Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الانتخابات الأميركية تحت رحمة عدو شبحي

بين التزييف العميق والتدخلات الخارجية يبدو السباق نحو البيت الأبيض وكأنه محاصر بأعداء كثر داخل عواصم حقيقية وأخرى افتراضية

التزييف العميق هو التلاعب بحدث حقيقي أو اختراع حدث من الهواء (اندبندنت عربية)

ملخص

هل ستكون انتخابات الرئاسة الأميركية 2024 أول انتخابات أميركية وعالمية يلعب فيها الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق عطفاً على المعلومات المضللة إلى جانب أدوات الخداع التكنولوجي دوراً حاسماً ونهائياً؟

المؤشرات كثيرة والإشاعات أكثر...

100 يوم أو أقل هو كل ما تبقى من الوقت المتاح قبل التوجه إلى الصناديق الانتخابية في عموم الولايات الأميركية... هل يكفي هذا التوقيت لإحداث مزيد من الارتباك في دولة قلقة ومضطربة وفي ظل انتخابات رئاسية غير مسبوقة حتى الساعة؟

المؤكد أنها فسحة من الوقت تكفي لمن يمتلك أدوات حديثة لتغيير أفكار الأميركيين وخلف تيار جديد مع أو ضد أي مرشح.

غير أن علامة الاستفهام: ماذا عن تلك الأدوات؟

المؤكد أن حملة الانتخابات الرئاسية عادة ما تكون ميداناً للسباق المختلف الأوجه للحصول على دعم الناخبين، حملة تبدأ من عند السفر بالقطارات عبر مختلف الولايات، كما فعل الرئيس أيزنهاور في أوائل خمسينيات القرن الماضي، وصولاً إلى الضغط على "الفأرة"، ونشر أي مرشح ما يعن له أن ينشره، كما الحال مع منصة "تروث سوشيال"، تلك الآلية التي يمتلكها المرشح الجمهوري دونالد ترمب.

لكن أمر المعلومات لا يتوقف عند مرشح بعينه ولا عند المرشحين المتسابقين، فقد باتت سهولة تبادل المعلومات أداة للتدخل والضغط من الداخل والخارج، كل يروج ما يشاء له أن يفعل، مما يجعل الناخب الأميركي في نهاية المسيرة، أمام زخم غير محدود من طوفان المعلومات، مع عدم مقدرة على التفريق بين ما هو صحيح وما هو مزيف.

هل ستكون انتخابات الرئاسة الأميركية 2024 أول انتخابات أميركية وعالمية يلعب فيها الذكاء الاصطناعي والتزييف العميق عطفاً على المعلومات المضللة إلى جانب أدوات الخداع التكنولوجي دوراً حاسماً ونهائياً؟

المعلومات المضللة وخداع الجماهير

تبدو المعلومات وتدفقها هي إشكالية العقود القائمة والقادمة والصراع يدور من حولها في الحل والترحال، لا سيما أن فرز كمية هائلة من المعلومات التي يتم تخليقها ومشاركتها عبر الشبكة العنكبوتية يعد أمراً صعباً حتى بالنسبة إلى الخبراء.

هنا قد تبدو مصطلحات مثل "المعلومات المضللة" في دائرة الضوء صباح مساء، لا سيما أنه تتم بلورتها ومشاركتها بهدف التلاعب بالناس.

تختلق الخدع، على غرار التضليل الإعلامي، لإقناع الناس بأن الأشياء التي لا تدعمها الحقائق صحيحة. ومن هنا تسقط الملايين في فخ المعلومات الزائفة.

أحد الأسئلة المهمة في هذا السياق: هل قصة المعلومات المزيفة حديثة أم أن البشرية عرفتها في أزمنة غابرة؟

تاريخياً تبدو الإشكالية قديمة، لا جديدة، وربما ترجع إلى روما القديمة، ففي نحو 31 قبل الميلاد أطلق القائد العسكري الروماني أوكتافيوس حملة تشويه سمعة ضد عدوه السياسي مارك أنطونيو، واستخدم في هذه الحملة شعارات قصيرة حادة مكتوبة على العملات المعدنية بأسلوب التغريدات القديمة.

بنيت حملته حول فكرة مفادها أن أنطونيو كان جندياً فاشلاً، زير نساء ومدمن خمر وغير لائق لتولي منصب رسمي. وقد نجحت تلك الحملة، فأصبح أوكتافيوس وليس أنطونيو، أول إمبراطور روماني واتخذ اسم أوغسطس قيصر.

لم تعد هناك حاجة في العقد الثالث من القرن الـ21 إلى عملات روما الذهبية والنقش عليها، فقد جعلت التكنولوجيا الجديدة التلاعب بالمعلومات وتزويرها أمراً بسيطاً، كما تسهل شبكات التواصل الاجتماعي على القراء غير النقديين، أي أولئك الذين لا تتوافر لديهم حاسة النقد وملكته، تضخيم الأكاذيب التي تروجها جهات مختلفة، حكومات ومؤسسات، سياسيين وشعبويين، يميناً ويساراً، شركات عابرة للقارات، وجماعات ضغط، مما يجعل المتلقي في نهاية الأمر في حيرة وغير قادر على الحسم بصواب أو خطأ ما يواجهه من معلومات في زمن السماء التي انفطرت.

هل من مثال على كارثية فكرة المعلومات المزيفة والمغلوطة؟

عام 2015 وفي القلب من جامعة ميسوري الأميركية ادعى أحد مستخدمي "تويتر" أن الشرطة كانت تسير مع أعضاء جماعة "كوكلكس كلان" اليمينية العنصرية المتطرفة، وكتب على المنصة "لقد ضربوا أخي الأصغر... احترسوا"، وصورة لطفل أسود بوجه مصاب بكدمات شديدة.

هل كانت القصة حقيقية؟ بالقطع اكتشفت السلطات المعنية أن الأمر برمته خدعة من "هاكر روسي"، غير أن النتيجة الكارثية لهذه الكذبة تمثلت في انخفاض بنسبة 35 في المئة في تسجيل الطلاب الجدد في العام التالي.

الرسالة هنا هي أن العالم بات مكاناً خطراً ويزداد خطورة بسبب النيات الخبيثة، وبخاصة في عصر الإنترنت... هل زمن الانتخابات الرئاسية الأميركية هو التوقيت الأنفع لجماعات التزييف العميق ولاعبي الذكاء الاصطناعي القادرين على تشكيل أميركا كما يريدون وكيفما يوجهون؟

التضليل... أنت مجند دون أن تدري

تبدو جموع الأميركيين وكأنها باتت مجندة دون أن تدري عبر حملات تضليل ركيزتها محتوى مضلل يتم إنتاجه عن عمد، ويتم نشره لأغراض أنانية أو خبيثة.

يهدف التضليل إلى إثارة عدم الثقة وزعزعة استقرار المؤسسات وتشويه سمعة النيات الحسنة، وبالقدر ذاته تشويه سمعة المعارضين ونزع الشرعية عن مصادر المعرفة مثل العلوم والصحافة.

يشارك عديد من الحكومات في حملات التضليل. على سبيل المثال استخدمت الحكومة الروسية صور المشاهير لجذب الانتباه إلى الدعاية المناهضة لأوكرانيا.

في أواخر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي حذرت شركة "ميتا" الشركة الأم لـ"فيسبوك" و"إنستغرام" من أن الصين كثفت عمليات التضليل.

هل الروس والصينيون بنوع خاص يستهدفون الداخل الأميركي؟

التدخل الروسي ليس حديثاً، فقد جرت به المقادير في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، حين أظهر هاكر روسيا خرقاً في حملة هيلاري كلينتون الانتخابية، مما حاول الديمقراطيون إلصاقه بحملة ترمب الجمهوري، ولم تكن الحقيقة سوى انتقام القيصر بوتين، من هيلاري التي نددت بالانتخابات الرئاسية الروسية التي جاءت به للرئاسة من جديد عام 2012.

ما يحدث هذه المرة إنما يدور في سياق خدمة التضليل لأغراض مزدوجة تتمثل في جعل أحدهم طيب وصالح، فيما الآخر خطر وشرير.

إلى أبعد من ذلك، يذهب التضليل، من خلال تصوير القضايا على أنها معركة بين الخير والشر، باستخدام اتهامات الشر لإضفاء الشرعية على العنف.

يحاجج الأميركيون بأن الروس بنوع خاص لهم أدواتهم الاختراقية، لا سيما أنهم يجيدون قراءة المجتمعات الإنسانية، ويمسكون جيداً بتلابيب الضعف البشري، ولهذا يروجون القصص التي تفت في عضد النسيج المجتمعي الأميركي، من خلال تسهيل تبادل الاتهامات بين الجماعات العرقية والعقدية، فهذا نازي، وذاك فاشي، هؤلاء متحرشون، وأولئك مهووسون دينياً، أما الهدف النهائي فيتمثل في تحويل الداخل الأميركي، إلى جماعات حدية، بين الذين معنا والذين علينا، أي سردية الثنائية الزائفة، التي تجعل القارئ، ثم السامع، وصولاً إلى المشاهد مجبراً للاختيار بين أمرين: ما يراه جيداً، أو ما يبدو أنه سيئ، خياراً صحيحاً أو خياراً خاطئاً، علماً أحمر أو علماً أزرق، فيلاً أو حماراً.

وهناك دوماً خيارات أكثر من تلك المعروضة، ونادراً ما تكون القضايا واضحة ومباشرة، وهذا مجرد أحد التكتيكات في التضليل، إذ يسعى عملاء التضليل إلى إسكات وجهات النظر المعارضة من خلال تصويرها على أنها الخيار الخاطئ.

هل هي بالفعل انتخابات التزييف العميق؟

طوفان التزييف والانتخابات المقبلة

نهار الإثنين الخامس من أغسطس (آب) الجاري كان وزير خارجية ولاية واشنطن ستيف هوبز يصدر تحذيراً صارخاً في شأن تهديد المعلومات المضللة في الانتخابات، وبخاصة التزييف العميق والمحتوى الذي يتم إنشاؤه بواسطة الذكاء الاصطناعي، وقد جاء ذلك مع اقتراب الولاية من الانتخابات التمهيدية التي جرت في السادس من أغسطس عينه، والانتخابات العامة في الخامس نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

في التحذير كان هوبز يعرب عن قلقه إزاء الطوفان المحتمل من المعلومات المزيفة على منصات التواصل الاجتماعي، مستشهداً بحوادث بارزة حديثة شملت شخصيات بارزة.

يوماً تلو الآخر يبدو واضحاً أن هذه الانتخابات، وكما حدث في انتخابات عامي 2016 و2020، ستدور إلى حد كبير عبر الإنترنت وتتميز بمزيج من الأخبار والمعلومات المضللة التي يتم تقديمها عبر وسائل التواصل الاجتماعي، غير أن الجديد في هذه الآونة ظهور أدوات الذكاء الاصطناعي القوية مثل "تشات جي بي تي" التي تقوم بعملية إغراق أميركا بالدعاية والمعلومات المضللة وإنتاج تزييفات عميقة بالغة صادرة عن أفواه السياسيين لم يقولوها وأحداث تتكرر أمام أعيننا ولم تحدث بالفعل.

ما النتيجة المتوقعة؟

بلا شك زيادة احتمالية خداع الناخبين، وربما يكون الأمر الأكثر إثارة هو الشعور المتزايد بعدم القدرة على الوثوق بأي محتوى مرئي أو مكتوب أو مسموع يظهر عبر الشبكة العنكبوتية.

يختلف التزييف العميق، عن التزييف العادي، في أن الفكرة الأساس والتكنولوجيا المستخدمة في التزييف العميق هي نفسها المستخدمة في أي تزييف آخر، ولكن مع طموح أكثر جرأة، وهو التلاعب بحدث حقيقي أو اختراع حدث من الهواء، والتعبير هنا لكريستوفر شوارتز الباحث في أمن الكمبيوتر في معهد روشستر للتكنولوجيا.

من هذا المنطلق يمكن بالفعل استخدام التزييفات العميقة لتعزيز أو تقويض مرشح أو قمع إقبال الناخبين.

ولعل النقطة المحورية في هذا الحديث، تنطلق من التساؤل حول ما يمكن أن تفعله المعلومات المضللة التي ينتجها الذكاء الاصطناعي إلى البحث عمن يمكنه أن يستخدم تلك الأدوات.

المفاجأة الكبرى تتمثل في سهولة حيازة الملايين من الأميركيين في الداخل لمثل هذه الأدوات، مما يمكن أن يجعل من التزييف العميق، إشكالية داخلية، ومن غير أن ينفي ذلك، وجود أطراف خارجية، تتمثل في دول كبرى وإقليمية بعضها أعداء مباشرين لواشنطن، وآخرين منافسين إقليميين.

هل جادت المقادير بالفعل الأيام الماضية بنموذج ساخر من التزييف العميق، عبر طرف أميركي داخلي، مما شكل صدمة للأميركيين أنفسهم؟

الفتى ماسك واستنساخ صوت هاريس

قبل أيام فوجئ ملايين الأميركيين بإعلان ساخر نشره إيلون ماسك الرئيس التنفيذي لشركة "تيسلا" و"سبيس إكس"، فتى أميركا المعجزة، باستنساخ صوت المرشحة المرتقبة عن الحزب الديمقراطي، نائبة الرئيس الحالي، عبر مقطع فيديو معدل يحاكي فيها صوتها. اكتسب الفيديو مخاوف في شأن قوة الذكاء الاصطناعي في التضليل قبل ثلاثة أشهر فقط من انتخابات نوفمبر المقبل، بعدما شاركه ماسك على منصة التواصل الاجتماعي "X" نهار الجمعة الـ26 من يوليو، دون الإشارة إلى أنه تم إصداره في الأصل كمحاكاة ساخرة.

يستخدم الفيديو عديداً من العناصر المرئية نفسها المستخدمة في إعلان حقيقي أطلقته هاريس، لبدء حملتها، لكن الإعلان المزيف يستبدل صوت هاريس بصوت أنشئ بواسطة الذكاء الاصطناعي الذي يقلد هاريس بصورة مقنعة.

ما الذي وضعه ماسك على لسان هاريس في هذا الفيديو الذي يعد أمراً مريباً وخطراً في الوقت ذاته؟

يتحدث التسجيل بصوت هاريس قائلاً "أنا كامالا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطي للرئاسة لأن جو بايدن كشف أخيراً عن خرفه في المناظرة"، ويضيف بصوتها أنها "موظفة متنوعة وشخص ملون وأنها لا تعرف شيئاً عن إدارة البلاد"، كما يحتفظ الفيديو بعلامة هاريس للرئاسة، ويضيف بعض المقاطع الأصلية لهاريس.

هنا التساؤل: ما الذي ينتظر ملايين الأميركيين رقيقي الحال فكرياً وتكنولوجياً؟ ربما تصدق نسبة غالبة منهم ما جاء فيه، غير أن الأزمة الأكبر، تتمثل في أن هناك من يعتقد أن ماسك قد بدأ بالفعل شن هجوم معلوماتي مزيف، بمساعدة الذكاء الاصطناعي لمصلحة المرشح دونالد ترمب، وهو القريب منه عقلاً وسياسة.

حين انتشر الفيديو على شبكة الإنترنت، علقت ميا إيرينبرج المتحدثة باسم حملة هاريس في رسالة بالبريد الإلكتروني إلى وكالة "أسوشيتدبرس" بالقول "نعتقد أن الشعب الأميركي يريد الحرية الحقيقية والفرصة والأمن الذي تقدمه نائبة الرئيس هاريس، وليس الأكاذيب المزيفة والمتلاعب بها من قبل إيلون ماسك ودونالد ترمب".

يعد الفيديو الذي انتشر على نطاق واسع مثالاً على كيفية استخدام الصور أو مقاطع الفيديو أو المقاطع الصوتية التي أنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي للسخرية وتضليل الناس في شأن السياسة مع اقتراب أميركا من الانتخابات الرئاسية، ويكشف كيف أنه مع تزايد إمكانية الوصول إلى أدوات الذكاء الاصطناعي عالية الجودة، لا يزال هناك نقص في الإجراءات الفيدرالية المهمة لتنظيم استخدامها ما يترك القواعد التي توجه الذكاء الاصطناعي في السياسة إلى حد كبير للولايات ومنصات التواصل الاجتماعي.

ولعله من المفارقات المثيرة أن ماسك نفسه هو من اخترق سياسات "X" المنصوص عليها، التي تنص على أن المستخدمين "لا يجوز لهم مشاركة الوسائط الاصطناعية أو المتلاعب بها أو خارج السياق والتي قد تخدع أو تربك الأشخاص وتؤدي لاحقاً إلى إلحاق الضرر والأذى".

هنا السؤال: إذا كان ماسك نفسه مالك "X" قد فعل ذلك، فما الذي يمكن أن تنتظره الولايات المتحدة، من الأطراف المختلفة المغرقة في صراعها الذي ينتقل ما بين السياسي والدوغمائي، العرقي والمجتمعي، وهل يعني ذلك أنه في المدى الزمني المنظور، ستضحى أميركا برمتها فريسة للذكاءات الاصطناعية القاتلة، الداخلي منها والخارجي على حد سواء؟

الاستخبارات الأميركية والتدخلات الخارجية

لا تقل المخاوف من التدخلات الخارجية عبر التزييف العميق المتركز إلى الذكاء الاصطناعي عن تلك التي قدم أيلون ماسك نموذجاً منها، بل غالب الظن أنها تزيد.

منذ بضعة أشهر وأصوات أجهزة الاستخبارات الأميركية لا تنفك تنذر وتحذر من وجود عملاء يعملون لمصلحة أجهزة دولية خارجية، يقومون على إعداد محتويات مزيفة أنشئت صناعياً كجزء من حملة التأثير في الناخبين الأميركيين، لا سيما خلال الأسابيع الأخيرة من حملة الانتخابات لعام 2024.

من أكثر من تم الحديث عنهم من هؤلاء العملاء؟

في المقدمة الصينيون والإيرانيون، إذ تشير التسريبات الاستخباراتية الأميركية أنهم يعدون العدة، ويتجهزون للانقضاض في وقت قريب على المواطنين الأميركيين معلوماتياً ولإشاعة أكبر قدر ممكن من الأكاذيب.

هل من جهاز بعينه يبدو وكأن لديه المقدرة على رصد هذا التلاعب في الداخل الأميركي؟

بالقطع نعم، والحديث هنا يدور حول وكالة الأمن القومي NSA التي يعهد إليها برصد كل أنواع التدخلات الإلكترونية والتسجيلات المبثوثة عبر شبكات الإنترنت.

تبدو الصين بصورة خاصة أكبر هاجس يخشى منه الأميركيون خلال الـ100 يوم المقبلة، والسبب واضح للجميع، إذ تجري مفاضلات عميقة في بكين بين كمالا هاريس، ودونالد ترمب، وأيهما سيكون الأكثر ملاءمة لقطبية الصين القادمة، والتي لا بد لها من أن تتنازع مع الولايات المتحدة.

هل هناك استعدادات بعينها تجري في الداخل الأميركي اتقاءً لما يمكن أن تكون الصين في طريقها لتفجيره من مفاجآت المعلومات الزائفة في هذا الوقت المرتبك للغاية؟

في تدريب بغرفة العلميات بالبيت الأبيض في ديسمبر (كانون الثاني) الماضي استعداداً لانتخابات نوفمبر المقبل، ناقش كبار المسؤولين كيفية الاستجابة لسيناريو، حيث يقوم عملاء صينيون بإنشاء مقطع مزيف بواسطة الذكاء الاصطناعي يصور مرشحاً لمجلس الشيوخ يدمر بطاقات الاقتراع، والعهدة على شبكة "سي أن أن".

هل يمكن لمثل هذا المشهد أن يشعل حالة من العنف غير المسبوق في طول البلاد وعرضها؟

مما لا شك فيه أن 70 مليون أميركي من أتباع وأشياع المرشح الجمهوري ترمب، لا يزالون على ثقة تامة من أن انتخابات عام 2020 تم تزويرها وتزييفها لمصلحة المرشح الديمقراطي بايدن، في حين أن الفائز الحقيقي بها هو دونالد ترمب.

هنا حكماً ستكون الكارثة وليس الحادثة، ذلك أن أحداً لن يتوقف طويلاً، لا سيما في ظل حالة الرؤوس الساخنة أمام مثل هذا المقطع المصور، والتدقيق حول ما إذا كان حقيقي أم لا.

أما النتيجة الحتمية فستتمثل في حالة من الصدام والتلاحم المسلح، لن تنفك تنجم عنها حالة غير مسبوقة في التاريخ الأميركي، إذ سيعلن كل طرف عن فوزه بالانتخابات، وأن الطرف الثاني مزور ومزيف، وفي هذا الحال ستعيش الولايات المتحدة في ظل حكومتين ورئاستين، واحدة منتخبة بصورة تدعي أنها رسمية، وأخرى تعلن نفسها الحكومة الشرعية، وهذا يعني أنه ستكون هناك حكومة ظل لا أحد قادر على القطع بأيهما.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من موسكو إلى طهران وصولاً إلى واشنطن

لا نغالي إن قلنا إن الولايات المتحدة قد تكون الساحة العالمية لبطولة التزييف العميق والسباق على كأس العالم في تفعيل أدوات الذكاء الاصطناعي، إذ سيشارك كافة أعدائها ومنافسيها.

يقف الروس في صفوف انتظار الانتقام من العم سام، ومن إدارة بايدن تحديداً، وما يزيد من درجة العداء وجود كامالا هاريس كمرشح للديمقراطيين.

لم يعد الأمر سراً أن الأزمة الأوكرانية تتصاعد بصورة غير طبيعية في الأسابيع الأخيرة، لا سيما إذا أخذنا في عين الاعتبار ما تؤكده موسكو من وصول أسلحة نووية أميركية غالباً إلى كييف.

هنا، وبعيداً من إمكانية إشعال حرب نووية، فإن القيصر في مقره بالكرملين يود لو قدر له أن تهدم أميركا على رأس من فيها من غير إطلاق رصاصة واحدة عليها، أي سيناريو قراءة في المعكوس لما حدث في نهاية الحقبة السوفياتية في أراضي الروس وحلفائهم.

لن يجد بوتين أفضل من هذا التوقيت الذي تتصارع فيه أميركا في داخلها، ليؤجج من نيران المشاحنات التي باتت تصل حد الإقصاء المادي، لا الأدبي، ولعله من اليسير للغاية أن تنتج الاستخبارات الروسية، فيديو مصور، عميق التزييف عن محاولة اغتيال ترمب، وبمعلومات وصور ومقاطع، تقطع بأن الديمقراطيين بقيادة هاريس، وربما من وراء ظهر بايدن، هم الذين دبروا المشهد، لولا أن يد القدير أنقذت الرجل.

وصول فيديو مصور على هذا النحو أمر غير مستحيل، وهو ما تتحفز لمواجهته الأجهزة الاستخباراتية الأميركية منذ زمن بعيد، فغير المتوقع يحدث عادة.

هل الأميركيون في حاجة إلى من يذكرهم بأن إيران التي ما فتئت تسمي أميركا الشيطان الأعظم، لا توفر سيناريوهات مماثلة، وربما أكثر شراً، وبخاصة في ضوء حوادث الاغتيالات التي جرت على أراضيها؟

يقول السيناتور مارك وارنر الديمقراطي الذي يترأس لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ لشبكة "سي أن أن"، "إن الدول المعادية للولايات المتحدة تعلم أنه من السهل نسبياً، وبصراحة، من غير المكلف محاولة التدخل في انتخاباتنا. أعتقد أنه يتعين علينا أن نتوقع أن تحاول الصين وإيران وروسيا وكوريا الشمالية، وربما دول أخرى، إما مهاجمة بنيتنا التحتية عبر الإنترنت، أو على الأرجح نشر معلومات مضللة لمحاولة تحريض الأميركيين ضد بعضهم بعضاً".

وفي الخلاصة، من المؤكد جداً أن المشهد التكنولوجي الأميركي قد اختلف جذرياً منذ أربع سنوات عن الآن، ويوماً تلو الآخر، يتحول الأمر من منافسة في العالم الحقيقي، إلى صراع في العالم الافتراضي، إذ أدوات الذكاء الاصطناعي، ثم السوبر ذكاء اصطناعي، تعمل على تقديم نموذج غير مسبوق في التدخل في شؤون الأمم الداخلية.

ما يريده المتلاعبون بالعقول عبر التزييف العميق هو إفقاد الأميركيين أول الأمر ثقتهم في فكرة دولة المؤسسات، مما يعزز فكرة الانفصال، التي هي قائمة على الأرض بالفعل عند عدد من كبريات الولايات، لا سيما كاليفورنيا في أقصى الغرب، وتكساس عند الجنوب البعيد.

ثم تأتي بعد ذلك أهداف ليست أقل خطراً، وعلى رأسها زعزعة الثقة في فكرة أميركا الديمقراطية، الدولة الاستثنائية، المدينة القائمة فوق جبل.

ومن هنا إلى هناك يضحى التماسك المجتمعي في أزمة لا تلبث أن تنعكس ناراً وحرائق، دماً ومرارة على السبيكة المجتمعية الأميركية، لا سيما في أوساط تترقب انطلاق شرارة عنف، وكل لديه مبرراته ودوافعه، معطياته ورغباته الدفينة، لكي ينجز أمراً غير ظاهر أو طاف على سطح الأحداث في الوقت الراهن.

هل الولايات المتحدة الأميركية في حالة خطر حقيقي من جراء عدو خفي، لا يمكن إلقاء القبض عليه، كما الحال مع الخلايا الإرهابية عنقودية كانت أو منفرطة العقد.

حكماً هناك متغير جديد قادر على تغيير شكله وملامحه في كل يوم وساعة، مما يجعل محاربة التزييف العميق نوعاً من قتال الأشباح، تلك التي تجيد حروب الظلام، وهو أسوا سيناريو يمكن أن يعترض طريق الانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.

المزيد من تقارير