Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

كيف كان اختيار الديمقراطيين لهاريس غير ديمقراطي؟

اختيارها انقلاب على نسق راسخ للديمقراطية الشعبية التي أرسيت منذ عام 1968

تمثال للاعب كرة السلة الأميركي الشهير مايكل جوردان أمام لافتة المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، في بهو مركز يونايتد بشيكاغو، حيث سيقام المؤتمر الأسبوع المقبل (أ ب)

ملخص

منذ انسحاب بايدن من السباق الانتخابي بدأ عدد من الديمقراطيين بالفعل مناقشة كيفية استبداله، إذ كانوا قلقين من أن اختيار المندوبين في المؤتمر الوطني للحزب في شيكاغو، مرشح آخر لم يصوت له الناخبون الديمقراطيون العاديون، بعدما تعهد غالبية المندوبين في البداية بالتصويت لبايدن، سيبدو غير ديمقراطي وغير شرعي.

مع انعقاد المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي الإثنين المقبل، لن تكون هناك حاجة لانتخاب مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية بعدما فازت للمرة الأولى منذ عام 1968 مرشحة الحزب للمنصب الرئاسي من دون الفوز بصوت واحد في الانتخابات التمهيدية، التي ظلت تقوم على التنافس بين مرشحين متعددين لأكثر من نصف قرن، فلماذا انقلب الديمقراطيون على القواعد الديمقراطية ورفعوا كامالا هاريس بعد انسحاب بايدن من السباق إلى رأس البطاقة الانتخابية دون عملية ترشيح تنافسية، وكيف تطورت عبر التاريخ عملية ترشيح الحزب للمنصب الرئاسي، وهل يمكن أن تتأثر حظوظ هاريس للفوز بالانتخابات في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل بسبب عملية الترشيح غير الديمقراطية؟

انقلاب تاريخي

عندما يبدأ "المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي" في مدينة شيكاغو بولاية ألينوي في الفترة من الـ19 وحتى الـ22 من أغسطس (آب) الجاري، لن يشهد كما جرت العادة على مدى أكثر من نصف قرن، تصويتاً من المندوبين الذين اختارهم الناخبون في الولايات الأميركية الـ50 لاختيار مرشح الحزب للانتخابات الرئاسية، والسبب في ذلك أن الترشيح الرسمي لنائبة الرئيس كامالا هاريس لمنصب الرئيس، تم رسمياً من خلال تصويت مبكر بالنداء بالأسماء تم إجراؤه افتراضياً عبر الإنترنت قبل أيام.
ويعد هذا الإجراء حدثاً استثنائياً أو كما يسميه البعض انقلاباً على نسق راسخ للعملية الديمقراطية الشعبية التي أرسيت منذ عام 1968، لأن جميع المندوبين انتخبوا هذا العام في الانتخابات التمهيدية على مدى أكثر من ستة أشهر، من أجل التصويت في المؤتمر الوطني للحزب لصالح جو بايدن، وصوتوا بدلاً من ذلك لصالح هاريس رغم الحقيقة الواضحة للجميع بأنها لم تكن في أي اقتراع أولي، ولم تفز بصوت انتخابي واحد طوال هذه الانتخابات الطويلة والمعقدة والتي لا يختر الناخبون من خلالها المرشح بالتحديد، بل المندوبين الذين يتعهدون التصويت لذلك المرشح في المؤتمر الوطني للحزب، وحتى عندما يحصل المرشح على عدد كاف من هؤلاء المندوبين للفوز، لا يصبح ترشيحه رسمياً إلا عندما يصوت له المندوبون في المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي.

اختيار الغرفة المليئة بالدخان

منذ انسحاب بايدن من السباق الانتخابي، بدأ عدد من الديمقراطيين بالفعل مناقشة كيفية استبداله، إذ كانوا قلقين من أن اختيار المندوبين في المؤتمر الوطني للحزب في شيكاغو لمرشح آخر لم يصوت له الناخبون الديمقراطيون العاديون، بعدما تعهد غالبية المندوبين في البداية التصويت لبايدن، سيبدو غير ديمقراطي وغير شرعي، وهو ما أثاره بالفعل رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون حين صرح بأن استبدال بايدن بمرشح غير منتخب من القاعدة الشعبية سيكون خطأ وغير شرعي.
واستحضر كتاب ومحللون آخرون مصطلحاً سياسياً قديماً يسمى "الغرفة المليئة بالدخان"، الذي صيغ لأول مرة عام 1920 عندما اجتمع زعماء الحزب الجمهوري المدخنون للسيجار سراً في فندق بلاكستون في شيكاغو لاختيار مرشح رئاسي، واتفقوا على ترشيح عضو مجلس شيوخ أميركي غير معروف وغير مميز من أوهايو، وهو "وارن هاردينغ" لمنصب الرئيس، الذي فاز بالانتخابات في ذلك العام، لكنه رغم الشعبية التي نالها خلال رئاسته، لاحقته فضائح بعلاقات نسائية خارج إطار الزواج أدت إلى تآكل شعبيته، وغالباً ما صُنف بين أسوأ الرؤساء.

إضعاف نظام الانتخابات التمهيدية

ووفقاً لبعض التصورات، فإن إضعاف نظام الانتخابات التمهيدية الذي أصبح سمة من سمات سياسة الانتخابات الرئاسية لأكثر من 50 عاماً، يبدو أمراً لا يمكن تصوره للناخبين الذين نشأوا في ظل نظام ديمقراطي يمنح الناخبين العاديين السلطة الأعلى في اختيار مرشح الحزب.
ومع ذلك كانت النخبة السياسية من القادة الحزبيين تتلاعب بقواعد انتخاب مرشح الحزب قبل عام 1968 بحسب ما يشير المتخصص في مجال العلوم السياسية في "كلية الصليب المقدس" دانيال كلينغارد، فعندما رأى قادة الحزب أن من مصلحتهم منح الناخبين العاديين مزيداً من النفوذ في عملية الانتخابات التمهيدية، فعلوا ذلك، وعندما اعتقدوا أن الأساليب الأقل ديمقراطية يمكن أن تؤدي إلى فرصة أفضل للفوز في الانتخابات العامة، فعلوا ذلك أيضاً.

التطور التاريخي لاختيار مرشح الحزب

تبنت الأحزاب لأول مرة فكرة عقد مؤتمر وطني بوصفه وسيلة لاختيار المرشحين الرئاسيين في الثلث الأول من القرن الـ19 إذ عقد المؤتمر الوطني الديمقراطي الأول في عام 1832، بعد اختيار المندوبين إلى المؤتمر الوطني في اجتماعات محلية، ثم اختار هؤلاء المندوبون مرشح الحزب، لكن اختياراتهم لم تكن دائماً على نسق واحد.
في بعض الأحيان، اختار المندوبون في المؤتمر مرشحين يتمتعون بدعم شعبي كبير، كما حدث عندما اختار الجمهوريون بطل الحرب الأهلية، يوليسيس غرانت عام 1868، وفي أحيان أخرى اختاروا شخصاً لم يسمع به معظم الناخبين من قبل، كما حدث عندما رشح الديمقراطيون فرانكلين بيرس عام 1852، لكن في كلتا الحالين سيطر شعور بأن المندوبين استخدموا كأوراق مساومة بين زعماء الحزب المؤثرين.

النظام المختلط

ومن هنا، ظهرت فكرة مفادها أن الناخبين العاديين يجب أن يكون لهم رأي أكبر في اختيار المرشحين عبر عقد انتخابات تمهيدية، وهو ما طُبق لأول مرة في مؤتمرات ترشيح الرئيس في عام 1912 إذ اُختير 42 في المئة من مندوبي المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عبر انتخابات تمهيدية، وكذلك 33 في المئة من المندوبين الديمقراطيين، وارتفعت هذه المشاركة في عام 1916، لتصل إلى 59 في المئة للحزب الجمهوري و54 في المئة للديمقراطيين، مما يشير إلى الشعبية المتزايدة لهذا الإصلاح الديمقراطي.
غير أن هذه اللحظة كانت قصيرة الأجل، إذ شهد عام 1920 بداية انحدار طويل مع انخفاض نسبة المندوبين المنتخبين بصورة مباشرة من قبل الحزب الجمهوري إلى 58 في المئة، وانخفضت هذه النسبة بين الديمقراطيين إلى 45 في المئة، وبحلول عام 1932، انخفضت الأرقام مجدداً إلى 38 في المئة للجمهوريين و40 في المئة للديمقراطيين، وكان السبب وراء ذلك هو تزايد نفوذ النخب الحزبية في كلا الحزبين على مدى السنوات الـ36 التالية.
بعد ذلك، أصبح نظام ترشيح الرئيس في الولايات المتحدة ديمقراطياً إلى حد ما، عندما أدخلت الأحزاب ما يسميه علماء السياسة "النظام المختلط"، الذي استمر من ثلاثينيات القرن الـ20 إلى ستينياته، وفي هذا النظام اُختير بعض مندوبي المؤتمرات في اجتماعات للحزب مثلما كان عليه الوضع في القرن الـ19، كما اُختير قلة منهم عبر الانتخابات التمهيدية.

سبب النظام الحديث

لكن الاحتكاك بين هذين النهجين بلغ ذروته في المؤتمر الوطني الديمقراطي لعام 1968 حين خسر المندوبون المنتخبون في الانتخابات التمهيدية الذين تعهدوا التصويت لصالح روبرت كينيدي ويوجين مكارثي مقابل أصوات المندوبين الذين أيدوا نائب الرئيس هيوبرت همفري، الذي رشحه نخب الحزب بعد قرار الرئيس ليندون جونسون الانسحاب من السباق الانتخابي على اعتبار أنه أكثر قابلية للانتخاب، ومع ذلك خسر همفري الانتخابات أمام ريتشارد نيكسون.
ولتجنب تكرار هذه الكارثة، أنشأ الديمقراطيون لجنة ماكغفرن-فريزر لإعادة صياغة قواعد اختيار المندوبين للمؤتمر التالي في عام 1972، وأوصت اللجنة باختيار عدد أكبر من المندوبين من خلال الانتخابات التمهيدية وليس خلال المؤتمر الحزبي، بما يجعل عملية الترشيح أكثر انفتاحاً على الناخبين، وكان هدفهم هو إنهاء النظام المختلط وضمان اختيار معظم المندوبين عبر الانتخابات التمهيدية.
وسرعان ما حذا الحزب الجمهوري حذو الحزب الديمقراطي، واعتمد الحزبان ترشيح المرشحين الرئاسيين بهذه الطريقة حتى الآن من أجل إعطاء الناخبين حرية اختيار المرشح الرئاسي، مما أعاد صياغة فهم الأميركيين للديمقراطية الحزبية باعتبارها شعبية ومنفتحة ومتنوعة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)


تقويض الديمقراطية

غير أن هذه التوقعات الديمقراطية قُوِّضت ببطء في الأعوام التالية، "ذلك أن زعماء الحزب كثيراً ما كانوا يشككون في قدرة الناخبين العاديين على اختيار المرشحين المرجح فوزهم في الانتخابات العامة"، بحسب المتخصص في مجال السياسة والحكم بجامعة هاملتون فيليب كلينكنر، ولهذا كانت هذه الشكوك، وراء إنشاء الديمقراطيين عام 1984 آلية تمنح عدداً مهماً من الأصوات للمندوبين السوبر أو المندوبين الفائقين الذين يتشكلون من حكام الولايات الديمقراطيين وأعضاء الكونغرس وأعضاء اللجنة الوطنية الديمقراطية وغيرهم من النخب الحزبية المسيطرة، من أجل العمل كضابط على الناخبين الديمقراطيين العاديين.

وعلى رغم أن عدد "المندوبين السوبر" أو الفائقين لا يكفي للتغلب على المندوبين العاديين الذين تعهدوا التصويت لمرشحين محددين، فإن تصميم إقحام "المندوبين السوبر" كان يتوقع بأنهم سيكونون قادرين على توفير ما يكفي من الأصوات لانتخاب مرشح مفضل من قبل النخب السياسية على مرشح شعبي اختاره الناخبون العاديون، ولكنه من المرجح أن يخسر الانتخابات العامة.

تحايل على الديمقراطية

وبمرور الوقت، توصلت النخب الحزبية من أصحاب المناصب السياسية والناشطين والمانحين ومحترفي الحملات الانتخابية، إلى إيجاد سبل لتأكيد سلطتهم ونفوذهم في عملية الترشيح، فكانت هذه النخب المؤثرة تلقي بثقل تأييدها على قلة مختارة وتمولها وتهتم بها، ومن ثم يشكلون مسار الانتخابات التمهيدية قبل وقت طويل من انضمام الناخبين العاديين الأوائل والإدلاء بأصواتهم، بهدف دعم المرشحين الأكثر احتمالاً للنجاح.
ويكفي النظر إلى الدور الذي لعبته نخبة الحزب الديمقراطي في إبعاد من حاول تحدي الرئيس جو بايدن قبل انتخابات عام 2024، والدور الذي لعبه المانحون الكبار لاحقاً في إقناع بايدن بالانسحاب من السباق من خلال التهديد بسحب مساهمات الحملة.
ويشعر بعض الديمقراطيين بالقلق من أن هاريس ستفتقر، مثل همفري، إلى الشرعية لأنها حصلت على الترشيح من دون مساهمة مباشرة من الناخبين الديمقراطيين في مختلف أنحاء البلاد.

النظام الأفضل

ومع ذلك، يثير البعض أسئلة حول ما إذا كان النظام الحالي نجح في إنتاج مرشحين يمكن انتخابهم، فإذا أفرز هذا النظام أشخاصاً يتمتعون بشعبية مثل رونالد ريغان وباراك أوباما، فإن هناك أيضاً مرشحين أقل نجاحاً مثل جورج ماكغفرن، ورؤساء أضعف مثل جيمي كارتر وجورج دبليو بوش. كما يرى آخرون أنه لو كان النظام القديم قائماً هذا العام، كان من الممكن أن يتجنب الديمقراطيون المأزق الحالي، على اعتبار أن زعماء الحزب كانوا في العقود السابقة يعرفون غالباً عن المرشحين أكثر مما يعرفه عامة الناس، وكان بإمكانهم ممارسة حق النقض على أي شخص يعتقدون أنه يعاني نقاط ضعف خطرة.

وعلى سبيل المثال في عام 1952، دخل السيناتور الأميركي إستيس كوفوفر من تينيسي إلى المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي كمرشح مفضل في استطلاعات الرأي بين أعضاء الحزب، كما فاز بأكبر عدد من الانتخابات التمهيدية وكان لديه أكبر عدد من المندوبين، ومع ذلك كان لدى زعماء الحزب تحفظات جدية في شأن كوفوفر لأنهم عدوه متمرداً للغاية، وقد ينفر الدوائر الانتخابية الديمقراطية، كما كان زعماء الحزب يعرفون أن كوفوفر يعاني مشكلات مع الكحول والعلاقات خارج نطاق الزواج.
ونتيجة لذلك، اجتمع زعماء الحزب لتأييد حاكم إلينوي، أدلاي ستيفنسون الذي لم يكن حتى مرشحاً قبل بدء المؤتمر، وعلى رغم أن ستيفنسون خاض سباقاً خاسراً ضد دوايت أيزنهاور الذي تمتع بشعبية هائلة، فإنه كان سباقاً محترماً ألهمت فيه بلاغة ستيفنسون وذكاءه جيلاً من نشطاء الحزب الديمقراطي.

حزب أقل ديمقراطية

وبينما لا يضيف ترشيح هاريس إلى المخاوف السائدة في شأن تراجع الديمقراطية، إلا أن هذا يعني في الحد الأدنى أن عملية ترشيح الحزب الديمقراطي هذا العام أقل ديمقراطية مما كانت عليه في عام 2020 عندما عقد الديمقراطيون منافسات قوية بين المرشحين، وإذا كان الديمقراطيون ملتزمين بعملية ترشيح ديمقراطية، فيمكنهم التعلم من تجربة لجنة ماكغفرن-فريزر والاعتراف بالعجز الديمقراطي في عملية عام 2024 وإعادة النظر في القواعد التي تحكم الانتخابات التمهيدية، وإلا فإن أحد الدروس المستفادة من عام 2024 قد يكون أن النظام الديمقراطي في الانتخابات التمهيدية ليس ضرورياً للمرشحين الرئاسيين الناجحين.

هل تتأثر هاريس؟

ربما يحذر بعض الساسة من أن المنافسين في الانتخابات التمهيدية يضعفون المرشحين الحاليين وقد يكلفون الحزب طموحاته في الانتخابات العامة، وسيخشون أن يؤدي الاعتراف بالطبيعة غير الديمقراطية الصارخة لعملية عام 2024 إلى إضعاف هاريس في مواجهة ترمب، لكن لا يوجد سبب للاعتقاد أن المسار غير المعتاد هذا العام للترشيح سيكون له أي تأثير في نتائج انتخابات نوفمبر المقبل. ولكن إذا كان الديمقراطيون يريدون جعل هذه الانتخابات تدور حول الديمقراطية، فقد يبدأون بالنظر إلى الاتجاهات الأخيرة داخل حزبهم.

اقرأ المزيد

المزيد من متابعات