالية وحلولها عبر التاريخ. 

ويرى غيداون أن حكومة مقديشو تتبنى تكتيكات مرحلية، تحت تأثير بعض الحلفاء الإقليميين لها، عوضاً عن الاعتماد على استراتيجيات مستدامة، ترافق الظروف التاريخية والجغرافية والجيوسياسية لمنطقة القرن الأفريقي ومضيق باب المندب. 

ويتوقع أن تفشل البعثة الجديدة أكثر من سابقاتها نظراً إلى غياب المصالح الاستراتيجية لشعب الصومال، وتحكم المصالح الآنية للتحالفات التي تعقدها الحكومة الحالية في مقديشو نتيجة صراعاتها الداخلية والخارجية. 

ويختم بأن تخبط حكومة الرئيس حسن شيخ محمود بين مشاريع كل من إريتريا ومصر وتركيا لن يحقق المصالح العليا للصومال، وأي من تلك الدول لا يرتبط بحدود برية أو بحرية أو علاقات سكانية بجمهورية الصومال. 

الموقف المصري

من جهته قال السفير أحمد أبوزيد المتحدث الرسمي ومدير إدارة الدبلوماسية العامة بوزارة الخارجية والهجرة في القاهرة، إن وزير الخارجية المصري بدر عبدالعاطي أكد خلال المحادثات الموسعة التي أجراها مع وزيري خارجية جيبوتي والصومال، اهتمام مصر بتعزيز مستوى العلاقات مع دول القرن الأفريقي، وعلى رأسها الصومال، ورغبتها في الإسهام في دعم الاستقرار بدول المنطقة اتصالاً بدور مصر الثابت في دعم الشعوب الأفريقية الشقيقة نحو تحقيق تطلعاتها التنموية.

وأضاف عبدالعاطي، أن ذلك الأمر تتزايد أهميته في الفترة الحالية لا سيما مع ما تمر به المنطقة من تحديات جسيمة، باتت تتطلب تكاتف الدول جميعاً لمواجهتها.

وكشف عن أنه تباحث مع نظيره الصومالي أحمد معلم فقي، إذ توافق الجانبان على أهمية تكثيف آليات التشاور السياسي والتنسيق بين البلدين والبناء على ما حُقق من تقارب خلال الأعوام الماضية.

وأكد أن مصر وجيبوتي من أكثر الدول تأثراً بالتطورات في الصومال ومضيق باب المندب، باعتباره الممر التجاري المهم، مما يقتضي تقديم مساهماتهما لضمان أمن البحر الأحمر وتأمين حرية الملاحة الدولية.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات