Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تتسبب روسيا في خروج المجر من منطقة الـ"شنغن"؟

التقارب مع موسكو يثير حفيظة الاتحاد الأوروبي وأوربان يصف سياسات بروكسل بـ"غير عقلانية"

رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان خلال لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في الكرملين، 5 يوليو 2024 (أ ف ب)

ملخص

ثمة ما يشير إلى أن أوربان لا يأبه في تحركاته التي يقوم بها شرقاً وغرباً بمختلف التهديدات التي يلوح بها عدد من زعماء البلدان الأوروبية، فضلاً عما يؤكد إصراره على المضي قدماً في محاولاته لوقف الحرب الدائرة في أوكرانيا والتوصل إلى تسوية سلمية للموقف هناك.

ما إن أعلنت المجر عن تطبيق التأشيرة المفتوحة لمواطني روسيا وبيلاروس أسوة بمواطني صربيا وأوكرانيا فضلاً عن حق العمل بما يمكن معه منحهم حق الإقامة الدائمة في وقت لاحق، حتى سارعت المفوضية الأوروبية بمطالبتها بتقديم تفسيرات لذلك إلى جانب تهديدها باستبعادها من منطقة الـ"شنغن"، في محاولة للحيلولة دون السماح لمواطني هاتين الدولتين بالتمتع بحق وحرية الحركة والوصول من دون تأشيرات مسبقة إلى بلدان الاتحاد الأوروبي.

وكان فيكتور أوربان رئيس الحكومة المجرية الذي تشغل بلاده الآن رئاسة الدورة الحالية لمجلس الاتحاد الأوروبي حتى نهاية العام الحالي استهل فترة رئاسته باتخاذ هذا القرار، في توقيت مواكب لما أثارته زيارته لكل من موسكو والصين إلى جانب لقائه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب في إطار مهمة سلام من دون تفويض من الاتحاد الأوروبي، من توتر يخيم اليوم على علاقات بلاده مع الاتحاد الأوروبي.

البطاقة الوطنية المجرية

وها هي قيادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل تطالب أوربان باستيضاح جوانب منح مواطني روسيا وبيلاروس "البطاقة الوطنية" التي تكفل لحاملها حق الإقامة في المجر من دون قيود خاصة لمدة عامين، مع إمكانية التمديد لعام آخر يكفل له الحصول على الحق في الإقامة الدائمة. وبما أن المجر عضو في اتفاق "شنغن" فهذا يعني أن مواطني روسيا وبيلاروس سيكونون قادرين على الدخول بحرية إلى دول الاتحاد الأوروبي الأخرى، مما أثار حفيظة كثيرين من زعماء بلدان الاتحاد الأوروبي.

 وبينما اكتفي دونالد توسك رئيس الوزراء البولندي بتوصيته حول التعامل مع هذه المسألة بكثير من الحرص وتوخي الحذر في التعامل مع مسألة استبعاد المجر من اتفاق إلغاء الضوابط على الحدود الداخلية للاتحاد الأوروبي، خشية أن يؤدي ذلك إلى ما قد يسفر عن استبعاد هذا البلد من منظومة الاتحاد الأوروبي. كما لفت الانتباه في رسالته إلى رئيس الاتحاد الأوروبي شارل ميشيل المنتهية ولايته إلى الأخطار التي يمكن أن تنجم عن تطبيق منح "البطاقة الوطنية" لمواطني روسيا وبيلاروس اللتين فرض الاتحاد الأوروبي عليهما كثيراً من عقوباته.

 

 

من جانبه، طالب وزير خارجية ليتوانيا غابريليوس لاندسبيرجيس بروكسل بإعداد تقرير حول العواقب التي قد تنجم عن ذلك. وبعث 67 من نواب البرلمان الأوروبي برسالة إلى رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين يطالبون فيها بفرض قيود صارمة على المجر إذا لم تقم بإلغاء ما اتخذته من قوانين في هذا الشأن. وكانت منظمة الشفافية الدولية ومحكمة العدل طالبتا بدورهما بفرض عقوبات موقتة على السلطات المجرية احتجاجاً على إنشائها مكتب "حماية السيادة" خلال فبراير (شباط) الماضي، وبما قد يمثل ذلك من أخطار على استقلالية وسائل الإعلام والمنظمات غير الحكومية. ومن المقرر طرح هذه القضية على الاجتماع المرتقب لوزراء داخلية بلدان الاتحاد الأوروبي خلال الـ19 من أغسطس (آب) الجاري لاتخاذ القرار اللازم في شأن الخطوة التالية ببودابست.

الاتحاد واتهاماته الطفولية

ثمة من يقول إن الحكومة المجرية ليست على استعداد لمناقشة ما يجري طرحه من اتهامات أو ما يتم تقديمه من احتجاجات. وفي وقت وصف فيكتور أوربان في أكثر من مناسبة مواقف الغرب بأنها "غير عقلانية" عاد وزير الخارجية المجري بيتر سيارتو ليصف اتهامات الاتحاد الأوروبي بأنها "طفولية"، وقال إن المجر تطبق قوانين الهجرة الأكثر صرامة بين جميع دول الاتحاد البالغ عددها 27 دولة. وذلك في وقت نجحت المجر من موقعها كرئيسة للدورة الحالية للاتحاد الأوروبي في الحيلولة دون إصدار الاتحاد بيانه الذي كان من المفترض أن يدين ما يصفونه بـ"مزاعم تزوير" نيكولاس مادورو للانتخابات في فنزويلا.

ويذكر مراقبون كثر في هذا الصدد ما نجحت المجر فيه بمنع الاتحاد الأوروبي من فرض عقوبات على بولندا إبان فترة حكم حزب "القانون والعدالة"، مما قد يسمح لبودابست بالاعتماد على صوت رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو الذي طالما وقف إلى جانبها في كثير من المواقف، ومنها ما اتخذه فيكتور أوربان من قرارات تجاه الأزمة الأوكرانية وما أطلقه من مبادرات سلمية وسياسات تقارب مع روسيا.  

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وثمة ما يشير إلى أن أوربان لا يأبه في تحركاته التي يقوم بها شرقاً وغرباً بمختلف التهديدات التي يلوح بها عدد من زعماء البلدان الأوروبية، فضلاً عما يؤكد إصراره على المضي قدماً في محاولاته لوقف الحرب الدائرة في أوكرانيا والتوصل إلى تسوية سلمية للموقف هناك. وقد ناقش الممثلون الدائمون لدول الاتحاد الأوروبي داخل بروكسل هذه القضايا في إطار محاولاتهم لوضع استراتيجية موحدة في ما يتعلق بالنشاط الدولي لفيكتور أوربان، الذي يحاول بالحماسة نفسها تعزيز مبادراته للسلام في أوكرانيا. ويقول هؤلاء إن أوربان "لا يتجاوز سلطته فقط عندما يدعي أنه يمثل الاتحاد الأوروبي ككل، ولكنه أيضاً يتبع بنشاط أجندة سياسية تتعارض مع المواقف العامة للاتحاد الأوروبي سعياً إلى تقويض قرارات الاتحاد القائمة، وهو ما لا يمكن السماح به".

رسالة إلى المجلس الأوروبي

وكان أوربان بعث برسالة إلى رئيس المجلس الأوروبي شارل ميشيل يقول فيها إن أوروبا في حاجة إلى استئناف الاتصالات الدبلوماسية المباشرة مع روسيا. مشيراً إلى ما سبق وقاله الرئيس الأميركي السابق والمرشح للانتخابات الرئاسية دونالد ترمب حول قدرته على إقرار السلام، فيما حذر من احتمالات تزايد حدة الصراع الذي قال إنها "ستزداد بصورة جذرية في المستقبل القريب". وكشف عن أنه خلال لقائه مع ترمب توصل إلى استنتاج مفاده أن السياسة الخارجية لن تلعب سوى دور ثانوي في حملته الانتخابية، وهو ما يمكن أن يكون سبباً في عدم توقع أية مبادرات سلمية من جانبه قبل الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. ومع ذلك أعرب عن يقينه من أنه بعد فترة وجيزة من فوزه في هذه الانتخابات لن ينتظر حتى مراسم تنصيبه وسيكون مستعداً للعمل على الفور كوسيط في إحلال السلام. وأشار أوربان إلى أن لدي ترمب خططاً مفصلة ومعقولة في هذا الصدد، مشيراً إلى "أن تركيا لاعب إقليمي مهم، وإلى إمكانية تأثير الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة والصين على الأحداث في أوكرانيا" بما يعني ضرورة اتصال الاتحاد الأوروبي مع الصين لبحث ما يتعلق ببدء مؤتمر السلام في شأن أوكرانيا.

 

 

أما عن علاقات بلاده مع الجوار القريب في شرق أوروبا فقد عاد الزعيم المجري إلى تناول التغييرات الجيوسياسية التي تحدث في العالم، والتي قال إن عالمنا لم يشهد مثيلاً لها منذ 500 عام. ويذكر المراقبون ما قاله في خطابه الذي ألقاه خلال زيارته لمواطنيه المقيمين في ترانسلفانيا التي جرى ضمها إلى رومانيا بموجب نتائج الحرب العالمية الثانية، حول أن الإنسانية تشهد حقبة من الهيمنة الآسيوية في إشارة إلى الدور المتزايد للصين في الساحتين الإقليمية والعالمية، ولا تقبل كيف تتفاعل أوروبا مع هذه التغييرات، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى الأزمة الأوكرانية. وقال إن "روسيا من وجهة نظر تقنية واقتصادية واجتماعية ليست استبدادية، وبدلاً من الركوع أمام الضغوط الخارجية تكيفت مع الوضع الجديد". وأضاف أن أوروبا تحاول أن تكون معياراً لفرض القيم والديمقراطية الليبرالية في وقت تدعم معظم دول العالم روسيا، مشيراً إلى دعم الصين وكوريا الشمالية الذي قال إنه لم يكن مفاجأة لأحد.

وأشار الزعيم المجري إلى ما وصفه بـ"مزاعم" الصحافة الغربية حول ما تقوله في شأن ما تشكله روسيا من تهديدات لجيرانها والعالم. وأفاد بأهمية تطبيع العلاقات مع موسكو التي تتصرف بدورها "بصورة نشيطة ومفهومة ويمكن التنبؤ بها". ولم يكن مثل هذا الموقف من السياسات الروسية فريداً أو متفرداً فطالما شاركه رئيس وزراء سلوفاكيا روبرت فيتسو كثيراً من جوانبه، وبخاصة في ما يتعلق بالأزمة الأوكرانية والموقف من عقوبات الغرب التي فرضها ضد الرئيس بوتين وسياساته.

أوربان والقضايا الثلاث

على أن فيكتور أوربان لم يقتصر في هجومه ضد سياسات الغرب تجاه كثير من قضايا المنطقة وعلى وصفه لسلوك كثير من الدوائر الغربية بأنه "غير عقلاني"، إذ تحول ليشن هجوماً ضارياً على القيم الغربية التي قال إنها تتلخص اليوم في ثلاثة موضوعات، هي "الهجرة" و"قضايا المثليين ومزدوجي الميول الجنسية ومغايري الهوية الجنسانية"، فضلاً عن "المواجهات العسكرية" التي تدور رحاها في عدد من مناطق شرق أوروبا. وتحول الزعيم المجرى إلى تناول سياسة بولندا التي ذكر أنها من بين الدول الرائدة التي تروج لاستراتيجية غير واعدة لمواصلة التصعيد، واصفاً سياستها بأنها نفاق غير مسبوق. وقال إن "البولنديين ينتقدوننا بسبب الحوار المجري - الروسي في وقت يتعاملون هم أنفسهم مع روسيا من خلال وسطاء". وأضاف أن الأهم من ذلك يتلخص في أن وارسو - وحسب اعتقاده - تمنع نمو نفوذ أوروبا الوسطى في الهيكل السياسي للقارة.

وتطرق فيكتور أوربان في خطابه المشار إليه عاليه إلى "مجموعة فيشيغراد" التي تضم كلاً من المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك، وقال إنها بدلاً من تعزيز ما تتخذه من قرارات ودعم مواقفها تجاه كثير من قضايا المنطقة فإنها تشهد تراجعاً في هذه السياسات بما تبدو معه من دون سياسة إقليمية موحدة، وبما يصبح معه مشروع الحكم الذاتي الاستراتيجي الأوروبي الذي بدأته فرنسا قبل بضعة أعوام مستحيلاً.

وكان أوربان سبق وأطلق شعاره "المجر للمجريين" رداً على ما وصفه الاتحاد الأوروبي بـ"المبادئ الأساس تجاه عملية الهجرة"، وهو الذي واجهت بلاده عام 2015 كثيراً من التهديدات بسبب ما اتخذته من مواقف معارضة لتدفق المهاجرين مما دفعها إلى اتخاذ قرار إقامة أسوار عازلة مع عدد من البلدان المجاورة لها.

وتناول أوربان ما وصفه بالتقارب الواضح الذي تتبدى اليوم ملامحه بين حكومة دونالد توسك في بولندا ولندن، إلى جانب تشكيل ما وصفه بالمحور بمشاركة الدول الاسكندنافية. فضلاً عما تقدمه الحكومة البريطانية من إمدادات عسكرية ليس إلى بولندا وحسب بل وإلى أوكرانيا في إطار محاولاتها للتأثير في تطور الأوضاع هناك.

كما أن بولندا التي طالما شاركتها بلاده وحدة الأقدار والمصير في مواجهة الاتحاد الأوروبي عادت وانقلبت عليها لتتجاهل دعوته إلى التعاون في تنمية وسط أوروبا، ولتختار الجنوح نحو السياسات الأنغلوسكسونية ولتقف منها على طرفي نقيض من المتاريس الجيوسياسية والحضارية، ومن الموقف تجاه احتمالات التكامل لبلدان وسط أوروبا بعيداً من "مجموعة فيشيغراد" التي كانت المجر أول من بادر بالدعوة إلى إنشائها مطلع عام 1991. 

المزيد من تحلیل